آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
المسؤولية نحو الوقت

المسؤولية نحو الوقت

تاريخ الإضافة: 2022/06/18 | عدد المشاهدات: 416

أما بعدُ أيها الإخوة المؤمنون إن شاء الله:

الأيام والشهور والسنوات وما قَلَّ عنها من ساعات ودقائق وثوان وما كَثُر عليها وما زاد من عقود وقُرون كل هذا مفرداتٌ في المسافة الزمنية التي يجتازها الإنسان عُمراً محدداً معلومُ البداية مجهولُ النهاية، ولا يُقدِّر هذه المفردات إلا الذي يمتلك الوعي والأهداف العالية الغالية، ولا يَبتَذِلُها ولا يأبَهُ إليها إلا الذي أضحى في سَاحِ التِّيه ضائعاً. بعبارةٍ أخرى: ما أثمنُ ما لديك ؟ الأثمنُ على الإطلاق هو الوقت (الزمن)، لأنه عُمرك، ولهذا دعا الإسلام إلى اغتنامه وإلى كسبه ومَلئه بما يعودُ عليك بالنَّفع في الدُّنيا والآخرة، قال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم) هي دعوةٌ إلى كسب الوقت، تَمرُّ عليك الساعة والدقيقة والأسبوع أفلا يجدُرُ بك أن تقفَ عند نهاية اليوم ونهاية الأسبوع ونهاية الشهر لتنظر هذا الزمن، والزمنُ – كما تعلمون ظرف – لتنظر إلى هذا الظَّرف وما أودعت فيه.

أنت أيها الشاب قضيتَ يوم البارحة، الخميس، أفلا يجدُر بك أن تنظر في نهاية اليوم ما الذي فعلته في هذا الظَّرف الزَّمني، هل أهدرتَ هذا الوقت وجعلتَه هَباءً منثوراً أم أنك استثمرته لأنه جزء من عمرك، ولعلَّك لا تعيشُ بعده إلا قليلاً، ومن الذي يدري، انظر يومك وساعتك ودقيقتك ماذا أودعتَ فيها. انظروا إلى أيامكم الخالية البارحة والأمس، وإلى ما قبل البارحة وما قبل الأمس ماذا أودعتم في هذه الظروف الزمنية التي مَرَّت، هل اغتُنِمَت من قِبلكم فوضَعتم فيها ما ينفعكم وما يمكن أن يكون بضاعة مقبولةً عند الله في الدنيا وفي الآخرة عندما تُعرَضُ الأعمالُ هناك عندَ الله عَزَّ وجل، عِشتَ كذا سنة فما الذي جَنيته وما الذي فعلته في هذه الأيام وفي هذه الشهور والسنوات والعقود ؟! فَكِّر في عُمرك وفكِّر في زمنك، ولهذا جاءت الدعوة من سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام الوقت: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتَك قبل موتك) هيا إلى الاغتنام قبل أن يأتي القَدَرُ المحتوم: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك) قبل أن تقول: (يا ليتني قدمت لحياتي) هذا الزمن هو أمانةٌ عندك فهل ستؤدي هذه الأمانة بأمانة، أم أنك في غيبوبة، أقول هذا وأولادنا وأبناؤنا مقبلون على شيء اسمه "العطلة" فبماذا ستقضون هذه الأيام يا أبناءنا ويا طلابنا وشبابنا، الوقتُ رأسُمالنا فهل سنُضحِّي بهذا الرأسمال من أجل أن يكون عِبئاً علينا أم أنَّنا سنتثمره لنربحَ في الدُّنيا إنتاجاً نافعاً وفي الآخرة فَلاحاً. يقولُ صلى الله عليه وسلم: (نِعمتان مَغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِّحة والفَراغ) كثيرٌ من الناس مَغبون في هاتين النعمتين يبيعونهما بشيء رخيص. أنت الآن تمتلك صحة قادرة على إنتاج أمر خَيِّر فلم عَطَّلتَ هذه الصحة وأهدرتها في سَهَر لا يعود عليك إلا بالضرر، في وقتٍ ليس فيه إلا اللهو والكلام الذي لا يمُتُّ إلى الكلام الحسن بصِلة، لِمَ تهدر الصحة مقابل لا شيء، تبيع صحتك بثمنٍ بخس، وكأنك تُحقِّر نعمة الله عليك التي هي الصحة، هيا فاجعلها مقابل شيءٍ عظيم، مقابل شيء رفيع، مقابل إنجاز تفتخر به في الدُّنيا وتتباهى به بالآخرة، بل ويتباهى به نبيك صلى الله عليه وسلم ليقول هذا من أمتي، وهذا عمل من أعمال أمتي.

يُروى عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه كان يقول لجماعته: "من استوى يوماه فهو مغبون" إذا يومك اليومَ جيداً، وغدك جيداً فأنت مغبون، إذا كان يومك جيداً فعلى غَدِك أن يكون أجود، الوقوف يعني التَّراجع، انتبهوا لأوقاتكم كل ثانية ستُسألون عمَّا أودعتم فيها، (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس - وفي رواية عن أربع – عن عمره فيما أفناه) والعمر أيام وشهور وأسابيع وسنوات ودقائق وثوان وساعات: (عن عمره فيما أفناه، وعن جَسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعمَّا عمل فيما علم) أنت تعلَّمت فماذا عَمِلتَ بهذا العلم، هل كان هذا العلم الذي تعلَّمته سبباً للدَّمار والخَراب والحَرب والضَّغينة، أم كان سَبباً للاطمئنان ونفعِ العِباد واستقرار البلاد ونجاح الأطفال وعطاءٍ طيِّب ينفعُ الإنسان. أشعُر وأنا أتكلم عن هذا الذي أُسميه الرأسمال الأساسي والأهم والذي هو الوقت أشعر بأن الناس لم يعودوا يبالون بما يفعلون بهذا الرأسمال، الكبيرُ في غفلة، والوسطُ في غفلة، والصَّغير في غفلة، وكلنا في غفلة حتى إذا ما أتت النتيجةُ في غير صالحنا فوجئنا، لا يجوز أن تفاجأ، ماذا قدَّمت حتى تتفاجأ، ماذا فعلت واغتنمت حتى تتفاجأ، أيها المتفاجئ، أيها الإنسان الكسول التائه يا صاحب اللهو والضياع، يا صاحب العمر الذي أضعته من غير أن يكون بجانبه إنتاج يضاهي هذا العمر. سنتكلم فيما بعد عن أناسٍ عُظماء وعلى رأسهم المصطفى صلى الله عليه وسلم كيفَ كان إنتاجه أكبر من عمره بأضعاف مضاعفة، وكيف كان إنتاج مَن كان على طريقه كذلك. هذا قَدْرُ ما أريدُ أن أُكلِّمكم به اليوم، لكني سَأستلُّ من كلام الأسبوع القادم لأقول لكم: الأزمنة ثلاثة: ماضٍ وحاضرٌ ومَستقبل، فما موقفنا مع الزَّمن الماضي وكيف يجب أن نقف، وما موقفنا مع الزمن الحاضر وكيف يجب أن نقف، وما موقفنا مع المستقبل وكيف يجب أن نقف، هذا ما سنقوله الأسبوع القادم إن شاء الله، اللهم اجعلنما ممن يملأ وقته وزمنه وعَصره منافع تعود على البلاد والعباد بالخير وتعود عليه يوم القيامة بالفوز والنجاح، نِعْمَ مَن يُسألُ ربنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهنا، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

أُلقِيت في جامع "السيِّدة نفيسة عليها السلام" بحلب الجديدة بتاريخ 17/6/2022

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق