آخر تحديث: الجمعة 04 أكتوبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
العزة بالله

العزة بالله

تاريخ الإضافة: 2002/06/28 | عدد المشاهدات: 4090

أما بعد ، أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله : 
وقفت على عبارة منذ يومين جاءت على لسان رجل مفكر واعٍ ، له آثاره الطيبة في عالم الفكر الإسلامي النَيِّـر ، إنه السيد محمد إقبال رحمه الله . هذه العبارة قالها ، وقد استُنصِح ، قال لمن استَنصَحه : لا تبحثوا كثيراً عما لا ينبغي أن تفعلوه ، وابحثوا كثيراً عما ينبغي أن تفعلوه ، ولا تفتشوا عمن يجب أن تذموه بل فتشوا عمن يجب أن تمدحوه ، ولا ترهقوا أنفسكم في البحث عمن يجب أن تعصوه بل بالغوا السير في وجوب البحث عمن يجب أن تطيعوه . 
أيها الإخوة : فعلاً ، وجدت في هذه العبارة ما يمكن أن نرشُفَ منه بعض فوائد لمجتمعنا ، وبعض عِظاتٍ لواقعنا ، وذلك حينما نتحدث اليوم عن أمريكا ، وحينما نتحدث عما يدور في فلك أمريكا ، نتحدث عمن يجب أن نذمه ، حينما نتحدث عن أمريكا نتحدث عمن يجب أن نعصيه ، ولكننا كما نلمح ونلحظ قليلاً ما نتحدث عمن يجب أن نطيعه ونمدحه ، لأنه يُخشَى في علم النفس الاجتماعي أن يعيش الإنسان حينما يُكثر من ذم من يجب ذمه ، وحينما يكثر من البحث عمن يجب عصيانه أن يبقى الإنسان في دائرة ردود الفعل دون الفعل ، وهذا أمرٌ يُتَخوف منه من قبل العقلاء ، لذلك قلت في نفسي لم لا أُحرِّض نفسي ومن معي على أن نبحث على ما يجب أن نفعله وعمن يجب أن نمدحه ، وعمن يجب أن نطيعه ، وفعلاً - ولا أكتمكم - أني كنت أقلِّب بعض كتب الحديث فوقعت عَينايَ على حديث يرويه الحاكم والبيهقي وابن عساكر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه : إن الله تبارك وتعالى يقول كل يوم : " أنا ربكم العزيز ، فمن أراد عِزَّ الدنيا والآخرة فليطع العزيز " لا تلتفت للذم أكثر مما يجب أن تلتفت للمدح ، ولا تلتفت للعصيان حتى لمن يجب أن تعصيه أكثر مما يجب أن تلتفت للطاعة لمن وجبت طاعته ، ولا تلتفت لما لا يجب أن تفعله وتترك ما يجب أن تفعله . قل لي أيها الإنسان المسلم على اختلاف مستواك ، وعلى تعدد ثقافتك وتنوعها ، هل تفكر في الطاعة ، وهل تفكر بالمديح لمن يستوجب المديح ، وهل تفكر بالفعل أكثر مما تفكر بردة الفعل . أنا الذي أريده من نفسي وإخواني أن نعيش هُنَيْهَةً من الزمن مع مثل هذا الحديث الشريف : " أنا ربكم العزيز ، فمن أراد عز الدنيا والآخرة فليطع العزيز " كلنا باحثون عن العزة ، والعزة لن تكون في شتم أو في ردة فعل أو في ذم ، ولكنها تكون في الانقياد للعزيز كما قال المصطفى رسول العزيز صلى الله عليه وآله وسلم : " ومن أراد عز الدارين فليطع العزيز " . أيها الحاكم : أطع العزيز ، أيها القاضي : أطع العزيز ، أيها الجندي أطع العزيز ، وحينما أقول لك ذلك ، فإنني من فمك آخذ مرادك ، أَوَلست أنت من تريد العزة والنصر على الذين لا يستحقون المديح ولا يستحقون الطاعة ، أوَلست أنت من تريد أن ترتفع بالحق وأن يرتفع الحق بك ، فلتطع العزيز . 
أيها القاضي ، أيها الحاكم ، أيها المثقف ، أيها الرجل ، أيتها المرأة ، أيها الإنسان في كل مكان ، وأنت تبحث عن عز في الدارين أطع العزيز ، وإضافة لمقررات الأمم المتحدة التي تدعي أنت بأنها تنصفك وها أنت ترددها ، أيها الوزير ، أيها الرئيس ، أيها الكاتب ، أنت تحفظ قرارات الأمم المتحدة التي تنصفك إلى حدٍ ما ، وتقول إن القرار ( 232 ) والقرار ( 425 ) ، والقرار ( 497 ) أنت تذكر هذا في محافلك ، أريد إضافة لهذا بل أريد أن يكون ذكرك القرارات لاحقاً لذكرك الآيات : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) اذكر الآيات التي تنصفك والأحاديث ، وهذه الآيات والأحاديث هي في إنصافك فعلاً ، لكن تلك القرارات لا توصلك إلى إنصاف حقيقي ، وإنما هي ليست من صنع عادل مطلق ، وإنما هي من صنع منظمة منحازة ، أنا لا أقول لك دعها أو اتركها ، ولكني أقول لك أضف إليها على سبيل الوجوب وليس على سبيل النافلة ، أضف إليها قرارات ربك ، قرارات مصطفاك ، قرارات السلف الذين علمونا كيف تُطلَب العزة إذا كنا جادين في طلبها . 
لقد قرأت حديثاً آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه : " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " . 
كلنا يريد العزة ، كلنا يريد أن تكون عزته حقاً ، كلنا يريد أن يعيش منتصراً ليس بالباطل ، ولكن يحب أن ينتصر بالحق وأن ينتصر الحق ، كلنا ذلك الرجل ، هل من بحث جاد عن هذه الأمور كي نصلها وصولاً حقيقياً صحيحاً ، أنا أدعو الجميع إلى قراءة قبل قرارات الأمم المتحدة إلى قراءة وتدبر قرارات العزيز الحكيم الذي ينادي كل يوم أنا ربكم العزيز ، أدعو هذه الأمة إلى البحث عمن يجب أن تطيعه ، عمن يجب أن تمدحه وأن تثني عليه ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي الإمام أحمد وسواه : " إن مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتهليل والتحميد " أولا تريد العزة ؟ العزة من الله . إذاً : فاذكر الله الذي تطيعه والذي تمدحه وتستلهم النصر منه وأعرض عن كثرةٍ في ذكر من تعصيه وتذمه " إن مما تذكرون من جلال الله عز وجل التسبيح والتحميد والتهليل - يا أمتي سبحي يا أمتي هللي يا أمتي احمدي ربك عز وجل ، سبحي وقولي سبحان الله في وسائل إعلامك وفي صحفك وفي مدارسك وفي قضائك وثكناتك ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُبَصِّرنا بطريق صحيحة ، يبصرنا بطريق وسبيل لا شك أنها توصلنا إلى الذي نصبو إليه ، والذي نصبو إليه العزة بالله ، ولا عزة إلا بالله " إن مما تذكرون من جلال وجل التسبيح والتهليل والتَحْمِيد ، ينعطفن حول العرش لهن دوي كَدَوِيِّ النحل يُذكِّرون بكم ، ألا يحب أحدكم أن يُذَكَّر به هناك ؟! " وفي رواية : " ألا يحب أحدكم أن يكون له هناك من يذكر به " نحن نريد من يذكر بنا وبحقنا في محافل الأمم المتحدة وهذا جميل ، ونحن نريد من يذكر بنا حينما نكون مظلومين أمام الحاكم والقاضي ، ولكن يجب أن نبحث أيضاً عمن يذكر بنا أمام الحي القيوم ، أمام من لا تأخذه سنة ولا نوم ، نريد تدعيم الذكر هناك ، أنا لا أقول أننا لا نريد من يذكر بنا في المحافل العامة ، ولكن نريد أن يكون هذا التذكير مستنداً ومدعوماً في العرش كما جاء على لسان سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم . 
يروي الحاكم في مستدركه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في طريقه إلى الشام فوصل إلى مَخَاضَةٍ ( بحيرة أو مستنقع ) فيها ماء ، فنزل عمر وحمل نعليه على كتفيه وخاض في الماء ليقطع الماء ، فالتفت إليه أبو عبيدة بن الجراح وقال يا أمير المؤمنين : كيف تفعل هذا ؟ تضع حذاءك على كتفيك ! ما يسرني لو أنهم استشرفوك ( لو أن الروم الذين سيستقبلونك أن ينظروا إليك وأنت على هذه الحالة ) ، فالتفت إليه عمر وقال له : أَوَّه ( كلمة تأنيبية ) أوَّه يا أبا عبيدة لو قالها غيرك لجعلته نكالاً للأمة . يا أبا عبيدة : كنا قبل الإسلام أذلَّ قوم فأعزنا الله بالإسلام ، فمهما نطلب العزة بغيره أذلنا الله . كلنا يريد العزة ولا أقصد بالعزة تكبراً ، ولا أقصد بالعزة تعالياً مفسداً ، إذ أن بعضنا ربما فهم العزة شكلية ترتفع الكواعب منه أو ربما فهم العزة شكلية تميزية في مظهره أو في مركوبه أو في أي شئ حوله ، لا ... ذاك عمر رضي الله عنه وحاله تشهد عليه أراد أن يعبر هذا المخاض من الماء فوضع نعله على كتفه ورفع ثوبه ليخوض في الماء حتى يقطعها ، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام . بأي شيء تعتز ؟ هل تعتز بمعرفتك الضباط أم بامتلاكك الأموال ؟ هل تعتز بصحبتك لأصحاب المسؤولية ؟ العزة بالله وحسب . ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً ) ليس هنالك بقايا عزة مع غير الله عز وجل ، فلله العزة جميعاً من دون استثناء ، ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) . 
يا أمتي : لا تبحثوا كثيراً عما لا ينبغي فعله ، وابحثوا عما ينبغي فعله ، وما ينبغي فعله أن نطيع العزيز ، لا تفتشوا كثيراً عمن يجب ذمه ، وفتشوا ملياً عمن يجب مدحه ، ولا تفكروا كثيراً فيمن ينبغي عصيانه ، بل فكروا ملياً فيمن تجب طاعته ، حتى لا تبقى ساحة العبودية فارغة ، يريدنا ربنا أن نكون في ساحة العبودية لكي نعيش أعزاء به ، فمن أسجد جبينه لله فهو العزيز ، وبقدر ما تكون أنت يا من أسجدت جبينك لله بقدر ما تكون مخلصاً في هذا السجود بقدر ما تسري العزة فيك . 
العزة بالله وليس بسواه ، ومن اعتز بغير الله ذل بلا شك ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " وجعل الذل والصغار على من خالف أمري " وأما من أطاع أمره فهو عزيز بلا شك ، وهل يستطيع أحد غير الله أن يمنحك لقب العزة . فلننتقل من ساحة السلب حتى ولو كان هذا السلب مقبولاً إلى ساحة الإيجاب ، ولننتقل من ساحة ردة الفعل إلى ساحة الفعل ، ولننتقل من ساحة الذم لمن يستأهل الذم وإن كان شيئاً مقبولاً ، إلى ساحة من يستأهل المدح ، ولننتقل من ساحة تكرار من يجب أن نعصيه إلى ساحة من يجب أن نطيعه ، فنحن بحاجة إلى هذه النقلة وأسأل الله أن يوفقنا إلى كل خير وأن يعصمنا من كل شر . أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق