آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
واجباتنا نحو الوطن

واجباتنا نحو الوطن

تاريخ الإضافة: 2011/04/22 | عدد المشاهدات: 4895

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

يا أيها الإخوة المواطنون، يا أيها الإخوة المسلمون، يا أيها الإخوة المحبون لبلدكم:

اسمحوا لي أولاً أن أرفع دعائي لرب العزة جلت قدرته فأقول: اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم احفظ أوطاننا، اللهم نسألك الحماية لأوطاننا، اللهم اصرف عن أوطاننا السوء والبغضاء والشر والكيد والعداوة، اللهم إنا نسألك أن تجعل أوطاننا في مأمن من كل ما يريبها، يا رب العالمين بحق أسمائك الحسنى أصلحنا، يسِّر أمورنا، اشرح صدورنا.

هذا الوطن الذي ندعو له أيها الإخوة، هذا الوطن الذي نتوسّل إلى الله بأنبيائه وأصفيائه من أجل أن يحفظه ويرعاه، هذا الوطن له حقوق علينا، وعلينا واجبات تجاهه، فهل نفكّر بشكل جاد في القيام بواجباتنا نحو هذا الوطن ؟ أنت أيها الشاب، أنت أيها الرجل، أنت أيها الموظف، أنت أيها المسؤول، فكِّر بواجبك نحو وطنك الذي تدعو له والذي تقول آمين من قلبك عندما أقول: اللهم أمنّا في أوطاننا واحفظ أوطاننا، عليك أن تحفظ الوطن من خلال قيامك بواجباتك نحوه.

حق الوطن عليك أن تحبه، فنبينك ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول لمكة كما جاء في الترمذي: (والله إنك لأحب بلاد الله عندي، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت) فمكّة موطن الحبيب الأعظم عليه الصلاة والسلام، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يسمع أحداً يتغنى بمكة وهو أصيل، كان يقول كما في الطبراني: (إيه أصيل) تابع التغني يا أصيل (إيه أصيل، والله إني لمكة لمشتاق) أحبوا أوطانكم يا أيها الناس، يا أيها المؤمنون، فحبّ الوطن قيمة عليا يحضّ عليها ديننا ويحض عليها عقلنا الصحيح السليم، أحبوا أوطانكم، واسعوا من أجل خدمة أوطانكم، يا أيها الناس يا أيها المحبون، والحب يفرز تضحية، والحب يفرز عطاءً، والحب يفرز محبة ومودة، الحب يفرز كل شيء خيّر فيك من أجل أن تقدمه للوطن، حق الوطن علينا أن نحبه.

وحق الوطن علينا أن نواليه، الحب والولاء. والولاء أمران اثنان: الأمر الأول: أن تدافع عن وطنك وأن تحمي وطنك من كل مكروه وكل أذى مادي ومعنوي، فعلينا أن نحمي وطننا من الأذى المادي، من العدو المشترك، من إسرائيل، من أذناب إسرائيل، ممن يريد لوطننا الذلّ والقهر والتخلف والتأخر، عليك أن تحمي وطنك من الأذى المادّي، لأن حمايتك وطنك من الأذى المادي من الإيمان، وشعبة من شعب الإيمان. أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فهيا من أجل أن تحمي وطنك من الأذى المادي.

وعليك أن تحمي وطنك من الأذى المعنوي، وأريد أن أذكر نوعين من الأذى المعنوي: أما الأول: ففساد ذات البين، أصبحت ذات البين بيننا فاسدة، ورسول الله يقول كما في سنن أبي داود: (ألا أخبركم بأفضل من الصلاة والصيام والصدقة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلاح البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) تحلق الدين ولا تحلق الشعر.

أما الأذى الثاني الذي يجب أن نحمي وطننا منه فهو الاختلاف الذي يؤدي إلى التناحر والفشل والتنازع: (لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) هكذا قال رسول الله كما في البخاري. أتريدون الهلاك ؟ إذن اختلفوا.

عليك أن تحب وطنك أولاً، عليك أن توالي وطنك، والولاء يتجسّد في الحماية من كل مكروه مادي ومعنوي، ويتجسد في العناية، عليك أن تُعنى بوطنك، بمظهره ومخبره، عليك أن تعنى ببلدك، عليك أن تعنى بمدرستك فمدرستك وطنك، عليك أن تعنى بجامعتك فجامعتك وطنك، عليك أن تعنى بدائرتك فدائرتك وطنك، عليك أن تعنى بجامعك فجامعك وطنك، عليك أن تعنى بحديقتك، بملعبك، فحديقتك وطنك، وملعبك وطنك، وكل هذه المكوّنات وطنك، عليك أن تعنى بها مظهراً ومخبراً.

أما المظهر فعليك أن تعنى بالماديات لأنك راعٍ، أنت راع وأنا راع، وكلكم راع، هكذا يقول سيدنا وحبيبنا وقائدنا ومعلمنا عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، الرجل راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها...) كما جاء في الصحيح، وقلت لكم الحديث الأسبوع الماضي: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية فلم يُحِطها بنصحه إلا لم يُرِح رائحة الجنة) العناية بالوطن مادة ومعنى، زراعة وصناعة، خلقاً وتربية.

أيها الآباء: توجهوا إلى أولادكم بالتربية بالخلق، أيها المعلمون، أيها المدرسون، أيها الضباط حيثما كنتم، العناية بالوطن مادة ومعنى أمانة، علينا أن نجعل من وطننا وطناً زراعياً متقدماً مزدهراً، ومن وطننا وطناً صناعياً مزدهراً، ووطناً اقتصادياً مزدهراً، ووطناً علمياً مزدهراً، ووطناً أخلاقياً مزدهراً، ووطناً مربى، ومواطناً كريماً، ومواطناً أبياً، ومواطناً صادقاً، ومواطناً عادلاً، ومواطناً يسعى من أجل مصلحة الوطن. فلنتقِّ الله في وطننا، هذا الوطن الذي يستنجدنا من أجل أن نبنيه لا من أجل أن نخربه، من أجل أن نعنى به ونحميه لا من أجل أن نزرع فساد ذات البين بيننا.

أريد منكم ومن نفسي أن نتوجه بصدقٍ في دعائنا لربنا ليحفظ أوطاننا من كل مكروه، وأريد من كل واحدٍ منكم في عمله أن يكون متقناً عمله، فبإتقانك العمل ستكون أيها الإنسان الوطني وطنياً بامتياز.

يا أيها الناس: هذا الوطن بحاجة إليكم، نحن الآن مشغولون عن القضية الأساسية، غزة تُستباح، نحن مشغولون عن العدوّ الحقيقي الأساسي الصهيونية التي تقتل أبناءنا، نحن مشغولون عن الالتفات إلى وطننا السليب، إلى فلسطين، بيت المقدس التي يزرع فيها العدو الصهيوني الخراب تلو الخراب، والذي يزرع فيها القهر تلو القهر، يا إخوتي: فلسطين تستنجدنا، ونحن كالبنيان المرصوص، فإن لم نكن كالبنيان المرصوص فلن نستطيع مواجهة هذا العدو الذي ربض على صدر فلسطين، أتقولون لفلسطين نحن مشغولون عنكِ ؟ أتقولون لبيت المقدس نحن مشغولون عنك ؟ أتقولون للعدو الصهيوني لقد حوّلنا العداوة منكَ وعنك إلى جاري وصديقي ومواطني وأخي ؟! أتريدون أن تقولوا ذلك ؟ ﴿ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا﴾.

يا رب بحق نبيك زكريا هذا الذي نحن في جواره، أسألك أن تحفظ بلادنا، أن توفق شبابنا لكل خير، أن تجعل شبابنا يتمتعون بعملٍ دؤوب نافع راحم، وبلسان واعٍ وبعقلٍ طاهر، أسألك يا رب أن توفقنا جميعاً من أجل أن نكون في خدمة دينك وعبادك وبلادك، شرَّفتنا يا رب فهديتنا إلى الإسلام، وأكرمتنا يا رب فجعلتنا من أتباع سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتفضلت علينا يا ربِّ أسكنتنا بلاد الشام فها نحن مُقصّرون في شكرك، وها نحن على هذا المنبر وفي هذا اليوم نرفع الأيدي ونقول: الشكر لك يا رب، والحمد لك يا رب، أسألك يا رب أن تمتّعنا بالأمن والأمان، والسّلم والسّلام، والأنس والاطمئنان، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 22/4/2011

التعليقات

ربيع قلعه جي

تاريخ :2011/04/27

فضيلة الشيخ الدكتور محمود عكام ربما من فضل الله علي وكرمه أنني جلست معك في كلية الاقتصاد لمدة نصف ساعة تقريبا فضيلة الدكتور الحمد لله أنك المنارة التي تشع وتضوي علينا في حلب ( العلم والأخلاق والتواضع وكل شيء ) فضيلة الدكتور خطبة الجمعة الماضية وبساطتها 22/4/2011 هي أكثر من رائعة مع فائق شكري وامتنناني لك

شاركنا بتعليق