آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
التَّعرُّفُ على رسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم

التَّعرُّفُ على رسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم

تاريخ الإضافة: 2023/09/29 | عدد المشاهدات: 267

(المعرفة البِنائيَّة)

أمَّا بعد، فيا أيُّها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

قلنا فيما مضى: من واجباتنا نحو النبيِّ الأعظم صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم معرفته، التعرُّف عليه،وهنا أحب أن أقول: المعرفة نوعان: معرفةٌ بِنائية، ومعرفة استكشافية نظرية. كُلُّ ما أخشاه أننا حينما نتحدَّث عن واجبنا نحو النبي الذي هو التعرُّف، أن نفهم بأن معرفتنا النبيَّ عليه الصلاة والسلام معرفة استكشافية نظرية. لا يا إخوتي. المعرفة المطلوبة هي المعرفة البنائية، ولتوضيح هذا الأمر: طالب كلية الطب يدرس المواد الطبية، يتعرَّف عليها ليبني نفسه وليكون طبيباً، فهو يقرأ الطب ويتعرف على الطب ليكون طبيباً، فهو يبني نفسه، عندما يقرأ هذا الطالب في جريدةٍ ما ما فهو يتعرف معرفة نظرية استكشافية ولا يتعرف معرفةً بِنائية، البِنائية حيث يدرس المواد الطبية، لأنه في النهاية يريد أن يكون طبيباً، يتعرَّف على الطب ليبني الطبيبَ الذي في داخله، الذي يتجلى من خلاله، والذي هو يتجلى أيضاً من خلاله. عندما تتعرف على شخصٍ ما، ما عندما تعرف أستاذك فأنت أمام معرفةٍ بِنائية إذا كان هذا الأستاذ بالنسبة لك أنموذجاً رائعاً وممتازاً، فأنت تتعرف عليه من أجل أن تبني نفسك وفق ما كان هو قد بنى نفسه عليها، ولذلك يُقال لك: إني لأرى أستاذك فيك، أنت تلميذ فلان عندما أراك أرى فلاناً، أنت تمثل، أنت تُلَخِّص، أنت تُشخِّص أستاذك، لأنك تعرَّفت على أستاذك وعرفته معرفة بنائية، أردتَ أن تبني نفسك وفق معطيات بناء نفسه، أعتقد أن الفكرة واضحة. الآن أسأل سؤالاً: هل إذا رآنا أحد من الناس وقد قرأ عن محمد عليه الصلاة والسلام يقول لك إني لأرى فيك محمداً ? أعتقد أن الجواب لا. لأننا تعرفنا على محمد في أحسن أحوالنا، تعرفنا عليه معرفة استكشافية نظرية، عرفناه، سمعنا عنه في الموالد، قرأنا قصة مولده، قرأنا سيرته، أما لم نقرأه من أجل أن نتقلَّد خُطاه، ومن أجل أن نبني أنفسنا وفق سيرته، وفق حياته، وفق سنته، وفق مبدئه، وفق سلوكه. ولذلك الفرق بيننا وبين الصحابة أن الصحابة رضي الله عنهم تعرفوا على النبي معرفة بِنائية، كان كل واحدٍ منهم يُمثِّل محمداً عليه الصلاة والسلام، لكننا الآن لا يمثل واحدٌ فينا محمداً صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، الرسول عليه الصلاة والسلام على سبيل المثال كان يقرأُ القرآن، وكان يتعرف على القرآن، وكان يتعلم القرآن، وكان يعلم القرآن ولكن تعرفه على القرآن كان تعرفاً بنائياً، معرفة بنائية، ولذلك أضحى قرآناً يمشي، سئلت السيدة عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فقالت: (كان خُلُقُه القرآن) إن نظرت الى النبي عليه الصلاة والسلام رأيت قرآناً يمشي على الأرض، فهل الآن إذا نظر إلينا، فهل نحن قرآن يمشي على الأرض، أم أننا أهواء ونزوات وفُهوم أسقطناها على القرآن، وهي ليست من القرآن، وادَّعينا أنها من القرآن، من أجل أن نبرر أمام الناس أفعالنا التي لا تَمُتُّ إلى القرآن بصلة. عندما ترى تلميذاً وفياً لأستاذه - كما قلتُ لكم وأعيد المثال - تقول لهذا التلميذ أرى فيك أستاذك، يا إخوتي هنا تكمن المشكلة، هل أنت محمدي ? الجواب: لا يا إخوتي بكل صراحة، الجواب: لا، لستَ محمدياً، لأنك ما تعرفتَ على محمد مَعرفة بِنائية، ما بنيت نفسك وفق معطيات محمد عليه الصلاة والسلام، وما أردت أن تكونَ نسخةً مُصغَّرةً عن محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك فكر يا أخي، فكر من جديد واجعل التفكير دَيْدنك، فيما بينك وبين نفسك: هل أنت كما قلت لك إذا رؤيت قِيل لك: أرى فيك محمداً ؟ أبو بكر رضي الله عنه كان يقال له إني أرى فيك محمداً، وعمر عثمان وعلي ومعاذ وأبو عبيدة، كل الصحابة رضي الله عنهم بنسبة أو بأخرى، لكن هل يُقال لنا بنسبةٍ ولو كانت ضئيلة، (واعلموا أنَّ فيكم رسولَ الله) هل فيك رسول الله ? (واعلموا أنَّ فيكم رسول الله) من أجل أن تتعرفوا على رسول الله معرفة بنائية، من أجل أن أنفسكم وفق معطيات رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، إذا رؤيت تأكل فهل أكلك يُذكِّر الرائي بمحمد ? إذا رؤيت تشرب فهل شرابك يُذكِّر الرائي بشراب محمد، وكيف كان يشرب محمد صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم ? إذا رؤيت تمشي، تشتغل، تعمل، تدرس، تقوم، تفعل الذي تفعل، تمتهن مهنتك التي تمتهن، فهل يقول لك الرائي: إني أرى فيك، في هذا العمل محمد ? لأنك لم تتعرف على محمد في هذه القضية معرفةً بنائية، ولم تُرِدْ حين قرأتَ سيرةَ محمد أن تكون أفعالك أفعال محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك فكرت بيني وبين نفسي، قلت سأخاطب الناس اليوم، سأقول لهم: كونوا محمديين، إذا رؤيتم، إذا نظر إليكم يُقال فعلاً أنت محمدي، في طعامك، في سَمْتِك، في شرابك، في مشيك، في صبرك، في شكرك، في ذكرك، في صلاتك، فهل صلاتك صلاة محمد، أو تشبه صلاة محمد ? أو صورةً مصغرة عن صلاة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ هنا - كما قلت لكم - تكمن المشكلة أيها المسلمون في أصقاع الأرض كافة، جهادك جهاد محمد، عملك عمل محمد، في أسرتك أنت تمثل الزوج الذي كان عليه محمد عليه الصلاة والسلام ؟ المعرفة البنائية هي المعرفة التي نفتقدها، لعل بعضكم يقرأ السيرة - وإن كنت أشك - لعل بعضكم يقرأ كتاباً في السيرة النبوية من الأول إلى الأخير، لكنه لا يقرأ هذا الكتاب من باب المعرفة البنائية، يقرؤها في أحسن أحواله من باب المعرفة الاستكشافية. سآتيكم بمثالٍ على المعرفة البنائية، يقول أحد التابعين واسمه أبو عبد الرحمن السُّلمي، عبد الله بن حبيب بن ربيعة، وكان من التابعين، وكان تلميذَ بعض الصحابة رضي الله عنهم، يقول: حَدَّثنا الذين كانوا يُقرؤوننا القرآن أنهم ما كانوا يَقرؤون آية من كتاب الله إلا ويتعلمون ما فيها من العلم والعمل، قال: فتعلَّمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً. هذه هي المعرفة البنائية، أنت تقرأ آيةً من كتاب الله: (إنَّ الله وملائكته يُصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) صلوا على النبي، اجعل بينك وبين النبيِّ صلة، أنت تصلي عليه فتقول: اللهم صَلِّ على محمد، ولكنَّ المقصود، ولكن المعرفة البنائية تقتضي منك أن تجعل بينك وبين محمد عليه الصلاة والسلام صِلة. ما هذه الصلة ? الصلة هي الاتباع: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) في الصَّغيرة والكبيرة، في الدَّقيقة والواضحة والقليلة والكثيرة، (فاتبعوني) اجعل صلة بينك وبين محمد الذي تحبه عليه الصلاة والسلام الاتباع: (لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هَواه تبعاً لما جئت به) هَواه، حاله، أخلاقه، قعوده، جلوسه، نومه، يقظته، كل شيء، أمامه حضرة المصطفى صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، لذلك أسأل الله عز وجل - كما في كل أسبوع - أن يَرُدَّنا إلى ديننا ردَّاً جميلاً. لعلَّكم تفرحون بكثرة المسلمين، وبكثرة المصلين، وبكثرة الصائمين، الكثرة لا تُفرِحنا، (أنتم يومئذٍ كثير. أَمِن قِلَّةٍ نحن يومئذ يا رسول الله ?! قال: لا أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غُثاءُ كغثاء السَّيل) ليس هنالك معرفة بنائية ولا اتباع حقيقي، ولا حب قلبي ولا حب عقلي، وانما القضيةُ ادِّعاءٌ في ادِّعاء في ادِّعاء، اللهم رُدَّنا إلى دينك ردَّاً جميلاً، واجعلنا ممن يتعرَّفُ على القرآن، وعلى النبيِّ العدنان معرفة بِنائية، نبني من خلال ذلك أنفسنا لنكون قرآنيين بحق، ولنكون محمديين بحق، تقبل منا ما كان صالحاً، وأصلح منا ما كان فاسداً، وأصلحنا ظاهراً وباطناً، نِعْمَ مَن يُسأل أنتربُّنا، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 29/9/2023

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/nmtVpSDKbp/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق