آخر تحديث: الجمعة 15 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
جماع الأخلاق الحسنة: الرحمة والصدق والأمانة

جماع الأخلاق الحسنة: الرحمة والصدق والأمانة

تاريخ الإضافة: 2010/03/05 | عدد المشاهدات: 15098

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

في الأسبوع الفائت ذكرنا أن محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجبة علينا وفريضة، وأن ثمة دلائل لهذه المحبة وبراهين، فإن وجدت نفسك مُتمتعاً ومتحققاً بتلك الدلائل والبراهين فاعلم بأن محبتك النبي صلى الله عليه وآله وسلم صادقة، من هذه الدلائل قلنا: الاتباع، ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني﴾ ولعلي أتحدث عن الاتباع لهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مساحة هي في رأيي أهم المساحات، هذه المساحة هي المساحة الخُلُقية، عندما يُذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعندما تريد أن تقدّمه للناس كافة فإنك تقول الكلمة الأولى للناس هؤلاء الذين تقدّم إليهم النبي بأنه على خُلقٍ عظيم، أفلا يكفي أن الله شهد له فقال: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ ؟ ينظر إليك هذا الذي تقدم له النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنه النبي لعلى خلقٍ عظيم، لكن هذا الذي يستمع إليك يريد أن يرى فيك هل أنت ممن يمكن أن يقال لك - لا أقول لعلى خلق عظيم - لكن هل يمكن أن يقال لك ويُحكَم عليك إن كان يعرفك أو خلال جلسة معك، هل يستطيع أن يصفك بهذه الصفة فيقول: وإنك لذو خلق عظيم ؟ أو وإنك لذو خلق ؟ هل تعتقد بأن الذين يعرفونك يقولون من دواخلهم أنت أيها الأب أيها الحاكم أيها الضابط أيها القاضي أيها المحامي أنت أيها الشيخ هل تضمن أن توصف من قبل من يعرفك بأنك ذو خلق عظيم أو ذو خلق ؟ هل أنت متأكدٌ من نفسك، إذا لم تكن متأكداً من نفسك بأنك توصف بالخلق فلماذا تقدّم هذا النبي للناس على أنك واحدٌ من أتباعه ؟ أين الاتباع وأين التبعية لهذا النبي الذي وصفه الله والذي وصفه الناس والذي وصفه الأعداء والذي وصفه البعيد بأنه على خلق عظيم ؟ لِمَ هذه المفارقة والتنافر على الأقل بين حالك الذي أنت عليه وبين هذا الذي تقدّمه للناس صلى الله عليه وآله وسلم وتفتخر بنسبتك إليه، فأين التبعية وأين الاتباع ؟ قولوا لي بربكم هل يمكن أن توصف مجتمعاتنا على سبيل الجملة والعموم بأنها على خلق ؟  هذا أولاً. وهل يمكن أن يوصف أفرادنا كلٌ في مكانه بأنه على خلق ؟ إن قلتم نعم توصف مجتمعاتنا بأنها على خلق فإنني سأقول لكم أين تجلِّي هذا الخلق ؟ كيف حكمتم على مجتمعاتنا بأنها على خلق أين رأيتم الدلائل والبراهين ؟ وإن قلتم بأن مجتمعاتنا ليست على خلق، فيا إخوتي إلى متى سنبقى نحتفل بالمولد ونحتفل بالذكرى وحالنا بعيدة أشد البعد عن حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المُحتَفل به ؟ إلى متى سنبقى نردد كلاماً من غير أن يكون لهذا الكلام معنىً عملي، إلى متى بالله عليكم ؟

لعل بعضكم يقول لي: كلمة الخلق العظيم كلمة واسعة شاسعة، كيف تحددها ؟ بعد أن قرأت وتتبعت، أتريدون أن تعرفوا الأخلاق التي إذا ما وصفت بها وتحققت بها كنت على خلقٍ عظيم ؟ هي ثلاثة أخلاق، هي جماع الأخلاق بشكلٍ عام، ثلاثة أخلاق إن وجدتها فيك فإنك على خلقٍ عظيم، وإن وجدتها في مجتمعنا بشكلٍ عام فمجتمعنا على خلقٍ عظيم، هذه الأخلاق الثلاثة هي: الرحمة، الصدق، الأمانة.

وقبل أن أشرح هذه الأخلاق حدثوني عن الخاطر الأول الذي خطر ببالكم عن الوارد الأول وأنتم تسمعون الصدق والرحمة والأمانة، وإذا كانت هذه الأخلاق تشكل الخلق العظيم فهل الخاطر الأول والوارد الأول يقول لكم بأن مجتمعنا على خلقٍ عظيم ؟ لا يا أيها الإخوة، وهل الوارد الأول يقول لكم بأن كل واحدٍ منا على خلقٍ عظيم ؟ ما اعتقد أيها الإخوة. أين الرحمة في مجتمعنا كصفة عامة ؟ وأين الصدق في مجتمعنا كصفة عامة ؟ وأين الأمانة في مجتمعنا صفةً عامة ؟ وأين الرحمة صفة يتمتع بها هذا أو هذا أو ذاك ؟ وأين الصدق صفة يتمتع بها هذا أو هذا أو ذاك ؟ وأين الأمانة يتمتع بها هذا أو ذاك ؟

الخلق الأول: الرحمة، أما الرحمة، فالله الذي قال عن نبيه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ قال عنه: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه كما في مسند الدارمي: (إنما أنا رحمة مهداة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الإمام مسلم: (إنما بعثت رحمة) هل تقول عن نفسك أنت ولا أقول رحمةً كرحمة النبي، لا، ولكن هل تستطيع أن تصف نفسك بأنك رحيم كما وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه بقوة بأنه رحيم ؟ إن قلت عن نفسك بأنك رحيم فدعني من أجل أن أستشهد بأكثر من موقف لك لا يدل على الرحمة ولا يمتُّ إلى الرحمة ولا تتعرف عليه الرحمة، على مستوى الأفراد وعلى مستوى العموم وأنا أخاطب كل الفئات والشرائح، أخاطب العسكري والضابط والقاضي والطبيب والمحامي والشيخ والمسؤول والوزير والمدير أخاطب الجميع أيها الإخوة من الذي يستطيع أن يقول عن نفسه إنما أنا رحمة، لا، إنما أنا رحيم، لا، إنما أنا أحياناً أتصف بالرحمة، من الذي يستطيع أن يقول هذا عن نفسه ؟ من منا يرحم جاره ؟ من منا يرحم ولده ؟ من منا يرحم والده ؟ من منا يرحم موظفه ؟ من منا يرحم شعبه ؟ من منا يرحم رئيسه ؟ من منا يرحم هذا الحيوان الذي يمشي في الشارع بشكلٍ عام ؟ من منا يرحم شوارعه ؟ من منا يرحم مدينته ؟ من منا يرحم بلده ؟ من منا يرحم بيت المقدس ؟ من منا يرحم ؟ والرحمة كما قلت لكم وأريد ألا تنسوا هذا: الرحمة عطاءٌ نافعٌ برفق. هذا الذي يزعج جيرانه بالله عليكم هل يمكن أن يتصف بالرحمة ؟ هل هذا الذي يزعج أصدقاءه وجماعته هل يمكن أن يتصف بالرحمة ؟ هذا الذي يزعج زوجته، هذه التي تزعج زوجها هل يمكن أن توصف بالرحمة ؟ ليست الرحمة صفة بيننا لا على سبيل العموم ولا على سبيل الخصوص، الرحمة أول الأخلاق التي إن وجدت اتصف الإنسان بالخلق العظيم، ففتشوا عن الرحمة فيكم فإن وجدتموها فقد ملكتم واحد من ثلاثة من هذه الأخلاق التي تشكل بمجموعها الخلق العظيم.

الخلق الثاني: الصدق، كان النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الترمذي عن سيدنا علي رضي الله عنه حينما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصدق الناس لهجة وأوسع الناس صدراً وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة". فهل أنت من الصادقين بلهجتك ؟ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي تحتفل بمولده وقف أمام أعدائه وقال كما جاء في السيرة: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن جيشاً خلف هذا الوادي يريد أن يغير عليكم أكنت مصدقيَّ ؟) قالوا ما جربنا عليك كذباً. فهل أنت إذا وقفت أمام أسرتك أمام موظفيك أمام جماعتك أمام مريديك هل تستطيع أن تقول أرأيتكم لو أخبرتكم أن جيشاً خلف هذا الوادي، وهل سيقول هؤلاء الذين يقفون أمامك ما جربنا عليك كذباً ؟ لا، ربما قالوا إذا ما لوَّحت أمامهم بالعصا، ربما قالوا خوفاً منك وهذا كما يُقال يزيد الطين بلة. هل يستطيع أحدٌ منا أن يقف أمام جماعته لتقول له جماعته وغير جماعته ما جربنا عليك كذباً ؟ عدِّد الصدق الذي يجري على لسانك وأنا أعني بالصدق صدق اللسان بشكل أساسي، هل تتحرَّى الصدق في أحاديثك ؟ (وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)، فهل أنت ممن كتب عند الله صديقاً ؟ حدثني بربك الذي يكتب عند الله صديقاً يصدق في مزحه وكلامه وجدّه وفي حديثه كله مع الناس كلهم مع أعدائه مع أصدقائه مع محبيه مع كارهيه، الذي يكتب عند الله صديقاً هو ذاك الذي يقول الصدق أينما كان، لا تحدثوني يا إخوتي عن كذب مُبرَّر فليس في الإسلام كذبٌ مبرر، الكذب كله مرفوض وليس في الإسلام كذبٌ أبيض وأسود فكل الكذب في الإسلام أسود، وكل الكذب لا قيمة له بل هو رذيلة الرذائل، الصدق سفينة النجاة، هكذا تعلمنا ونحن صغار وكنا نكتب هذا في درس الخط، قالوا الكذب ينجي، فأجيب الصدق أنجى.

الصفة الثالثة: الأمانة، قرأت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الملقب عند أعدائه قبل أتباعه بالصادق الأمين، ومن تمام أمانته صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال كما في البخاري ومسلم: (يا عائشة تنام عيناي ولا ينام قلبي) لأن رعاية الأمانة بالقلب فرسول الله حتى في نومه يرعى الأمانة التي اؤتمن عليها والتي أدَّاها حق الأداء وشهد له أكثر من مئة ألف صحابي في موقفٍ كبير، ألا هل بلغت ؟ فأجاب هؤلاء الصحابة في حجة الوداع: بلى، فكان يشير هكذا ويقول اللهم فاشهد. أين أنت من قيامك بالأمانات الموكلة إليك ؟ أنت موظف فهل أنت تقوم بالأمانة أم أنك تقول وتبرر: الراتب قليل وبالتالي دعني من أن أقوم بواجبي في وظيفتي فأنا أعمل على قدر الراتب وأصبح مثل هذا الكلام قواعد أخلاقية في مجتمع بائس متخلف، أين أمانتك التي تقوم بأدائها أنت أيها المدرس في مدرستك ؟ هل تقوم بأمانة التدريس حق القيام ؟ أنت أيها الضابط، أيها الطبيب هل تقوم بأمانة الطب والتطبيب في عيادتك ؟ أنت أيها التاجر بالله عليك كم من غشٍ يجري على يديك وقلبك ولسانك قبل أنت تذهب إلى صلاة الجماعة وكأنك تخادع نفسك، تقول: أنا أصلي الجماعة. يا ويحك من صلاتك ويا ويح صلاتك منك، أين الأمانة في تجارتك حتى تؤدي الصلاة في مسجدك ؟ هل لأن الصلاة رخيصة وتعطيك قيمة وقدراً عند الناس، تستغله استغلالاً بشعاً من أجل أن تبرر خيانتك ؟ هذا ما يحدث، وهذا ما يُفعل في مجتمعنا الذي نعيش فيه: (تنام عيناي ولا ينام قلبي) الصادق الأمين هذا الذي نحتفل بمولده، يدعى من قِبَل أعدائه بالصادق الأمين، أين رعايتك لأمانة لسانك ؟ هل ترعى الأمانة في وقتك ؟ هل ترعى الأمانة في عقلك ؟ الوقت أمانة عندك فهل تعطي هذه الأمانة حقها ؟ حدثني عن يومٍ تقضيه عن ساعات تقضيها، أين قيامك بالأمانة حيال الوقت الذي هو وديعة عندك من أجل أن تستغله استغلالاً صحيحاً حلالاً طيباً يعود عليك وعلى المجتمع بالنفع والتقدم ؟ الناس ينامون والناس يسهرون وأنا أتحدث عن أمانة الوقت عندنا وقد استلبتها من أمانات كثيرة لكن هذه الأمانة نكاد اليوم نعيش تضييعها بشكلٍ مطلق، كم مضى من عمرك ؟ بلغت الأربعين، الثلاثين... حدثني بربك هل رعيت في هذا العمر حقه وقمت بما تمليه عليك الأمانة القيام الصحيح ؟ لا أريد أن أتحدث عن احتفال بالمولد مهرجاني، نحن نحتفل بالمولد احتفالاً مهرجانياً، نستمع النشيد الذي لا نفهمه وإلى الكلمة التي يريد صاحبها من ورائها أن يقول بحاله أتكلم كلاماً جميلاً وجيداً ولا تسألوا بعد ذلك عن غير ذلك، وتوزع الضيافات وغدا هذا الاحتفال عادة لا يمتُّ إلى ضرورة التحقق بالخلق العظيم، فلماذا يا إخوتي ؟

أعود إلى ما بدأت به إن طُلب منك أن تتحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنك ستقول أول ما تقول قال الله في حقه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ وهذه قضية بَدَهية مقطوع بها وبصدقها وبوضوحها وبيقينها لكن ليست المشكلة هنا، الله قال والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال، والله صدق في قوله، والرسول تحقق بما قال الله عنه وبما وصفه الله عز وجل لكن المشكلة فيك أنت، قال الله في نبيه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ فهل تستطيع أن تقول لنفسك أنت وإني لعلى خلق عظيم، وإني لذو خلق، هل تستطيع أن تحكم على نفسك بأنك على خلق ؟ هنا تكمن المشكلة، رسول الله لا يستطيع أحدٌ في الدنيا أن ينكر بأنه على خلق عظيم، قضية لا شك فيها ولا ريب، المشكلة فيك أنت، انظروا مساجدنا واحكموا على الناس من خلال دخولهم المسجد وخروجهم من المسجد فيما إذا كانوا على خلق، انظروا مدارسنا انظروا شوارعنا انظروا أبنيتنا انظروا محالنا انظروا متاجرنا هل تستطيعون أن تقولوا لهؤلاء وأولئك بأنهم على خلق بعد دراسة وتمحيص ومن خلال رؤية وفحص ؟ ما أظن. المشكلة هل يقول الله لنا وإنكم لعلى خلق عظيم ؟ هل نستطيع أن نقول لأنفسنا بأننا على خلق عادي أو جيد هنا المشكلة، هذه أمانة أضعها في أعناقكم، ليس الأمانة أن نحتفل كما قلت الاحتفال المهرجاني ولكن الأمانة موضوعة في عنق كل واحد فينا، الرحمة والصدق والأمانة، من هنا إلى الأسبوع القادم فكر في نهاية الأسبوع انظر نفسك هل تستطيع أن تصف نفسك بأنك على خلق على نسبة من الخلق عشرة بالمئة عشرين ثلاثين بالمئة إن كنت قد تحسنت نصف بالمئة مرحباً بك وهنيئاً لك، لكن إن كنت قد رجعت فذاكر نفسك ونبه نفسك بنفسك.

إلى أخلاق هذا النبي الكريم من أجل أن نكون متبعين لهذه الأخلاق العظيمة، أدعو كل أفراد مجتمعي أدعو الكبير والصغير وإلا - والكلام قد يجرح - لا قيمة لكل احتفالاتنا وستكون احتفالاتنا وبالاً علينا، وإلا غدونا متكلمين وحتى الكلام لم نحسنه وابتعدنا عن الفعل والتحقق والتطبيق والتدبر بعد ما بين المشرقين.

أسأل الله عز وجل والقلب مجروح، أن يوفقنا من أجل أن تتحسن أخلاقنا، فالمعركة في النهاية أخلاق أو لا أخلاق، صدق وكذب، أمانة وخيانة، رحمة وعنف، فإما أن نكون على خلق عظيم من خلال الرحمة والصدق والأمانة وإما أن نتولى عن هذا الطريق الواضحة البينة التي رسمت لنا بأمانة ورحمة وصدق من قبل سيد الناس وحبيب الحق وسيد الخلق، اللهم ردنا إلى رحاب هذا النبي الكريم رداً جميلاً، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 5/3/2010

التعليقات

Ahmad Sankari

تاريخ :2010/03/19

akramak alhao wa jazaak fe dokhol el jana. ameen

Ahmad Sankari

تاريخ :2010/03/19

akramak alhao wa jazaak fe dokhol el jana. ameen

شاركنا بتعليق