آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
معالم الشخصية المنشودة

معالم الشخصية المنشودة

تاريخ الإضافة: 2011/06/24 | عدد المشاهدات: 3224

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون المواطنون المسلمون المتقون إن شاء الله:

نذكر شهداءنا بالرحمة، وندعو لوطننا بالحماية، ونسأل الله الأمن والأمان في أوطاننا، فاللهم أمِّنا وآمنا في أوطاننا، واللهم احفظ أوطاننا من كل مكروه، واجعلنا في عين عنايتك ورعايتك يا اكرم الأكرمين.

أيها الإخوة: كنت قد تكلمت في الأسبوع الماضي عن متمِّمات خطابي للشباب، لكنني أستدرك هذا الأسبوع لأضيف خطبة خامسة، أتوجه من خلالها إلى الشباب، فلقد سألني بعض من هؤلاء الذين أرى في عيونهم التوجه الصادق للعمل النافع المفيد، قال لي في بحر الأسبوع الفائت: هل اكتمل الحديث عن الشباب أم أن ثمة كلاماً يمكن أن يُضاف ؟

قلت له: لقد تحدثت عن الصفات المطلقة للشباب المرتجى والمؤمّل لتحرير القدس في خطبة، وذكرت هذه الصفات وهي العدل والرحمة والإخلاص والشجاعة، ثم تحدثت في خطبة أخرى عن شعارٍ ينبغي أن يضعه الشباب أمام أعينهم وهو إرضاء الديان وبناء الإنسان وخدمة الأوطان، ثم تحدثت عن التقوى في خطبة ثالثة، والتقوى هي صلاحٌ عام تعني الإيمان بالله وتعني العبادة وتعني حب الله وتعني التخلق بالخلق الحسن وتعني الانصياع لأمر الله عز وجل وتعني الاتقان والإحسان في العمل، ثم كانت الخطبة الرابعة وتحدثت فيها عن سماتٍ هي نور الذكر وقوة الفكر وسعة الصدر وروح العصر، وها أنذا اليوم أتمم بخماسية، وكنت قد قلت في الأسبوع الماضي على أنها رباعية، لكنني أقول لكم لقد استدركت، فها أنذا اليوم أحب أن أكلمكم عن مكونات الشخصية بشكل عام. عندما تقرأ في كتب علم النفس عن الشخصية، ما مكوناتها ؟ وبهذه الخطبة سيكتمل الأمر في الحديث عن الشباب.

الشخصية تتكون من عقل وقلب ومنطلق وحركة وانفعال، إذا ما قرأت أي كتاب في علم النفس ستجد أن الشخصية تتكون من هذه المعالم: عقل وقلب ومنطلق وحركة وانفعال. الشخصية التي نريدها عقلها ومنطلقها وقلبها وحركتها وانفعالها.

أولاً: الشخصية عقل، فما عقل الشخصية المنشودة ؟ فهذا العقل يعمل، وإذا ما عمل هذا العقل سمي هذا العمل فكراً فنحن نريد لعقل الشخصية المنشودة بالنسبة لإسلامنا أن يعمل وأن يفكر، عمل العقل فكر، فهيا أيتها الشخصية الإسلامية المنشودة فأَعمِلي عقلك بالفكر، فكّري وتعلمي، لأن الفكر والعلم هما وظيفتا العقل النبيلتان: ﴿إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار﴾ يتفكرون، فهل أنت أيها الشاب تتفكر وتعمل عقلك ؟ قل لي بمَ تفكر أقل لك مَن أنت، أنا أعلم بان شبابنا اليوم - ولا أعمم - لكن بشكل عام لم يصل إعمالهم عقولهم إلى الحد المطلوب، أنت لا تفكر بأمر جاد ولا تفكر بأمر يهم المجتمع، سيدي رسول الله كما وصفه الواصفون حسبما جاء في الصحاح كان دائم الفكرة، تُرى بم كان يفكر رسول الله ؟ هل كان يفكر كما تفكر أنت ؟ لا، أنت تفكر الآن إن حسنَّا الظن فأنت تفكر في السياسة وأنت تفكر في المنصب وأنت تفكر بلقمة العيش من حرام أو من حلال، وأنت تفكر في التقرب من المسؤول هذا أو المسؤول ذاك، وأنت تفكر في شكلية الصلاة إن كنت تصلي، وأنت تفكر بشكلية الصوم وأنت تصوم ولا تفكر في الجوهر ولا في إنسانيتك ولا في الخير الذي يجب أن تقدمه ولا في العلم الذي يجب أن تزداد منه في كل يوم، ولطالما كررت عليك قول المصطفى: (إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً يقربني من الله فلا بورك لي في شمس ذلك اليوم)، ﴿وقل رب زدني علماً﴾. العقل مُهمَل، وإن عمل فسيعمل في توافه وسفاسف الأمور، وهذا لا يجوز، عقلك أمانة، نحن نتكلم عن شخصية منشودة من خلال معالمها ومن خلالها مضامين هذه المعالم، العقل ينبغي أن يكون عاقلاً مفكراً وعالماً ومتعلماً، هذا أولاً، ولا أريد أن أطيل وأفصّل، لأنني أريد أن تستجمعوا أنتم هذه الأمور في أذهانكم، ولا أريد لخطبة الجمعة ان تكون ملهاة، أو أن تكون خطبة تعليقية سياسية نحو ها هنا أو ها هنا وإنما نريد لخطبة الجمعة أن تكون مذكّرة بناءة فاعلة جادة تقدم للناس برنامجاً يتخذونه لأنفسهم خلال الأسبوع بل خلال الأسابيع, الشخصية عقل، والعقل يفكر ويتعلم.

ثانياً: الشخصية قلب، وقلب الشخصية المنشودة لا يعرف الحقد ولا الغل ولا الحسد ولا البغضاء ولا الشحناء، تخلَّ عن الدنس وتحلَّ بالإيمان، بالإيمان الراسخ الذي لا يرتاب، بالإيمان الراسخ الذي لا يلين، هذا القلب الذي مُلئ إيماناً والذي جانس وجانب الدنس من غل وحقد وحسد، وما أعظم هذا القلب الذي ملئ إيماناً: ﴿آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا﴾، ﴿الم. ذلك الكتاب ذلك الكتاب لا ريب فيه﴾ ليس في قلب هذا الشخصية ريب يتناب الإيمان: ﴿ثم لم يرتابوا﴾ لم يدخل الريب قلوبهم. إيمان راسخ أمام المغريات وأمام المرهبات، وما أجمل موقف المؤمن الذي أعلنه سحرة فرعون بعدما خالط الإيمان قلوبهم، ولطالما ردَّدت على مسمعكم ومسمع من كانوا قبلكم هذه الآيات الرائعة لما هدَّد فرعون سحرته وقد آمنوا بالله عز وجل هددهم بالقتل والصلب وتقطيع الأيدي والأرجل قالوا له: ﴿فاقضِ ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى﴾، دخل الإيمان قلوبهم: ﴿فلأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى. قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقضِ ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا﴾ العقل للفكر والعلم، والقلب للطهارة من الدنس وللإيمان يملؤها.

ثالثاً: المنطلق والنية الإخلاص لله عز وجل، منطلق الشخصية المنشودة: الله: ﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين﴾ إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾ ليكن منطلقك الله، النية هي الله: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ من أجل الله وبالله، الآن أيتها الشخصية المتجسدة في هذا أو ذاك هل أنتِ تنطلقين من الله ؟ هل أنت في عملك أيتها الشخصية مَن كنتِ الذي يبعثكِ هو الله ؟ وقد قلت لكم في خطبة سابقة منذ أسبوعين، نقلت لكم كلمة للإمام علي كرم الله وجهه: "لا ترضي الناس بسخط الله، فإن في الله خلفاً عن الناس، وليس في الناس خلفٌ عن الله". انتبه لمنطلقك فأنا أخاف أن يكون جهادك كما جاء في الحديث أن يكون جهادك في سبيل أن يذكر اسمك، وأخاف أن تكون صلاتك من أجل أن يُقال بأنك مُصلٍّ، وأخاف أن يكون صيامك كذلك، وأخاف أن يكون علمك كذلك فستضيع كل هذا الذي عملت وسيذهب هباءً منثوراً، فانتبه لمنطلقك، إلهي ماذا وجد من فقدك وماذا فقد من وجدك، إن كان الله منطلقك فنعمّا هذا المنطلق وأبشر يا هذا بنهاية سعيدة، بعيشٍ حميد، بلقاء مع الكريم العظيم الرحمن الرحيم سعيد.

رابعاً: أما حركة الشخصية فعملٌ دؤوب مستمر وعملٌ صالح، يجب أن يتصف عملك بالصلاح، وهنا أحب أن أفرق بين صفتين، نحن ننادي بالعمل الصالح، ولعل العمل الصالح يختلف عن العمل الحسن، العمل الحسن عمل مشروع: ﴿زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً﴾ أنت تصلي هذا عمل حسن، متى تتحول الصلاة إلى عمل صالح ؟ عندما تنتج الصلاة أثرها، إن لم تنتج الصلاة أثرها لا تكون الصلاة عملاً صالحاً، أنت تصلي أنت تقوم بعملٍ حسن، أنت تداوم على المدرسة على الكلية فأنت تقوم بعملٍ حسن، هذا الدوام سيتحول إلى عملٍ صالح إن نجحت، لكنك إن لم تنجح فسيكون دوامك التزاماً بالدوام وسيكون هذا الدوام عملاً حسناً، أنت تصوم: ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾، أنت تصوم تمتنع عن الطعام والشراب هذا عملٌ حسن لكن إذا لم ينتج الصيام أثراً بأن يجعل منك إنساناً تقياً ـخاف الله ولا تكذب ولا تشهد الزور وتراعي الآخرين فلن يكون صيامك عملاً صالحاً، ولذلك ذُكر العمل الصالح مع الإيمان ولم يذكر العمل الحسن، فالعمل الصالح عمل مشروع ينتج أثراً، ولقد أحصيت الصالح والصلاح فكان في القرآن الكريم خمسين مرة، وأحصيت الفساد والإفساد فكان خمسين مرة، إن أردتم الإصلاح فلتجعلوا أعمالكم المشروعة منتجة لآثارها الطيبة، فإن اقتصرتم على أعمالكم الحسنة من غير إنتاج لآثارٍ طيبة فأعمالكم حسنة ولا قيمة لها في الانتاج في الدنيا، بل ربما نخاف من أن أعمالنا الحسنة تنتج آثاراً سلبية سيئة فعند ذلك نحن نفسد من حيث نظن أننا نصلح وتلك هي الكارثة: ﴿زين له سوء عمله فرآه حسناً﴾ نحن نصوم ولكن صيامنا ينتج آثاراً سلبية، عندما لا ينتج آثاراً سلبية ولا آثاراً طيبة عند ذلك يبقى في حيز العمل الحسن، لكنه إن أنتج آثاراً سلبية كواقع صيامنا فنحن نفسد ولا نصلح وهذا ما يجيب على سؤال يسألني إياه الناس أحياناً: نحن نصوم ونصلي وندعو فلماذا لا يُستجاب لنا ؟ أقول: أنتم في أحسن أحوالكم تقومون بعمل حسن، وأنا أخشى من أن عملكم الحسن هذا يتحول إلى إفساد من خلال انتاج آثار سلبية سيئة، فليراجع كل منا عمله، ليس كل من صلى عمل صالحاً، وليس كل من دخل المسجد عملَ صالحاً، وليس كل من حج عمل صالحاً، وليس كل من جاهد عَمِلَ صالحاً، تحقق من عملك من خلال انتاجه آثاره الطيبة التي أرادها الله أن تُتنج، إن أنتج العمل الحسن المشروع الذي تقوم به فهذا عملٌ صالح، وبالتالي سيكون للعمل الصالح آثارٌ خيّرة على المجتمع كله وإن لم يكن الأمر كذلك فلا تلوموا أحداً ولوموا أنفسكم: ﴿وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون﴾ هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً، هم يصلّون ويصومون ويجاهدون ويدخلون المساجد ولكنهم في حقيقتهم يفسدون ألا إنهم هم المفسدون.

خامساً: المعلم الأخير للشخصية الانفعال، لكل شخصية انفعالها، والانفعال أمرٌ مشروع، أنا لا أتخلى عن انفعالي لكن ما مضمون هذا الانفعال ؟ الشجاعة والجرأة، وقلت لكم هذا: ليكن مضمون انفعالنا شجاعة وجرأة: ﴿يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله﴾ لا يخافون في الله لومة لائم لا من الشعب ولا من الدولة كما قلت لكم، المشكلة أن بعض الناس يحسبون الشجاعة عندما يتكلمون أمام هذه الجهة، لكن الشجاعة عندما تتكلم بجرأة أمام نفسك وأمام كل الجهات، الشجاع هو من يقول الحق الذي يعتقده في داخله أمام أي إنسان، لا يمالئ هؤلاء على حساب أولئك، ولا هؤلاء على حساب هؤلاء: ﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه﴾ تخشى هؤلاء من أن يقولوا عنك بأنك كذا، وبالتالي تبتعد عن الحقيقة، تخاف من الناس فلا تتكلم الكلام الذي لا يرضاه الناس ويرضاه الله ؟ فأنت إما أن تمالئ الدولة على حساب الناس، وإما ان تمالئ الناس على حساب الدولة، وفي كلا الحالين يمالئ هؤلاء وأولئك على حساب نفسه، على حساب عبوديته لله عز وجل، للأسف الشديد أين ذاك الذي يصدع بالحق الذي يراه والذي استفتى قلبه على أساسه لمعرفته ؟ نحن أمة اليوم نعيش القهر، فأنا أتكلم أمامك ما يرضيك مَن كنت، وأتكلم أمام هذا ما يرضيه، المهم أن يرضى الناس عني ولا أبحث عن رضا ربي، لا، يا إخوتي، الشجاعة والجرأة في قول الحق: ﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه﴾، قل الحق، تكلم بالخير، تكلم بالحق واختر الوقت المناسب وكن حكيماً في قولة الحق وإياك ان تقول الباطل ممالأة لهذا، قد لا يقول الإنسان الحق في لحظة ما لأن اللحظة غير مناسبة لكنه لا يقول الباطل: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) هكذا قال سيدي رسول الله في الحديث الصحيح.

أيها الإخوة، أيها الشباب: شخصيتك تتكون من عقل وقلب ومنطلق وحركة وانفعال، فما عليك إلا أن تقوم بملء هذه الشخصية، أما العقل فبالفكر والعلم، وأما القلب فبالطهارة من الدَّنس وبالتحلي بالإيمان، وأما المنطلق فبالإخلاص لله، و: (المخلصون، أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء) كما ورد عن النبي في البيهقي، واما الحركة فبالعمل الصالح، وأما الانفعال فبالشجاعة والتضحية على نفسك أولاً، إن أخطأت فقل أخطأت وإن وصلت في مسارك على موطنٍ ما وكان مسارك قد تحصل في داخلك بأنه مسارٌ غير صحيح فقل عليَّ أن أعدل حتى وإن قطعت أشواطاً، إذا ما رأيت طريقك غير واضحة تؤدي بك إلى المهالك والمهاوي ولو كنت في الرمق الأخير من حياتك، كن شجاعاً على نفسك.

أيها الشباب: هذه خماسية أعتقد أنني قد تممت ما يمكن الحديث عنه مع الشباب، فهيا أيها الشباب إلى وقفة صادقة مع ذواتكم، هيا إلى وقفة صريحة، وإياكم ان ترتابوا، فالحياة ستمضي شئنا أم أبينا، والأيام تحسب عليك وهي كما ورد عن الإمام علي كرم الله وجهه: "الأيام صحائف آجالكم" أنت تقلب في كل يوم صفحة وكم صفحة ستعيش لا أحد يعلم، فلربما انتهى الدفتر بهذا اليوم الذي هو صفحة: "الأيام صحائف آجالكم، فخلدوها بأعظم وأصلح أعمالكم".

اللهم إني أسألك أن تجعل أعمالنا صالحة وقد عرفنا ما معنى الصلاح للأعمال، أسألك ان تجعل أعمالنا صالحة، وأن تجعل شخصيتنا تتوجه إليك في سرها وعلانيتها، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 24/6/2011

التعليقات

شاركنا بتعليق