آخر تحديث: السبت 04 مايو 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
كلنا سياسيون، غير أنا لا نفقه السياسة!/ جريدة بلدنا

كلنا سياسيون، غير أنا لا نفقه السياسة!/ جريدة بلدنا

تاريخ الإضافة: 2012/07/17 | عدد المشاهدات: 2462

نشرت جريدة "بلدنا" الصادرة في دمشق بتاريخ الاثنين 17 تموز 2012 وضمن صفحة (رأي) مقالاً للدكتور الشيخ محمود عكام بعنوان: "كلنا سياسيون، غير أنا لا نفقه السياسة!"، وفيما يلي نص المقال:

كلنا سياسيون، غير أنا لا نفقه السياسة!

فدعونا نعمل معاً فيما اتفقنا عليه وأتقنَّاه

1- ردّة فعل تنامت فينا، وتحولت إلى قدرة سيَّرتنا في مسارب لا نعرف أبعادها ولا ندري نهايتها. (مَنْ قال: إن الإسلام لا سياسة فيه) ؟!

هكذا أجبنا، ولكننا في سلوكنا حوّلناه كله إلى سياسة، وربطنا كل إمكانيات التجديد بعجلة السياسة، وردّدنا على مسامع الجميع مقولة أثرية: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" لتحلَّ محلَّ كل مقولات القرآن الكريم، والسنة الشريفة وعبارات الأئمة المجتهدين الفاهمين، واختصرنا واختزلنا فقهنا السياسي كله بتغيير الحاكم أو إبعاد مسؤول أو القضاء على رجل، وعلَّمنا أولادنا وتلاميذنا ومريدينا وأتباعنا هذا، حتى غَدَت المعادلة السياسية الإسلامية في ذهن من أسلموا والتزموا:

ضمان الإسلام في شتم الحاكم أيَّاً كان، والجدِّ في القضاء عليه بأي وسيلة من الوسائل، وإنه لأكبر انتصار إذ نُريق دمه على الأرض !

وتحوَّل هذا إلى بانوراما الانتصار والافتخار !

فإلى متى صمتنا وكأننا قطعان تردِّد ألفاظاً لا تعيها ؟!

وإلى متى خوفنا من بعضنا، حتى لكأن النفاق غدا عنواناً من عناوين حياتنا، والشاطر فينا من يعبِّئ الجماهير ضد حفنةٍ من الحكام، ويزيِّن القول لها وهو يصف هؤلاء – أعني الحكام – بأشدِّ صفات المروق والردة ؟!

يا أمة الإسلام:

"السياسة" رئاسة، والرئاسة سلوك يدفع المرؤوسين إلى الإقرار ظاهراً وباطناً بضرورة اعتلاء سدَّة التوجيه والمعيارية.

السياسة حركة شاملة للمبدأ، ومنهج متكامل جاء به هذا الإسلام ليقدمه للبشرية قاطبة، مع كل ملحقاتها الحيوانية والنباتية والجمادية، ويوم يأخذ أربابه – أي الإسلام – العهد على أنفسهم بتقديمه قائماً على عقل ذكي خيِّر، وقلب منفتح ذي حب وسَعة، فإن الأمل يرتسم – على جبين من يُقدِّم لهم – سطراً نورانياً يجذب قلوبهم وعقولهم، ويجذب إليهم غيرهم.

نعم، وأكرر، السياسة:

يومٌ كاملٌ، كُثِّفت فيه أبعاد الزمن فاستوعب.

ومكانٌ شاملٌ، يختصر وطنك الذي تمكث فيه، سواءٌ أكان صغيراً أم كبيراً.

ومياومٌ يتحرك قولاً وفعلاً، ليشكل بحركته إسقاطاً مكثفاً للإنسانية جمعاء، من خلال وحدة مستقلة، أو مفردة قائمة.

ويُضاف على هذه الأركان الثلاثة للسياسة ارتباط بالخالق يخيِّم عليها، نستمطر منه منطلقها ومسارها وغايتها وهدفها، وعلى هذا فكلنا سياسيون، نرفع فوق الهام قول الحق جلَّ وعلا: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).

2- يا أهل السياسة، ويا أهل الدين، ويا أهل الاجتماع، ويا أهل التعليم، ويا أهل الاقتصاد، ويا أهل القضاء، ويا أهل القتال والدفاع، ويا كل الأطياف والأطراف...

أليس ثمة مشتركات بينكم ؟! إذن هيا إليها معاً، قعِّدوها وضعوها في صيغة غايات تسعون إلى تحقيقها وتعميقها. وأنا أعتقد جازماً أن من أهمّ هذه المشتركات حماية الوطن ورعايته، وحتى لا أكون ضبابياً في تحديد ما تعنيه الحماية والرعاية، فإني أناديكم إلى الوحدة فيما بينكم من أجل تحسين بيئة الوطن، وخدمة زراعته، وتقوية صناعته، وتمتين اقتصاده، وتعميق حريته، واحترام تاريخه وتراثه، وبثِّ القيم والفضائل في جنباته، وتماسك أبنائه على اختلاف توجّهاتهم الدينية والمذهبية والعِرقية، والتأكيد على حصانتهم جميعاً، وحرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم فيما بينهم، وتذكير المسؤولين بمسؤولياتهم وضرورة القيام بها خير قيام، وعدم استغلال مناصبهم لمنافع شخصية أو غايات خاصة أو لأمور لا تمتُّ إلى الصالح العام بصلة.

نناديكم يا أبناء الوطن من أجل الاهتمام ببعضكم، فالفقير أمانةٌ في رقبة الغني، والضعيف أمانةٌ في عنق القوي، والصغير أمانة في وجدان الكبير، والشعب كله أمانة في ضمير الحكومة كلها، وستُسألون أيها المسؤولون جميعاً أمام الله وأمام التاريخ وأمام الأجيال القادمة واللاحقة والقائمة.

الوطن يا أبناءَه، ورددوا يا مسؤوليه: والله لو أن دابة عثرت في أقصاه لخشيت أن يسألني الله عنها، ورددوا يا شعبه:

بلادي، بلادي، بلادي دمي           وهبتك حياتي فدىً فاسلمي‏

ولنردد معاً:وطن نظيف متطور متقدم ذو فضيلة، وأمن وحرية ومعرفة وعدل يستظل بظل الله وفضله والإيمان به، وإرادة الخير للناس، ليسمو ويعلو ويقوى وينمو.

الدكتور محمود عكام

التعليقات

شاركنا بتعليق