أما بعد ، أيها الإخوة
المسلمون المؤمنون إن شاء الله :
وقفت على عبارة منذ يومين جاءت على لسان رجل مفكر واعٍ ، له آثاره الطيبة في
عالم الفكر الإسلامي النَيِّـر ، إنه السيد محمد إقبال رحمه الله . هذه العبارة
قالها ، وقد استُنصِح ، قال لمن استَنصَحه : لا تبحثوا كثيراً عما لا ينبغي أن
تفعلوه ، وابحثوا كثيراً عما ينبغي أن تفعلوه ، ولا تفتشوا عمن يجب أن تذموه بل
فتشوا عمن يجب أن تمدحوه ، ولا ترهقوا أنفسكم في البحث عمن يجب أن تعصوه بل
بالغوا السير في وجوب البحث عمن يجب أن تطيعوه .
أيها الإخوة : فعلاً ، وجدت في هذه العبارة ما يمكن أن نرشُفَ منه بعض فوائد
لمجتمعنا ، وبعض عِظاتٍ لواقعنا ، وذلك حينما نتحدث اليوم عن أمريكا ، وحينما
نتحدث عما يدور في فلك أمريكا ، نتحدث عمن يجب أن نذمه ، حينما نتحدث عن أمريكا
نتحدث عمن يجب أن نعصيه ، ولكننا كما نلمح ونلحظ قليلاً ما نتحدث عمن يجب أن
نطيعه ونمدحه ، لأنه يُخشَى في علم النفس الاجتماعي أن يعيش الإنسان حينما
يُكثر من ذم من يجب ذمه ، وحينما يكثر من البحث عمن يجب عصيانه أن يبقى الإنسان
في دائرة ردود الفعل دون الفعل ، وهذا أمرٌ يُتَخوف منه من قبل العقلاء ، لذلك
قلت في نفسي لم لا أُحرِّض نفسي ومن معي على أن نبحث على ما يجب أن نفعله وعمن
يجب أن نمدحه ، وعمن يجب أن نطيعه ، وفعلاً - ولا أكتمكم - أني كنت أقلِّب بعض
كتب الحديث فوقعت عَينايَ على حديث يرويه الحاكم والبيهقي وابن عساكر عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه : إن الله تبارك وتعالى يقول كل يوم : " أنا
ربكم العزيز ، فمن أراد عِزَّ الدنيا والآخرة فليطع العزيز " لا تلتفت للذم
أكثر مما يجب أن تلتفت للمدح ، ولا تلتفت للعصيان حتى لمن يجب أن تعصيه أكثر
مما يجب أن تلتفت للطاعة لمن وجبت طاعته ، ولا تلتفت لما لا يجب أن تفعله وتترك
ما يجب أن تفعله . قل لي أيها الإنسان المسلم على اختلاف مستواك ، وعلى تعدد
ثقافتك وتنوعها ، هل تفكر في الطاعة ، وهل تفكر بالمديح لمن يستوجب المديح ،
وهل تفكر بالفعل أكثر مما تفكر بردة الفعل . أنا الذي أريده من نفسي وإخواني أن
نعيش هُنَيْهَةً من الزمن مع مثل هذا الحديث الشريف : " أنا ربكم العزيز ، فمن
أراد عز الدنيا والآخرة فليطع العزيز " كلنا باحثون عن العزة ، والعزة لن تكون
في شتم أو في ردة فعل أو في ذم ، ولكنها تكون في الانقياد للعزيز كما قال
المصطفى رسول العزيز صلى الله عليه وآله وسلم : " ومن أراد عز الدارين فليطع
العزيز " . أيها الحاكم : أطع العزيز ، أيها القاضي : أطع العزيز ، أيها الجندي
أطع العزيز ، وحينما أقول لك ذلك ، فإنني من فمك آخذ مرادك ، أَوَلست أنت من
تريد العزة والنصر على الذين لا يستحقون المديح ولا يستحقون الطاعة ، أوَلست
أنت من تريد أن ترتفع بالحق وأن يرتفع الحق بك ، فلتطع العزيز .
أيها القاضي ، أيها الحاكم ، أيها المثقف ، أيها الرجل ، أيتها المرأة ، أيها
الإنسان في كل مكان ، وأنت تبحث عن عز في الدارين أطع العزيز ، وإضافة لمقررات
الأمم المتحدة التي تدعي أنت بأنها تنصفك وها أنت ترددها ، أيها الوزير ، أيها
الرئيس ، أيها الكاتب ، أنت تحفظ قرارات الأمم المتحدة التي تنصفك إلى حدٍ ما ،
وتقول إن القرار ( 232 ) والقرار ( 425 ) ، والقرار ( 497 ) أنت تذكر هذا في
محافلك ، أريد إضافة لهذا بل أريد أن يكون ذكرك القرارات لاحقاً لذكرك الآيات :
( من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح
يرفعه ) اذكر الآيات التي تنصفك والأحاديث ، وهذه الآيات والأحاديث هي في
إنصافك فعلاً ، لكن تلك القرارات لا توصلك إلى إنصاف حقيقي ، وإنما هي ليست من
صنع عادل مطلق ، وإنما هي من صنع منظمة منحازة ، أنا لا أقول لك دعها أو اتركها
، ولكني أقول لك أضف إليها على سبيل الوجوب وليس على سبيل النافلة ، أضف إليها
قرارات ربك ، قرارات مصطفاك ، قرارات السلف الذين علمونا كيف تُطلَب العزة إذا
كنا جادين في طلبها .
لقد قرأت حديثاً آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه : " بعثت بين
يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ،
وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " .
كلنا يريد العزة ، كلنا يريد أن تكون عزته حقاً ، كلنا يريد أن يعيش منتصراً
ليس بالباطل ، ولكن يحب أن ينتصر بالحق وأن ينتصر الحق ، كلنا ذلك الرجل ، هل
من بحث جاد عن هذه الأمور كي نصلها وصولاً حقيقياً صحيحاً ، أنا أدعو الجميع
إلى قراءة قبل قرارات الأمم المتحدة إلى قراءة وتدبر قرارات العزيز الحكيم الذي
ينادي كل يوم أنا ربكم العزيز ، أدعو هذه الأمة إلى البحث عمن يجب أن تطيعه ،
عمن يجب أن تمدحه وأن تثني عليه ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي
الإمام أحمد وسواه : " إن مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتهليل والتحميد "
أولا تريد العزة ؟ العزة من الله . إذاً : فاذكر الله الذي تطيعه والذي تمدحه
وتستلهم النصر منه وأعرض عن كثرةٍ في ذكر من تعصيه وتذمه " إن مما تذكرون من
جلال الله عز وجل التسبيح والتحميد والتهليل - يا أمتي سبحي يا أمتي هللي يا
أمتي احمدي ربك عز وجل ، سبحي وقولي سبحان الله في وسائل إعلامك وفي صحفك وفي
مدارسك وفي قضائك وثكناتك ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُبَصِّرنا
بطريق صحيحة ، يبصرنا بطريق وسبيل لا شك أنها توصلنا إلى الذي نصبو إليه ،
والذي نصبو إليه العزة بالله ، ولا عزة إلا بالله " إن مما تذكرون من جلال وجل
التسبيح والتهليل والتَحْمِيد ، ينعطفن حول العرش لهن دوي كَدَوِيِّ النحل
يُذكِّرون بكم ، ألا يحب أحدكم أن يُذَكَّر به هناك ؟! " وفي رواية : " ألا يحب
أحدكم أن يكون له هناك من يذكر به " نحن نريد من يذكر بنا وبحقنا في محافل
الأمم المتحدة وهذا جميل ، ونحن نريد من يذكر بنا حينما نكون مظلومين أمام
الحاكم والقاضي ، ولكن يجب أن نبحث أيضاً عمن يذكر بنا أمام الحي القيوم ، أمام
من لا تأخذه سنة ولا نوم ، نريد تدعيم الذكر هناك ، أنا لا أقول أننا لا نريد
من يذكر بنا في المحافل العامة ، ولكن نريد أن يكون هذا التذكير مستنداً
ومدعوماً في العرش كما جاء على لسان سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم
.
يروي الحاكم في مستدركه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في طريقه إلى الشام
فوصل إلى مَخَاضَةٍ ( بحيرة أو مستنقع ) فيها ماء ، فنزل عمر وحمل نعليه على
كتفيه وخاض في الماء ليقطع الماء ، فالتفت إليه أبو عبيدة بن الجراح وقال يا
أمير المؤمنين : كيف تفعل هذا ؟ تضع حذاءك على كتفيك ! ما يسرني لو أنهم
استشرفوك ( لو أن الروم الذين سيستقبلونك أن ينظروا إليك وأنت على هذه الحالة )
، فالتفت إليه عمر وقال له : أَوَّه ( كلمة تأنيبية ) أوَّه يا أبا عبيدة لو
قالها غيرك لجعلته نكالاً للأمة . يا أبا عبيدة : كنا قبل الإسلام أذلَّ قوم
فأعزنا الله بالإسلام ، فمهما نطلب العزة بغيره أذلنا الله . كلنا يريد العزة
ولا أقصد بالعزة تكبراً ، ولا أقصد بالعزة تعالياً مفسداً ، إذ أن بعضنا ربما
فهم العزة شكلية ترتفع الكواعب منه أو ربما فهم العزة شكلية تميزية في مظهره أو
في مركوبه أو في أي شئ حوله ، لا ... ذاك عمر رضي الله عنه وحاله تشهد عليه
أراد أن يعبر هذا المخاض من الماء فوضع نعله على كتفه ورفع ثوبه ليخوض في الماء
حتى يقطعها ، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام . بأي شيء تعتز ؟ هل تعتز بمعرفتك
الضباط أم بامتلاكك الأموال ؟ هل تعتز بصحبتك لأصحاب المسؤولية ؟ العزة بالله
وحسب . ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً ) ليس هنالك بقايا عزة مع غير
الله عز وجل ، فلله العزة جميعاً من دون استثناء ، ( إليه يصعد الكلم الطيب
والعمل الصالح يرفعه ) .
يا أمتي : لا تبحثوا كثيراً عما لا ينبغي فعله ، وابحثوا عما ينبغي فعله ، وما
ينبغي فعله أن نطيع العزيز ، لا تفتشوا كثيراً عمن يجب ذمه ، وفتشوا ملياً عمن
يجب مدحه ، ولا تفكروا كثيراً فيمن ينبغي عصيانه ، بل فكروا ملياً فيمن تجب
طاعته ، حتى لا تبقى ساحة العبودية فارغة ، يريدنا ربنا أن نكون في ساحة
العبودية لكي نعيش أعزاء به ، فمن أسجد جبينه لله فهو العزيز ، وبقدر ما تكون
أنت يا من أسجدت جبينك لله بقدر ما تكون مخلصاً في هذا السجود بقدر ما تسري
العزة فيك .
العزة بالله وليس بسواه ، ومن اعتز بغير الله ذل بلا شك ، لأن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يقول : " وجعل الذل والصغار على من خالف أمري " وأما من أطاع
أمره فهو عزيز بلا شك ، وهل يستطيع أحد غير الله أن يمنحك لقب العزة . فلننتقل
من ساحة السلب حتى ولو كان هذا السلب مقبولاً إلى ساحة الإيجاب ، ولننتقل من
ساحة ردة الفعل إلى ساحة الفعل ، ولننتقل من ساحة الذم لمن يستأهل الذم وإن كان
شيئاً مقبولاً ، إلى ساحة من يستأهل المدح ، ولننتقل من ساحة تكرار من يجب أن
نعصيه إلى ساحة من يجب أن نطيعه ، فنحن بحاجة إلى هذه النقلة وأسأل الله أن
يوفقنا إلى كل خير وأن يعصمنا من كل شر . أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات