أمَّا بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:
الإنسان بين حق وواجب، له وعليه، إلا أن المشكلة أن كثيراً منا يعرف ما له ويتجاهل الذي عليه، لذلك قيل: مَن عَرف ما له وتجاهل ما عليه فهو غافل، ومَن عرفَ ما له وما عليه فهو عادل، ومَن عرف ما عليه وتجاهل ما له فهو فاضل، صاحب فضل، علينا أن نتعرف على واجباتنا قبل أن نتعرف على حقوقنا من أجل أن نكون من أهل الفضل كما ذكرت لكم، ولعل أَوْلَى الواجبات بالتعرف عليها هي (واجباتنا نحو ربنا عز وجَل) ما واجبك أنت أيها المسلم تجاه ربك، تجاه الذي خَلَقك فسوَّاك فعَدَلك، ما واجبك تجاه مَن أنعم عليك بالإيجاد، ولا تزال نِعمه عليك تَتْرَى بالإمداد، فأنت بين إيجادٍ وإمداد. واجباتنا نحو الله جَلَّ شأنه:
أولاً: التوحيد: أن تُوحِّدَه عن يقين وعن عِلم، فاعلَمْ عِلمَ اليقين (فاعلم أنَّه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات واللهُ يعلمُ مُتقلَّبكم ومَثواكم) ويقول عليه الصلاة والسلام: (أفضل ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي لا إله الا الله وحده لا شريك له) فهل أنت توحِّد الله فعلاً ومن قلبك ومن يقينك ومن اعتقادك، إذاً أنت تقوم بواجبك الأول نحو ربك جَلَّت قدرته. سُئل الإمام عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه عن الإخلاص، ما الإخلاص ؟ فقال: "أن تقول الله وليس في قلبك سِواه" فهل أنت تقول الله وليس في قلبك سواه ? انتبه أيها الأخ المسلم.
الواجب الثاني: العبادة: والعبادة يعني أن تؤدِّي العِبادات الصِّرفة التي فرضها الله عليك من صلاةٍ وصِيامٍ وزكاةٍ وحج على وَجهها الصَّحيح وبإخلاص، هذان قيدان يجب أن ننتبه إليهما، على وجهِها الصَّحيح، الصِّحة والإخلاص مطلوبان أساسيان من أجل قَبول العبادة الصِّرفة، (لا إله إلا أنا فاعبدني)، (يا أيها النَّاس اعبدوا ربَّكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جَعَل لكم الأرضَ فِراشاً والسَّماء بناءً وأنزل من السَّماء ماءً فأخرج به من الثَّمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) العبادة.
الواجب الثالث: الطاعة: والفرق بين العبادة والطاعة أنَّ العبادة هي أن تؤدِّي العبادات الصرفة - كما قلت - من زكاةٍ وصلاةٍ وصيامٍ وحج، وأما الطاعة فأن تلتزم الأوامر بشكلٍ عام، وأن تجتنب النَّواهي فيما يتعلق بكل شؤونِ حياتك، (وأطيعوا الله والرسول) لماذا ؟ (لعلكم ترحمون)، فإن لم تطيعوا الله ولم تطيعوا الرسول فالرحمةُ بعيدةٌ عن ساحاتكم، (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) أطع ربك في تشريعه، وأطع النبي في تبيانه، وهذه نقطة مهمة، بل هامة جداً، أطع الله في تشريعه فالمشرِّع هو الله جَلَّت قدرته، والمبيِّن والموضِّح هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، الله أمرنا أن نصلي، وهذا أمر تشريعي، لكننا علينا أن نطيع رسولَ الله في كيفية الصلاة، كيف نصلي ? جاء النبيُّ المصطفى ليقول: (صَلُّوا كما رأيتموني أصلي).
الواجب الرابع: الحُب: نَعم، عليك أن تحب الله، وإلا فلم تقم، ولن تقوم بواجباتك تجاه ربك، (أحبوا الله) هكذا قال نبي الله عليه الصلاة والسلام: (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا آل بيتي بحبي)، وفي رواية: (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا آل بيتي لحبي) أحبَّ ربك واجعل قلبك متعلقاً من حيث الحب بربك عز وجل، فالقضية قضية أساسية، (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربَّصوا) ينبغي أن يكون محبوبك الله، وأن تحبَّ الله عز وجل أكثر من كل شيء، وأقوى من كل شيء، (يا أيها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوفَ يأتي الله بقومٍ يحبُّهم ويحبُّونه) إن لم تكونوا أنتم على مستوى محبة الله (من يرتد من منكم عن دينه) فلم يحب ربه، من لم يحب ربه فهو مرتد، (من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزة على الكافرين).
هذه واجباتنا، لا أريد أن أعدِّد أكثر، حصرتُها بهذه الأمور الأربعة من أجل أن تكون مَركوزةً في أذهانكم، في عقولكم، وأن تُسائلوا أنفسكم بين الحين والآخر: هل نقوم بواجباتنا نحو ربنا عزَّ وجل ? هل نقومُ بما أوجبت علينا الإنسانية، لأنَّ الإنسانية خُلقت من قبل الله الذي تفضَّل عليها فخلقها، فهل نحن نقوم بواجباتنا نحو خالقنا، نحو اللطيف بنا، نحو مَن يُمدُّنا، نحو من أوجدنا، أعتقد أنَّ القضية أصبحت واضحةً جداً، فإلى واجباتٍ أخرى في أسابيع قادمة، وأسأل الله عزَّ وجل أن يجعلنا مِمَّن يعرف واجبه ويتسامح ويتجاهل في حقوقه، ليكون من الأفضلين وليكون من الفاضلين، نِعمَ مَن يُسأل ربنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهنا، أقولُ هذا القول وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 4/8/2023
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.
التعليقات