شارك الدكتور الشيخ محمود عكام في المؤتمر الدولي الذي أقامته وزارة الأوقاف والطوائف المسيحية في الجمهورية العربية السورية بعنوان: "الإخاء الإسلامي المسيحي" يوم الأربعاء 15/12/2010. وكانت مداخلة الدكتور عكام بعنوان: (العلاقات الإسلامية المسيحية: ثوابت لا تقبل التغيير) وفيما يلي نصها:
العلاقات الإسلامية المسيحية
ثوابت لا تقبل التغيير
أولاً: مقدمة في احترازات وتوضيحات:
أ- أخرجوا هذه العلاقات من مجال السياسة والسياسيين ولا تَعدّوها إنتاجاً سياسياً، ودعوا السياسيين وشأنهم وأنتم تؤصّلون هذه العلاقات.
ب- لا بد من تحويل قواعد وأسس العلاقات إلى واقع معيش، وممارسة على الأرض، وإلا فسيكون التنظير حجة علينا، وسيُحكم علينا بالضعف والقصور حال استمرارنا قوالين فقط.
ج- لنعمل جميعاً على ترسيخ المواطنة عنواناً يحكم مجتمعنا، فالمواطن هو الرّكن الركين والموضوع المتين، له حقوق وعليه واجبات، ولا فرق بين مواطن ومواطن في تلك الحقوق والواجبات، على أساس من دين أو عرق أو لون أو لغة أو جنس، بل الجميع متساوون وعليهم التنافس البنّاء الإيجابي في خدمة الوطن حماية ورعاية، فالكل مواطن وليس ثمة رعايا.
د- لقد زلزلت المجتمعات يوم سُيّس الدين ودُيّننت السياسة.
ثانياً: الموضوع: ثوابت العلاقات الإسلامية المسيحية:
أ- الناس جميعاً مكرمون إنسانياً:
قال تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾ الإسراء: 70. وقال: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ الحجرات:13. وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم)رواه أحمد 5/411. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة) رواه أبو داود 2/83.
وقد مرّت جنازة أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام لها، فقيل: إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً. رواه البخاري 1/441.
ب- الحَصانة لجميع المواطنين بغض النظر عن اللون والدين واللغة والجنس:
قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ المائدة: 8. وقال أيضاً: ﴿من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً﴾ المائدة: 32.
ج- على الدولة حماية جميع المواطنين دون تمييز:
قال تعالى: ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً﴾ الحج: 40. ويقول صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة) رواه أبو داود: 3/170.
والمعاهد هو المواطن بعهد وعلى عهد الوطن، وفي عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنصارى نجران: (ولنجران وحاشيتها ذمة الله وذمة رسوله: على دمائهم وأموالهم وملتهم وبيعهم ورهبانيتهم وأساقفتهم وشاهدهم وغائبهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير) الأموال لابن زنجويه: 2/103.
د- الحرية للجميع:
ديناً ورأياً وسلوكاً وعملاً، وعلينا أن نعلم أن الحرية هي التي تعطي الوطن قيمته فلا وطن من دون حرية، ولعل الفارق بين الأرض الجرداء والوطن الغالي هو الحرية. قال تعالى: ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾ البقرة: 256.
وفي معاهدة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أهل القدس "أعطوهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار منهم أحد" تاريخ الرسل والملوك 2/449. وقد صلّى نصارى نجران البالغ عددهم ستين شخصاً في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم متوجهين إلى غير قبلته. السيرة النبوية 1/574.
ويجدر بنا في هذا المقام أن نذكر باحترام ذاك الرجل الحر فارس الخوري حين قال: "إن مبرر وجود فرنسا في هذه البلاد هو حماية النصارى - أنا فارس الخوري - أطلب الحماية منكم أيها المسلمون وأرفضها من فرنسا".
وأخيراً: ها نحن أولاء استدعينا من أجل الثوابت التي ذكرناها في النصوص وشيئاً مما حدث في التاريخ. وآمل أن لا يقولن قائل بأن ذوي النظرة المقابلة يملكون ما تملكون من نصوص ووقائع لأننا بما نقول نقارب المنشود الإنساني العام، وهم بما يقولون يجافون ذياك المنشود المتجلي: الأمن والأمان والسلامة والسلام: ﴿يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة﴾ البقرة: ٢٠٨. وقال تعالى: ﴿فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً﴾ النساء: ٩٠.
ثم تحدث الدكتور عكام عن مبادئ في العيش المشترك بين أتباع الديانات السماوية، فيما يلي نصها:
مبادئ إسلامية
في العيش المشترك بين أتباع الديانات السماوية
مبادئ ديننا الحنيف في العيش المشترك بين أتباع الديانات السماوية هي:
1- الأديان السماوية كلها تستقي من معين واحد، قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه).
2- الأنبياء كلهم إخوة، ولا تفاضل بينهم من حيث أصل الرسالة، وعلى المسلمين أن يؤمنوا بهم جميعاً، قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون).
3- لا يمكن الإكراه على العقيدة أبداً، بل لا بد فيها من الاقتناع والرضا، قال تعالى: (لا إكراه في الدين)، وقال تعالى: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
4- أماكن العبادة للديانات الإلهية محترمة يجب الدفاع عنها وحمايتها كحماية مساجد المسلمين، قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً).
5- اختلاف الناس في أديانهم لا يؤدي إلى الاعتداء على بعضهم بل عليهم التعاون على فعل الخير ومواجهة الشر، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). والفصل بينهم فيما يختلفون فيه إلى الله وحده الذي يحكم بينهم يوم القيامة، قال تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون).
6- التفاضل بين الناس في الحياة بمقدار ما يقدم أحدهم لنفسه ولمجتمعه وللإنسانية من خير وبر، قال صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله" رواه البزار. وقال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
7- الاختلاف في الدين لا يحول دون البر والصلة والضيافة والعلاقة الحسنة، قال تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)، وقال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم).
8- الناس المختلفون ديناً يجادل بعضهم بعضاً بالحسنى وفي حدود الأدب والاحترام والإقناع، قال تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم).
9- فإذا اعتدي على الأمة في عقيدتها وجب رد العدوان لحماية العقيدة ودرء الفتنة، قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله)، وقال تعالى: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم).
10- فإذا ما انتصرت الأمة على من اعتدى عليها في الدين أو أراد سلبها حريتها فلا يجوز الانتقام منهم بإجبارهم على ترك دينهم، أو اضهادهم في عقائدهم.
11- هذه هي مبادئ ديننا الحنيف في العيش المشترك، وقد طبقت بكاملها في حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وفي فترات لاحقة وأمكنة مختلفة من الأرض التي نحيا عليها، وها نحن أولاء - اليوم – نذكر أنفسنا وإخواننا والإنسانية جمعاء بهذه المبادئ لتكون ورقة عمل وبرنامج حياة لنا جميعاً، ولا سيما أن الأوضاع غدت تتطلب مثل هذا المداء بعد أن عمت الفوضى الأرجاء، ودارت رحى العداوة، وأنتجت دماً مسفوحاً بغير حق وخراباً ليس له مبرر عقلي أو ديني، فلقد آن الأوان، آن الأوان، وإنا – إن لم نتدارك – لمدركون.
وختم الدكتور عكام مداخلته بملحق، وهو الرسالة التي وجهها إلى المؤمنين في العالم بمناسبة حلول الألفية الثالثة، فيما يلي نصها:
رسالة وجهها الدكتور الشيخ محمود عكام
إلى المؤمنين في العالم بمناسبة حلول الألفية الثالثة
قال الله تعالى : ﴿وقولوا للناس حسناً﴾ البقرة: 83.
إلى كل المسلمين في العالم
إلى كل المسيحيين في العالم
إلى جميع طلاب الإيمان والأمان من بني الإنسان في العالم
السلام على الجميع ورحمة من الله وبركاته :
ها نحن قد دخلنا رحاب القرن الواحد والعشرين، ووطئنا عتبة الألفية الثالثة لميلاد السيد المسيح عليه السلام عليه وعلى نبيّنا وكل الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام، فماذا عسانا نقول، نحن من آمنا بالله جل شأنه وباليوم الآخر وبالحساب يومَ الدين .
إني لأتوجّه إلى المؤمنين في ذكرى الأعياد، على اختلافها وتنوعها وتعددها، من رمضان وميلاد وفطر ورأس سنة، قائلاً:
أجمِعوا أمركم، وألفوا صفوفكم، ووحدوا كلمتكم، واستشعروا مسؤوليتكم عن الإيمان والأمان والإنسان، فالعالم عطشان ينتظر شراباً سائغاً عذباً، تعتصرونه لهم من تعاليم السماء السمحة، فلا تشتغلوا عن هذه المهمة ولا تستبدلوا بها الذي هو أدنى .
أمامنا مشتركات كثيرة، وأعظمها الإيمان بالله، فلننطلق منه، وعلى عواتقنا مهام متحدة جسيمة، وأكبرها إنقاذ القلوب اللطيفة من براثن المادة وطغيانها، التي بدأ داؤها وأُوارها يأخذ الأخضر واليابس، وما بوادر تصحِّر الأرض إلا إشارة إلى تصحر القلوب والنفوس، وهذا ما لا نريد حصوله ولا حدوثه، وإلا فنحن مدَّعون، قد قست قلوبنا، وبعدت حقيقة المحبة عن صدورنا.
أيها المؤمنون بالله:
إن الديانات السماوية جميعها تنادي بالوفاء والمحبة والتسامح وحسن التعايش، وأي تابع لديانة من هذه الديانات لا يقول بهذا فقد أعظم الفرية على دينه.
ولأن الصهيونية لم تتخذ في مسيرتها هذا النهج، وعدلت عنه إلى الاعتداء والقرصنة والفحش، فإنها بعيدة كل البعد عن اليهودية الأصيلة، التي جاءت في أصلها – كبقية الديانات السماوية – هداية للناس ورحمة.
هيّا معاً فلنرفع دعاءَنا إلى الله العلي العظيم من أجل الجائعين حتى يأكلوا ويشبعوا، ومن أجل المرضى حتى يشفوا، ومن أجل المظلومين حتى تعود لهم حقوقهم، ومن أجل التعساء حتى يسعدوا، ومن أجل الأطفال حتى يعيشوا آمنين، ومن أجل المهاجرين حتى يعودوا إلى أوطانهم، والله ولينا وهو حسبنا، وأحبُّنا إليه أنفعنا لعياله.
كلَّ عام، وكل وقت، وكل لحظة والعالمَ كلّه في أمان، والإنسان كل الإنسان في خدمة الإنسان .والسّلام على أهل السّلام في العالم ورحمة من الله وبركاته.
التعليقات