آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
فريضة نصرة المظلوم

فريضة نصرة المظلوم

تاريخ الإضافة: 2010/04/09 | عدد المشاهدات: 5307

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

أن لا تكون ظالماً فتلك فضيلة، أن لا تظلم فتلك فضيلة، ولكن هذه الفضيلة لا تكتمل بعدم ظلمك وإنما تكتمل إذا نصرت المظلوم، الفضيلة بتمامها أن لا تظلم وأن تنصر المظلوم الذي تراه أمامك أو الذي تسمع عنه أو الذي يصل إليك خبره، لعل أكثرنا ينظر إلى نفسه على أنه غير ظالم، ويمكن أن يكون كذلك، لكننا نقول له لا يكفي هذا يا أخي، عليك أن ترفع الظلامة عن المظلوم إذا كنت قادراً، وعليك أن تبذل جهدك لتتأكد فيما إذا كنت قادراً أو لا، أما أن تقدِّر سلفاً بأنك غير قادر فهذا أقرب إلى التكاسل والتواكل.

تلك المشكلة وهي عدم نصرة المظلوم تكاد تخيم على مجتمعنا لا أقول على مجتمعنا الحلبي أو السوري أو العربي بل على المجتمع الإسلامي بشكل عام، لقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية، فقال أحد الصحابة: ما العصبية يا رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن تعين قومك على الظلم) لعلنا إذا تفحصنا ومحصنا الوضع الذي نعيشه، وانظر تصرفاتك وانظر تصرفات جماعتك وانظر تصرفات الناس في عالمنا ومجتمعنا العربي والإسلامي، فستجد انطلاقاً من نفسك بأنك على عصبية لأنك تريد أن تعين قومك، قريبك، أخاك، ابن عمك، جارك... تعينه على الظلم، تعينه على أن يتابع ويمعن في الظلم، لا تريد أن تردعه، لا تريد أن تقف أمامه لتقول له بأنك ظالم، ينصر الرجل منا أخاه على عصبية، وينصر الرجل منا ولده على عصبية، نسمع من هنا وهناك أن شخصاً ارتكب جريمة وعرف أخوه أو ابنه أو صديقه بأنه ارتكب هذه الجريمة فعلاً، وإذ بهذا الرجل بالقريب بالأخ بالابن بالأب يذهب من أجل أن يُغطّي على هذا الإنسان جريمته، ومن أجل أن يحلل هذا الإنسان من عقوبته، ومن أجل أن يقول لمن يحكم ولمن يقضي بأن قريبه ليس بمجرم، إذن هو على عصبية، لو نظرنا إلى سلوكاتنا بشكل عام لرأينا على الرغم من إسلامنا وصلواتنا وكل هذه الأفعال التي نقوم بها لكننا نعيش على عصبية كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تعين قومك على ظلم لأنهم قومك بغض النظر عن العدل المنشود، فلا بحث عن عدل ولا بحث عن عدالة وإنما البحث عن عصبية.

نصرة المظلوم قضية أساسية، هذا مظلوم عليك أن تنصره وأن تبذل الجهد في نصرته، أقول هذا لأصحاب القوة والسلطة وأقول هذا لكل إنسانٍ يستطيع أن يرفع ولو أدنى ظلم عن أخيه الإنسان، عن مواطنه، عن جاره، عن صديقه، لأن الله عز وجل أخذ العهد على ذاته جل وعلا أن ينصر المظلوم فقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري: (اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، والمظلوم يرفع الله دعوته فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين) أخذ الله على ذاته العهد أن ينصر المظلوم فكونوا أنتم وتخلقوا بأخلاق ربكم وانصروا المظلوم.

يا أيها التاجر لا تنصرنّ ولدك على صانعك وولدك ظالم، لا تنصرن مديرك على موظفك والمدير ظالم، لا تنصرن زوجتك على أختك وزوجتك ظالمة، وأنت أيتها المرأة لا تنصري زوجكِ على أخيكِ أو أخاك على زوجكِ وهذا الذي تنصرينه ظالم، فالقضية خطرة.

على مستوى الأمة: أُمرنا أن ننصر المظلوم فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا قُدِّست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع) أي بسهولة ويسر من غير أن يلقى العنت، لا قدست أمة أي أصبحت هذه الأمة غير مقدسة: (إذا رأيت أمتي) هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في مسند الإمام أحمد: (إذا رأيت أمتي لا يقولون للظالم منهم أنت ظالم فقد تودع منهم) انتهت هذه الأمة وهذا الحديث ليس فقط في الميدان السياسي، نحن نفهمه فقط في أن يقول الواحد منا للمسؤول الكبير، لا، أيها الإخوة، ليس هذا الحديث محصوراً هنا فقط، أنا لا أقول بأن هذا الحديث لا يتناول هذا لكنه ليس محصوراً في هذا المجال فحسب لكنه يتناولك أنت في كل حياتك: (إذا رأيت أمتي لا يقولون للظالم منهم أنت ظالم فقد تودع منهم) قل لولدك أنت ظالم قل لأخيك أنت ظالم قل لمن تحتك ولمن فوقك ولمن يساويك ولمن يعدلك ولمن إذا ما كان ظالماً قل له أنت ظالم، وإياك أن تخشى في الله لومة لائم، قل لزوجتك، قولي لزوجك، قل لجارك أنت ظالم إذا ما رأيته ظالماً ولا تكن معه على ظلمه، فإن الله عز وجل لا يرضى لك هذا وسينتقم منك إن لم تقل له أنت ظالم وتريد أن تصحح له سلوكه سينتقم منك كما سنرى في الحديث الشريف الصحيح، على مستوى أمة (لا قدست أمة) وعلى مستوى الأمة (إذا رأيت أمتي).

وعلى مستوى الفرد: فقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الترمذي: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه) على مستوى الأفراد ومستوى الأمة ومستوى الجماعات، من انتسب منا لجماعة انتصر لها وإن كانت ظالمة، من انتسب منا إلى عائلة أو قبيلة انتصر لها وإن كانت ظالمة، من انتسب منا لحركة انتصر لها وإن كانت ظالمة: (إذا رأيت أمتي لا يقولون للظالم منهم) أما أن تقول لإسرائيل أنها ظالمة فهذه قضية سهلة، وإسرائيل ظالمة فعلاً، وأنت حين تقول هذا تقول هذا وأنت مطمئن لأنك لن ترى من يعنفك، لكن الأقوى أن تقول لمن كان ظالماً منكَ لمن كان ظالماً وهو أخوك وهو ولدك، وهو في الحركة معك وهو في الجماعة معك وهو في الحزب معك وهو في القبيلة معك: (إذا رأيت أمتي لا يقولون للظالم منهم أنت ظالم فقد تودع منهم).

على مستوى الأمة إن لم تقولي أيتها الأمة للظالم أنت ظالم وإن لم تنصري المظلوم، ويا أيها الفرد في أي مكان كنت وفي أي مرتبة كنت إذا لم تقل للظالم أنت ظالم وإذا لم تنتصر للمظلوم فالنتيجة قال سيدي رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم عن رب العزة جلت قدرته كما في الطبراني: (لأنتقمنَّ ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم يفعل) هكذا يقول الله عز وجل، فمن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره ولو بكلمة ولو بإشارة المهم أن تبذل الجهد الذي تستطيعه، وأنت تستطيع، ولا تقولن لنفسك بأنك لا تستطيع أو تخاف، لأن لكل شيء ضريبته، أوَلستَ تخرج مغامراً من أجل رزقٍ تريد تحصيله وأنت في هذا العمل تأخذ الثواب والأجر ؟ أتريد أن تنتصر للمظلوم من غير ضريبة تدفعها ؟ ستتحمل، سيصيبك شيء من عَنَت، سيصيبك شيء من تعب: ﴿وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك﴾ من أمر بمعروف ونهى عن منكر سيصيبه شيء من نصب وعنت وربما أصابه شيء من عذاب، وهذا هو سيدي رسول الله القدوة والأسوة يبين لنا بسلوكه هذا الذي يجب أن نقرأه بينة واضحة عملية سلوكية اتباعية، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في مسند الإمام أحمد (من أذل عنده مؤمن فلم ينصر وهو يقدر أن ينصره أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق)، كم يُذل عندك أشخاص وأشخاص ؟ كم يذل عندك من عمال يا صاحب المصنع وأنت تستطيع نصرته ؟ كم يذل عندك موظفين أيها المدير وأنت تستطيع نصرته ؟ كم يذل عندك من جنود أيها الضابط وأنت تستطيع نصرته ؟ (من أذل عنده مؤمن فلم ينصر وهو يقدر أن ينصره أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق)، كم يذل عندك من طلاب ؟ كم يذل عندك من أساتيذ أنت أيها المدير من قبل طالب مدعوم وأنت تسكت وتستطيع نصرته ؟ فانصره حتى لو كلفك الأمر أن تترك هذا المنصب، لأن المنصب يجب أن يكون حراً فإنك في المنصب هذا إن لم تتصرف على أساس من حرية إرادة ومن إرادة حرة فكبّر على هذا المنصب أربعاً ودعك منه فإنه منصب ذُل. هذا الكلام للجميع لكل الأفراد، وأرجو ألا نحصر القضية في المجال السياسي العام وأن ندرك أن مثل هذه الأمور يجب أن نتلمسها تطبيقاً واتباعاً وتنفيذاً في المسجد والمدرسة والبيت والشارع والمصنع والمتجر والجامعة وكل مكان، عليك أن تجنِّد نفسك على أمرين، وكما بدأت الحديث أعيده عليك ألا تظلم وعليك أن تنصر المظلوم، وحسبك أن تقرأ حلف الفضول الذي كان في الجاهلية يوم ظُلم رجل من قبيلة زبيد، ظلمه رجل ذو شرف يسمى العاص بن وائل السهمي، ظلمه فلم يعطه حقه اشترى منه بضاعة فلم يؤده ثمنها، فاجتمعت رؤوس القبائل من بني زهرة وهاشم وتيم وتعاقدوا في شهر ذي القعدة على أن ينصروا كل مظلوم، اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان وقاموا ووقعوا العهد والحلف وهم قائمون إكباراً لهذا العهد والحلف ألا يتركوا في المكان الذي يشغلوه مظلوماً إلا وينصروه تعاقدوا على ذلك والرسول كان حاضراً وكان ذلك قبل البعثة فقال عن هذا الحلف بعد أن بعث: (لقد حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب لو أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت) فلتشكل كل عائلة حلف الفضول مهمتها أن تنصر المظلوم وأن تعطي كل ذي حق حقه وان يأخذ الضعيف فيهم حقه غير متعتع، فلنسعَ إلى إنشاء أحلاف على مستوى العائلة وعلى مستوى الحي وعلى مستوى الدائرة وعلى مستوى المديرية وعلى مستوى الوزارة علينا أن ننشئ ما يسمى بديوان المظالم وأن نُفعِّل هذه الخلية، وأن نفعل هذا المكتب، وأن نفعل هذا الديوان، وأن نفعل هذا الحلف، لأن الظلم هو السد المنيع أمام أمة تريد أن تتحضر، لا تكون الحضارة مع الظلم، وإذا ما كنا غير قادرين على أن ننصر المظلوم وأن نكفَّ يد الظالم الذي هو منا فلن نصل إلى شيء اسمه الحضارة وإن كانت هذه الكلمة بعيدة المنال بالنسبة لنا، نحن نتحدث حضارة منشودة لكنني أشعر أن بيني وبين هذه الكلمة أشواط وأشواط وأشواط تكاد توصلني هذه الأشواط إلى حد اليأس لما نرى من حالة وواقع لا يمكن أن ينبئ ولو بعد حين بشيء اسمه تباشير الحضارة.

اللهم إني أسألك أن تجعلنا من الذين يعدلون في حكمهم وفي أهليهم وفي مساجدهم وفي كل أماكنهم، اللهم إني أسألك أن تجعلنا ممن يبتعد عن الظلم بعد المشرقين، وأسألك أن توفقنا لنصرة المظلوم، أن توفقنا من أجل أن نشكل فيما بيننا حلفاً كحلف الفضول ننصر من خلاله المظلوم ونساعد صاحب الحق حتى يصل إلى حقه، اللهم أنت ربنا وأنت حسبنا وأنت ولينا، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 9/4/2010

التعليقات

أسامة صافي

تاريخ :2010/08/07

جزاك الله خيرا يا شيخ كفيت ووفيت

شاركنا بتعليق