آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
الوطن القيمة والسلوك/ جريدة بلدنا

الوطن القيمة والسلوك/ جريدة بلدنا

تاريخ الإضافة: 2012/02/28 | عدد المشاهدات: 2337

نشرت جريدة "بلدنا" الصادرة في دمشق بتاريخ الثلاثاء 28 شباط 2012 وضمن صفحة (رأي) مقالاً للدكتور الشيخ محمود عكام بعنوان: "الوطن القيمة والسلوك"، وفيما يلي نص المقال:

الوطن القيمة والسلوك

أولاً- الوطن القيمة ثم السُّلوك:

1- الوطنُ قيمةٌ نبيلةٌ لم يُختلف عليها أبداً، كالخير والصِّدق والوفاء والكرامة، ونسبةُ الوطن لي طمأنينة، وعندما أقول: لي وطنٌ، أو وطني... فهذا يبعثُ في داخلي طمأنينة، ويبعثُ في داخلي استقراراً، ويبعثُ في داخلي عزَّة، وقد لا يكون وطني أجملَ الأوطان لكنَّه وطني، وإذ انتسبُ للوطن فأُدعَى وطنياً فما أروع ذلك.

2- الوطن أمٌّ فعلينا أن نبرَّه وألا نقول له (أُف)، أوليس الوطنُ يحملك ويلدك، ثم يحملك ويرضعك ويطعمك، ثم يعطيك الهوية والوجود الاعتباري ؟!

3- الوطن عِرْض فحافظ عليه وصُنْه كما تصون عرضك، وإياك وانتهاكَه وتدنيسه، فسِفاح المحارم فُحشٌ عظيم.

إذا كان الوطن أمَّاً فإياك أن تنتهكه، لأن انتهاكه كما ينتهك الواحد الشَّرس قريباته، بل أقربَ قريباته.

4- الوطن أرضٌ تعيش عليها حراً، وإذ تعيش بغير حرية فالوطن لم يعد وطناً، الأرض والحرية تعني الوطن، وإذ تعيش بغير حرية فالوطن يصبح أرضاً جرداء قاحلة لا قيمة له، أرضٌ وحرية: تساويان الوطن.

5- الوطن قيمة دينية وفضيلة إسلامية، فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب وطنه مكة ويقول: (والله إنَّك لَخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله،ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت).المستدرك 3/8.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد).النسائي 7/116.

وهل الوطن إلا الأهل والمال، ومن قُتل دون أهله دفاعاً أو بناءً فهو شهيد، وأنت عندما تشتغل للوطن تفنَى منك خلايا وأنت تعمل وتشتغل وتبذل الجهد، فهذه الخلايا الميتة نتيجةَ التعب من أجل بلدك هي خلايا شهيدة.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).مسلم 1/63، عن طريق الوطن...عن طريق الأرض التي تعيش عليها.

6- المواطنة هي ذياَّك الرباط أو العقد أو العهد بين الفرد وبين الوطن؛ وجميعُ أبناء الوطن في الحقوق والواجبات سواء، لا نفرِّق بين أحد منهم في ذلك على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم، فالكل مواطنون وليس ثمة رعايا مهما اختلف دينك أو مذهبك أو عرقك أو فكرك أو توجُّهك، إن كان من الموالاة كما يُقال أو من المعارضة،فالكلُّ مواطنون وليسوا رعايا.

ثانياً- السُّلوك:

هذا ما يتعلق بالقيمة التي هي الوطن، أما السُّلوك فقد سجَّلته في مطالب، هذه المطالب كانت في أربعة عشر مطلباً، وجعلت ذلك في ميثاق سمَّيته ميثاق المواطنة.

أتريد أن تترجم هذا الحبَّ للوطن في سلوك ؟

لقد وضعت هذا السُّلوك المترجَم عن الحبِّ في مطالب، وقلت معها: نحن نتغنَّى بالوطن، ولكن لا يكفي أن نتغنَّى؛ لابدَّ من أن نحوِّل التغني إلى التبنِّي، فنحن نتغنَّى لنتبنَّى، وإذا كنا نتغنَّى فقط من أجل أن تنشَط أسماعنا فليس هذا التغنِّي بكافٍ، علينا أن  نتغنَّى لنتبنَّى ومن تغنَّى فلم يتبنَّ فهو في شلل.

ميثاق المواطنة الذي هو السلوك هي:

مطالبنا من أنفسنا - وحينما أقول: ( من أنفسنا) أبتدئ من القمة إلى القاعدة - مطالبنا من أنفسنا، منَّا جميعاً بدءاً من رأس الدولة إلى أصغر موظف.

وهنالك مواطن أكبر وهنالك مواطن أصغر بحسب المساحة التي يشغلها، وبحسب المنصب الذي يُسنَد إليه، لكن الذي يعنيني المواطن الأفضل، فقد يكون المواطنُ الأصغر أفضلَ من المواطن الأكبر، وقد يكون المواطن الأكبر أفضلَ من المواطن الأصغر، نحن نسعى لمواطن أفضل حتى لا نضع في أذهاننا - نحن الذين نتبوأ مناصب متواضعة - أن نصل إلى مناصب كبيرة، وربما كان  هذا ما يشغل بال كثيرٍ منا.

كثيرٌ منَّا حيث هو يسعى إلى أن يكون المواطن الأكبر، وهذا لا يدخل في مجال التنافس الشريف، الذي يدخل في مجال التنافس الشريف هو أن يسعى الواحد منَّا إلى أن يكون المواطن الأفضل بحسب العطاء الذي يقدِّمه لهذا الوطن، الذي هو قيمة عظيمة كبيرة كما بينَّا.

المطلب الأول: تأمين أفراد المجتمع بعضهم بعضاً على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، فدماءُ الآخر وأعراضه وأمواله علينا حرام.

المطلب الثاني: حفظ اللسان من كل ما يؤذي الآخرين.

المطلب الثالث: نشر العفَّة والفضيلة الحشمة، وتعميمُها في كلِّ مرافق مجتمعنا.

المطلب الرابع: ممارسةُ النصيحة فيما بيننا، وتقديمها أنيقةً صادقة نابعة من إرادة خيِّرة.

المطلب الخامس: إتقانُ كلٍّ منا عملَه حيث كان، وأيَّاً كان منصبُه.

المطلب السادس: مجابهةُ الفساد والمفسدين والظلم والظالمين أيَّاً كانوا، وتكريمُ المصلحين والمبدعين والجادِّين وتقديرهم وإكبارهم.

المطلب السابع: عدونا الذي نقاتله ونجاهده هو الصهيونية الآثمة المعتدية، والغادر الخائن لله وللوطن وللقيم.

المطلب الثامن: نشرُ ثقافة الحوار لتكون عنوان مجتمعنا.

المطلب التاسع: العملُ المشترك الموحد على حماية الوطن من كلِّ مكروه وفساد وعدوان وتخلف، وكذلك على رعايته وتطويره وتحسينُه وتحديثه.

المطلب العاشر: التعاون البنَّاء بين الأبناء على تنقية أجواء الوطن من الغلِّ والحقد والحسد والبغضاء والرذيلة والفساد، والتوجُّه الصادق لإشاعة الأمان والعدل والفضيلة والسلام والخير.

المطلب الحادي عشر: الحضُّ على تطبيق التراحم فيما بين أبناء الوطن.

المطلب الثاني عشر: دعمُ الكفاءات العلمية وتفعيلها، وتهيئة المناخات الصالحة لها ولإبداعها.

المطلب الثالث عشر: الإفادةُ من كل المجتمعات التي تطورت وتحسَّنت ضمن خط العلم والمعرفة والقيم.

المطلب الرابع عشر: ها نحن أولاء أخيراً نرجو من الدولة الكريمة ناصحين أن ترعى أبناءها رعايةَ رحمةٍ وعطف واحتضان ومسامحةٍ وعفو وإحسان، لا نفرِّق بين مَنْ هم في داخلها وأولئك الذين حطَّت بهم الأقدار خارجها، ما دام الجميع بررةً أوفياء.

نسعى لدولةٍ ذات سيادة قانون لا امتيازات خاصة فيها لأحد، عنوانها الحرية ولا تُستغل ضد القيم الإنسانية والوطنية، ولا في مواجهة الدولة وأمنها وثوابتِها العامَّة التي أقرها الشعب عبر مؤسساته الحقيقية المختلفة.

أملي من هذا أن أساهم في رفعة بلدي وعزِّه بعد إرضاء ربي، وهذا رأيي سعيتُ لاستنباطه من ديني وواقع العالم المعاصر.

بقلم

الدكتور محمود عكام

مفتي حلب- مفكر إسلامي

التعليقات

شاركنا بتعليق