آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من صفات المجتمع المنشود: التطور والتقدم والسبق

من صفات المجتمع المنشود: التطور والتقدم والسبق

تاريخ الإضافة: 2007/09/14 | عدد المشاهدات: 2728

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

بدايةً، اسمحوا لي أن أبارك لكم صيامكم وقيامكم، وأن أسأل ربنا عز وجل أن يعيد هذا الشهر الكريم الفضيل على أمتنا وعلى المسلمين جميعاً وقد اقتربنا من ديننا وإسلامنا وقرآننا أكثر، وقد تعاونَّا وتضامنّا وتناصحنا أكثر وأكثر، فاللهم تقبل منا صيامنا، واجعلنا من عتقائك من النار، واجعلنا من عتقاء شهر رمضان، وأدخلنا الجنة برحمتك من باب الريان بسلام.

سأكمل في هذه الخطبة ما كنت بدأته عن سمات المجتمع الإسلامي المنشود، ولعلنا في هذه الخطبة نتحدث عن آخر سمة لهذا المجتمع الإسلامي المنشود، فقد تحدثنا سابقاً وسالفاً عن مجتمع العبودية، وعن مجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجتمع الحرية، ومجتمع الشورى، ومجتمع التكافل والإخاء والرخاء، ومجتمع التسامح، ومجتمع الاقتصاد المتوازن، ومجتمع العلم والمعرفة، ومجتمع الأخلاق والقيم، ومجتمع القوة والجهاد، وها نحن أولاء في النهاية نتحدث عن مجتمع التطور والتقدم والسبق. فما ملامح التقدم والسبق لمجتمع ما ؟ بعبارة أخرى: ما الشروط والسمات والصفات التي إن اتصف بها مجتمع ما كان هذا المجتمع مجتمع سبق لسائر المجتمعات ومجتمع تطور ومجتمع تقدم، أي إن هذا المجتمع إذ يتصف بما سنتكلم عنه سيعدُّ مجتمعاً سابقاً ومتطوراً ومتقدماً، ويحق له أن يطلق عليه بأنه مجتمع متقدم متطور.

بكل بساطة، السمة الأولى لمجتمع التقدم والتطور والسبق أن يتصف بحرية الأديان والاعتقاد: إن لم يتصف أي مجتمع بهذه السمة فكل الصفات التي تحدثنا عنها آنفاً لن تكون مُتوَّجة بصفة التقدم والتطور، وقد عمق القرآن الكريم هذه السمة لمجتمع إنساني قرآني، أو ما قرأتم قول الله عز وجل: ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾ أو لم تقرؤوا قول الله عز وجل في القرآن الكريم: ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ القضية محسومة في المجتمع الإسلامي لصالح حرية التدين والاعتقاد، وبناء على ذلك فإن هذه السمة تنتج تسامحاً تحدثنا عنه بتفصيل في خطبة سابقة، وتنتج حماية لمعتقدات وشعائر أولئك الذين يدينون ويتبعون غير دين الإسلام، كما أن هذه السمة تنتج حواراً متكافئاً بين المسلمين وبين غيرهم.

إذا أردت أن يكون مجتمعك مجتمعاً متقدماً متطوراً فانظر حرية الاعتقاد والتدين فيه، فإن كانت قائمة وكانت حاكمة وناظمة لهذا المجتمع فاعلم بأن مجتمعك قد امتلك بعضاً من مقومات التقدم وإلا فلا.

ثانياً: من أجل أن يكون مجتمعك مجتمعاً متقدماً متطوراً فلا بد من أن يسوّي في الحقوق والواجبات بين الأعراق والأجناس والألوان: ﴿إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ وقد قلنا في أكثر من مناسبة لإخوتنا هنا ولإخوتنا العرب ولإخوتنا الأكراد ولسائر الأعراق بأن المجتمع المتقدم والمتطور هو الذي يسوّي بين الأعراق والأجناس والألوان في الحقوق والواجبات، يقول عليه الصلاة والسلام كما جاء في مسند الإمام أحمد والحديث حسن: (لا فضل لعربيٍ على أن أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى) مجتمعٌ لا يعطي الحقوق لأبيض تزيد عن حقوق يجب أن يعطيها للأسود ولا لحقوق يعطيها للعربي تزيد على حقوق يعطيها لجنس آخر أو عرق آخر أو قومية أخرى.

 ولقد خطبت خطبة خاصة في هذا المسجد المبارك فتحدثت فيها أن لا مشكلة في الإسلام فيما يخص إخواننا الأكراد وسائر الأعراق، وفيما يخص كل المذاهب الإسلامية وفيما يخص الأديان الأخرى من حيث التساوي في حقوق المواطنة وواجباتها.

فيا إخوتي، يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما يذكر ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب أنه كان يقول وهو يريد أن يسمي خليفة بعده: "لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته" إذاً القضية لا علاقة لها من حيث الحقوق ومن حيث الواجبات باللون والجنس والعرق.

 واقرؤوا في البخاري كيف أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال مرة: "أبو بكر سيدنا، وأعتق بلالاً سيدنا" المجتمع المتطور يتسم بأن لا فرق في الحقوق والواجبات بين الأعراق والأجناس والألوان.

الأمر الأخير والثالث: إذا أردت أن تكون في مجتمع متطور فانظر العلاقة والحقوق والواجبات المتعلقة بالرجل والمرأة، هل يسوي هذا المجتمع بين المرأة والرجل إذاً هذا المجتمع متقدم متطور، واقرؤوا القرآن يا إخوتي لترَوا فيه أن الله عز وجل قال: ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض﴾ واقرؤوا أمثالها فستجدون أن القرآن الكريم يُسوِّي في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، أوليس النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في سنن أبي داوود: (إنما النساء شقائق الرجال).

أيها الأحبّة: إذا كانت حرية التدين والاعتقاد، وإذا كانت المساواة بين الأجناس والأعراق والألوان، وإذا كانت المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات معايير لمعرفة المجتمع المتقدم والمتطور فإن هذه المعايير قائمة في كتاب ربنا، وأنا لم أقل بأنها قائمة في مجتمعاتنا اليوم لأن مجتمعاتنا اليوم مجتمعات بعيدة عن القرآن الكريم لحدٍ ما، ولذا نحن تحدثنا ونتحدث عن سمات مجتمع إسلامي منشود هذه صفاته وسماته، فإذا كان المجتمع حراً أو يعطي الحرية للمعتقدات والأديان والتدين ويسوي بين الأجناس والأعراق والألوان في الحقوق والواجبات، ويسوّي بين الرجل والمرأة في الحقوق الواجبات فهذا المجتمع يستحق بجدارة أن يُسمّى المجتمع العادل والذي يتصف بالعدل المطلق، لأن الله عز وجل قال: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ ولعل القصة الأبرز التي نحكيها دائما ً والتي نذكرها باستمرار ونحن ننظر إلى هذا الدين على أنه الحل لأمةٍ تتيه وتضيع وعلى أنه الملاذ لكل إنسانية تبغي أن تكون متطورة متقدمة، هذه القصة التي ذكرها البخاري ومسلم وهي المعروفة المشهورة يوم أن سرقت امرأة من مخزوم وجاء أسامة حِبُّ رسول الله، وابن حِبه حتى يشفع لهذه المرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ألا يقطع لها يدها، فالتفتَ إليه وإلى من معه هذا الرجل العظيم الحرّ العادل الذي عبد الله حق العبادة وحمل الأمانة، والذي رعى في الإنسان إنسانيته، وبالإنسان عقله وقلبه وفكره، وقال: (يا أسامة، أتشفع في حدٍ من حدود الله) لأنها امرأة ذات مكانة عالية (وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رضي الله عن السيدة فاطمة، وصلى الله على أبيها، رضي الله عنها مثالاً يُحتَذى، رضي الله عنها وهي المحبوبة العظيمة، بل المحبوبة الأعظم لسيد الكائنات، يذكرها النبي مثلاً، هل هنالك من شخص يمكن أن يكون أحب إلى رسول الله من فاطمة ؟ لا، هذه المحبوبة الأحب وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها فيا هؤلاء، يا أيها المسؤولون عن أمتي، يا أيها المسؤولون في ميدان الدين وفي ميدان السياسة وفي ميدان الاقتصاد، هيا لنعمل معاً من أجل مجتمع منشود يتسم بالصفات التي ذكرناها، ويتوِّج صفاته وسماته بصفة التقدم والتطور من خلال حرية الأديان والاعتقاد، ومن خلال المساواة بين الأجناس والأعراق والألوان، ومن خلال المساواة بين المرأة والرجل، وبذلك سيكون المجتمع مجتمع عدل، نحن توَّاقون لعدلٍ وإن كنا نرفضه من خلال سلوكنا، لكننا توّاقون إلى اعتبار الكفاءة في الوظيفة من غير محسوبيات لا تمتُّ إلى الكفاءة بصلة، نحن توَّاقون أن يكون الوالد عادلاً بين أولاده وإن كان يحب بعضهم أكثر من بعض، غير أن هذا الحب ينبغي أن يكون حبيس صدر لا أن يتجلى في سلوكات عطائية فيميز هذا الأب بين ولد وولد، وقد أُمر بالعدل بينهم، نحن تواقون لعدل يتجلى عند المسؤولين وعند الشعب، لعدل يتجلى عند التجار فلا يستغلون، ولا سيما في مثل هذا الشهر الفضيل من أجل أن يرفعوا الأسعار إلى حدٍ لا يُطاق بين فئة كبيرة من فئات مجتمعنا، نحن توّاقون لعدل، والعدل في النهاية هو أساس الملك، فاللهم اجعلنا من الذين يعدلون في أحكامهم وما ولوا، يا رب العالمين، اللهم سلّمنا لرمضان وسلِّم رمضان لنا، وتسلمه منا مقبولاً، واجعلنا من عتقائك من النار، نعم من يسأل ربنا، ونعم النصير إلهنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 14/9/2007

 

التعليقات

محمد

تاريخ :2007/09/21

سيدي فضيلة الدكتور عكام ...بارك الله صيامكم وقيامكم، ووفكم الله لما فيه خير العباد والبلاد.كل لحظة وأنتم بألف خير

شاركنا بتعليق