أما بعد, أيها الإخوة المؤمنون:
لعلك يا أخي إذ تسأل أكثر من مئة شخص عن حالهم وعن وضعهم النفسي, فإن إجابة أكثر من ثمانين بالمئة من هؤلاء هي أن هذا قلق وأنه محتار وأنه كذا وكذا.... حتى إذا أتيت على ذوي الأعمار الصغيرة فإن الجواب سيكون نفس الجواب, القلق متجذر في الدواخل، والاضطراب الحيرة تسأله. وما سبب ذلك ؟ فلا يجد لك جواباً على سؤالك لا يعرف. لكنه قلق لكنه مهزوم في داخله مضطرب. أقول هذا وأنا أشعر بذلك من خلال طلابنا ومعلمينا وأساتيذنا ليس على مستوى سورية فحسب لكن على المستوى العالمي، على المستوى الإسلامي، في البلاد الإسلامية كلها الاضطراب ضارب الاطناب، القلق لا يجاوزنا ولا يتجاوزنا، قابع في دواخلنا.
فكرت اليوم في أن أعطي إشراقة أمل، في أن أدعو نفسي وإياكم إلى الاطمئنان، في أقول لكم ولي: إن عوامل الاطمئنان – والحمد لله – قائمة في ديننا, حاضرة في قرآننا فلماذا لا نطمئن ولماذا لا نستقر ولماذا لا تهدأ دواخلنا ؟
إن سألتني عن عوامل إطمئنان أفرزها ديننا وقدمها كتابنا الكريم فإني قائل لك:
أولاً من عوامل الاطمئنان والقضاء على القلق والاضطراب والحيرة والتردد أن تؤمن بالله: ولكن أن تؤمن بالله على أن الله ربك في كل حال, إن عصيت ربك فربك ربك لا تهرب من ربك وإن عصيته, إن أذنبت وأخطأت فالله ربك وهو الذي يستقبلك إن كنت عاصياً أو طائعاً، المهم أن يمكث في داخلك أن الله ربك عليك أن تقول وأنت تؤمن بربك يا رب ليس لي سواك في كل الأحوال إن عصيتك فأنت ربي وإن أطعتك فأنت ربي أستعينك قبل الطاعة وأستغفرك بعد المعصية يا رب:
الجأ إلى ربك، آمن به رباً في كل الأحوال: رحيماً، عظيماً، معطياً، مسامحاً، رباً
يحبك وما خلقك ربك واصطفاك من ملايين الملايين إلا لأنه يحبك, فآمن بربك إذ يحبك.
قرأت قصة عن أعرابي ربما كان خطاءً وقف في ظل الكعبة ودعا ربه وقال وبكل بساطة:
اللهم إنك تجد من تعذبه غيري ولا أجد من يرحمني سواك.
أقبلوا على ربكم مؤمنين على أنه ربنا في كل الأحوال يا رب لا نلجأ إلا إليك ولا
نعتمد إلا عليك ولا نوالي إلا أنت ولا نعادي إلا من عاداك، يا رب ليس لنا إلا أنت
فاقبلنا على ما نحن عليه - وربنا سيقبلنا يا إخوة – وهذا ما يجعلنا نطمئن وتستقر
دواخلنا اعبدوا الله من خلال المحبة، يحبكم ربكم ولولا أن الله يحبكم ما خلقكم. أنت
إنسان مختار من ملايين مشاريع إنسان، أنت نطفة مختارة من ملايين النطف, اختارك الله
لأنه يحبك فلا تقلق. وباختصار في هذه النقطة لو علمت بأن مسؤولاً كبيراً في الوجود
يحبك ألا يبعث هذا في داخلك طمأنينة واسقراراً, لو أني أنبأتك عن رئيس الدولة أنه
قال: إنني أحب فلاناً, وأعلمتك بهذا, اعتقد بأن ذلك سيبعث في داخلك استقراراً, إذا
كان كلام الرئيس ومحبته تبعث في داخلك استقراراً وطمأنية أفلا نستحي من الله عز وجل
والله يرسل لنا عبر نبيه وعبر كتبه وعبر آياته إني أحبكم، ولولا أني أحبكم ما
خلقتكم، لولا أني أحبكم ما كرمتكم على أنكم مسلمون، فها أنتم تدخلون بيتي وهل أدخل
بيتي إلا من أحب ها أنتم تدخلون كعبتي ها أنتم تزورون نبيي محمداً عليه وآله الصلاة
والسلام فاطمئنوا .
