آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
معالم الصحة المعنوية

معالم الصحة المعنوية

تاريخ الإضافة: 2009/10/23 | عدد المشاهدات: 5137

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

إذا كان الإنسان - كما هو الواقع - جسماً وروحاً، مبنىً ومعنىً، ضع هذا في ذهنك ثم حدثني عن محاولاتك المستمرة للطمأنة والاطمئنان عن جسمك، بمعنى تحاول بين الفينة والأخرى أن تتأكد من صحة جسمك فتراجع الطبيب ويقوم هذا الطبيب يفحص قلبك، قلبك سليم، يفحص دمك، معالم الدم الطبيعي صحيحة، يفحص حركة جسمك بشكلٍ عام يراها جيدة فيقول لك: جسمك بشكلٍ عام صحيح لأن المقومات الأساسية للصحة الجسدية متوفرة أو متوافرة.

وهكذا عندما تكون مع طبيب تسأله عن شيء غريب فيطمئنك هذا الطبيب فتطمئن، تقول للطبيب الذي لم تراجعه وإنما التقيته هكذا قدراً من غير ما موعدٍ سابق، تقول له: أشعر بشيء في صدري، أشعر بشيء في حلقي، أشعر بشيء في جسمي، فما سبب هذا ؟ يقوم الطبيب بفحصك ويقول لك: لا شيء، المهم أن قلبك سليم، النبض جيد، الضغط جيد... تطمئن أنت وتفرح عندما تتأكد من أن الثوابت الأساسية لصحة جسمك وفيرة جيدة، وما أظن أن أحداً منا يندُّ عن هذا، أفلا يجدر بك أن تتلمس صحتك المعنوية، بمعنى كما تسأل الطبيب عن الأساسيات في صحتك الجسمية فإذا ما أخبرك الطبيب في أنها متوفرة وأنها جيدة اطمأننت، لكن هل تسأل أنت بالله عليك عن أساسيات صحتك الروحية المعنوية حتى تطمئن ؟ أم أنك تعيش في الجسد لا أكثر ولا أقل ؟

وقعتُ على حديثٍ منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في مسند الإمام أحمد، وهذا الحديث سيفيدنا في الحديث عن أساسيات للصحة المعنوية، الصحة النفسية، الصحة الاجتماعية، الصحة الروحية، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمعلم لي ولكم وللإنسانية كلها شاءت الإنسانية أم أبت المعلم الأول من الخلق للإنسانية هو الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا) معالم الصحة المعنوية أربع أتريد أن تعرفها وقد عرفت المعالم والصفات بالنسبة للجسد فهيا من أجل أن تتعرف عن المعالم والصفات التي إذا توفرت توفر فيك أساسيات الصحة المعنوية (أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعِفةٌ في طعمة).

لمن تذهب، لأي طبيب تذهب من أجل أن تتأكد فيما إذا كانت هذه الصفات هذه الأساسيات قائمة فيك متوفرة فيك ؟ أتريد أن تعرف الطبيب الذي إذا لجأت إليه عرَّفك مدى توفر هذه الأمور فيك ؟ الطبيب هو أنت، استفتِ قلبك، الطبيب هو أنت بإعلان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما قال لهذا الذي سأله: (استفتِ قلبك، استفتِ نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك).

طبيبك في الصحة الاجتماعية المعنوية الروحية أنت، ضع هذه المعالم هذه السمات هذه الصفات في خَلَدك وأمام ناظريك.

أولاً: حفظ أمانة، انظر هل أنت ممن يحفظ الأمانة ؟ ﴿والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون﴾ وأكبر أمانة هي أمانة التكليف، ربك كلفك: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان﴾، والأمانة هي التكليف، أمانة التكليف هي أكبر الأمانات، فهل أنت تقوم بأمانة التكليف خير قيام ؟ حفظ أمانة، هذه هي الأساسية الأولى لأساسيات صحتك المعنوية، حفظ أمانة، أمانة التكليف أولاً والأمانات الأخرى ثانياً، هل أنت ممن يحفظ الأمانة المادية والمعنوية ؟ هل أنت ممن يحفظ على الناس أماناتهم ؟ هل أنت إذا قيل لك قول تحفظه لأنه أمانة ؟ هل إذا قيل لك يا أخي هذه أمانة فلا أريد ذلك أن يشيع ؟ فهل أنت تقوم بحفظ الأمانة أم أنك لا تفكر إلا بمصلحتك، إن اقتضت مصلحتك أن تحفظ الأمانة حفظتها، وهنا لا ثواب لك في هذا، لأنك بدافع المصلحة وليس بدافع بناء الشخصية، وإن اقتضت مصلحتك ألا تحفظ الأمانة فلا تحفظ الأمانة، حفظ الأمانة: ﴿فأما من أعطى واتقى. وصدَّق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى﴾ صدَّق بالحسنى، صدَّق بالأمانة، وعلى أنها أمانة يجب أن يحفظها وإلا فليس بخليقٍ من أجل أن يتصف بهذه الصفات التي تشكل معالم وأساسيات الصحة النفسية. حفظ أمانة.

ثانياً: صدق حديث، إن كنت ناقلاً أو كنت مبتدئاً، إن كنت مخبِراً أو كنت منشئاً، كن صادقاً، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه مسلم: (اصدُقوا إذا حدّثتم) سواءٌ أكنت تنقل عني فانقل صادقاً، أو كنت منشئاً لحديثٍ ما فكن صادقاً في تحرِّي الحق والصواب، وإياك أن تتكلم من غير أن تتحرَّى حتى ولو كنت منشئاً، وأنا الآن وكلنا يعلم أن الواحد منا يقول الكلمة منشئاً أو ناقلاً، وما أظن أنه يتحرى حين الإنشاء أو حين الإخبار في أن يكون صادقاً يسمع الخبر فينقله من غير أن يتحرَّى من غير أن يتأكد ينشئ كلاماً من غير أن يمتحنه من غير أن يمحِّص هذا الكلام فيما إذا كان موافقاً للإنسان يقبله الإنسان أو لا يقبله، موافقاً للعقل أو غير موافق للعقل، يستخفّ بعضنا بعقل الآخر فيكلم ويكذب، و: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، أنت أدرى بفحصك نفسك وتمحيص نفسك، لأن التمحيص فحص ما خفي.

ثالثاً: حسن خليقة، لعلكم تقولون لي الأخلاق كثيرة فما المراد بحس الخلق هنا ؟ أقول لك هذا الذي قاله سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح مسلم أتريد أن تتمتع بحسن الخلق ؟ سأعطيك القاعدة إن تحليت بهذه القاعدة فلا عليك بعد ذلك ستكون حسن الخُلق شئت أم أبيت، هذه القاعدة هي وما أظن أن الكثيرين يستطيعونها لكننا سنذكرها وهي: (صل من قطعك، واعفُ عمَّن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك) من هنا تبتدئ حسن الخليقة، بعد ذلك إن لم تحقق هذه القاعدة من الأخلاق فلا يمكن أن تسمى حسن الخلق شئت أم أبيت، إذا تجاوزت هذه ولم تكن على مستوى تطبيقها لم تُسَمَّ عند الله ولا عند العقلاء من أولئك الذين يطلق عليهم بأن أخلاقهم حسنة، يجب أن تكون كذلك، صل من قطعك، هل أنت تصل من قطعك ؟ هنا أرى التخاصم في المسجد هنا أنصح وأقول للناس يا ناس: (صل من قطعك، واعف عمن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك) يأتي إنسان فيقول لي: هذا أساء إليَّ أفلا أسيء إليه أتريدني ألا أسيء إلى من أساء إلي ؟ لقد أساء إلي، على الأقل عليَّ أن أسيء إليه كما أساء إلي، ويحتج بالقرآن: ﴿فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾ أقول هذا وأتكلم عن حسن الخلق، أتريد أن تكون أخلاقك حميدة وحسنة ؟ أتكلم عمن يسعى إلى ذاته: (صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأحسن إلى من أساء إليك).

رابعاً: عفةٌ في طُعمة، الكسب الحلال، عفة في طعمة ودعوني من أجل أن أقولها صريحة، عفة في طعمة طعامية وشرابية وجنسية، وهذا ما تحتاجونه أنتم ونحتاجه نحن، عفة في طعمة، الكسب الحلال والنظر الحلال والعيش الحلال.

يا أبناء أمتي: كسبنا أضحى خبيثاً، ونظرنا لطالما جال في الحرام، وحياتنا أصبحت مُضَمَّخةً بطعامٍ من كسبٍ خبيث، وبجسدٍ لا يتحرَّى الحلال في حركته الجنسية والهضمية وكل ما يصدر عن هذا الجسم من حركة وبعد ذلك نقول: لمَ هذا الفساد ؟ هذه الأجسام شبعت من الحرام فنتج عنها حركة فاسدة مفسدة شئتم أم أبيتم، هذا الكلام ليس بكلامٍ نقوله من أجل أن نجعل منه قصة أو رواية تُمثَّل أو تُشخَّص، هذا الكلام كلامُ الله وهذا الكلام كلام رسول الله وهذا الكلام كلام العقلاء وهذا الكلام كلامُ البلغاء وهذا الكلام كلام المصلحين، عفة في طعمة، وسيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما جاء في الطبراني: (طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وعَزَل عن الناس شره) أنت أدرى بالكسب الذي تكسبه هل هو كسب طيب ؟ عفةٌ في طعمة، يا شبابنا، يا أبناء هذه الأمة أنا أعلم أنكم تتعرضون لإغراءاتٍ وإغراءات في عالم الطعام والشراب وفي عالم السكن وفي عالم الجنس ولكن أين يوسفكم ؟ أين يوسفكم، ﴿معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي﴾ ؟ أين دينكم ؟ أين إيمانكم ؟ أين خوفكم مهابةً وإجلالاً من ربكم ؟ عفةٌ في طعمة.

ألخص بإعادة ذكر الحديث، أتريد أن تطمئن على صحتك المعنوية الروحية والنفسية ؟ (أربعٌ إذا كنَّ فيك – وأنت الأقدر على أن تفحص نفسك - فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفةٌ في طعمة). ضع نفسك أمام نفسك اليوم وضع أنت أمام أنت اليوم مساءً صباحاً في الوقت الذي تريد وانظر نفسك هل أنت ممن توافر فيه حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وفق الشرح الذي ذكرناه وعفة في طعمة، إذن فأنت في صحة جيدة فاطمئن وقل الحمد لله الذي وفقني لهذا، الحمد لله الذي منَّ عليَّ بهذا فإن لم تجد فيك هذه المعالم وهذه الأساسيات فباب التوبة مفتوح، وربنا يقبل التوبة كما قلنا عندما تندم لا عندما تبكِّت، والندم حركة إيجابية، تنظر الماضي من أجل أن تستغفر ربك ولا تنظر الماضي السيئ من أجل أن تبقى من غير عملٍ في الحاضر أو في المستقبل، تُبْ إلى ربك، اندم ولا تُبَكِّت وأقلع عما كنت عليه وقل: يا رب عهداً لا أن أكون الآن على خلاف ما كنت عليه – 180 درجة كما يقال – ولكن عهداً أن أسعى ومن عاهد ربه وفقه ربه ومن صدق في عهده مع ربه وفقه ربه، عاهد ربك على أن تسير في توفير أساسيات الصحة المعنوية لك لنفسك في حفظ الأمانة وصدق الحديث وحسن الخليقة أو الخلق وعفة في طعمه.

اللهم وفق شبابنا ومسؤولينا وكل أولئك الذين يعيشون في مجتمعنا على اختلاف مناصبهم ومراتبهم وتوجهاتهم وفقهم يا رب لحفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفةٍ في طعمة، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 23/10/2009

 

التعليقات

خليل شاوي

تاريخ :2009/11/07

لا ادري لماذا كلما سمعت فضيلة الدكتور اشعر اني اسمع الاية او الحديث لاول مرة رغم حفظي لهما نعم اشعر ان النبي ص قال الحديث للتو فشكرا ايها المجدد المخلص ومتعنا الله بفكرك النير وقلبك النابض بحب الله ورسوله

نور الهدى

تاريخ :2009/12/25

بارك الله بكم حضرة الدكتور الفاضل على هذه النفحات الإيمانية الصادقة...أدامكم الله ذخراً لهذه الأمة ونفعنا بكم

نور الهدى

تاريخ :2009/12/25

بارك الله بكم حضرة الدكتور الفاضل على هذه النفحات الإيمانية الصادقة...أدامكم الله ذخراً لهذه الأمة ونفعنا بكم

شاركنا بتعليق