أما بعد،
فيا أيها الإخوة المؤمنون:
يا من نسأل الله أن تكونوا ممن قبل صيامهم، وممن حسن بالليل قيامهم. خطر ببالي في
هذا اليوم من أيام عيد الفطر أن أحدثكم عن فكرتين لطالما راودتني هاتان الفكرتان.
الفكرة الأولى كلنا يرى أن الناس اليوم وأعني بالناس أولئك الذين يعيشون في وطننا
من أبناء جلدتنا يسعون جاهدين من أجل أن ينتموا إلى ذي سلطة، من أجل أن يلتجؤا ومن
أجل أن يصاحبوا ومن أجل أن يصادقوا بمعنى الصداقة، أن يصادقوا ذا سلطة، أو يمكن أن
نقول وبعبارة أخرى ولا سيما الشباب كلهم يسعى بشكل عام إلا من رحم الله إلى أن يتخذ
كبيراً من أهل الدنيا، إن على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي أو على
المستوى الديني، يريد أن يتخذ له كبيراً ثم بعد ذلك يتباهى أمام الآخرين أنه على
صلة قوية وطيبة بهذا الذي يُدعى بذي السلطة، وأنتم ترون بأم أعينكم أن شاباً هنا
يقول: أنا أعرف المسؤول السياسي الفلاني، وأن شاباً هناك يقول أنا أعرف المسؤول
العسكري الفلاني، وأن ثالثاً ورابعاً وهكذا دواليك...
ثم بعد ذلك يقوم هذا المنتمي أو هذا المتملق أو هذا المصاحب، سمِّه ما شئت يقوم
بتقديم خدماتٍ لهذا المنتمى إليه، لذي السلطة، يقوم بتقديم خدماتٍ كثيرة كبيرة إن
من الناحية المادية أو من الناحية المعنوية أو من المجاملة أو من الأمور التي
تستلزم جهداً كبيراً.
أقول لهؤلاء ولنفسي يا إخوة الإيمان، يا أبناء هذا الزمان: التجؤوا إلى ربكم ولا
كبير إلا الله وهذا الجهد الذي تبذلونه من أجل أن تتعرفوا على ذي سلطة سياسية أو
اقتصادية أو دينية هذا الجهد الذي تبذلونه سواء أكان هذا الجهد مادياً أو معنوياً
أو اجتماعياً، لو أنكم بذلتم معشاره فوضعتموه في انتمائكم لربكم وأويتم إلى ربكم
لأنجدكم ربكم إنجاداً ونجدة ما عرفتم لها نظيراً بالنسبة لهؤلاء الذين تحبون أن
تتقربوا منهم. إي ورب الكعبة، فلننظر قلوبنا من أجل أن نجعلها تنتمي لخالقها من أجل
أن تقول عند الشدة يا الله، من أجل أن تقول عند الملمات يا رباه، من أجل أن تتوجه
إلى الحي الباقي إلى الفعال لما يريد، هذا الذي تبذلون، والبارحة سمعت قصة أثناء
معايدتي أحد الإخوة قال لي كنت وسيطاً من أجل أن أُعرِّف شاباً تاجراً على مسؤول،
ولقد كلفت هذه التعريف كلفت هذا الشاب التاجر أكثر من أربعين مليون ليرة سورية،
وهذا التاجر الشاب ليس بحاجة إلى هذا المسؤول من الناحية العملية سوى أنه يريد أن
يقول لإخوانه لأصدقائه لمن معه بأنه يعرف هذا المسؤول الكبير وبأنه يدخل ويخرج من
عنده من غيرما إذن ومن غيرما إخبارٍ سابق، أفيجوز هذا يا إخوتي ؟ أين ربكم بالنسبة
لكم ؟ أريدكم بقلوبكم على الأقل أن تأووا إلى ربكم إلى ركن شديد إلى خالقكم واقرؤوا
في التاريخ من أوى إلى الله عز وجل أنجده، من توكل على الله كفاه، من اعتمد على
الله عز وجل جعله في مأمن ؟ جعله في مكانٍ أمين. سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام
التجأ إلى ربه فأنقذه الله من النار ومن أهل النار ومن أولئك الأشرار، سيدنا موسى
التجئ إلى ربه فأنقذه الله من فرعون وأنقذه من الغرق، سيدنا عيسى التجأ إلى ربه
فأنقذه الله من عارٍ أراده أهل العار أن يلحقوه به، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله
وسلم التجأ إلى ربه فأنقذه الله في أماكن كثيرة وعصمه من الناس وأنقذه في الغار
ولباه واستجاب له، فيا شبابنا أريدكم فعلاً وأريد من نفسي أن نلجأ إلى ربنا عز وجل،
ولذلك أردد باستمرار وأريدكم أن ترددوا بينكم وبين أنفسكم: لئن لجأ غيري إلى غيرك
فأنا الذي لا ألجأ إلا إليك، ولئن اعتمد غيري على غيرك فأنا الذي لا أعتمد إلا
عليك، ولئن لاذ غيري بغيرك فأنا الذي لا ألوذ إلا بك.