عوامل الاطمئنان إيمان بالديان، إيمان بالرحمن، إيمان أريحي، إيمان تلقائي.
من عوامل الاطمئنان ثانياً: محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، اتخاذ الرسول
عليه وآله الصلاة والسلام أسوة وقدوة, حينما يلتزم الرجل منا شخصية كبيرة فهو في
أمان واطمئنان أنت تشتغل عند مسؤول كبير أنت تضع أمام عينك حينما تسأل من قدوتك
تقول فلان الكبير فلان العظيم وهذا يطمئنك فاطمئن بأنك تقتدي بسيد البشر على
الاطلاق، فأنت تابع من أتباعه، ورسول الله يعنى بك، أوما سمعت أحاديث كثيرة يقوي
بعضها بعضاً وقد ذكرتها على هذا المنبر من جملتها: "إن الله أوكل بقبري ملكاً أعطاه
أسماء الخلائق، فما من أحد يسلم علي إلا قال هذا الملك يا محمد إن فلان بن فلان
يسلم عليك" إن سلمت على الرئيس أو المسؤول ووصل السلام إلى الرئيس وقال الرئيس: بأن
سلامك وصلني اطمئننت. فسلامك يصل إلى رسول الله فقل صباح مساء: السلام عليك يا
قدوتي يا أسوتي يا رسول الله يا سيد الناس يا حبيب الله يا حبيبي, اشبع عاطفتك
بمحبة النبي، اشبع عقلك بالاقتداء بالنبي، اشبع فكرك بقراءة ما قاله النبي عليه
وآله الصلاة والسلام تكون مطمئناً.
من عوامل الاطمئنان ثالثاً: التفاؤل بالمصير – إن صح هذا التعبير – مصيرنا جيد,
فلماذا نتشاءم ؟ لماذا يخيم علينا التشاؤم في الدنيا أو الآخرة, إن رأيت إنساناً ما
قال لك إنكم إلى زوال وإنكم أرقام لا قيمة لها, وإن رأيت إنساناً على المنبر هذا
قال لك: إنكم في الآخرة معذبون, وربما كرّم غير المسلمين أكثر مما يكرِّم المسلمين,
زرع فيكَ التشاؤم, لا يا أخي، المصير خيّر ونحن محكومون بالأمل قلت هذا أكثر من
مرة, كن قوي الأمل وإلا فأنت مهمل لا قيمة لك, لا تستمع إلى أولئك الذين يجعلون
المستقبل أسود, لا تستمع إلى أولئك الذين يعذبونك في الآخرة حتى العظم, لا تستمع
إلى هؤلاء, هؤلاء متشائمون مرعبون يزينون الدنيا والآخرة لأنفسهم ولكنهم للناس
يسيؤون التصور للدنيا والآخرة, أضحينا مُرعبين فالبشرية والناس أضحوا مبتعدين عنا
لأننا لا نطمئنهم إلى مصير الدنيا والآخرة، أرعبناهم من مصير الدنيا والآخرة,
القضية سهلة جداً, اعمل وكن متفائلاً وكن مؤملاً، كن صاحب عمل وأمل لا تكن صاحب أمل
دون عمل ولا تكن صاحب عمل دون أمل, كن عاملا آملاً وإلا فلا قيمة لوجودك, من ماذا
تخاف ؟ قال سيدي الإمام علي كرم الله وجهه: إذا هبت أمراً فقع فيه, فإن شدة توقيه
أصعب من الوقوع فيه.
كن قوياً أمام ما سيحدث، فسيحدث ما سيحدث شئت أم أبيت, فاستقبل القدر مسروراً فرحاً
وإياك والتشاؤم, إن الله يحب من العبد أن يكون متفائلاً, يحب الذي يتوجه إلى ربه
بوجه مشرق ليقول: أنا راضٍ بالذي ترضونه، أنا راض يا رب والحمد لله، إذا أصبحت
آمناً في سربك معافاً في بدنك، عندك قوت يومك فكأنما حيزت لك الدنيا بحذافيرها،
هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلام التشاؤم ؟ بدلاً من أن تجعل نفسك
تنهار بالتشاؤم قوِّ نفسك بالأمل حتى تعمل نفسك بشكل جيد, ازرع الأمل في داخلك،
إننا أمة آمله إننا أمة علمها دينها الأمل.
قلت لكم هذا الحديث على هذا المنبر أكثر من مرة, حينما وقف خباب بن الأرت وطلب من
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان النبي متوسداً بردته قال خباب: يا رسول الله
ألا تدع لنا ألا تستنصر لنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم – الحديث طويل
ومن جملته – "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا
يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".
حدثتكم من سنتين أو أكثر قلت لكم إننا أمة أضحت ترتعب من الحرارة عندما تتجاوز
الثلاثين، أسمع ضجراً من الناس يكاد يفوق ضجر أولئك الذين اقتحم العدو عليهم ديارهم
وبلادهم وأكل قمحهم وخبزهم ومعيشتهم، فلا تكاد تجد رجلاً أو إمرأة اليوم إلا ويشكو
الحر ويشكو الماء غير البارد ويشكو أن زوجته لا تطيعه وليست أمامه عبدة أو أمة
بكليتها، يشكو ويتضجر حتى أصبحت تكره أن تلتقي الناس لأن الناس يكاد أن يكون الضجر
أضحى عنوانهم والشكوى أصبحت ديدنهم, ما من أحد يشكو ويتضجر من أي شيء ؟ لا يشكو من
احتلال القدس لا, ولكنه يشكو من أمر بسيط ألمَّ به، من حرارة زائدة، من طبخة في
البيت لم تكن على الشكل الذي كان يتصوره, لأن حلمه أضحى ضعيفاً ينصب على طبخة وأكلة
وشربة ولقاء وسهرة فإذا لقيته بعد الطعام أو بعد السهرة حدثك وهو ضجر لأن الحياة لم
تمر كما يريد حسب رأيه المزعوم, ومرت كما أرادت.
يا أخي أنت أكبر:
أنت إنسان الكعبة بجانبك شيء هين، أنت أعظم من الكعبة، وأنت أعظم من الكون كله بل
ربك خلق الكون لأجلك ﴿ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ
عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى﴾ اطمئن إلى
المصير والمصير جيد إن شاء الله ولا تلتفت إلى ذلك الذي يرعبك في الآخرة أو الدنيا,
ما قُدر لماضغيك أن يمضغاه لا بد وأن يمضغاه ويحك كله بعز ولا تأكله بذل.
رابعاً وحِّد جهة التأثير, لا يؤثر عليك أحد إلا الله، فالله هو المؤثر, وحد جهة
التأثير من أجل أن تطمئن, وقلنا في أكثر من مرة بأن نبينا عليه وآله الصلاة والسلام
عندما قلنا الحديث المعروف المشهور الذي يرويه الإمام أحمد والترمذي واقرؤوا هذا
الحديث باستمرار يا أساتذة يا طلاب يا مسؤولون اقرؤوا هذا الحديث وتمعنوه
واستحضروه: "يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا
سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن
ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم
يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".
لئن لجأ غيري إلى غيرك فأنا الذي لا ألجأ إلا إليك، ولئن اعتمد غيري على غيرك فأنا
الذي لا اعتمد إلا عليك.
خامساً من أجل أن تكون مطمئناً الإسلام يقول عنك بأنك إنسان واقعي فأنت لست ملكاً
ولست شيطاناً بل أنت إنسان واقعي تصوم وتفطر وتصلي وترقد وتتزوج النساء وتخطئ وتصيب
وما المانع والله تواب في كل صباح: "إن الله يبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل
ويبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها" هكذا قال سيدي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري ومسلم, حتى لا تعطل نفسك
عصيت ربك هيا إلى الاستغفار – خلاص وانتهى الأمر – ﴿إن الحسنات يذهبن السيئات﴾،
"واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" الإسلام اعترف بك تخطئ وتصيب
تنام وتستيقظ تأكل وتشرب تسرح وتمرح لكننا عاملنا أنفسنا على أننا إما أن نكون
ملائكة أو أن نكون شياطين, أن ترى شيخاً أو ترى إنساناً يضحك فهذه قضية خطيرة وربما
أطلقت عليه بأنه يخالف الأدب، أن ترى شيخاً يجلس فيأكل ويسرح ويمرح فهذا أمر مخالف
لتصورك الذي لا أعرف من أين أتيت به, اقرأ سيرة سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لتجد في هذه السيرة شخصية واقعية عظيمة تضحك، تبتسم، تبكي، مات ابنه إبراهيم
عليه السلام فبكى، دخل عليه عبد الرحمن بن عوف وقال له: وأنت يا رسول الله ؟! التفت
إليه سيدي رسول الله وقال له: "يا عبد الرحمن إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا
نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون".
الأمر طبيعي, دخل سيدنا أبو بكر على بيت رسول الله – والحديث في البخاري – وإذ به
يرى جاريتين تغنيان – فحاول أن يذهب بهما من البيت – وقال: مزمار الشيطان في بيت
رسول الله ! فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم
عيداً وإن اليوم عيدنا.
فلتفرحوا ولتسروا بما يرضي ربنا ومساحات الفرح والسرور المباحة واسعة، من ضيَّقها
فإنما يضيق على نفسه ولن يرضى الله عنه.
أيها الإخوة "لو لم تذنبوا – هكذا روى مسلم عن سيدي رسول الله – لذهب الله بكم وأتى
بأقوام يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم" ﴿إن الله تواب رحيم﴾، ﴿وكان الله توابا
رحيما﴾.
في النهاية أقول: أريدكم أن تُروا الناس سعادتكم بدينكم فإذا أريتم الناس سعادتكم
بدينكم دخلوا في دينكم أفواجاً لكنهم حين يرون أنكم غير سعداء وأنكم تعساء وأنكم
قلقون وأنكم حيارى وأنكم مضطربون فبالله عليكم كيف سيدخلوا في دينكم ؟ وهل ينقصهم
أن يدخلوا من أجل أن يضطربوا ويقلقوا ويحتاروا ؟! أروا الناس سعادتكم وطمأنينتكم
وراحتكم بدينكم حتى يدخل الناس في دينكم أفواجاً وإلا فسيختصر المسلمون وستتحدد
دائرة المسلمين إلى أقل مما هي عليه وسيترك بعضٌ من أبناء ديننا وجلدتنا ديننا
لأنهم لم يجدوا فينا سعة من أجل أن يمددوا أضلاعهم، أشواقهم، تطلعاتهم، أفراحهم، لن
يجدوا عندنا إلا الضيق وبالتالي فسيهرب الإنسان من الضيق.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يطمئن إلى الإيمان بك وإلى الاقتداء برسولك وإلى
المصير الخير في الدنيا والآخرة، وممن يطمئن أيضاً إلى جهة التأثير فلا مؤثر إلا
أنت، وممن يعتقد أن الإسلام أقر بواقعية الإنسان وأن الإنسان إنسان ينسى ويتذكر
يخطئ ويصيب ينام ويستيقظ يعصي ويتوب.
اللهم اجعلنا من المطمئنين الآملين الآمنين، اللهم أبعد عنا كل من يريد أن يسيء إلى
ديننا وإلينا يا رب العالمين، اللهم أكرمنا بالنصر القريب يا إلهنا يا رجانا، نعم
من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.شاركنا بتعليق
التعليقات