آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حتى ينتج الصيام أثره ويحقق غايته

حتى ينتج الصيام أثره ويحقق غايته

تاريخ الإضافة: 2011/07/29 | عدد المشاهدات: 2996

أما بعد، فيا أيها الإخوة:

نذكر شهداءنا بالرحمة ونسأل الله أن يجعلنا في أوطاننا آمنين، ونسأله جلَّ وعلا أن يوفقنا من أجل أن نكون أوفياء لديننا الحق، وأوفياء لوطننا، نعمل ما يرضي ربنا، ونقول ما يرضي ربنا أيضاً.

أيها الإخوة المؤمنون المسلمون المواطنون:

بعد يومٍ أو يومين سيكون رمضان الضيف العزيز علينا وبيننا، وكلنا يعلم أن شهر رمضان شهر فريضة الصيام، وها أنذا أُذكّركم من أجل أن يكون ذلك مدخلاً للحديث عن هذا الشهر وتلك الفريضة. أذكركم بما قد كنت قلته لكم منذ ثلاثة أسابيع بأن ثمة عملاً حسناً وعملاً صالحاً، العمل الحسن هو العمل المشروع الذي تقوم به ظاهراً، أنت تصلي فأنت تعمل عملاً حسناً، أنت تصوم فأنت تعمل عملاً حسناً، أنت تزيح الأذى عن الطريق فأنت تعمل عملاً حسناً، وهكذا دواليك. لكن الله عز وجل طلب منا العمل الصالح، والفرق بين العمل الحسن والعمل الصالح أن العمل الصالح عملٌ حسنٌ أنتج آثاره وحقق غايته، الصلاة مثلاً: إن صليت أنت فأنت تقوم بعملٍ حسن، لكن صلاتك هذه إن منعتك ونهتك عن الفحشاء والمنكر تحولت إلى عملٍ صالح، والعمل الصالح هو الذي يُرفع إلى الله عز وجل:﴿والعمل الصالح يرفعه﴾.

إن حججتَ وذهبت إلى الحج وطفت وسعيت ووقفت بعرفات ومنى والمزدلفة فأنت تعمل عملاً حسناً، لكن هذا الحج إن أثَّر فيك وأنتج فيك ثمرته بحيث حججت فلم ترفث ولم تفسق وحججت وعدت بعد الحج بتوبة نصوح انتقل الحج من عملٍ حسن إلى عملٍ صالح.

نحن الآن على مشارف فريضة الصيام، الصيام آتٍ إن شاء الله، فإما أن نصوم صياماً ويبقى هذا الصيام في إطار ما يُسمّى بالعمل الحسن، وإما أن نحوله إلى عملٍ صالح، أتدرون كيف نحوله إلى عملٍ صالح ؟ إذا أنتج الصيام أثره وحقّق غايته، وغاية الصيام مذكورة في القرآن الكريم: ﴿كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾، فإن اتقيتم وأنتج الصيام التقوى فيكم فقد أضحى الصيام عملاً صالحاً وإن لم ينتج الصيام أثره فسيبقى في حدود العمل الحسن: ﴿أفمن زُينِّ له سوء عمله فرآه حسناً﴾ إن لم ينتج الصيام أثره وهو التقوى فسيبقى في حدود العمل الحسن، والتقوى باختصار: إخلاصٌ ينطلق من الداخل لينعكس اتقاناً في الظاهر، دائرة تبتدئ من إخلاص في الداخل وتنعكس إتقاناً بعملك المسند إليك في الظاهر، هذه هي التقوى: (التقوى ههنا) تنبع من الصّدر إخلاصاً لله عز وجل وتنتهي بإتقانك العمل الذي بين يديك.

الآن ومن أجل أن ينتج الصيام آثاره وهي التقوى فما علينا إلا أن نقوم بالصيام بشكل متقن، أتريدون أن ينتج الصيام أثره حتى يتحول إلى عملٍ صالح ؟ إذاً اضبطوه، الصيام ليس امتناعاً عن الطعام والشراب فحسب، وإنما عن اللغو والرفث، فإن سابّك أحد أو جهل عليك فلتقل إني صائم كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في ابن خزيمة.

وضبط الصيام يكون:

أولاً: بالسّحور، واستشعار هذه السنة التي نام عنها الكثيرون، والتي لم تعد سنة متبعة بل غدَت أكلة تؤكل قبل أن ينام الإنسان في الحادية عشرة أو في الثانية عشرة وهو لا ينوي بذلك السحور، السحور أكل بركة والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في البخاري: (تسحروا فإن في السحور بركة)، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسند الإمام أحمد: (إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) بعض الطعام والشراب قبل الفجر بنية السحور، تأكل قليلاً من الطعام وتشرب قليلاً من الشراب وأنت تنوي السحور تنوي هذه السنة.

ثانياً: الضابط الثاني الذي يجب أن تراعيه في صيامك حتى ينتج الصيام أثره فيتحول إلى عمل صالح: الكف عن اللغو والفضول، ومن باب أولى عن الرفث والفحش، الكف عن الثرثرة، الكف عن الكلام المباح حتى فما بالك بالكف عن الكلام المحرم، عن الغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور، أريدك أن يكون كلامك قليلاً، ونحن أمة ابتلينا بالثرثرة، بالكلام الكثير الذي لا طائل تحته في أحسن أحواله إن لم يكن مؤذياً في أغلب أحواله، يقول جابر رضي الله عنه كما في البيهقي: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار" فليصم لسانك وليصم سمعك وليصم بصرك عن الكذب والمحارم واللغو والرفث وفضول الكلام، أريدك أن تفكر في يومك كم تكلمت كلاماً لا طائل تحته، أو بالأحرى هذا الكلام الذي تكلمته كان ضاراً ومؤذياً وغير مثبت وغير مؤكد وغير متبين منه، كم تكلمت في يومك ؟ وستحاسب على الكلمة: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب) كما في مسلم.

ثالثاً: قراءة القرآن والصدقات، أرى كثيراً منكم يقرأ القرآن الكريم في رمضان ولكنه لا يتصدق، ولا يكثر من العطاء ويكتفي بقراءة القرآن، ربما لأن قراءة القرآن مجانية لا تكلفه ثمناً ولا مالاً، لا، يا إخوتي، اقرؤوا القرآن وتصدقوا وقدّموا لإخوانكم الفقراء من غير منٍّ ولا أذى ومن غير تسميع: (من سمَّع سمَّع الله به)، انظروا رسولكم، هذا الرجل العظيم سيدنا وقائدنا كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان كما جاء في البخاري فهل تجودون أنتم على الضعفاء والفقراء بالطعام وأنواعه وأشكاله على موائدكم، ونحن نرى الإعلانات عن الطعام والشراب وأنواعه وأنواع المأكولات وأنواع المقبلات وأنواع الحلوى بعد الطعام وقبل الطعام وبعد العشاء وقبل العشاء، أتريدون بكل هذا الذي نعمل أن ينتج الصيام أثره وأن يتحول من عملٍ حسن إلى عملٍ صالح ؟ لا، ورب الكعبة، تصدقوا وما عليكم إلا أن تقننوا طعامكم وأن تركِّزوا طعامكم، فالصيام من أجل صحة الجسم والعقل ولن يكون ذلك إلا إذا قنَّنا طعامنا وصرفنا ما يزيد عما يكفينا لإخواننا لجيراننا لأصدقائنا لأهل بلدنا للأحياء التي لا تجد وأنتم تعلمون أن كثيراً من أبناء بلدنا ربما ما وجدوا طعاماً يكفيهم ليومهم فضلاً عن أن نتكلم عن الصومال التي انتابته المجاعة فأصبح الملايين منه رهن الجوع لا ينفك عنه ولا ينفكون عنه يموت كل يوم منهم الأعداد الوفيرة، ونحن نستقبل رمضان بالطعام والشراب وأنواعه، ما هكذا تورد يا سعد الإبل.

رابعاً: من أجل أن يكون صيامك عملاً صالحاً: أتقن عملك الذي يُسند إليك في النهار، وإني ألاحظ أن الموظف في رمضان لا يعمل، وإني لألاحظ أن العامل في رمضان لا يعمل: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسبما روى أبو يعلى.

الناس في رمضان تنام تمتنع عن الطعام والشراب في رمضان لتأكل عند المغرب، هذا هو الصيام عندنا امتناع عن الطعام حتى نأكل، وامتناع عن الشراب حتى نشرب، لا يا إخوتي علينا أن نعيَ هذا الذي نعمل، علينا أن نتقن عملنا، نحن نتحدث عن أسلافنا رضي الله عنهم وأنهم كانوا مجاهدين أتقنوا الجهاد في رمضان في غزوة بدر وفي غزوة الفتح، فما بالك أيها الموظف لا تتقن عملك في رمضان وتحتجُّ بالصيام وتحتج أيها العامل بالصيام، المدرس والتلميذ والطالب كلهم يحتجون بالصيام ويبررون بالصيام كسلهم، فهل هذا صيام ؟ وهل هذا عمل صالح ؟ إني لأراه ليس بعملٍ حسن حتى.

خامساً: التعجيل بالإفطار والدعاء، لماذا التعجيل بالإفطار ؟ حتى يكون صيامك عبادة، (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) كما في الصحيح الذي يرويه الشيخان، أنا لا أريدك أن تتأخر وتقول نريد أن نتأكد، تعجل بالفطر وقل يا رب ها أنذا أمسك حيث أمرتني وأفطر حيث أمرتني، حتى تكون عبادتك امتثالاً ولا تكون عادة، والدعاء حين الإفطار، ادعُ للمسلمين، ادع لبلادنا، ادع لأوطاننا، فنحن في حالة غير مُرضية شئنا أم أبينا، نحن في حالة مزعجة، فأين دعاؤك لبلدك في أن يكون آمناً مطمئناً ؟ أين دعاؤك لإخوانك في أن يكونوا مسلمين حقيقيين ؟ أين دعاؤك لأولادك في أن يكونوا بارِّين بأوطانه،م بأن يكونوا محافظين على بلادهم على أنفسهم على عقولهم ؟ أين دعاؤك يا أخي: (ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الصائم حين يفطر والإمام العادل، ودعوة المظلوم) كما جاء في مسند الإمام أحمد، يرفعها الله عز وجل فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء.

سادساً: صلاة التراويح، وصلاة التراويح ليست مهرجان وليست كرنفال، صلاة التراويح هي صلاة القيام، أنت في نهارك صائم وفي ليلك قائم أتريد أن يكون قيامك عملاً صالحاً ؟ أتريد أن يُغفر ذنبك ما تقدم منه ؟ إذاً عليك أن تقوم وأن تصلي صلاة مودّع، صلاة خاشع، إن في البيت أو في المسجد، نحن نحرص على أن نصلي التراويح صلاة مهرجانية كرنفالية لا أكثر ولا أقل.

المهم أن تقوم رمضان: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) كما جاء في البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، صلِّ ركعتين أو أربع ركعات، أما كفانا أن نختلف إلى الآن منذ أكثر من أربعة قرون إلى الآن هل نصلي ثماني ركعات أم نصلي عشرين ركعة ؟ صلِّ ما شئت، المهم أن تكون صلاتك خاشعة أن تكون في صلاتك مخلصاً أن تكون محولاً الصلاة من عمل حسن إلى عمل صالح، أن تنتج الصلاة أثرها فيك من حيث انتماؤك لربك ومن حيث صلتك بربك ومن حيث علاقتك بربك ومن حيث طمأنينة قلبك لأن الصلاة تطمئن: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) هكذا قال صلى الله عليه وآله وسلم. صلِّ القيام أينما تريد وحيثما تريد، في المسجد، في البيت، عند صديقك، عند إخوانك، حيثما كنت، المهم أن تصلي، لكن الناس اليوم حولوا صلاة التراويح إلى مهرجان وكرنفال، فكم من مُصلٍ للعشاء مستعجل لا يكاد يعطي الصلاة حقها إلا أنه من وراء ذلك يريد القيام للتراويح، كم من أولئك الذين يتركون صلاة الظهر والعصر أما التراويح فلا، وهو يريدها في المسجد مع امرأته وخادمته وابنته وكأنها نزهة في غير محلها، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صلى التراويح في المسجد، صلاها في البيت، أصحابه منهم من صلاها في البيت ومنهم من صلاها في المسجد، المهم أنهم صلوا وأقاموا الصلاة وأنتجت فيهم الصلاة آثارها، فما بالنا نحرص على الشكليات.

أخيراً: وهذا ما أريد أن أوكد عليه: الإسرافَ الإسراف اجتنبوه يا ناس، التبذير التبذير اجتنبوه يا ناس، لا أريدكم مسرفين في الطعام والشراب، وأريد أن تقننوا، وأريد أن تخرجوا وأن تخصصوا من هذا الذي قررتم أن يكون مصروفاً لطعامكم وشرابكم أن تخصصوا منه النصف على الأقل من أجل أن تقدموه لمن يحتاج من أجل أن تفتشوا على من يحتاج، أنا أعتقد أن ما يصرف على الطعام والشراب في بلدنا هذا الشهر يكفي لطعامنا وشرابنا سنة كاملة، وأن ما يوضع على موائد الإفطار يكفي لطعامنا وشرابنا أسبوعاً إذا ما كنا متبعين سنة نبينا وحبيبنا وقائدنا ومعلمنا، يا ناس نحن في وادٍ وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في واد: (بحسب ابن آدم لقيمات - وفي رواية أكلات - يقمن صلبه فإن كان لابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسه) كما روى الترمذي، وكان شيوخنا يقولون ونختم بهذا: من أكل كثيراً شرب كثيراً، ومن شرب كثيراً نام كثيراً، ومن نام كثيراً أضاع خيراً كثيراً. وهذا ما ينطبق علينا، نأكل كثيراً ونشرب كثيراً وننام كثيراً وبعد ذلك نقول لربنا لم لا تنصرنا كما نصرت محمداً وأصحابه، وهل ثمة فرق بيننا وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ؟! نحن نصلي ونصوم، لكن يا هؤلاء باختصار أنتم تصومون وفي أحسن أحوالكم صيامكم عمل حسن، أما سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه صيامهم عمل صالح رفع إلى السماء وتقبل من رب العزة جلت قدرته، أنتم تصومون ولكن صيامكم في أحسن أحواله عملٌ حسن أنتم تصلون لكن صلاتكم في أحسن أحوالها عملٌ حسن أما صلاتهم فكانت عملاً صالحاً رفعت إلى رب العزة وقبل الله صلواتهم لأن صلواتهم أنتجت آثارها ولأن صيامهم أنتج آثاره، أسألك يا ربنا أن تجعل صيامنا عملاً صالحاً، وأن تجعل حجنا عملاً صالحاً، وأن تجعل صلاتنا عملاً صالحاً، وأن تجعل كل ما نقوم به عملاً صالحاً، وأن تجعل كل ما ننتهي عنه عملاً صالحاً أيضاً، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 29/7/2011

التعليقات

فواز كرمو

تاريخ :2011/08/01

حضرة الدكتور محمود عكام أننا جميعا نثق بكم وبتو جيهاتكم لكننا اليوم نواجه أزمة من نوع جديد وبحاجه لموقف واضح من حضرتكم دكتور محمود أن الفنانين والفنانات أوضحت مو قفهم من هذه الثوره وبعض العلماء أمثال حضرتكم لم يتضح مو قفها بعد مع العلم أن الموضوع لم يعد بحاجه لفتوى لكي تهب الناس بوجه النظام الفاسد لكن من باب أخلاء المسؤلية وأعلاء كلمة الحق ولكم منا كل أحترامنا يا فضيلة الدكتور محمود عكام أدامك الله زخرا لسوريا المحرره

شاركنا بتعليق