آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
الراحمون يرحمهم الرحمن

الراحمون يرحمهم الرحمن

تاريخ الإضافة: 2012/02/03 | عدد المشاهدات: 5414

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون

رحم الله شهداءنا وحمى أوطاننا من كل مكروه.

وكل عام وأنتم وبلدنا وأمتنا بألف خير، وكل ذكرى للمولد النبوي الشريف العظيم وأنتم بخير، ووطننا ينعم بالكرامة والحرية والعطاء.

أيها الإخوة:

لو أنني سألت وقد سألت عدداً منكم عما يخطر في باله من الآيات القرآنية مما جاء بحق سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، لو سألتك عن أول ما يتبادر إلى ذهنك من الآيات القرآنية مما جاء بحق النبي، سألت عشرة أشخاص فكان الجواب من الأغلب أنهم ذكروا الآية التالية: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) والآية الأخرى جاءت في الترتيب الأكثر ذكراً من قبل هؤلاء المسؤولين (وإنك لعلى خلق عظيم) فقلت لهؤلاء الذين ذكرتهم ولنفسي أما ترون أننا بحاجة ماسة إلى هذا الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد ذكرتم هاتين الصفتين وذكرتم هاتين الآيتين بشكل كبير ووفير، فجلكم يقول عندما يريد أن يتذكر آية تتعلق بالنبي (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وجلكم يقول عندما يريد أن يتذكر آية تتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم) والجواب مني هل نحن على مستوى الاتباع للرحمة المهداة ؟ تذكرون الآية كثيراً (وإنك لعلى خلق عظيم) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهل تذكرون مع ذكركم هاتين الآيتين واجبكم في أن تتحلوا بالرحمة ؟ هل تذكرون ما يجب عليكم ان تتصفوا به وأنتم تتلون في كل لحظة تترنمون فيها بذكر الآيات القرآنية المتعلقة بالنبي (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهل تتذكرون هذه الصفة وأنه يجب علينا ان نتحلى بها وأن نقتدي بالرحمة المهداة في هذا الميدان، بعبارة أخرى هل أنت رحمة للعالمين كنبيك ؟ هل أنت رحمة لبيتك ؟ وهل أنت بذلك تتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الخُلُق ؟ هل أنت رحمة في مدرستك ؟ هل أنت رحمة في صفك ؟ في جامعك ؟ هل أنت رحمة في حياتك ؟ هل سألت نفسك هذا السؤال وأنت تتلو قوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ؟ هل سألت نفسك فيما إذا كنت رحمة لوسطك الذي أنت فيه أم أنك غبت عن نفسك من حيث وجوب الاتباع ووجوب الاقتداء ؟ لقد غبت عن نفسك فاسمع مني حول الرحمة فيما يتعلق بسيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

أيها المسلم، أيها المواطن: يقول ربنا جلت قدرته (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) لم يقل وما أرسلناك إلا رحيماً ولكنه قال (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فلقد كان النبي الرحمة ذاتها والرحمة عينها وها هو ذا صلى الله عليه وآله وسلم يقول عن نفسه: (إنما بعثت رحمة) كما في صحيح مسلم، ويقول عن نفسه كما في مسند الإمام أحمد: (أنا نبي الرحمة) ويقول عن نفسه كما في سنن الدارمي: (إنما أنا رحمة مهداة) فهل تستطيع أن تقول عن نفسك أنت بأنك رحمة لمن حولك ولما حولك ؟ وهل تستطيع أن تقول عن نفسك بأنك خُلقتَ لتكون رحمة وبأنك وظِّفت لتكون رحمة ؟ هكذا قال المحتفى به صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه، وقد طبّق ذلك عملياً ولم يترك هذا الكلام في حيّز النظر وسيرته كلها صلى الله عليه وآله وسلم خير شاهدٍ على ذلك واقرؤوها يا أمة محمد إن أردتم الانتساب الحقيقي لهذا النبي الكريم، اقرؤوا على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر فالحصر أصعب من أن يُذكر في مجلدات أو في خطب تمتد عبر سنوات يروي البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز لما أعلم من وجد أمه عليه) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري وسواه لقومه الذين تولوا إيذاءه وناصبوه العداوة ولطالما كرر ذلك: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، وهذا الذي قال أيضاً كما تروي كتب السيرة الصحيحة والقضية معروفة مشهورة قال عندما تمكن من أولئك الذين آذوه وعندما وقف امام الكعبة المشرفة فاتحاً راحماً: ما تظنون اني فاعلٌ بكم ؟ قالوا له: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. هل تستطيع أن تقول هذه الكلمة لجارك الذي ظلمك ؟ هل تستطيع ان تقول هذه الكلمة لصديقك الذي صدر عنه تصرفٌ فيه نوع من الإساءة إليك عندما تتمكن منه ؟ هل تستطيع أن تقول هذه الكلمة لزوجتك إذ تسيء إليك بأمر مادي وبأمر عادي ؟ هل تستطيع أن تقول هذه الكلمة لولدك لجارك لمعلمك لتلميذك لشيخك لمريدك ؟ لم نعد قادرين على أن نقول هذه الكلمة لمن هم أصدقاء لنا ولمن هم أقرباء ولمن هم جيران ولمن هم تلاميذ فكيف نستطيع أن نقولها إذ نتمكن من عدوٍ آذانا اذهبوا فأنتم الطلقاء.

هذه بعضٌ من تطبيقات الرحموية، الرسول رحمة وطبّق هذا الأمر تطبيقاً في حياته كلها، ولكنكم ستسألون وما الرحمة الذي تتحدث عنها ؟ وقد ذكرت ذلك منذ سنوات في محاضرات سابقة وها أنذا أعيد وآمل أن نؤلف جميعاً جمعية تدعى جمعية الرحمة.

الرحمة تعريفها وأرجو أن يستقر هذا التعريف في ذهنكم لأننا حينما نتحدث عن الرسول الرحمة وعن تطبيقات هذه الرحمة في حياة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فلا بدَّ أن يكون في خلدنا تعريفٌ وتجسيدٌ ووعيٌ لدلالة هذه الصفة، الرحمة: عطاءٌ نافعٌ برفق. وما سمي الرحم رحماً إلا لأنه يعطي الجنين عطاءً نافعاً برفق، إن أعطيت عطاءاً نافعاً برفق فأنت رحيم، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم المحتفى به هو الرحمة هو العطاء النافع برفق، أعطاك أنت ومن الذي يستطيع منا أن يقول أنه لم يعطى عطاءاً نافعاً من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أنمت في أحسن أحوالك عندما تكون أنموذجاً ومثالاً فأنت حسنة من حسنات هذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، النبي عطاءٌ نافعٌ برفق ولذلك وجّه الأمة بأحاديث صريحة وصحيحة أتريدين أيتها الأمة أن تكوني على مستوى الخلافة في الأرض ؟ أتريدون أيها الناس أن تكونوا على مستوى إنسانيتكم التي سويت بيدي الرحمن ونفخ فيها من روحه ؟ إذن اسمعوا السبيل والطريق (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) أتريدون أن تتطوروا أتريدون أن تتحضّروا أتريدون أن يُشار إليكم على أنكم نماذج خيّرة (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسلم: (مَن لا يَرحم لا يُرحم) المعادلة واضحة ارحم تُرحم وإن لم تَرحم فلن تُرحم، خبروني بربكم هل يرحم الحاكم شعبه ؟ وهل يرحم التاجر الفقيرَ ؟ وهل يرحم المعلم الطلابَ ؟ وهل يرحم الطلاب المعلمَ ؟ وهل يرحم الشيخ مريديه ؟ وهل يرحم المريدون شيخهم ؟ وهل يرحم الزوج زوجته على أساسٍ من تعريفٍ ذكرته لكم عطاءٌ نافعٌ برفق ؟ فهل يعطي هؤلاء الأشخاص الذين ذكرتهم العطاء النافع برفق ؟ هل يعطي الغني الفقيرَ عطاءاً نافعاً برفق ؟ هل تعطي وطنك عطاءاً نافعاً برفق ؟ ما أظن ان مجتمعنا يمكن أن يوصف بأقل ما يمكن أن يكون من دلالة الرحمة، لا، يا إخوتي بعضنا لا يرحم بعضنا وكلنا لا يرحم كلنا، وبالتالي كما كررت وأكرر من اين ستأتينا الرحمة ؟ إن لم تَرحم لن تُرحم تلك سنة الله في خلقه، نحن قساة على بعضنا الكبير يقسو على الصغير مَن كان الكبير، والصغير لا يُعطي الكبير عطاءاً نافعاً وبالتالي الصغير لا يحترم الكبير، والأمة لا تعرف لعالمها حقه، انظروا إلى اثنين مَن كانا إذا اجتمع كبيرٌ مع صغير من حيث المال من حيث السلطة من حيث القوة فهل يرحم الكبير في السلطة أو في القوة أو في السن أو في المال هل يرحم من هو امامه ؟ ما اظن وإن كنت لا أقول ذلك على سبيل التعميم العام الشامل ثمة نماذج قليلة لكنها لا تكفي من أجل أن يوصف المجتمع الذي هم فيه بالصفة التي يتحلون بها.

أيها الناس أتدرون بم يسعى المستعمر ؟ ثمة صنفان يسعون للدخول إلينا والسيطرة علينا، الصنف الأول مستعمر وإن كانت هذه الكلمة لا تليق به هو مستعمر وهو يريد أن يخرِّب، والصنف الثاني طاغية، المستعمر والطاغية يحتج بعلاقاتنا فيما بيننا ليسيطر علينا يقول لنا: الناس فيما بينهم لا يتراحمون أتريد ان أتركهم ليقتل بعضهم بعضاً، هذا مبرر ومسوغ من أجل أن يدخل المستعمر وأن يدخل الطاغية، ولذلك فبما كسبت أيديكم، بما كسبت أيدينا، كلنا يتكلم هذا الكلام، يقول بينه وبين جاره بينه وبين صديقه يهمس في أذن صديقه يقول: والله يا أخي لو ان السلطة لو ان القوة ارتفعت عنا بعض الشيء لأكل الناس بعضهم بعضاً. أما تقولون هذا يا إخوتي إذا ارتفعت العصا عنا فسيأكل بعضنا بعضاً، أين إيمانكم ؟ أين ادعاءكم بأنكم تنسبون إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم الرحمة المهداة ؟ إنكم تقدمون المبرر لمستعمر وطاغية لأنني لم أعد آمنك وأنت الذي تنتسب للرحمة المهداة ولم تعد تأمنني وأنا أنتسب للرحمة المهداة وبالتالي أصبحنا يخاف كلنا من كلنا وترتعد فرائص كلنا من كلنا، أين دينك ؟ أين إيمانك بربك ؟ أين محبتك نبيك الرحمة المهداة (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) أين رحمتنا وطننا ؟ أيها التجار أيها المسؤولون أيها الوزراء أيها القائمون على الأمور أين رحمتنا وطننا أين عطاؤنا النافع لوطننا ؟ أين رعايتنا لمواطنينا ؟ الكل يبحث عن نفسه وعن منافعه الشخصية الخاصة وبعد ذلك فليكن الطوفان، لن نُنسب إلى هذا النبي إذا كنا على هذه الشاكلة، فو رب الكعبة إننا لبعيدون جداً عن أن ننتسب لهذا النبي الكريم للرحمة المهداة.

أعيد ما قلت هل تستطيع أن تقول لمن حولك اذهبوا فأنتم الطلقاء ؟ هل تستطيع أن تقول للفقير الذي تصف حاله وتقول لا يجد ما يأكل، نسمع من الناس يقولون ثمة فقراء لا يجدون ما يأكلون، أنت تسمع وتقول هنالك أشخاص لا يجدون ما يأكلون ثم بعد ذلك تتابع طعامك ذا الألوان الشهية الغنية الوفيرة، ويحك أنت تتكلم عن ماذا لو أنك تتكلم عن حيوان لوجب عليك أن تذهب لهذا الحيوان ؟ أنت تتكلم عن إنسان ومواطن وجار وحقه عليك وحقه في مالك. (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) من لا يَرحم لا يُرحم، أخاطب الجميع من القمة إلى القاعدة ومن القاعدة إلى القمة، من لا يَرحم لا يُرحم ولا تنتظروا من مستعمر يريدكم رعايا، ولا تنتظروا من بغاة يريدونكم سبايا ويريدونكم غلماناً ولكن علينا أن ننتظر من أنفسنا أتريدون أن تكونوا على مستوى إنسانيتكم ؟ ارحموا، أي قدموا عطاءاً نافعاً برفق، وإلا فالقضية خاسرة لأن القضية ناقصة وليس الإيمان بالتمني وإنما الإيمان يصدّق بالعمل ما وقر بالقلب، وليست محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باحتفال تصرف عليه مالاً وإنما الاحتفال هو أن نستظل بظل الرحمة المهداة لتكون على خط الرحمة، ارحموا من في الأرض، ارحموا بعضكم يا ناس أزيلوا الخوف من قلوب من أمامكم من قلوب إخوانكم، قدموا لإخوانكم عطاءاً نافعاً، (إن الأشعريين – الذين مدحهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم – إذا أرملوا – أي إذا أصابهم قحط شدة جدب... – جمعوا أوعيتهم في وعاء واحد ثم تقاسموه بينهم فهم مني وأنا منهم) فهل أنت تفعل هذا أو هل تفكر في أن تفعل نصف نصف هذا ؟

لا أريد ان أكون عامل يأس لكنني أستمطر الفطرة المودعة فيكم أنتم جيدون من حيث فطرتكم، استنطقوا الفطرة فيكم واعتمدوا على ربكم وربكم سيتولى أمركم، ولا تساموني إن لم أشكركم في الدعاء جميعاً في كل صباح فأنا أقول: رب اشرح صدرنا ويسر أمرنا وأعطنا سؤلنا ولا تُرنا في أنفسنا ولا في بلادنا ولا في وطننا مكروهاً يا رب العالمين، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله. 

ألقيت بتاريخ  3/ 2/2012  

التعليقات

شاركنا بتعليق