وقولوا أيضاً: اللهم بسر فاتحة الكتاب وبسر سيد ولد آدم وبسر سيد الاستغفار وبسر
ليلة القدر وبسر يوم عرفة وبسر الكعبة المشرفة وبسر شهر رمضان وبسر آل بيت رسول
الله أعطني سؤلي وامنحني فضلاً لا أحتاج معه إلى فضلٍ من ذي فضلٍ سواك يا رب
العالمين.
الجهد الذي تبذله من أجل أن يكون ربك معك أقل بكثير من هذا الجهد الذي تبذله من أجل
أن يكون ذو السلطة معك ولن يكون معك، ضع هذا في ذهنك وإنما هو مع منافعه ومصالحه
وهو على استعداد من أجل أن يضحي بك في أول مطبٍّ يمر عليه فلا تسقطوا أنفسكم ولا
ترخصوا أنفسكم بجعلها تابعة لذي سلطة عابرة. هذه هي الفكرة الأولى فتمعنوا بها
وفيها.
الفكرة الثانية: العيد يعني من جملة ما يعني فرحة القبول، أنت صمت إذن هنيئاً لك إن
كان الله قد قبل صيامك، أنت قمت هنيئاً لك إن كان الله قد قبل قيامك، العيد فرحة
قبول عندما يقبل الطالب في الفرع الذي يريده وينشده بالنسبة له هذا القبول عيد،
عندما يقبل الإنسان في المكان وفي المنصب وفي المرتبة التي يريدها عندما يتقدم من
أجل أن يعمل في بلد آخر فيقبل فهذا عيده، فرحة القبول هي العيد ولذلك كل منا يعرف
ما إذا كان العيد عيده أم أن العيد ليس بعيده، أنت تعرف صيامك وأنت تعرف قيامك وأنت
تعرف علاقتك بربك فإن أحسست بداخلك وفيك قلبٌ لا يمكن إذا استفتيته أن يخطئ، استفتِ
قلبك وإن أفتوك وأفتوك، إذا استفتيته فأشعرك بالقبول فافرح، فالعيد عيدك وإلا...
فإن قبلتم فيا عزي ويا طربي وإن أبيتم فمن أرجوه غيركم
لقد قبل
الله عز وجل محمداً فقال: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ فهل أنت مقبول عند ربك وتستشعر أن
هذه الآية لك، قبل الله محمداً فقال: ﴿إنا كفيناك المستهزئين﴾ فهل أنت تستشعر أن
هذه الآية تُقال لك ؟ قبل الله محمداً فقال: ﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً. ليغفر
الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً. وينصرك
الله نصراً عزيزاً﴾ فهل أنت تستشعر أن هذه الآية قد خوطبت بها ؟ إذن فأنت مقبول.
الله عز وجل قال: ﴿فإنك بأعيننا﴾ فهل أنت تستشعر وتشعر بأنك في أعين الرحمن أم أنك
بين أكف ذوي السلطان وبالتالي فكفهم كف عفريت، ستموت ولن يشعر بك أحد وستضيع الدنيا
والآخرة، اللهَ الله أيها الإخوة، يا أهل العيد ابحثوا عن القبول لدى الديَّان
الرحمن فإن قبلتم وإن شعرتم بأنكم مقبولون فالعيد عيدكم وعيدنا وإلا فتداركوا بتوبة
نصوح، قفوا في ليلكم وارفعوا أيديكم وقولوا لربكم يا رب نسألك أن توفقنا من أجل أن
نُردَّ إليك إلى عبوديتك رداً جميلاً، تداركوا بتوبة نصوح في صلواتكم في قراءتكم
القرآن في خلواتكم في جلواتكم وقولوا يا رب هيئ لنا من أمرنا رشداً، يا رب نور
بنورك سمعنا وأبصارنا وقلوبنا وعقولنا وجوارحنا، قولوا لربكم يا رب حققنا بالعبودية
المرضية، يا رب صن وجوهنا وجباهنا عن أن تسجد لغيرك، عن أن تذل لغيرك، عن أن تتملق
إلا الطريق الذي يوصل ويصل إليك يا رب إلى رضاك، آن الأوان من أجل أن نُفعِّل
الإيمان في دواخلنا، آن الأوان من أجل أن ندرك هذا الذي ندَّعيه لنكون متحققين فيه
ولنكون جاهزين من أجل أن نعلن حقيقة ما نحن فيه على ألسنتنا إن كنا متحققين فعلاً
وعلى كل جوارحنا.
يا رب أسألك بحق العيد وبحق من قبلت صيامه أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، أن
تجعلنا من المعتمدين عليك، أن تجعلنا من الخائفين منك، أن تجعلنا ممن لا يخافون في
الله لومة لائم، اللهم وفقنا لذلك، أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت
بتاريخ: 3/10/2008
التعليقات