آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من آداب الصيام

من آداب الصيام

تاريخ الإضافة: 2007/09/21 | عدد المشاهدات: 3196

أما بعد، فيا أيها الإخوة الصائمون:

ها أنتم صمتم أياماً من رمضان، فَسَلُوا الله عز وجل القبول، وسلوا ربكم أن يجعلكم من المتقين، لأن الصيام فريضة فرضها الله عز وجل علينا حتى تنتج تقوى فينا. أو ليس الله جل شأنه قد قال: ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ الصيام من أجل أن تتحلى بعده ومعه بالتقوى، والتقوى بكل بساطة: إخلاص في النية، وصلاحٌ في العمل، وسَدادٌ في القول. فإن كنت في نيتك مخلصاً لربك، وإن كان عملك صالحاً يرضي ربك وإن كان قولك سديداً يرضي ربك فأنت متَّقٍ.

لعل سائلاً يقول كيف يمكنني أن أعرف بأن صومي هذا الذي أنا عليه يؤدي إلى التقوى ؟ أيها السائل الكريم إن لهذه الفريضة آداباً وسنناً، انظر صيامك فإن رأيتَ نفسك متبعاً لآداب هذه الفريضة، فاعلم بأن صيامك سيؤدي بك إلى التقوى وثمرته التقوى، إن رأيت صيامك مُؤطَّراً بإطار من سنن ذكرها سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصيامك إن شاء الله في حرز القبول، أما إن كان صيامك مُعرَّىً عن هذه الآداب فما أظن بأنه سينتج تقوى. انظر صيامك فيما مضى وانظر صيامك فيما بقي، هل صيامك الذي تقوم به مغلف بآدابي هذه الفريضة ؟ تسألني وما آداب هذه الفريضة ؟

ها أنا أعرض عليك هذه الآداب من أجل أن تنظر نفسك حيالها فإن كنت تطبقها فإني أبشرك بأن صيامك سيؤدي إلى التقوى وسيكون في حرز القبول إن شاء الله، وإن كنت مقصراً فيها فأملي من نفسي ومنك أن تتلافى وأن تعيد النظر في صيامك من أجل أن تطبق هذه الآداب.

الأدب الأول من آداب الصيام السحور: يقول عليه الصلاة والسلام كما يروي البخاري في صحيحه: (تسحروا فإن في السحور بركة) ولعلي قلت قبل الآن ومنذ سنوات: لقد أتى علينا حينٌ من الدهر صار السحور موصولاً من خلال السَّهر مع العشاء أو مع الإفطار وهذا ليس سحوراً، السحور هو أن تفطر وأن تنام وأن تستيقظ، لأن في استيقاظك نوعاً من الامتثال لأمر الله عز وجل، أما وأنك تكابد وتعاني أثناء الاستيقاظ من أجل السحور، ومن أجل القيام لهذا الأدب فهذا يعني بأنك تجاهد، وبالتالي نحن نطالب اليوم من خلال علم الاجتماع، ومن خلال علم ديننا، ومن خلال تطبيق آداب هذه الفريضة أن يكون السحور سحوراً، أن يكون السحور على الوجه الذي جاءت به شريعتنا الإسلامية، فهو الوجه الصحيح صحة وشرعاً واجتماعاً وديناً (تسحروا فإن في السحور بركة) ويقول عليه الصلاة والسلام: (السحور أكلة بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) كما جاء في مسند الإمام أحمد. إن كنت تطبق السحور على الوجه الشرعي فاعلم أنك حزت أدباً من آداب الصيام وبالتالي هذه نقطة لك.

الأدب الثاني تعجيل الإفطار: وهذا يعني أنك تصوم ممتثلاً لا أنك تصوم على سبيل العادة، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في البخاري: (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر) فلا تقولن إذ تتحقق من الغروب نفسي غير مشتهيه وأنا لا أشتهي الآن طعاماً أو شراباً، إن تحققت من الغروب وأُذِّن للمغرب فتناول التمر أو الماء مباشرة وفوراً، وهذا يعبر عن امتثالك وأنك تصوم على سبيل العبادة ولا تصوم على سبيل العادة، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهور) روى ذلك أبو داود وحسنه.

الأدب الثالث الدعاء عقيب الإفطار: كثيرون أولئك الذين يأكلون ولا يدعون وبالتالي سيكون صيامهم عادة أو هواية. أخي الصائم: أريدك بعد أن تتناول تمراً أو ماءً أن ترفع يديك لتقول كما علمنا سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكما روى أبو داود وحسنه: كان النبي إذا أفطر على تمر أو ماء أو أفطر كان يقول: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله) وفي رواية أخرى عن ابن ماجه: (الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت، يا واسع المغفرة اغفر لي).

أخي الصائم: هل تدعو بعد الإفطار أم تشتغل بالكلام مع من يفطر معك لتشتغل معه بكلام ما أظن أن طائلاً وراء هذا الكلام، لذلك أنصحك وأنت تفطر بعد الصيام أن تتحلى بأدب الدعاء عقيبه وبعيده: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)، (الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت، يا واسع المغفرة اغفر لي) يا طلابنا يا شبابنا يا نساءنا أريدكم داعين ربكم لا سيما في مثل هذه الساعة، فقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم).

