|
بسم الله الرحمن الرحيم
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}
صدق الله العظيم
الأحزاب 21
عيد التوبة
جوّال 095278048
محمد حسام الدين دويدري
husamdeen@mail2syria.com
http://www.husamdeen.jeeran.com//
http://www.husamdeen. com/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"هل يحقّ لنا أن نحتفل بذكرى مولد هادي البشرية النبيّ محمد صلى الله عليه وسلّم...؟"
سؤالٌ طالما أثار الكثير من الجدل عبر العصور ولم يتفق جميع المسلمين على الإجابة؛ فاستمرّوا على جدلهم مابين مجيز مشجّع وممانع متمنّع يرى في ذلك الاحتفال بدعة غير جائزة...
ومادمت معترفاً بكوني لم أبلغ من العلم ما يتيح لي الحكم القاطع السليم فلن يكون كلامي إدلاءً برأي حكمي؛ لكنني أردت فقط أن أفكّر بصوت عالٍ محاولاً ممارسة حقي الطبيعي في الاجتهاد الشخصي حول أمر له ظروفه الموضوعية المتباينة عن كلّ ما سلف من عصور مادام ليس فيه نصّ ثابت قطعيّ يمنع الاجتهاد ويحجب سبله ؛ ومادام لم يدخل محراب الثوابت الراسخة...
فذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لها طعم مختلف في هذا العام عنه في الأعوام السالفة. لقد ضاق الحصار على الأمّة وتقطعت بنا الأسباب أو كادت لولا رحمة الله؛ فهاهو العراق يعاني أهلونا فيه ما يعانون من قهر وقتل وفتن وتدمير على مرأى ومسمع أمم الأرض...؛ وهاهي الأراضي المحتلة من أرض الرباط وقدسها الشريف حتى جولاننا العربي السوري رهينة الغدر تسبح في دماء أبنائها ...، بل تلك هي الاعتداءات المتكررة على شخصيتنا وعلى ثوابتنا وعلى ديننا وعلى كرامتنا...، ونحن صامتون تائهون مابين خلافاتنا وأنياب الفتن وما بين انبهارنا بما يرمى إلينا من فتات الحضارة المادية التي لم نستطع أن نوجد لنا فيها موطئ قدم كمنتجين؛ لما فرطنا فيه من طاقاتنا التي لم نستثمرها ولم نعطها حقها الذي تستحقه...
ليس في ما أذكر أي قصد لجلد الذات؛ بل لجلوها والحث على استحضار حقيقتها؛ لمساءلتها السؤال الأهم: " لماذا وصلنا إلى هذا العجز المطبق علينا...؟!"
لم أجد مشقة ولا عنتاً في البحث عن الجواب وأنا استحضاري عظمة الذكرى الجليلة بما تحمل من نور ينير الأبصار والبصائر؛ ألم يحدّد لنا الباري جلّ في علاه شروط عزتنا وكرامتنا إذ قال غزّ من قائل: { كنتم خير أمة أُخرِجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}؟، ألسنا أمة أعزنا الله بالإسلام "ومن ابتغى العزة بغير الإسلام أذلّه الله"...؟.
إنّ احتفاءنا بذكرى مولده صلوات الله وسلامه عليه يجب أن يكون بمثابة تجديد العهد على اتّباع نهجه القويم والتخلّق بأخلاقه السمحة الكريمة؛ فلنتعلم منه كيف يحب كلّ منا الآخر تاركين الأحقاد والضغائن ظ...؛ ولنتعلم منه حبّ الوطن والإخلاص لرفعة الأمّة؛ لنتعلم منه كيف نكون بالتآخي أقوياء أضداء في الحق رحماء بيننا كما وصف الله النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين:
{مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}
الفتح 29
أجل ... نحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى استعادة ذكرى مولد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لأنها استعادة لذكرى ولادتنا كأمة؛ فهو الذي وحد القبائل وجمع بينها برباط الحبّ في الله؛ وهو الذي ربط بين العروبة والإسلام بإذن الله برباط العلم والمعرفة فكانت الدولة العربية الإسلامية بلاد النور التي تجمع المؤمنين تحت راية إنسانية تنظر إلى خلق الله نظرة متسامية عن العرق واللون والجنس والانتماء القبلي والمحلي لتجعل من العروبة والإسلام صفة ثقافية عقائدية حضارية لا فرق فيها لأبيض على أسود ولا عربي على أعجمي ولا لغني على فقير ولا لأمير على أجير... "إلاّ بالتقوى"...، بل إنّ الإسلام جعل الإمارة تكليفاً لا تشريفاً إذ جعل الأمير راعياً مسؤولاً أمام الله أحكم الحاكمين عن عدله؛ فقد قال المختار رحمةً للعالمين صلى الله عليه وسلّم: " كلّ أمير عشرة يأتي يوم القيامة مغلولاً فلا يفكّه إلاّ عدله"...
أفلا يجب علينا أن نغتنم هذه المناسبة فرصة لتصحيح سلوكنا واستعادة الصورة المشرقة لحضارتنا؛ وللتوبة إلى الله عن كل ما سلف من مساهماتنا في مساعدة أعدائنا الذين اغتنموا غفلتنا للإساءة إلى حقيقة هذا الدين الحنيف...؟ ...
بلى والله...؛ إنه لواجب علينا ليس تجاه ماضينا بل تجاه حاضرنا ومستقبلنا؛ فلنردد معاً بصوت واحد:
في مدح طه استبشرت روحي و طاب فؤادي
فالعيش في ذكر الحبيب خلاصة الأمجاد
المصطفى لرسالة النور المبين و هديها
و إقامة الشرع الحنيف و مجد عدلٍ هادي
صلّى عليه الله ما طار المغرد في السما
حرّاً يسبح ربه مستغفراً و ينادي
يا من به الأخلاق و الرحَمات أورق غصنها
و الوحدة الكبرى تدانت بعد طول بعاد
لولاك ما التقت القبائل في بناء حضارةٍ
حملت لكلّ الخلق بشر سماحةٍ وودادِ
أنت الذي أرسيتَ دولة أمتي و جعلتها
للعلم صرحاً شامخاً و مواكباً لجهاد
لك دانت الأعراب فانتشر التراحم و ارتضت
جمع القلوب على السماحة بعد طول عناد
يا خير خلق الله كن لي شافعاً و مخلصاً
يوم الذهول إذا تلاقى الجدّ بالأحفاد
يا مسلمين تراحموا و تماسكوا و تمسّكوا
و استنصروا بالله و القرآن ضد العادي
فالقدس مسرى المصطفى المحمود تشكو أسرها
و الطير تنظر في الوجوه روائحاً و غوادي
هدم الغزاة الغادرون بسطوةٍ أعشاشها
و مضت فلول عنادهم في غيّها المعتاد
فتعاضدوا إنّ الضعيف بجهله مستضعفٌ
و ذروا المفاتن و الجدال و ثورة الأحقاد
هذا كتاب الله مبعث هدينا و صلاحنا
و السنة الغرّاء نهر العزِّ و الإسعاد
النور يغمرنا بمولد ذي الشفاعة أحمدٍ
ميلاده ميلادنا و خلاصة الأعياد
الاثنين، 12 ربيع الأول، 1427 الموافق 10 نيسان، 2006
|
|
|
|