آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
التقوى: سبيلٌ للخروج من الأزمات

التقوى: سبيلٌ للخروج من الأزمات

تاريخ الإضافة: 2011/06/10 | عدد المشاهدات: 3736

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

كما جرَت عادتنا هذه الأيام، نذكر الشهداء بالرحمة، وندعو الله عز وجل أن يحفظ أوطاننا من كل مكروه، وأن يجعلنا آمنين في أوطاننا، وأن يجعل أوطاننا في عنايته ورعايته وحفظه وكرمه وإحسانه وبره ورحمته.

أيها الإخوة:

ثمة مفردة يتداولها الناس ويحبها الناس، مفردةٌ إسلامية شرعية، يحبها الناس جداً ويحرصون على أن يتصفوا بها، هي صفة، وهي حال، وهي سِمة، وهي سلوك، وعندما يمتدحون إنساناً ما يمتدحونه بهذه الصفة، وما أعتقد أنهم يجدون أرفع ولا أعلى شأناً من هذه المفردة، وفي هذه المفردة أجد خلاصاً من أزمة ألمت بنا ومن أزمات - ونسأل الله العافية - يمكن أن تلمَّت بنا، هذه المفردة إن مدحت شيخاً حرصت على أن تصفه بها، وإن مدحت التاجر مدحاً قوياً حرصت على أن تصفه بها، وإن مدحت.. وإن أردت أن تنصح إنساناً بقوة نصحته بها، أرأيت إلى هذه الصفة، إلى هذه المفردة، إلى هذه القيمة، إنها بكل بساطة الكلمة المشهورة المعروفة: (التقوى).

ومن منا لا يريد أن يكون تقياً ؟ ومن منا لا يمدح الشيخ الجليل، والعالم الكبير، والتاجر الصدوق بهذه الصفة ؟ أولستَ تحرص على أن تكون تقياً حتى إذا ما نوديت بها أصابك فرحٌ شديد وسرورٌ عظيم ؟ التقوى: ومن أجل أن أدلل على أنها الخلاص لأزمة تمر بالإنسان وتُلمُّ به اقرأ قوله تعالى: ﴿ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً﴾، أنت في أزمة، أنت في ضيق، أنت في شدة، اتق الله، هكذا يقول لك ربك، إذا أردت أن تخرج من ضيق وقعت فيه ومن أزمةٍ ألمت بك، ومن كرب حلَّ بساحتك، ومن ضيق علت سحاباته الداكنة رأسك، فما عليك إلا ان تأخذ هذا الدواء: ﴿ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾، أوليس الله قد قال أيضاً: ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين﴾، العاقبة في الدنيا للمتقين، والعاقبة في الآخرة للمتقين، أتريد أن تكون العاقبة المحمودة لك ؟ إذاً كن من المتقين، أتريد أن يُفرَّج عنك ؟ إذاً كن من المتقين، أتريد ان تكون العاقبة المحمودة لك في الآخرة ؟ إذاً كن من المتقين: ﴿واتقوا الله ويعلمُكم الله﴾، أوليس الله قد قال لنبيه: ﴿يا أيها النبي اتقِ الله﴾، فلماذا لا تقبل مني أن أقول لك اتقِ الله ولا أقبل منك ان تقول لي اتق الله ؟ فها أنذا أقول لكم ايها السوريون على اختلاف مناصبكم من القمة إلى القاعدة، ومن القاعدة إلى القمة من غير استثناء على الإطلاق: اتقوا الله. اتقِ الله بدءاً من رئيس الدولة وانتهاءً بأقل إنسان من حيث المنصب يشغل مكاناً بسيطاً، اتقوا الله، أنت حيث كنت اتق الله، إذا أردت ان تخرج من أزمة ألمت بنا فلنتق الله.

وهنا يأتي السؤال الأصعب: وماذا تعني التقوى ؟ وماذا تريد بكلمة التقوى وبمفردة التقوى ؟

التقوى ومن أجل أن تكون مُفصَّلة محددة حتى تنفّذ وتطبّق، هذه دروسٌ يجب أن نحافظ عليها لأننا في ضيق، لأننا في شدة، لأننا في حالة حرجة شئت أم أبيت، تحدّثت أم لم تتحدث، وكلنا يريد حلاً، والحل آتٍ باعتبارنا من المؤمنين آتٍ من السماء، ولا حلَّ إلا من الله، والحل من الله مبثوثٌ في كتابه: ﴿ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً﴾ ما التقوى ؟ التقوى: صلاحٌ عام ظاهر وباطن. وسأعدِّد لك معالم هذا الصلاح، وبعدها انظر نفسك هل أنت ممن دخل رحاب التقوى وقنطرة التقوى أم أنت في مكانٍ بعيدٍ سحيقٍ عنها ؟ التقوى: صلاحٌ عام ظاهر وباطن. التقوى ليست لحية، والتقوى ليست رُكيعات فقط، والتقوى ليست شعارات ترفعها في فمك، والتقوى ليست اجتماعات، والتقوى ليست شتائم من باب أولى، والتقوى ليست صُراخاً، وإنما التقوى ملامح أحصيتُها بعد أن قرأت كتاب ربي وأحاديث نبيي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدتها في الصَّلاح العام الذي يعني ما يلي، جمعتها في ستة أمور:

الأمر الأول: الإيمان بالله: ﴿ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه﴾، وإذا كان قلبك مَهدياً فأنت قد حصّلت الجزء الأهم من التقوى، الإيمان الحق بالله، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الذي يرويه أبو داود: (المؤمن غرٌ كريم، والفاجر خِبٌّ لئيم) هل أنت غرٌ كريم أم خبٌّ لئيم ؟ من خدعنا بالله خُدعنا، ولم تكن لئيماً فأنت مؤمن، ولا أريد ان أطيل في شرح الملامح حتى تكون أدعى للحفظ وأدعى من أجل أن تستجمع في ذواكركم الواعية.

الأمر الثاني: عبادة الله، هل تعبد الله عز وجل ؟ هل تصلي الصلاة الواعية ؟ هل تذكر الله: ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾ المشاكل لا يمكن أن تصيبك: ﴿لا إله إلا أنا فاعبدني﴾ تفكرون في عبادة سواي، تفكرون في الالتجاء إلى سواي: ﴿لا إله إلا أنا فاعبدني﴾ اعبد الله.

الأمر الثالث: محبة الله، هل تحب الله أنت ؟ وهذا مَعْلمٌ من معالم الصّلاح العام الذي هو التقوى، إن كنت تحب الله فطوبى لك، فاحرص على ألا يخدش هذا الحب، وثمة آيةً لا أروع، وقد حرص فيها صاحبها بطل القصة على ألا يخدش حب الله عز وجل ولو كان على حساب روحه، فقال: ﴿لئن بسطتَ إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين﴾ إني أخاف أن أوذي حب الله، لأن الله لا يحب القتل وبالتالي لا أريد أن أرتكب مالا يحبه المحبوب.

الأمر الرابع: المجاهدة من أجل أن تتخلق بالخلق الحسن: (أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) رواه الترمذي، أتريد أن تكون تقياً، لا تقوى من غير حسن خلق، المجاهدة على أن تكون أخلاقك حسنة، على أن تكون صادقاً أميناً، على أن تكون مسامحاً كريماً، على أن تكون عفيفاً، على أن تتصف بكل الأخلاق الحسنة.

الأمر الخامس المجاهدة من أجل الانصياع للحق وعدم المعاندة، كلنا معانِدون، ناقش من شئت فسترى فيه معانداً، والمعاندة تتنافى مع التقوى: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾.

في الأسبوع الماضي جاءني متخاصمين في أمر تجاري، قال أحدهم: إن لم يكن الأمر لصالحي فلن أقبل لا بشرعٍ ولا بقانون. بعد ذلك هذا يقول أريد الإصلاح، وأريد أن يحكم الدين والإسلام، أنتَ لا تحكّم الحق في نفسك وقد لاحت بوارقه وقد ظهرت علائمه ! ﴿وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان﴾ فالله دعانا إلى القسط والعدل، دعانا إلى أن نكون مُنصاعين للحق، تحدثنا عن هذا كثيراً في الخطب والمحاضرات: ﴿وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان﴾، الحق حق ظهر منك أو ظهر مني، ظهر من عدوي أو ظهر من صديقي: ﴿وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان﴾ نعم، نحن بحاجة إلى أن ننصاع للحق: ﴿وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين﴾ فهل تنصاع للحق إذا ما صدر من هذا الذي تعتبره عدواً، هل تقبل الحق أيها الصوفي إذا ظهر من سَلَفي ؟ وهل تقبل الحق من صوفي أيها السلفي ؟ أم أنك حكمت على شرائح من الناس ومجموعات من الناس بأن الحق لا يمكن أن يصدر عنهم، والقرآن الحق علمك ألا تحسم: ﴿وبالحق أنزلناه وبالحق نزل﴾، قال: ﴿وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين﴾.

الأمر السادس: الإتقان والإحسان، نحن أمة مُهمِلة شئنا أم أبينا، الإنسان يساوي الإحسان، والإحسان هو الإتقان، والفرق بين الإنسان والإحسان أن الإنسان بالنون، والنون هنا نون النشأة، والإحسان فيها حاء الحياء وحاء الحياة، والحياء حياة معنوية والحياة حياة مادية. أتريد أن تكون حياً حياة معنوية وحياة مادية ؟ إذاً عليك أن تتقن عملك الذي أُسند إليك، أنت تلميذ، أتقن دراستك فستكون تقياً، أنت مسؤول، أنت مدير، أتقن عملك فستكون تقياً، أنت أستاذ، أتقن عملك، أنت ضابط، أتقن عملك، أنت رئيس، أتقن عملك، أنت وزير، أتقن عملك، فهذا ملمح أساس من ملامح ومعالم التقوى.

اتقوا الله. الآن إذا قلت لكم، وإذا قلت لنفسي اتقِ الله يا هذا، أخاطب نفسي وإذا قلت لكم اتقوا الله، وها أنذا أقول لكل الناس بدءاً من نفسي اتقوا الله يا ناس، أتريدون أن يفرّج عنكم ؟ ﴿ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً﴾، آمنوا واعبدوا وأحبوا وتخلّقوا وانصاعوا للحق وأتقنوا وأحسنوا عملكم، إذاً أنتم أتقياء، وبالتالي سيفرّج عنكم: ﴿ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾، اتقِ الله أيها السوري مَنْ كنت، اتقِ الله أيها الحلبي، اتقِ الله أيها المتديّن، اتقِ الله يا مَن تدخل الجامع، اتقوا الله يا هؤلاء جميعاً، والآن عرفتم حينما أقول لكم اتقوا الله ماذا تعني كلمة التقوى، عرفتموها وأنا قد بلّغت، ولا حجة لكم بعد ذلك أن يقول قائلكم لا أعرف ماذا تعني التقوى، احفظوها وضعوها في دائرة الوعي لديكم، وعلّموها مَن بعدكم، ولقّنوها أولادكم ونساءكم وطلابكم، لأن ربكم يقول: ﴿ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً﴾، ولأن ربكم يقول: ﴿والعاقبة للمتقين﴾، ولأن سيدنا وقائدنا صلى الله عليه وآله وسلم أتدرون بمَ كان يدعو من جملة ما يدعو ؟ أتريدون أن تسمعوا هذا الدعاء الذي يدلُّ على قلبٍ وسع العالم كله ؟ هذا الرجل العظيم الذي أرسل من قبل الله رحمة للعالمين جاء في صحيح الجامع الصغير أن النبي كان يقول: (اللهم طهر قلبي من النفاق) نبيكم يقول هذا وأنتم لا تقولون: (اللهم طهر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) هل تدعون بهذا أم أن الواحد منا ضامن أن قلبه لا ينافق، وهذا الضَّمان قائم على استدراجٍ قائم على طمع غير مشروع، رسول الله يدعو ربه ويقول: (اللهم طهر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من ،الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) ألسنتنا تكذب ولا ندعو الله أن يطهرها من الكذب، أعمالنا عنوانها الرّياء ولا ندعو الله أن يطهر أعمالنا من الرياء، قلوبنا مُلئت نفاقاً ولا ندعو الله أن يطهّرها من النفاق، وأعيننا مُلئت خيانة ولا ندعو الله أن يطهرها من الخيانة، نحن من قرية صغيرة، وكلنا يعرف كلنا، وما أحد بغائب، اعمل ما شئت فإنك مكشوف:

ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ       وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ

أيها المتقون المزيفون أنتم معرفون، ولكن الناس ساكتون، ولا يعني هذا أنكم مررتم على الناس وأنكم خدعتم الناس، الناس تعرف، لكنهم لا يريدون أن يحاسبوكم، المحاسب هو الله.

اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرِّياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 10/6/2011

التعليقات

شاركنا بتعليق