أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
لطالما سمعتم حينما يُقابِل إنسانٌ إنساناً على سبيل التعرف، يسألُه عن عَمله فيجيب بأنه تاجر أو صِناعي أو طالب أو طبيب أو مهندس أو... الخ، ثم يسأل هذا الإنسان الذي يبغي التعرف والتعريف بهذا الشخص يسأله سؤالاً آخر، يقولُ له: هل لك مِن هواية ? يقول: نعم، وهوايتي السِّباحة، الرياضة، المطالعة. فيقول السَّائل ونعمت الهواية. الهواية هي: أمرٌ تُمارسه بِشَغَف خارجَ عَملك، خارج الخطِّ العَمَلي الذي ارتضيتَه لنفسك في حياتك، تمارسُه بشغف، تمارسه بِوُلُوع، وأنت هنا أعتقد أنك قابل لأن تُسأَل هذا السؤال ما هوايتك ? فماذا سيكون الجواب منك ? قلت هذا كله من أجل أن أقول لشبابنا الذين دخلوا الآن مرحلة العُطلة الصيفية، أقول لهؤلاء: هيا فمارسوا هواياتكم في هذه العطلة، وممارسة الهواية تدفعكم من أجل أن تكونوا أكثر نشاطاً في عملكم في السنة القادمة، سواء أكنتم طلاباً أو معلمين أو مدرسين أو... الخ. لكن هل فكرت أيها الإنسان المسلم، أيها الطالب بشكلٍ خاص، هل فَكَّرت في أن تقول يوماً ما حينما تُسأل عن هوايتك أن تقول: هوايتي مُطالعة القرآن الكريم، انظروا كم نحن بعيدون عن القرآن الكريم، هل خَطَرَ ببالك حينما تُسأل هذا السؤال أن تقول: هوايتي القرآن الكريم، هوايتي هذا الكتاب العظيم، أقرأُه، أتدبَّرُه، أُطبِّقُه، أعيشُ معه، يُرافقني في سفري وفي حضري، في حِلِّي وترحالي، هذا القرآن عليك أن تجعله هوايتك أيها المسلم، هذا القرآن الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم إذا ما أردتَ الرفعة: (إنَّ اللهَ يَرفعُ بهذا الكتاب أقواماً ويَضَعُ به آخرين) فإن كُنتَ تُريد الرِّفعة الحقيقية الواعية فعليكَ بالقرآن، عليك بالقرآن هواية، أي عليك بالقرآن شَغَفاً وولوعاً، وأن تكونَ معه ليلَ نهار، ويقول النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم: (اقرؤوا القرآن، فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، ويقول يَحضُّنا على أن يكونَ القرآنُ دَيْدَننا، (من قرأَ حَرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنةُ بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، اقرؤوا القرآن.
ولعلاقتك مع القرآن مَراتب، هنالك مَرتبةٌ دُنيا، هي مَرتبة مُتَتَعْتِع، تقرأ وتتعثَّر، والرسول عليه الصلاة والسلام قال عن هذه المرتبة، عن هذه القراءة: (الذي يقرأُ القرآن وهو يتَتَعْتِعُ فيه، وهو عليه شاق فله أجران) هل أنت متتعتع في القرآن ? أراك إذ تكون مع القرآن متتعتعاً تترك القرآن، وأنت تَتتَعْتِعُ فيه ويصعُب عليك، تصعب عليك قراءته وتلاوته لك أجران، مَارس هذه الهواية ولو بصعوبة، لك أجران.
مرتبة ثانية: ماهر بالقرآن: تقرأ القرآن بمهارة، (الذي يقرأُ القرآن وهُو مَاهِرٌ به مع السَّفرة الكِرام البَررة) مع الملائكة، ألا تريد أن تمارس هوايةً لتكون من خلال هذه الهواية مع الملائكة، مع الكرام، مع السَّفَرة البررة، الملائكة الكرام.
مرتبة ثالثة: الصَّاحب، هَيَّا وصاحبِ القرآن، والصَّاحِب ساحب، وسَيَسْحَبُك القرآنُ إلى آفاق رفيعة، إلى مَنازل رائعة في الدنيا وفي الآخرة، كُن صاحباً للقرآن الكريم في سَفَرك، في مَكتبك، في مَكانك، في بيتك، في منزلك، في ليلك، في نهارك، (يُقالُ لصَاحبِ القرآن يومَ القِيامة: اقرأ وارقَ ورَتِّل كَما كُنتَ تُرتِّل في الدُّنيا، فإن مَنزِلتك عند آخر آيةٍ تقرؤها)، الصَّاحب يَعرِفُ صاحبه، والفرقُ بينَ الصَّاحب والماهر أنَّ كليهما ماهر، لكنَّ الماهر يقف عند المهارة، وأما الصَّاحب فيتجاوزُ المهارة ليَعرِفَ عن صاحبه شيئاً كثيراً، ألكَ صَاحب ? لن يكونَ هذا الصَّاحبُ لكَ صَاحباً إلا إذا عرفتَه وعرفَك، إلا إذا صَحِبتَه وصحبك، إلا إذا سافرتَ معه وسافر معك، إلا إذا اطَّلعتَ على بعضِ خَفاياه واطَّلعَ على بعضِ خفاياك، مُتتعتع، مَاهر، صاحب، المرتبة الأعلى الأهل، قال عليه الصَّلاة والسلام: (إنَّ لله أهلينَ من الناس، قالوا: مَن هم يا رسولَ الله ? قال: هم أهلُ القرآن، أهلُ القرآن هم أهلُ الله وخَاصَّته) أهل القرآن، والفرقُ بين الصَّاحب والأهل أن الأهل تَعرِفُهم أكثر مما تعرفُ صَاحبك، وتُلازِمُهم أكثر مما تنادي صاحبك، وتسكنُ مَعَهُم، ويَسكُنون معك، وتأكلونَ سَوِيَّةً، وتَنامون معاً، ويَضُمُّكم سقفٌ واحد، وتَحتويكم ساحةٌ واحدة، فهل أنتَ مع القرآن أهل ? يا إخوتي: القضيةُ قضيةُ فَيْصَل، إما أن نكون مسلمين حَدَّدنا مسارنا، وحَدَّدنا هوايتنا، أن تكونَ مُمارساً للرياضة، فهذا أمر جيد، وأن تكونَ مُمارساً للمُطالعة فهذا أمر أجود، ولكن ما ينقصك في الأمرين أن تُتَوِّجَ هذه الممارسات بممارسة هواية القرآن، فإما أن تكون متتعتعاً، وإما أن تكونَ ماهراً، وإما أنَ تكونَ صَاحِباً، وإما أن تكونَ أهلاً، فاختر المرتبة التي تَسعى من أجل التَّحقق بها.
أيها الإخوة: أتدرون سِر الصُّمود لإخوانكم في فلسطين ؟! من أسرار الصُّمود، هذا الصُّمود الذي غَدَا اليومَ أُسطُورة يتحدَّث عنه في الشَّرق والغرب، أتدرون ما سِرُّ هذا الصمود ? سِرُّ الصمود القرآن الكريم، إن كُنتَ للقرآنِ أهلاً فقَد رَفَعكَ اللهُ عَزَّ وجَل كما قُلنا آنفاً: (إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكِتاب أقواماً) إن كُنتَ للقرآنِ أهلاً فأنت أهلُ الله، وحَاشا أَن يُضيِّعَ اللهُ أهلَه، أتُضيِّعُ أهلَكَ أنت ؟ إن كُنتَ أنتَ لا تُضيِّعُ أهلك فكيفَ يُضيِّعُ اللهُ أهله، وكيف يَهمِلُ الله أهله ? إنَّ لله أهلين من الناس. مَنْ هُم يا رسولَ الله ? هم أهل القرآن، أهلُ الله وخَاصَّتُه، سِرُ صُمود إخوتنا في فلسطين، في غَزَّة هو القرآن الكريم، القرآن رفعهم، وسر عدم نجاحنا، عدم نجاح المسلمين في بقية العالم هو القرآن الكريم، أي إهمال هذا القرآن، عدم تبني هذا القرآن الكريم، (وَيَضَع به آخرين) عندما نحاول أن نُبرِّر من القرآن ما يدفعني من أجل أن أقتل مسلماً فاللهُ عند ذلك لن يَرفعني، وإنَّما سيجعلني في الحضيض، ويَخفِضُ به آخرين، ويحطُّ به آخرين، هيا إلى القرآن يا أبناءنا، ولا سيما الطلاب، اجعلوا القرآنَ صَاحبكم، واجعلوا القرآنَ أهلكم، وليكن المصحف الشريف بجانبكم باستمرار، في سَفركم، إن أردتم النُزهةً إلى مزرعة ما فاصحبوا القرآن، وإن أردتم نزهة إلى بلد ما اذهبوا، ولكن اصحبوا القرآن الكريم، وكما تجلسون وتقعدون لتناول الأكل والطعام، فاجلسوا دقائق، أنت مع أسرتك لتلاوة آياتٍ من القرآن الكريم، ولا يستحينَّ أحدٌ لأنَّه لا يعرف، فالذي يقرأُ وهو يتعثر، فله أجران، يا شباب، يا أمة القرآن، يا أمة محمد له أجران، الذي يقرأُ القرآن متعثراً وهو عليه شاق له أجران، اللهم هل بلَّغت ? اللهم إنَّ القرآنَ قرآنك، به نَحفظُ أنفسنا، لقد حفظتَه يا ربّ، وتكفَّلتَ بحفظه فقلت: (إنَّا نحن نَزَّلنا الذِّكر وإنا له لحافظون) فمن أرادَ منكم أن يَحفظَ نفسَه فليتَمسَّك بالمحفوظ، ومَن تَمسَّك بالمحفوظ حُفِظ، احفَظنا يا رب، واحفظ بلادنا بالقرآن الكريم، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ رَبُّنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهُنا، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 28/6/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
التعليقات