آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
ميادين العفة المنشودة

ميادين العفة المنشودة

تاريخ الإضافة: 2010/01/29 | عدد المشاهدات: 3744

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون:

سألني واحدٌ ممن يحضر خطبة الجمعة عن حديثٍ كنت قد قلته منذ أسبوعين، وهو الذي يقول فيه سيدنا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وعفةٌ في طُعمة، وحُسن خليقة) قال لي: ما المقصود بقوله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال وعفة في طعمة ؟ وأرجو أن تحدثنا عن هذه النقطة حديثاً مفصلاً.

قلت له: سأذكِّرك، ولعلك لم تكن حاضراً آنذاك، سأذكرك اليوم وأذكر نفسي وأذكر شبابنا وأذكِّر القائمين على أموالنا وعلى ثقافتنا وعلى بناتنا وعلى أبنائنا وعلى سياساتنا، ستكون خطبة اليوم تذكرة لهؤلاء بشكل خاص، لأني سأعيد الكَرَّة في الحديث عن العفة لأننا إن استحكمت فينا العفة كنا مجتمعاً راقياً راضياً، كنا مجتمعاً حضارياً، وإن لم تستحكم فينا العفة واستحكمت فينا أضدادها فإننا لن نُكتب من الفالحين حتى وإن كنا صورةً من الناجحين.

ما من شك في أن كل واحدٍ منا يريد لبنته العَفاف، ويريد لولده العفاف، ولمدرسته العفاف، ولدولته العفاف، ولمجتمعه العفاف، من منا لا يريد أن يوصف مجتمعه بالعفاف ؟ من منا لا يريد أن يوصف بيته بالعفاف ؟ من منا لا يريد أن توصف يده بالعفاف ؟ من منا لا يريد أن يوصف حكمه بالعفاف ؟ من منا لا يريد أن توصف مديريته ووزارته بالعفاف ؟ كلنا يريد العفاف.

العفة يا أخي السائل وأريد أن تضع هذا في ذهنك: العفة قدرةٌ على ضبط الإنسان نفسه، وعلى حجز الإنسان نفسه، وعلى كفِّ الإنسان نفسه، وعلى حبس الإنسان نفسه من أن تتجاوز خط الحلال إلى ساحة الحرام. هل أنت قادرٌ على أن تضبط نفسك حتى لا تتجاوز خط الحلال إلى ساح الحرام في الميادين التالية بشكلٍ خاص، في ميدان المال، وفي ميدان الحكم أي السياسة، وفي ميدان الجنس، وفي ميدان الكلام أو اللسان. فإن كنت ممن يحجز نفسه ويضبط نفسه عن أن تمتد إلى ساح الحرام في هذه الميادين فأنت عفيف وأنت تشكل لبنة طيبة في المجتمع المنشود وبوركتَ يا أخي. وها أنذا أفصِّل فأقول:

في ميدان المال: عندما تقوى على أن تضبط نفسك في ميدان المال فلا تتجاوز هذه النفس ولا تتجاوز أنت خط الحلال في ميدان المال فأنتا عفيفٌ اليد من حيث المال: ﴿ومن كان غنياً فليستعفف﴾.

أيها الإخوة: الذي يقوم بالغش ليس عفيفاً، والذي يقوم بالاحتكار ليس عفيفاً، والذي يقوم بالسرقة ليس عفيفاً بالتأكيد، والذي يكتسب من مصدر لا يسأل عنه بل يهمه أن يربح وأن يستفيد من غير ما تمحيص لهذا المصدر فليس بعفيف، من يحتال على الناس فليس بعفيف، من يحاول أن يتعدى على حقوق الآخرين في أموالهم فليس بعفيف، من اقترب من الشُّبهات فخاض فيها فليس بعفيف، العفة في المال أن تلزم نفسك بقوة الوقوف عند خط الحلال من غير أن تتجاوز إلى خط الحرام. انظروا أنفسكم ولننظر أنفسنا ولننظر إخواننا وغيرنا في هذا الميدان بشكلٍ نراقب الله عز وجل فيه، فإن كنا كما قلت فنعمَّا ما نفعل، وإن لم نكن فلنتب إلى الله عز وجل حتى نكون أفراداً يتسمون بالعفة وإلا لا قيمة لنا، جيلُ الصحابة جيلٌ عفيف فهل تستطيعون أن تصفوا جيلنا وأجيالنا وواقعنا بأنه في ميدان المال عفيف ؟ أترك لكم التقدير.

في ميدان الجنس: هل أنت أيها الشاب تضبط نفسك بقوة وتحجز نفسك من أن تتجاوز خط الحلال في ميدان الجنس ؟ بمعنى هل أنت ممن يقرأ قوله تعالى: ﴿والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون﴾ انظر نفسك وحاسب نفسك هل أنت عفيفٌ في هذا الميدان ؟ هل تحفظ عينيك من أن تزنيا ؟ بالله عليك أيها الشاب أيها الطالب أيها التاجر أيها الماشي في شوارعنا هل أنت ممن يحفظ عينيه حتى لا تؤدِّي عيناه وما تنظر إليه من حرام إلى فاحشة لا تُحمد عقباها اجتماعياً ولا فردياً ولا سلوكياً ولا أخلاقياً ولا إنسانياً ؟ اضبط نفسك أيها الشاب وانظر حياة أولئك الذين اتَّسموا بالعفة، وقد كررت كثيراً أمامك أيها الشاب قول الله تعالى على لسان يوسف عندما ضبط نفسه وحجزها بقوة وألزمها موقفاً ربانياً في مواجهة من: ﴿وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي﴾ يوسف أيها الصدِّيق أنت صدِّيقٌ عفيف فنعمَ ما فعلت، فهل شباب أمتي اليوم على مسيرة الصديق في عفة في ميدان الجنس أسأل الله أن يكونوا كذلك. لقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في سنن ابن ماجه: (ما كان الفحش في شيء إلا شانه) إن شئتَ تحدثت عن هذا الشيء ففصّلت فيه ما كان الفحش في الإعلام إلا شانه، وما كان الفحش في المجلات إلا شانها، وما كان الفحش في الصحف إلا شانها، وما كان الفحش في الشارع إلا شانه، وما كان الفحش في أماكن التعليم إلا شانها، وما كان الفحش في كل ما تتصوره من مكانٍ من محضن من بؤرة من ساحة من مساحة إلا شانه: (ما كان الفحش في شيء إلا شانه) فتعالوا يا أبناء مجتمعنا لنكون مجتمع عفة وننبذ الفحش في ميدان الجنس ونتصف بشيء اسمه العفة أحببتموه أنتم.

الميدان الثالث: الكلام، أتريد أن تكون عفيف اللسان ؟ إذن عليك أن تضبط لسانك حتى لا يتجاوز في ألفاظه وفي دلالاته وفي ما يصدر عنه خط الحلال: (لا يكون اللعانون شفعاء) من يلعن فهو ليس بعفيف من حيث لسانه، من يغتاب فهو ليس بعفيف من حيث لسانه، من يقوم بالشتم فليس بعفيف من حيث لسانه، ومن يفعل كل هذه الخطايا التي تسمى خطايا اللسان فلن يكون عفيف اللسان، والعفة أمرٌ متكامل، فالعفيف في ماله يجب أن يكون عفيفاً في جنسه أي في ميدان الجنس، والعفيف في الجنس ينبغي أن يكون عفيفاً في لسانه، فيا أبناء الوطن ويا أبناء البلد هيا من أجل أن نضبط ألسنتنا لقد كدنا وأيم الحق - وإنه لقسم - أن نفترق عن العفة في اللسان وأن يكون الفرق بيننا وبينها كما الفرق بين المشرقين، وانظروا ما يصدر عن أبنائنا وبناتنا من كلمات وكلام لا تمت هذه الكلمات - إلى العفة بصلة، بل إنها أحياناً يمكن أن تكون أمراً أكبر من الفحش، وأمراً أكبر من البذاءة، بل إن البذاءة لتكون أحياناً أهون من هذا الذي نسمع وتسمعون في أحيائنا في مدارسنا أمام أبنيتنا التي نسكنها في شوارعنا، عندما يلتقي شابٌ شاباً إنساناً صديقاً له وإني لأستحي أن أسمي هذين الشابين أصدقاء ما دامت الصداقة مشتقة من الصدق فالعلاقة بينهما لا تمت إلى الصدق بصلة. العفة في اللسان والعفة في الكلام راقبوا أنفسكم وراقبوا أبناءكم وراقبوا من حولكم فالقضية خطيرة لأن اللاعفة إذا انتابت اللسان بدأت تزحف إلى المال وإلى الجنس وإلى السلوك وإلى كل ما يكتنف اللسان، العفة أمرٌ كلي واللاعفة أمرٌ كلي.

الأمر الرابع: في ميدان الحكم، أيها المسؤول، أيها الحاكم، أريدك أن تضبط نفسك وأنت تحكم، وأنت تدير، وأنت تعدُّ نفسك قائماً على هذا الأمر أو ذاك، أريدك أن تضبط نفسك في ميدان حكمك وإدارتك ومسؤوليتك فلا تتجاوز خط الحلال إلى الحرام، وأريد أن أذكرك بساحتين للحرام آمل ألا تدخل نفسك مجالهما وساحتهما، أما الأمر الأول فالمشقة، إياك والمشقة فإنك إن شققت على رعاياك فلست بعفيف وقد جانبت العفة: (اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليه) هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري ومسلم. وإياك أيها المسؤول، أيها المدير، أيها الحاكم على أمرٍ ما، إياك والمشقة، وإياك والظلم، فالظلم ظلماتٌ يوم القيامة، فإن ظلمتَ فلست بعفيف، إن لم تعدل فلست بعفيف، إن لم تكن على الصراط المستقيم ساعياً ومجاهداً فلست بعفيف.

أرأيت يا سائلي إلى العفة ؟ العفة - وأعيد التعريف - قدرةٌ على أن يضبط الإنسان نفسه فلا يتجاوز خط الحلال إلى ساح الحرام، أو إلى ساحة الشبهة الحرام، في ميدان المال والجنس واللسان والحكم، في هذه الميادين الهامة، وتتبع لهذه الميادين كل الميادين الأخرى.

يا رب بحق أولئك الذين تعففوا، بحق أولئك الذين كانوا عفيفين وكانوا أعفة في حَيَوَاتهم كلها، أسألك بحق الأنبياء والمرسلين والصالحين والفالحين أن توفق شباب أمتنا ووطننا إلى التحلي بسمة العفة في أموالهم، في ألسنتهم، في مسؤولياتهم، في علاقاتهم مع الجنس الآخر، في علاقاتهم الجنسية والمالية الاقتصادية والحكمية والسياسية واللسانية، وهذا ما نطلب من ربنا في لحظتنا التي نحن فيها وهي لحظة إجابة ولحظة استجابة كما وعدنا وأخبرنا سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، نعم من يطلب منه ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 29/1/2010

التعليقات

صفوت امينو

تاريخ :2010/02/02

السلا عليكم سادتي اني بمجرد ان نتلفظ بكلمة العفة نره طهارة بداخلنا تشتعل وان كانت نائمة ولكن ارى نفسي وعالمي ومحيط ان كنت عفيف تكون محدود الفهم لمواضيع الدنيا والأصح لأمور العولمة واني اتمنى يرجع الزمن الى الورائ عندما كنا نعيش حياة التخلف بنظر الغربيين اننا لا نملك التقنيات الأكترونية الذي سمحت لعفتنا وحيائنا ان ينطلق وهو لا يدري الى اين والى اي مكان سوف يستقر هل لزنا وانت في بيتك وغرفتك وانت تتحدث مع فتاة بطريق مقذذة ان كان من الهاتف او الأنترنت او او او وماذا بعد فانا اتمنى الموت ولا افتن هذه الفتن والله يتولانا ويكون بعوننا وشكرا لكم جزيلا

صفوت امينو

تاريخ :2010/02/15

السلام عليكم سادتي: بمجرد ان نتلفظ بكلمة العفة نرى طهارة الأنسانية تشتعل بداخلنا وان كانت نائمة ولكن ارى نفسي وعالمي ومحيطي ان كنا عفيفين نكون محدودي الأدراك لمواضيع الدنيا والأصح لأمور العولمة واني اتمنى ان يرجع الزمن الى الوراء عندما كنا نعيش حياة التخلف بنظر الغربيين اننا لا نملك التقنيات الأكترونية الذي سمحت لعفتنا وحيائنا ان ينطلق وهو لا يدري الى اين والى اي مكان سوف يستقر هل لزنا وانت في بيتك وغرفتك وانت تتحدث مع فتاة بطريقة مقززة ان كان من الهاتف او الأنترنت او او او وماذا بعد فانا اتمنى الموت ولا افتن هذه الفتن والله يتولانا وان يكون بعوننا وشكراً لكم جزيلاً

سلامة حنفى

تاريخ :2010/03/22

شيخى الرجاء ان تكون الخطبة مدعمة بمواقف سير الصحابة والسلف والتابعين

شاركنا بتعليق