الأدب الرابع تفطير الصائم: أيها الأغنياء بل أيها الفقراء أيضاً أريدكم أن تسعوا من أجل أن تُفطّروا صائماً فقيراً، أو تفطروا صائماً صديقاً، فإن تفطير الصائمين من آداب الصيام، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسند الإمام أحمد: (إن الصائم إذا أُكل عنده صلّت عليه الملائكة حتى يفرغوا) حاول أن تفطر صائماً، ويمكن أن تُعين أسرة فتقدم لهم مالاً حتى يشتروا به طعاماً، وبالتالي ستنال أجر تفطير الصائمين، أريدك أن تبحث عن فقير وأنت أيها الغني وأنت أيها المكتفي فكر بهذا، وهذا يجعلنا أمة متضامنة متكافلة متعاونة نرضي رسول الله بعد الله، لأن نبينا قال كما في الصحيحين: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فكر في هذا حتى أنت أيها الفقير فكر في إطعام وتفطير الصائمين فالأجر في ذلك كبير.

الأدب الخامس الإكثار من تلاوة القرآن الكريم في رمضان: فقد كان سيدي رسول الله، كما يروي البخاري، كان يذاكر القرآن مع جبريل كل ليلة في رمضان. والمطلوب منا أن نقرأ القرآن الكريم أكثر في رمضان وذلك لأننا في حالة شفافة، هكذا هو المفروض، لأننا في حالة صافية، لأننا في حالة الصفاء، كما نترك الطعام والشراب فإن العقل سيتفرغ للتفكير والتدبر، وإن النفس عندها ستتفرغ أيضاً من أجل أن تفكر مع العقل في الخير وفي الصلاح وفي السداد، فها أنت تقرأ كتاب ربك حتى تستلهم منه السلوك والمنهج، حتى تستلهم منه الدرس والعبرة، حتى تستلهم منه المسار والخطوات التي تجعل منك عبداً خليفة صالحاً. أريدك أن تكثر من تلاوة القرآن الكريم، وأذكرك بأن القرآن يُتلى ويُقرأ ويُتدبر، أما التلاوة فتحسين النطق، التجويد، وأما القراءة فإحسان الفهم، وأما التدبر فإحسان التطبيق، وأريدك أن تكثر من الصدقات فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان) أريدك منفقاً ومزكياً ومتبرعاً ومتصدقاً، وأريدك تقدم هدية لأخيك وصديقك وجارك، أريدك بشكل عام أن تنفق الإنفاق الخيري، فالإنفاق إنفاقان: إنفاق خيري وإنفاق استهلاكي، أريدك أن تنفق الإنفاق الخيري ولكننا للأسف نحن في رمضان ننفق إنفاقاً استهلاكياً فانظروا الطعام والشراب الذي نتناوله وننفق عليه. إنه كثير وكثير جداً.

الأدب السادس كف اللسان عن الآثام: يروي ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك سكينة ووقار) ويقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح ابن حبان: (ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث) انظروا أوضاعنا هل نحن صائمون ؟ كم نلغو وكم نتكلم كلاماً فيه رفث بل كله رفث، ليس هذا الحال حال صائم، ويقول عليه الصلاة والسلام كما في البخاري: (الصيام جُنة فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم) لكننا بحالنا لا نعبر عن حال صائم متأدب بآداب الصيام.

الأدب السابع الإكثار والمبالغة في العبادة في العشر الأواخر من رمضان: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما روى البخاري عن السيدة عائشة كانت تقول: (كان النبي عليه الصلاة والسلام يجتهد في العبادة في العشر الأواخر ما لا يجتهد في سواها، وكان إذا دخل العشر الأخير من رمضان أيقظ أهله وأحيا ليله وجدَّ وشدَّ المئزر) ونريد من شبابنا أن يكونوا على درجة من العبادة والقيام ولا سيما في العشر الأواخر لأن ذلك يجعل منهم أشخاصاً أقوياء معتمدين على الله لا يخافون إلا الله، فإن كانوا سياسيين كانوا مُوفقين، وإن كانوا اقتصاديين كانوا موفقين، لكن المشكلة أن السياسي فينا وأن الاقتصادي فينا و... لايؤسس سياسته ولا ثقافته على بنية تحتية هي العبودية بمظاهرها التي أوجبها الله علينا، فيا شبابنا ارفعوا أيديكم وصفّوا أقدامكم في لياليكم ولا سيما في ليالي رمضان، وادعوا ربكم هذا، بالإضافة إلى العمل والجد والنشاط فإننا نريد عبادة مع عمل ونريد عبادة صرفة مع دراسة، لا نريد اقتصاراً على العبادة ولا نريد اقتصاراً على الدراسة أو على العمل لكننا نريدهما معاً.

الأدب الأخير والثامن أن نتحرى ليلة القدر: وليلة القدر هي خير من ألف شهر، وقد قال لنا سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) فعلينا أن نتحرى هذه الليلة فإنه (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) كما في البخاري، فإذا ما كانت ليلة القدر وأردتَ أن تدعو ربك فادعُ بما علم به رسول الله السيدة عائشة: (اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني) فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

هذه آداب الصيام فهل تطبقها يا أخي ؟ إن طبقتها فاعلم بأن صيامك سيؤدي بك إلى التقوى، وأن صيامك سيكون مقبولاً إن شاء الله بفضله وكرمه، وإلا ففي القضية شك، وما أريدك أن تشك في أمر ترفعه إلى ربك، بل أريدك أن تكون متيقناً بأن ربك سيتقبل بشرط اتخاذ الأسباب، واتخاذ الأسباب هو أن تعطي الصيام حقه، وإعطاؤه حقه أن تكون متأدباً بآداب الصيام، ومستناً بسننه، فاللهم اجعلنا من عتقائك من النار، ومن عتقاء شهر رمضان، وأدخلنا الجنة من باب الريّان بسلام، نعم من يسأل ربنا، ونعم النصير إلهنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 21/9/2007

 

التعليقات

صائم

تاريخ :2007/09/22

اللهم اجعلنا ممن يطبقون آداب الصيام، وممن تشملهم رحمة الله، وممن يدخلون جنته.واجز عنا الدكتور عكام خيراً

شاركنا بتعليق