آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
نداء إلى أم الشهيد الفلسطينية

نداء إلى أم الشهيد الفلسطينية

تاريخ الإضافة: 2002/03/22 | عدد المشاهدات: 3565

أما بعد ، أيها الإخوة المسلمون : 
بالأمس عُطّلت المدارس والمؤسسات بمناسبة عيد الأم ، وتعلمون جميعاً أن للأم مكانة لا تطالها مكانة في نفوسنا ومن خلال أوامر ربنا جل شأنه وتوصيات نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، إلا أنني في هذه المناسبة فكرت عما أتحدث هذا اليوم ، فخطر ببالي أن أخاطب في هذه المناسبة الأم الفلسطينية بشكل خاص ، واعذروني إن توجهت إلى هذا الفصيل من الأمهات في مثل هذه الأيام . أتوجه إلى الأم الفلسطينية ، إلى أم الشهيد ، إلى زوج الشهيد ، إلى أم المقاوم ، إلى زوج المقاوم ، لأقول لها كما قال شاعرنا :

ذَكَّرتِنا ماضياً نشتاق عودته

وسادةً بأديم النجم تنتعل

ذكرتِنا أيتها الأم الفلسطينية بسيدات عظيمات في تاريخنا ، لا أريد أن أذكرَ جميعهن ، لكن هذه الأم ذكَّرَتنا بالأم التي كانت في عهد الصحابة ، تلك التي كانت ترسل أبناءها للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ذكرتنا هذه الأم بتلك المرأة التي دخلت أحداً وهي تقول : ما فُعل برسول الله ؟ فاستقبلها من استقبلها ليخبرها باستشهاد ولدها ، وتبقى تقول : ما فعل برسول الله ؟ هي ليست غير مكترثة بولدها ، لكن هدفها وأملها وعيونها متعلقة بالهدف الأسمى ، كما الأم الفلسطينية التي تزغرد عندما يأتيها نبأ استشهاد ولدها ، لا يمكننا أن نقول هي غير مكترثة ، لكنها تنظر إلى الوطن ، إلى الإسلام وإلى الدين فترى أن ولدها ضحيةً للوطن والدين ، فما أعظمه من دم يُهرق في سبيل الله ، في سبيل الوطن الذي يراد منه إعلاء كلمة الله عليه . تستقبل هذه المرأة في أحد فتُخبر باستشهاد ولدها وهي تسأل ما فعل برسول الله ؟ ويأتيها آخر ليقول لها : لقد استُشهد زوجك ، فتقول : ما فعل برسول الله ؟ وثالث يقول لها : لقد استشهد أخوك وتجيب بنفس الجواب ما فعل برسول الله ؟ وتأتي لتكحل عينها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حيٌ يرزق ، فتنظر إليه وتدمع عيناها ، إنها دموع الإيمان والوفاء لهذا الدين ولصاحب هذه الرسالة ، إنها دموع الحب والتضحية من أجل الله ، من أجل من أراد الله أن نضحي من أجله ، من أجل الأرض التي نُشخِّص عليها فكرنا ، تنظر رسول الله وتقول : كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله ، لا أبالي إذا سَلِمتَ بمن هلك . 
أيتها الأم الفلسطينية : ذكَّرتِنا بالخنساء التي استقبلت أولادها الأربع شهداء ، فقالت كلمتها الرائعة الشهيرة : الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم جميعاً ، وأرجو الله أن يجمعني معهم في مستقر رحمته . ذكرتِنا أيتها المرأة بأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حينما جاءها ولدها يقول لها : يا أماه ! لا أخاف من القتل ولكنهم لؤماء ، فإن قتلوني صلبوني . قالت : يا بني اذهب ، فإن الشاة إذا قتلت لا يضرها السلخ . ذكرتني أيتها الأم الفلسطينية بأولئك وما أكثرهن ! فإليك أيتها الأم الفلسطينية التحية والتقدير والتهنئة والإكبار والإجلال ، فأنت رمز وقد غدوتِ فعلاً رمزاً ، ألم تروا إلى تلك الأم في عصرنا الراهن على شاشات التلفاز التي احتضنت ولدها الشاب الشهيد الحي الذي أراد التوجه من أجل أن يقوم بعملية استشهادية مشروعة كيف ضَمَّته وفرحت وظهرت آثار الفرح على ولدها وودعته وهي تقول : يا بني الشهادة في سبيل الله شرف ، الشهادة في سبيل الله وسام ، وأنا اليوم مسرورة بك لأنني غدوت الآن أم شهيد . لا أريد أن يفهم من كلامي هذا أننا نحب الشهادة من أجل أن نموت ، لكننا إذ نذكر الشهادة نذكر التضحية ، فنحن نحب التضحية والوفاء ، نحب بذل الغالي والرخيص من أجل ديننا ، ولذلك سأقدم لهذه الأم الفلسطينية أنموذجاً أعظم ، ما دامت المناسبة التي ستأتينا بعد يومين مناسبة عاشوراء ، وكلنا يعلم أن سيدنا الحسين عليه السلام استشهد في عاشوراء ، فيا أيتها الأم الفلسطينية اسمحي لي أن أقدم الحسين ليكون أمام عينك لكي تقولي بينك وبين سرك : اللهم ألحق شهيدي بسيد شباب أهل الجنة ، بالحسين الشهيد ، بالحسين الذي هو ريحانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي قَدَّم دمه لينتصر الدم على السيف ، ولينتصر الدم الفلسطيني بعون الله على كل آليات أعدائنا وعلى كل التفوق التقني لأعدائنا . هل تعلمين من هو الحسين ؟ الحسين شهيد عظيم ، بل سيد الشهداء على الإطلاق ، لأنه سيد الشباب ، ولأنه ريحانة المصطفى ، ولأنه سبطه ، وها أنا أقرأ عليكم بعضاً من سيرة هذا الإمام مما ورد عنه عليه وآله الصلاة والسلام : 
روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن الحسن والحسين : " هذان ابناي ،وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبُّهما ، فأحبهما وأحب من يحبهما " . هذا الخطاب موجه لك أيتها الأم الفلسطينية ، فأنت تستحقين التقدير ، وتستحقين أن يكون خطاب التقدير موجهٌ لك ، لأنك مقدرة فعلاً . 
يروي الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الحسين وأمال رأسه ووضع فاه على فيه وقبله وقال : " من أحب الحسين أحبني ، ومن أبغض الحسين أبغضني " . 
ويروي ابن ماجه والترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً " . 
ويروي الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " . 
ويروي ابن ماجه وابن حبان والترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين : " أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم " . 
وهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كان جالساً في ظل الكعبة فرأى الحسين مقبلاً فقال : هذا أحب أهل الأرض اليوم إلى أهل السماء . 
هذه بعض من ملامح الحسين يا أم الشهيد ، وحينما أقدم لك الحسين فبالضرورة أقدم لكِ فاطمة أم الشهيد بنت رسول الله صلى الله عليهم وسلم جميعاً ، أقدم لك أم الشهيد ، ومن فاطمة :

أَنعِمْ بفاطمةٍ أكرم بفاطمة

من أجل فاطمةٍ قد شُرِّف النسبُ

وجاء في كتب التفسير في أغلبها عند قوله تعالى : ( قل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكافرين ) يروي هؤلاء المفسرون أنه لما دعا رسول الله وقد نجران إلى المباهلة ، قالوا : حتى نرجع وننظر في أمرنا ثم نأتيك غداً ، فلما خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب - وكان كبيرهم - ما ترى يا عبد المسيح ؟! قال : لقد عرفتم معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل - وأنا أتوجه بأخوة ولطف إلى كل معاشر النصارى من أجل أن يسمعوا مثل هذا الكلام - لقد عرفتم أن محمداً نبي مرسل ولئن فعلتم ذلك أي باهلتم لنهلكنَّ ، وما لاعن قوم قط نبياً إلا هلكوا عن آخرهم ، فإن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فودِّعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم . لا تباهلوا ولا تلاعنوا . فأتوا رسول الله وقد احتضن الحسين ، وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه ، وعليٌّ يمشي خلفهما ، لقد طُلب منه المباهلة فجاء بأهل بيته ، فلمار رجع هؤلاء إلى المصطفى وقد احتضن الحسين ، وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه ، وعليٌّ يمشي خلفهما والنبي يقول لأهل بيته إذا دعوت فأمنوا ، فلما رآهم أسقُف نجران قال : يا معشر النصارى : إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيلوا جبلاً من مكانه لأزاله ، فلا تبتهلوا . لأنكم خاسرون ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة . فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نباهلك وأن نتركك على دينك وأن تتركنا على ديننا . 
يا أم الشهيد في فلسطين : أرَأَيتِ إلى الشهيد الحسين ، وإلى أم الشهيد فاطمة سلام الله عليهما ، إني لأرى فيكِ تابعةً لهذا المسار ، فبوركتِ يا أم الشهيد في فلسطين ، وتابعي المسار يا أيتها الفلسطينية المؤمنة ، ويا أيها الشهيد تابع ولا تلتفت ، أنا لا أريد لك التهلكة وحاشا ، فالجهاد فوز وليس هلاكاً ، تابعي يا أم الشهيد حَضَّكِ ولدك على أن يجاهد ويقاوم ويقاتل ، لتكون كلمة الله هي العليا ، وضعي أمام ناظريك الحسين سيد الشهداء ، وأم سيد الشهداء فاطمة ، لا تلتفتي يا أماه في فلسطين إلى نائب الرئيس الأمريكي فلا يحمل - ورب الكعبة - إلا السُّمَّ ، ولا تلتفتي إلى زيني ذاك الجنرال الذي جاء يحمل خطة سلام مليئة بالسموم والقهر وبكل خساسة ، لأنها منحازةٌ إلى إسرائيل ، وقد عرفناهم وجربناهم ، لماذا لا يتحدثون عند عدوان إسرائيل على أرض فلسطين وعلى أبناء فلسطين ، لماذا يقولون إن محور الشر : إيران والعراق وكوريا ، ثم حذفوا كوريا وأبقوا إيران والعراق . ما الذي فعلته لهم إيران إلا أنها قالت ربي الله ؟! وماذا فعل أطفال وشباب وشعب العراق إلا أنهم رفضوا أن يكونوا مُؤَمرَكين ؟! ليموت من أطفالهم ما يزيد على خمسين ألفاً . أين أنتِ يا راعية حقوق الإنسان ؟! أصبحنا نفرح حين يُصرِّح أمين عام الأمم المتحدة بأن الدولة الفلسطينية يجب أن تقوم إلى جانب الدولة الإسرائيلية ، أصبحنا نفرح بمثل هذه الكلمات ، يجب أن لا نفرح إلا بنصر الله ، ونصر الله يبشرنا بأن فلسطين لنا كلها ، فلسطين للإسلام والمسلمين ، للعرب المسلمين ومن معهم من المسيحيين ، أما إسرائيل فلا حق لها في ذرة من تراب فلسطين . هذه مقولة محسومة لا مجال لمناقشتها . وأغتنمها فرصة لأقول لأم الشهيد : توجهي إلى القِمة العربية التي ستعقد في بحر الأسبوع القادم وقولي لها : إن درب الشهادة دربنا ، ولا نريد الشهادة لذاتها وإنما الشهادة طريق النصر ، ولا عدول عن المقاومة ولا عدول عن الجهاد ، لا عدول عن بذل الدم ، فالنصر من غير دم طاهر لا يتحقق ، وها هم إخوتنا في فلسطين يبذلون الدماء ، لذلك نقول : لئن سألتم عن سر ثورة الحسين ، سأجيبكم من خلال كلامه ، فقد قال : أيها الناس إن رسول الله قال : " من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرمات الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعلٍ ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مُدخَله " لذلك نقول لبعضٍ من زعماء دولنا العربية لا سيما بعضاً من وزراء الخارجية في الخليج الذين يقولون : يجب أن يقام السلام مع إسرائيل ، نقول لهم : سيدخلكم الله إن بقيتم كذلك مُدخَل أولئك الجائرين الغاشمين الظالمين الصهيونيين . يقول سيدنا الحسين : ألا إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطَّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله ، وأنا أحقُّ من غيَّر . هكذا قال الحسين ، ويقول : هيهات منا الذِّلة . وأنت أيتها الأم الفلسطينية سمعتكِ قلتِ مثل هذا الكلام بعبائر مختلفة ، هيهات منا الذلة يأبى الله ورسوله والمؤمنون وحجورٌ طابت ، وبطونٌ طهرت ، وأنوفٌ حمية ، ونفوس أبية ، ألا ترون أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ، فلا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا بَرَماً . ويقول : لَعَمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله . ويقول : إني لم أخرج بَطِراً ولا أَشِراً ، ولكن خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وأنتم يا شهداءنا في فلسطين لم تخرجوا أشرين ولا بطرين ، وإنما خرجتم من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل . 
يا أم الشهيد في فلسطين أسأل الله لك ولي ، أسأل الله أن يسقينا يوم القيامة من كف رسول الله ، واسمعي ما قال الحسين :

وفينا كتاب الله أنزل صادقاً

وفينا الهدى والوحي والخير يذكرُ

ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا

بكف رسول الله ما ليس يُنكرُ

دعائي أن تُسقَي من كفِّ رسول الله ، تتنزل قطرات الحوض على كف الحسين على كف ولدك الشهيد لتشربي شربةً لا أروع ولا أعظم . قد يحسب بعض الناس أن كلامي عاطفة ، ويقولون : أما آن للعاطفة أن تذهب ويأتي كلام العقل . ما بال الناس إذا حدثناهم عن حقنا قالوا عنا بأنَّا عاطفيون ، وإذا تحدثوا عن باطلهم عقلنوا كلامهم ؟! إن قلنا لهم هذا كتاب الله قالوا لنا : لا نريد عاطفة ، وإن قالوا عن كتابهم المزيَّف وجب علينا حسب رأيهم أن نقول إنهم عاقلون . هل هذا الكلام الذي قلته يفتقد إلى العقل ؟ هل خلا كلامي من عقل حينما أذكر الحسين ، والحسين ليس إنساناً على مستوى هذه البلدة ، وإنما هو على مستوى الدنيا . يُحتَفل بالحسين في أمريكا الجنوبية من قبل غير المسلمين ، لأن الحسين غدا يمثل الثورة التي تبغي الحق . لماذا إذا تحدثنا أمام بعض إخواننا عن غيفارا وجدوا أن كلامنا أقرب إلى العقل ، أما إذا تحدثنا عن الحسين ربما أجابونا بأننا ابتعدنا عن العقل ، وقالوا لنا نريد كلاماً له رصيد عقلي ، فإن تكلمنا عن ثوار لا يحملون اسم الإسلام حوَّلونا إلى الساحة العقلية . عجباً لهم . 
أيها الإخوة : أتحدث عن الحسين الذي هو شخصية ثائرة بالحق وللحق على مستوى العالم كله ، فالحسين رجل الثورة ، وقدم نفسه وأولاده وكثيراً من ذريته من أجل الحق ، من أجل ربه جلت قدرته . 
فيا سيد الشهداء أنت مَثلٌ أعلى أمام أمهات الشهداء في أرضنا المحتلة ، بوركتِ أيتها الأم الفلسطينية ، كلَّ عام بل كل لحظة وأنت بخير ، وشهيدك لا يحتاج إلى أن أقول عنه بألف خير فهو عند ربه يرزق ، كما قال ربي عز وجل : ( أحياء عند ربهم يرزقون ) اللهم وفقنا لأن نكون للحق ، انصرنا وإن لم نثر ، اللهم اجعل الحق مبتغانا ، والصدق لهجتنا ، واجعلنا في أعمالنا من المخلصين ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق