أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:
تحدثنا في أسبوعٍ مضى وبالتحديد في الأسبوع الماضي عن أمورٍ تجعل نفوسنا قوية قوة حقيقية إيجابية، ومن جملة هذه الأمور التي تحدثنا عنها في الأسبوع الماضي: الاطمئنان إلى المصير على مستوى الدنيا وعلى مستوى الآخرة، واسمحوا لي في هذا الأسبوع أن أقف وقفةً متأنية مع هذا الأمر: الاطمئنان إلى المصير، وهذا يعني بعبارة أخرى التفاؤل، وإن لم تكن متفائلاً فلن تستطيع أن تكون منتجاً، وإن لم تكن منتجاً فلا يمكن أن تكون إنساناً فاعلاً إيجابياً في مجتمعك، هذا الاطمئنان وهذا التفاؤل يقويه ويغذيه الإيمان بالله كما ذكرنا، والثقة برسول الله كما ألمحنا، والثقة بالقرآن، ولكن أيضاً يغذي هذا التفاؤل وهذا الاطمئنان أنت بالنسبة لي وأنا بالنسبة لك.
إني ألحظ اليوم أن الواحد منا لم يعد عنصر اطمئنان بالنسبة لأخيه، وإني لألحظ أيضاً أن الواحد منا لم يعد عنصر تفاؤل وعاملاً مساعداً على التفاؤل بالنسبة لأخيه، بل أصبح الواحد منا بالنسبة لأخيه عنصر قلق وعامل مساعد على القلق والاضطراب، أنت تلاحق أخاك بنصائحك الجافة وهو يلاحقك بنصائحه الجافة، أنت لا تتكلم عن مستقبل مشرق في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، يكلمك أخوك وإذ بك أنت ترسم لأخيك مستقبلاً مظلماً ترعبه، تتحدث عن أمور قادمة ليست خيرة، المهم حينما يلقاك هذا الأخ بدلاً من أن تكون عنصر تفاؤل وإذ بك تكون عليه دافع تشاؤم، لا يا أخي، علينا أن نتمثل هذا الحديث الذي نقرؤه باستمرار، لكنني أريد أن نتمعن اليوم فيما دلَّ عليه، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الإمام مسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) ولقد قلت مرة ليس المقصود فقط بإفشاء السلام أن تقول لي بلسانك: "السلام عليكم"، وإنما المقصود أيضاً بالإضافة إلى السلام باللسان أن ينشر طيفك السلام لي، أن أستشعر وأنت قادمٌ علي أن السلام قادم، أن أستشعر وأنت قادمٌ علي أن الأمن والاطمئنان قادم، أستشعر حينما تكلمني أن تكلمني مبشِّراً، وحينما تحدثني تُحدثني ميسِّراً، وحينما تتصرف معي تتصرف تصرفاً راحماً، لأن المفروض فيك أن تكون سائراً على خطا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان رحمة مهداة، لم يكن متصفاً بالرحمة فحسب بل كان الرحمةَ ذاتها، أوليس الله قد قال عنه: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة لعالمين﴾ أنا أتوقع منك يا أخي أن تكون بالنسبة لي شمساً تبعث في داخلي الأمل، أنا أريد منك أن تحضّني على عملٍ نافع، وحينما تحضني على هذا العمل النافع ترسم بعينيك ووجهك الأمل الذي ينتظرني على مستوى هذه الحياة، أريدك مبشِّراً ميسِّراً راحماً على مستوى الدنيا حتى أعمل وحتى أكون في عملي مسروراً، حتى أبذل ما في وسعي من جهد وحتى يكون بذلي هذا لجهدي أيضاً متوجاً بتاج الاطمئنان والاستقرار حينما ترسل أشعته أنت من قلبك إلى قلبي ومن عينك إلى عيني ومن حركاتك إلى حواسي التي أستقبل بها ما ترسله أنت.
علينا أن نسعى من أجل أن يكون الواحد منا عامل اطمئنان لأخيه. أيها الأب عليك أن تكون عامل اطمئنان لولدك، أيها الولد عليك أن تكون عامل اطمئنان وتفاؤل لوالدك، أيتها الحكومة عليكِ أن تكوني عاملة اطمئنان لشعبك، أيها الشعب عليك أن تكون عامل اطمئنان لحكومتك، لكنني حينما أخاطب الحكومة والشعب أبتدئ بالحكومة لأنها الأقدر ولأنها الأقوى ولأن بإمكانها أن تربي الشعب من خلال حالها لا من خلال كلامها لا من خلال ادّعائها، فليكن المسؤولون بالنسبة للشعب عوامل اطمئنان واستقرار عوامل تفاؤل وبذلك إذا اطمأننت أنت واطمأننت أنا أنتجنا وعملنا مسرورين وجعلنا مستقبلنا مستقبلاً بناء مشرقاً باهراً عظيماً يتصف بالمجد ويتصف بالرفعة ويتصف بالعظمة كذاك المجد الذي صنعه الرحيم بالمؤمنين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الميسر المبشر، (بشروا ولا تنفروا) هكذا قال لنا سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح (يسروا ولا تعسروا)، (إنما بعثتم ميسرين) ويقول سيدي رسول الله الحديث المعروف: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) نريد بلداً منتجاً بسعادة واطمئنان واستقرار وحرية وتعاون على البر والتقوى، ولا نريد بلداً كل واحد في هذا البلد مهمته الإرعاب والإرهاب لأخيه، لا نريد حكومة مرعبة ولا نريد أستاذاً مرعباً ولا نريد طالباً مرعباً، ولا نريد أباً مرعباً ولا نريد أماً مرعبة، ولا نريد مربياً مرعباً وإنما نريد حاكماً محبوباً من خلال استقرارٍ ومن خلال اطمئنانٍ ومن خلال رحمة ومن خلال سعة ومن خلال استيعاب ومن خلال رغبة ومن خلال بشارة ومن خلال علاقة تقوم على إفشاء السلام من الحال ومن الجسم ومن القلب قبل أن يكون من اللسان، نريد أن يكون مجتمعنا متصفاً بهذه الصفة، نريد شيخاً وموجهاً دينياً مطمئناً على مستوى الدنيا لأننا نريد مستقبلاً دنيوياً مطمئناً مستقراً لأن كل واحدٍ منا اليوم يبدو لولده ولتلميذه وهذا التلميذ وهذا الولد هو مستقبلك أنت فاحرص على أن يكون مستقبلك مطمئناً مستقراً يتصف بالعطاء بالنفع بالأريحية بالصدق بالأمان بالأمن بالسلام بالسلم بكل ما يمكن أن يتصف به الإنسان المثالي.
أيها الإخوة، وحتى على مستوى الآخرة لماذا لا يريد أن يطمئن بعضنا بعضاً ؟ لماذا ؟ ورسول الله قال ما يطمئننا أقوالاً كثيرة وها أنذا أعرض عليكم بعض هذه الأقوال، فلقد انتهينا من صفحة الدنيا لنتناول الاطمئنان إلى المصير في الآخرة، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطمئننا فما بالك تزعجنا وتقلقنا ؟ لماذا يا أيها الشيخ الواقف على المنبر الفلاني على المنبر يوم الجمعة أو على المنبر في التلفاز لماذا ترعبنا ؟ ورسول الله وسيدي وسيدك وقائدي وقائدك يطمئننا ؟ اسمع مني كيف طمأننا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال على سبيل المثال كما جاء في سنن النسائي: (من سأل الله عز وجل الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار).. هذا اطمئنان إلى المصير ومع الاطمئنان يكون الإنتاج، من غير اطمئنان في الدنيا لمستقبل دنيوي ولمستقبل أخروي لن يكون إنتاج، ولذلك فنحن أمة غير منتجة لأننا قلقون ولأن بعضنا يقلق الآخر ولأن كلنا يُقلق كلنا على كلا المستويين الدنيوي والأخروي، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح الإمام مسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) وهذه دعوة إلى التفاؤل بالمصير في الآخرة، ويقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قال رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وجبت له الجنة) كما جاء في صحيح الإمام مسلم. اطمئن، مَن سَتَرك في الماضي سَيَسْتُرك إذا ما التجأت إليه وإذا ما كنت منتمياً إليه بصدق، سيسترك وسيرحمك في المستقبل وسيجعل مستقبلك باهراً جيداً نافعاً عظيماً كبيراً كما تريد وأكثر، فلماذا تتعامل مع الله على أنه جهة تُخيف وتُرعب لا أكثر ولا أقل وهذا لا يجوز ؟ حضرت مؤتمراً منذ أكثر من ثلاثين سنة فأعجبتني كلمة لأحد المتكلمين وكان المؤتمر بعنوان: "الطفل والإسلام" قال أحد المتكلمين: يا أيها المربون لا تجعلوا من الله "بُعبعاً" يخافه الطفل واجعلوا من الله محبوباً للطفل.
خُوِّفنا إلى حدِّ أننا لم نعد نعلم ما نريد أن نفعله، ليست هذه التربية بتربية، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قرأ آية الكرسي) وهذه مبشرات للاطمئنان إلى المصير في الآخرة (من قرأ آية الكرسي دُبُر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت) فإذا ما مُتَّ بعد قراءة آية الكرسي، بعد كل صلاة مكتوبة، فأنت إلى الجنة، هكذا قال سيدنا معلمنا قائدنا حبيبنا من بلغنا القرآن من بلغنا هذا الإسلام.
أخيراً : أقول لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في البخاري: (عَجِبَ الله من قوم يدخلون إلى الجنة بالسلاسل) وفي رواية لمسلم: (عجب الله عز وجل من قومٍ يُقادون إلى الجنة بالسلاسل) وهذا من باب اللطف الإلهي، إن أناساً سيدخلون الجنة رغماً عنهم بالسلاسل، سيُقادون إلى الجنة بالسلاسل فلمَ لا تأمل بأن تكون واحداً منهم ؟ وهل هناك من يقول لك من الناس أنا لست منهم ؟ من هذا الذي يجرؤ على أن يقول لي بأني لست منهم ؟ من هذا الذي يجرؤ على أن يقول لك بأنك لست منهم ؟ حدثني بربك: (عجب الله عز وجل من قومٍ يُقادون إلى الجنة بالسلاسل).
وأختم بقول رجلٍ كما في البيهقي جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله من الذي يحاسبنا يوم القيامة ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الله. فقال الأعرابي: فزت ورب الكعبة. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وكيف. فقال: يا رسول الله إن الكريم إذا قدر عفا.
فلنطمئن إلى المصير حتى نكون أقوياء، القادمات إن شاء الله أفضل من السابقات وعلينا أن نزرع الأمل ونحضُّ على العمل وأن نرضى من الناس ما يعملون وأن نطلب منهم الزيادة، إذا فعل ولدك فعلاً صالحاً ولو كان هذا الفعل بسيطاً شجعه وقل له أحسنت وتابع فسيزداد إن شجعته ولكنك إن لم تشجعه على العمل القليل فسيترك هذا العمل القليل وإن شجعته على العمل القليل وباركت له وكنت صادقاً في المباركة ولست مجاملاً فسيتابع العمل وسيعمل الكثير الكبير، وبهذا نكون على مستوى المجتمع المرضي.
فيا أمتي، يا أيها الشعب، يا أيتها الحكومة في كل بلادنا العربية والإسلامية هلا مشينا في طريق الاطمئنان إلى المصير في الدنيا والآخرة يشجع بعضنا بعضاً ويطمئن بعضنا بعضاً، ويقوم كل واحد منا ليكون بالنسبة للآخر عامل سلام وأمان واطمئنان، قل الذي تريد من هذا الشعب شريطة أن يكون كلامك يحمل النصح بالرفق، واسمع أنت أيها الحاكم من هذا الشعب كل صوته لا تسمع منه ذاك الصوت الذي يمدحك، فقط اسمع منه هذا الصوت بكل أطيافه بكل ألوانه بكل تجاويفه بكل تضاريسه اسمع منه صوته واطلب منه أن يكون في أدائه هذا الصوت لطيفاً رفيقاً، ولكن إياك أن تُخرسَه إياك أن تسكته لأننا أمة تعلمنا على أن نتبادل الكلمة النظيفة التي عنوانها أمران: نصحٌ ومحبة، هكذا نريد أن نكون، وأسأل الله عز وجل أن يقوي نفوسنا لتكون في خط الإيجاب سائرة، إنه على ما يشاء قدير، نِعم من يسأل ربنا، ونعم النصير إلهنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت بتاريخ 3/7/2009
التعليقات