أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
تحدثنا في الأسبوع الفائت عن الأخلاق وأنها نوعان: نوعٌ يرتبط بالذَّات من أجل تقويتها وتحسينها، ونوع يرتبط بالعلاقات من أجل تحسينها، بالعلاقات مع الآخرين، سواء أكان الآخر إنساناً أو جماداً أو حيواناً. والأخلاق التي تنصبُّ على الذات لتمتينها وتقويتها وتحسينها تسمى بـ "الأخلاق السيادية"، فمن تحقَّق بها كان سيداً، وذكرنا أن هذه الأخلاق السيادية هي - ليس على سبيل الحصر - هي الصبر، الصدق، الإخلاص، الأمانة، وأما الأخلاق التي ترتبط بالعلاقات، أي تحسِّن العلاقات كالتسامح والعفو. ووقفنا عند خلق في الصبر الذي هو من الأخلاق السيادية، والتي تقوي الذات وتسعى من أجل أن تكون الذات متينة راسخة في إيمانها، راسخة في قوتها، راسخة في عِلمها، في عملها، في كل شيء تقوم به وهو يناسب إنسانيتها، وقلنا إن الصبر أنواع أربعة، ذكرنا نوعين اثنين: أما الأول فالصبر على فعل الطاعات، والأمر الثاني من الصبر: الصبر على ترك المنكرات، وقلنا إن إخواننا في فلسطين يصبرون أيَّما صبر على فعل الطاعات، على الجهاد في سبيل الله، فجزاهم الله خيراً ونصرهم وأعلى رتبتهم، وجعلهم الأعلين إن شاء الله.
أما النوع الثالث الذي نريد أن نتحدث عنه هذا الأسبوع فالصَّبر على أذى الآخرين، (واصبِر صبراً جَميلاً)، واصبر الصَّبر الجميل أيها الانسان، (واصبر على ما يقولون) هكذا أُمِرَ المصطفى صلى الله عليه وسلم، (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً). (المؤمن الذي يُخالِط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام، الصبر على أذى الآخرين من المسلمين المؤمنين، ولا سيما إذا كان هؤلاء من الأقرباء، من الذين تتعامل معهم صباحَ مساء، يقول عليه الصَّلاة والسلام: (أفضل الفضائل: أن تَصِلَ مَن قطعك، وأن تُعطِيَ مَن مَنعك، وأن تصفحَ عمَّن شَتَمك)، أفضل الفضائل، لذلك الصبر على أذى الآخرين ثالث نوعٍ من أنواع الصبر.
أما النوع الرابع فالصَّبر على البلاء والمصائب، (ولنبلونَّكم بشيءٍ من الخوفِ والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبَشِّر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صَلَواتٌ من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، الصَّبرُ على البلايا. قلت لكم في الأسبوع الفائت: ما لي أراكم لا تَصبرون على أمرٍ نَستحي أن نُسمِّيه بَلاءً، ما لي أرى هؤلاء المسلمين - إلا من رحم الله - لا يَصبرون، علماً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: (ما يُصيب المسلم مِن نَصَبٍ ولا وَصَب - من تَعَب - ولا حُزن ولا أذىً ولا غَمٍّ، حتى الشَّوكة يُشاكها إلا كَفَّرَ الله بها عَن خَطاياه). بعضُ التَّابعين إذا وقع به بلاء قال: "سَحَابةُ صَيف ثم تنقشع"، اصبروا أيها المسلمون المؤمنون وصَابروا، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم عن رَبِّ العِزَّة جلَّت قُدرته: (إذا ابتليتُ عَبدي بحبيبتيه) أي بعينيه، ضعفاً أو عدم رؤية، (إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه فصَبر عَوَّضته منهما الجنة)، صورةٌ من صور الابتلاء، يقول ربنا عَزَّ وجَل أيضاً في الحديث القدسي، وهو صحيح: (إذا ابتليت عبديَ المؤمن فلَم يَشْكُني إلى عُوَّاده أطلقته من إساري ثمَّ أبدلتُه لحماً خيراً من لحمه، ودَمَاً خيراً من دَمه، ثم يستأنف العمل) لم يشكُني إلى مَن يعودونه ويزورونه، (أطلقتُه من إساري، وأبدلتُه لحماً خيراً من لحمه) جَدَّدتُ خَلقه، ثم يستأنف العمل. كم نشكو ربَّنا إلى الناس، انظروا إلى مريضنا يشكو ربَّه إلى الناس، يقول: مرضتُ كذا وكذا، وأشكو الألم هنا وهناك، ومتى الشفاء ؟! ويُلِحُّ ويتكلَّم بشكوى، يشكو ربَّه إلى الناس، وهكذا في سائر الأمور، في الحَرِّ، في البرد، في الرزق، في العَمل، في الوظيفة، في المنصِب، في العبادة، في أي مكان كان. يشكو ربَّه من كثرة ما فَرَضَ عليه من العبادة، علماً أن ربَّنا عز وجل لم يُرِد بنا إلا الرحمة، (وما جَعَل عليكم في الدِّين من حَرَج)، (يُريدُ اللهُ بكم اليُسرَ ولا يُريد بكم العُسر).
ثواب الصَّبر كبيرٌ جِداً، عظيمٌ جِداً، يقول الله عز وجل: (إنَّما يُوفَّى الصَّابرون أجرهم بغيرِ حِساب)، ما قيل هذا الجزاءُ للمصلين، ولا للصائمين، إنما للصابرين فقط. سألني مرةً أحد الإخوة: لماذا كل هذا الأجر للصابرين ? لم يقل ربنا إنما يُوفَّى المصلون، والصلاة فريضةٌ عظمى، وهي عَمود الإسلام، لِمَ قال هذا عن الصبر ? فقُلت وأرجو أن ننتبه إلى دِقَّة الجواب: حينما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب الجزاء من جنس العمل، هذا الذي ابتُلي فصبر، لم يُحاسِب ربه، ولم يشكُ ربَّه، لذلك كان الجزاءُ من جنس العمل، عبدي لم تحاسبني فلن أحاسبك، لم تشكُني فلن أحاسبك، الجزاءُ من جنس العمل، (وجعلنا منهم أئمةً يهدون بأمرِنا لما صَبروا) شرط الإمامة أن تكون صابراً، أيها الانسان السَّاعي إلى أن تكون إماماً يُقتدى بك في مجال الخير، في مجال كُلِّ بِناءٍ لهذا المجتمع الذي نُريد بناءَه وعُمرانه وازدهاره وإحسانه، وكل ما يكون عليه المجتمع من خير. اللهمَّ إني أسألك أن تجعلنا من الصابرين يا رب العالمين، اصبروا يا إخوتي أيها المجاهدون في غزة، اصبروا فالله معكم، ولن يَتِركم أعمالكم، وسينصركم ربكم عز وجل، هذا وعدٌ منه، (وكانَ حَقَّاً علينا نصرُ المؤمنين)، وأنتم يوماً بعدَ يوم تُؤكِّدون إيمانكم بربكم، فاللهمَّ انصُر المؤمنين على أولئك الفاسقين المجرمين الآثمين، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ رَبُّنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهنا، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 19/7/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
الدكتور #محمود_عكام
#أنواع_الصبر
#خطبة_الجمعة
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5283/
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.
التعليقات