أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
قلت في نفسي هذا اليوم سأوجه الخطاب حصراً لأبناء بلدي في
سورية ، أقول لهم :
أيها الإخوة المواطنون في سورية : ترى ما الذي تحمله لنا
قادمات الأيام ؟ هل ما ستحمله هذه السنوات والأشهر والأيام
القادمة خير ، هل سيكون خيراً أم إنه لن يكون كذلك . كلنا
بحسب ما يسمع يفكر في هذا ، وكلنا - أيها الإخوة السوريون
– ينام ويستيقظ وهو يسمع أن سورية مهددة ومستهدفة وأن
القوة الأمريكية الغاشمة ستتناولها بالتهديد تارة ، وهل
سيفضي التهديد إلى حرب ، إلى قتال ، نعيش قلقاً . أنا لا
أريد أن أحلل – كما قلت لكم في أكثر من خطبة – ولكن أتكلم
بلغة الأمل لأقول : نرجو أن يكون ما تحمله قادمات الأيام
خيراً ، وما تحمله السنوات القادمة خيراً ولطفاً ، ولكي
يكون هذا الأمل بالخير القادم مؤسساً على أرض صلبة فعلينا
أن نفكر في كيفية تقوية الأرض التي تتحمل الأمل الخيِّر ،
وإذ نفكر في أرض قوية تتحمل زرع أمل فيها خيِّر ، أجدني
أقول : هلا وضعنا أمام أعيننا السلبيات : الرذائل من أجل
أن نجتنبها ، أن ننبذها ، أن نعدل عنها ، أن نبحث عن آلية
تساعدنا على الابتعاد عن تلك السلبيات ، ولا أريد أن أعدد
كل تلك السلبيات ، بل حسبي أن أذكر منها بعضها ، وأن أقول
مؤكداً : إذا أردنا أن يكون أملنا الخيِّر أقرب إلى التحقق
فلنهيئ أرض الزراعة القوية لهذا الأمل وذلك من خلال نبذ ما
يؤثر علينا سلباً ، نبذ السلبيات والرذائل ، ونبذ ما يعيق
تقدمنا نحو الأفضل ، وهذه السلبيات وتلك الرذائل كثيرة ،
لكنني أذكر بعضها .
هلا وضعنا أمام أعيننا البغضاء من أجل أن نزيلها من صدورنا
، ومن أجل البحث عن كيفيةٍ وآليةٍ نزيل من خلالها هذه
البغضاء من صدورنا ، وأنا أذكركم أنني أتكلم في هذا اليوم
عن سورية حصراً ، هلا وضعنا أمام أعيننا الشّحناء والعداوة
والحسد والغل والحقد من أجل أن نزيله من بيننا ، وأن نرفعه
من أرضنا ، وأن لا يكون سِمَة علاقات تقوم بيننا ، وعلينا
أن نبحث عن آليات لإزالة هذا لذي يؤثر علينا سلباً ، أن
نضع أمام أعيننا الفرقة وكيف يجب أن ننبذها ، وأن نبحث عن
الآلية التي ننبذ من خلالها الفرقة ، علينا أن نتذكر
الجلاء ، أو بالأحرى الإجلاء ، وأنا لا أريد أن نسمي ما
فعله أجدادنا منذ سبعة وخمسين عاماً أن نسميه جلاءً ،
لكنني أريد أن نسميه إجلاءً ، لأن المستعمر لم يذهب بحاله
، وإنما الذي أذهبه أولئك المناضلون المجاهدون ، المؤمنون
المسلمون ، الوطنيون الذين وضعوا أمام أعينهم سورية أن
الله أمرهم أن يكونوا أوفياء لأرضهم ، لبلدهم ، لوطنهم ،
فقاتَلوا في سبيل الله مؤتمرين بأمر الله عز وجل ، وناضلوا
في سبيل الله مؤتمرين بأمر القرآن الكريم ، وهكذا .
إن أولئك الذين أجلوا المستعمر عن أرضنا وضعوا أمام أعينهم
تلك السلبيات فنبذوها فتحقق شِقُّ الإجلاء ، وتحقق قسيم
الإجلاء وشطره ، ونحن الآن بعد سبعة وخمسين عاماً من
الإجلاء نريد أن نقوم ونبحث في ما إذا كنا قد عمَّقنا
البعد والابتعاد والإبعاد عن تلك الرذائل والسلبيات ، أم
أننا بعد إذ نبذها أولئك المحررون أعدناها إلى ساحاتنا
وعلاقاتنا ، أعدناها من أجل أن تكون عناوين بيننا وبين
بعضنا ، بيننا وبين حكوماتنا فترة ، وبيننا وبين حركاتنا
الإسلامية وغير الإسلامية فترة أخرى ، وهكذا دواليك ،
فعشنا في هذا البلد بدلاً من أن نعمق نبذ تلك السلبيات
جهدنا في نبشها من قبور وضعها فيها أجدادنا ، أحييناها من
جديد لتكون سمتنا ووصفنا وعلامتنا وطريقنا وعنواننا .
أرأَيتم إلى هذا الذي يحدث بيننا ، بغضاء استحكمت في
قلوبنا ، شحناء عمَّت ساحات لقائنا ، أرأيتم إلى فرقة كيف
كانت عنواننا العملي الفعلي حتى ولو ادَّعينا خلاف ذلك ،
فنحن – شئنا أم أبينا في وصفنا الراهن – نحن مفرقون ،
مبعثرون ، لا نعرف الحب إلا من خلال قراءة الأحاديث ، ولا
نعرف اللقاء على الود والتسامح إلا من خلال الخطب والكلام
، ولا نعرف الحنان والعطف والاحترام والتوقير إلا من خلال
ما نقوله على منبر يوم الجمعة أو ما نقوله في درس أو ما
نقوله في لقاء عام . أريد من أجل أن يكون الأمل خيراً ، أن
ننبذ السلبيات وأن نفكر في آليات نبذها ، ثم بعد ذلك علينا
أن نضع أمام أعيننا الإيجابيات والفضائل من أجل أن نعيدها
إلى ساحاتنا ، إلى تطبيقاتنا ، إلى أعمالنا لتكون مواضيع
جادة لعملنا وقولنا وحركاتنا في كل مساحاتنا ، في
مديرياتنا ، في مكاتبنا ، في عياداتنا ، في جيشنا ، في
ثكناتنا ، نريد أن نضع الفضائل التي تجعل من الأمل أملاً
خيراً قوياً ، نريد أن نطبقها في سورية ، لأننا مسؤولون
مسؤولية أولية عن بلدنا الذي نعيشه ، حتى لا نصاب بما أصيب
به غيرنا ، وحتى نكون عوناً على غيرنا من أجل أن يتخلص مما
أصيب به من نكبات حكمت أرضه ، من استعمار جديد حلَّ به ،
من احتلالٍ غاشمٍ أصاب أرضه ، هذه الإيجابيات ( الوحدة )
تأتي في رأس القائمة ، نريد أن يبحث الواحد منا عن الوحدة
في داخله ، فضيلة هذه الوحدة ، وليؤكد في داخله ضرورتها ،
وليبحث عن آلية لتطبيقها هنا بيننا في حلب ، في دمشق ، في
اللاذقية ، في الرقة ، في كل مكان من أمكنة هذه الدولة ،
من أمكنة سورية لأنه آن الأوان من أجل البحث عن مُفَصَّل
من أجل تطبيقه فلا تطبيق لغير المفصل ، ولا تطبيق لغير
المحدَّد ، ابحثوا وضعوا أمام أعينكم الوحدة ، ابحثوا
وضعوا أمام أعينكم الإيمان ، نريد أن نمحِّص إيماننا بالله
، نريد أن نمحص توكلنا على الله ، نريد أن نُقوِّم هذا
الإيمان الذي حلَّ قلوبنا ، هل كان بالأمس أحسن منه اليوم
؟! إذاً نحن في خسارة ، هل نحن مؤمنون اليوم أقوى مما كنا
عليه بالأمس ؟! إذاً نحن في تحسن ، وينبغي أن لا نجامل
أنفسنا ، ولا نجامل بعضنا ، فكفانا مجاملة ، فالمجاملة
أودت بنا وحَسِبنا أنفسنا أقوياء ، وحين يجدُّ الأمر
ستجدنا غير ذلك لأننا عشنا في ساحات المجاملة وغدونا نجامل
إن لم أقل ننافق لبعضنا ، ينافق الضعيف للقوي ، وينافق
المسؤول لمن هو مسؤول عنه ، وينافق الفقير للغني ، وينافق
الغني لمن هو أغنى منه ، ابتعدنا عن النصيحة . أين النصيحة
التي هي فريضة لتكون صلة فيما بيننا ، أين النصيحة القائمة
على الحب ؟ أين الحب الذي يُضَمَّخ بالنصيحة ، أين النصيحة
مع الحب ؟
أيها المواطنون في سورية : نريد أن نضع أمام أعيننا
الإيجابيات لنفكِّر في تطبيقها ، ولنبحث في آليات
تطبيقاتها ، الوحدة إيجابية وفضيلة ، الإيمان إيجابية
وفضيلة ، الإيمان إيجابية وفضيلة ، حسن الخلق فيما بيننا
إيجابية وفضيلة ، الدعاء لبعضنا إيجابية وفضيلة ، العلم
إيجابية الإيجابيات مع الإيمان وفضيلة الفضائل ، نريد
لطلابنا أن يكونوا مستعدين حتى يصبحوا علماء لأننا بحاجة
إلى العلم . ما حدود التطور والتقدم في ميادين العلم بعد
سبعة وخمسين عاماً من إجلاء المستعمر عن سورية ؟ إننا لنرى
إذا ما سئلنا وأردنا أن نجيب بشكل جدي نحن لسنا على مستوى
جيد من العلم ، ليس في ميدان العلم الشرعي وإنما في ميادين
العلم التجريبي ، في ميادين الزراعة والصناعة والاقتصاد ،
زراعتنا ضعيفة علمياً ، صناعتنا ضعيفة علمياً ، واقعنا
يشهد بذلك . أتريدون أن أجاملكم لأقول نحن أقوياء في
الزراعة والواقع يخالف هذا ؟ أتريدون أن نقول نحن أقوياء
في الدفاع والواقع يخالف هذا ، أتريدون أن نقول إن التجارة
قوية والواقع يخالف هذا . لا أريد – واعذروني إن كنت
صريحاً معكم – لا أريد أن نُحمِّل مسؤولية التخلف لحكوماتٍ
توالت على هذا البلد ، فهم بعضٌ ممن يتحملون المسؤولية لا
شك ، ولكن أنت أيها الإنسان عليك أن تستشعر مسؤوليتك ، أن
تمارس دورك في هذا البلد ، فأنا معنيٌّ بالمسؤولية ، وأنت
معني بالمسؤولية أينما كنت وفي أي بقعة كنت ، الحكومة
معنية ، والشعب بكل قطاعاته معنيٌّ في كل ميدان ، وإلا
أتريدون أن نعيش الأمل سراباً كما كنا نعيشه في فترات
ماضية ، أتريدون أن يكون الأمل دواءً مُسَكناً وليس دواءً
معالجاً ، أتريدون أن نرفع من سويَّتنا في لغة الادعاء ،
وفي لغة الحقيقة لا وجود لهذا الذي ندعيه ، ولا لنصفه ولا
لربعه ، ولا لخمسه ولا لعشره ، أتريدون أن نمدح أنفسنا حتى
نكسل في العمل والواقع ؟ لا أيها الإخوة ، لا يا أيها
السوريون في هذا البلد الكريم ، سورية هكذا عهدناها ، بلد
حضارة بل مأوى حضارات ، سورية أنشأت أبجدية اللغات ، سورية
فيها مكامن حضارات الإنسان ، سورية كانت ، كانت ، كانت
..... لكن سورية الآن هي التي نريدها أن تكون وأن تصبح ،
وذلك بعملكم أنتم ، بسعيكم أنتم ، بجِدِّكم أنتم ،
بمعونتكم أنتم ، نريد لسورية أن تعيش مسلمة حقاً ، مؤمنة
حقاً ، تؤمن بالله حق الإيمان ، نريد لسورية أن تعيش مسلمة
لله حقاً تسلم لله عز وجل ، لأن إسلامها لله فعلاً هو الذي
يجعل منها دولة مستقلة ، ما دمتَ عبداً لربك فأنت مستقل عن
غيره ، وهذا ما سيجعلك قوياً لأن الانتساب لله فعلاً قوة ،
أن تنتسب لله فتلك قوة .
في النهاية اعذروني من أجل أن أقول أمراً هو في عالم
النصيحة يمكن أن يسمى ، دعونا من الاشتغال بالسياسة ، أنا
أرى أن الاشتغال بالسياسة قضى على مساحات الحياة الأخرى ،
كل منا يريد أن يشتغل بالسياسة ، عددنا في سورية أكثر من
خمسة عشر مليوناً ، كلنا يتطلع إلى منصب واحد ، يتطلع من
أجل أن يكون أميراً ، كل منا يتطلع من أجل أن يكون رئيساً
، كل منا يتطلع إلى منصب ، لقد قتلتنا المناصب والتطلع
إليها ، دعونا من الاشتغال بالسياسة ، دعونا من المناصب ،
دعونا من أن يعمل كل منا وقد وضع أمام عينيه الوصول إلى
أمر ما ، إلى إمارة أو وزارة أو محافظة ، إلى أمر ما ،
دعونا من هذا . أنت اشتغل في عملك ومجالك على أنك المسؤول
الأول ، أنت رئيس حيث تعمل ، في بيتك رئيس وصاحب منصب ، في
مديريتك إن كنت موظفاً فأنت مسؤولٌ أول عن هذا المكان ،
وانظر إلى نفسك على أنك ستسأل أمام الله مسؤولية كاملة عن
هذا الذي أنت فيه .
قرأت أحاديثاً ولعلكم تعرفونها ، أحببت أن أقرأها عليكم
بعد أن سجلتها :
فيما يخص العلم نحن مقصرون ، ولكن المصطفى عليه وآله
الصلاة والسلام يقول كما يروي الترمذي وأبو داود وابن حبان
وابن ماجه : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً " اسمعوا يا
طلابنا ، أنا أراكم في الجامعة والمدارس ، أراكم غير
ملتفتين ، لا يريد التجار لأبنائهم أن يتعلموا ، يسحبوهم
من المدرسة ، يريدون أن يضعوهم في عمل تجاري ، والعمل
التجاري لا يستوعبهم ، ولكنهم يعلمون بأن نهاية الدراسة
فقر – هكذا يقولون - ، ولذلك يسحبوهم ، هم ينظرون للعلم
على أنه مصدر للثراء وما كان العلم لينظر إليه من هذا
المنظار في يوم من الأيام ولا في شعب من الشعوب . " من سلك
طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ،
وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع ،
وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى
الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على
سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن العلماء
لم يورِّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما ورثوا العلم ، فمن
أخذه أخذ بحظ وافر " .
وأما من حيث ما قصدته في ميدان السياسة ، فقد رأيت أحاديث
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال مرة لعبد الرحمن
بن سَمُرة ، يا عبد الرحمن ، وقد سأله عبد الرحمن الإمارة
، كما نسألها اليوم ، كلنا يسال الإمارة ويتزاحم على
الكرسي الوحيد في هذا البلد ، قال يا عبد الرحمن : " لا
تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها من غير مسألةٍ أُعِنت
عليها ، وإن أعطيتها عن مسألة وُكِلتَ إليها " رواه
البخاري ومسلم . وجاء أبو ذر فقال يا رسول الله : ألا
تستعملني ! ضعني مسؤولاً ، وزيراً ، محافظاً ، أركب ما
أركب ، وأمارس ما أمارس ، هكذا يتطلع الواحد منا إلى تلك
المسؤولية من أجل منافعها ومصالحها ، ولا ينظر تبعاتها
أمام الله ، ألا تستعملني ! وأبو ذر رجل إن عُدَّ الرجال
كان واحداً منهم ، بل كان على رأسهم ، فضرب بيده على منكبي
وقال : " يا أبا ذر ! إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم
القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها ، وأدَّى الذي عليه
فيها " ما لنا نتهافت ، ما لنا ! أستاذ الجامعة عندنا يفكر
في المنصب وينسى عمله الذي عمل من أجله ، ما بال الطبيب
ينسى طِبَّه ليلتفت إلى متى سيكون أحد قياديي المكان
الفلاني ، متى سيكون . لقد سيَّسنا علمنا سياسة رخيصة
فضيعنا العلم ، وسيَّسنا تجارتنا سياسة رخيصة فضيَّعنا
التجارة ، وهكذا . يقول عليه وآله الصلاة والسلام : " إنكم
ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة " رواه
البخاري . أيها الأمير بعد أن غدوت أميراً : اسمع مني من
خلال ما أقوله لك عن كلام الحبيب الأعظم صلى الله عليه
وآله وسلم ، لقد قال : " إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل
له وزير صدق ، إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإن أراد
الله به غير ذلك جعل له وزير سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن
ذكر لم يعنه " ويروي البخاري أن النبي صلى الله عليه قال
وسلم : " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت
له بطانتان ، بطانةٌ تأمره بالمعروف وتحضُّه عليه ، وبطانة
تأمره بالشر وتحضه عليه ، والمعصوم من عصمَ اللهُ " ننادي
كل أولئك الذين يتربعون على سدة المسؤولية ، لن ننازعكم ،
ولكننا لحبنا إياكم ننصحكم فأنتم مواطنون ، وما سيأتيكم -
لا سمح الله - من شر سيأتينا ، وما سيأتيكم من خيرٍ يجب أن
يأتينا أيضاً ، نناشدكم الله أيها الشعب أن يعمل كل في
ميدانه وأن يتقنه ، ونناشدكم أيها الإخوة المسؤولون وليس
في هذا البلد معارضون ، ولا نريد أن يكون فيه معارضون ،
نريد أن يكون الجميع على مائدة العلاقة الطيبة ، على مائدة
المواطنة التي تقوم على العدل والرحمة والعلم والعمل
والإيمان . عودوا يا أبناء سورية ، عودوا إلى يوم إجلائكم
المستعمر ، واذكروا محاسن أولئك المحررين الذين حرروا
سورية من براثن الاستعمار الفرنسي ، وتعلموا منهم ، وعند
ذلك فستكونون حلقة تابعة لتلك السلسلة المنورة ، وإلا أخشى
ما أخشاه أن يُسقطنا التاريخ من الذكر ، وأن لا يعبأ
التاريخ بنا ، لأننا أمة تتكلم ولا تنتج ، والأمة التي
تتكلم ولا تنتج لن يحتفل بها التاريخ ، ولن يذكرها التاريخ
، ولن يكون لها ذكر في صفحات التاريخ الخيِّر ولا السيئ
حتى ، لأن التاريخ لا يقبل إلا من يعمل للشر أو للخير ،
ونحن حاشا أن نعمل للشر ، فنحن ندعي الخير . لن يقبل
التاريخ إلا من يعمل ، فكتب التاريخ واضحةٌ ، من قال أسقطه
التاريخ من كرَّاسه ، ومن عمل سجَّله التاريخ في كتابه ،
وبعد ذلك قدَّم التاريخ نفسه : (
ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من
زكاها . وقد خاب من دساها
) والتزكية ، ومن دسَّاها عملٌ يستند إلى علم ، وعلمٌ يكون
على إيمان ، وإيمان منطلقه الإخلاص ، هكذا عرَّفنا الوعي
منذ أكثر من عشر سنوات ، عمل يستند إلى علم ، وعلم يستند
إلى إيمان ، وإيمان يقوم على إخلاص . اللهم اجعلنا في هذا
البلد من المتعاونين على البر والتقوى ، شعباً وحكومة ،
أمة مجتمعة ، اللهم وفق هذا البلد من أجل أن يكون رائداً
في ميدان تطبيق دينه ، في ميدان تطبيق فضائل عروبته ، في
ميدان تطبيق فضائل وطنه ، فضائل الصفات التي يتحلى بها ،
اللهم اجعلنا ممن يتوجه إلى فلسطين حتى يحررها من العدو
اللدود الأكيد ، اللهم وفقنا من أجل أن نقف بقوة تدعمنا
أنت لأننا عملنا ما علينا ومن عمل ما عليه من عبادك دعمتَه
بالملائكة ، دعمته بقوة من عندك غيبية (
إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا
) لكن الذين ستثبتهم الملائكة يجب أن يكونوا عاملون
مجاهدون متعلمون يسعون إلى كل خير ، اللهم إنا نسألك
تحريراً لفلسطيننا ، لقدسنا ، اللهم كما وفقت إخواننا منذ
أكثر من سبع وخمسين سنة إلى إجلاء المستعمر عن سورية نسألك
أن توفق إخواننا في فلسطين من أجل إجلاء المستعمر الغاشم
الآثم عن فلسطين ، ومن أجل إجلاء المستعمر الغاشم في
العراق ، اللهم أنت ربنا ، فنعم الرب ربنا ، وتعم الحسيب
حسيبنا ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات