آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
مسارب ووسائل الاطمئنان

مسارب ووسائل الاطمئنان

تاريخ الإضافة: 2012/03/30 | عدد المشاهدات: 4401

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

يُقال: لا يمكن أن يكون بناءٌ مع اضطراب، ولا يمكن للإنسان أن يُعطي عطاءً خيِّراً إذا كان مضطرباً، ولا يمكن للإنسان أن يقدِّم نافعاً إذا كان لا يمتلك الثقة بنفسه وإذا كان مضطرباً، إذا كان يُقال هذا، فلعلَّ الكثير منا يسأل: نحن مضطربون فعلاً وكدنا نفقد الثقة بأنفسنا وهذا الأمر لا يحتاج إلى برهان ولا إلى دليل، فلو أن كل واحدٍ منا نظر في المرآة لوجد القضية حقاً، لذلك تسألونني عن الدواء لإعادة الاطمئنان والثقة إلى أنفسنا حتى نستطيع البناء والعطاء والوفاء.

أيها الإنسان المسلم وإذ أكلمك من فوق هذا المنبر أتوجه إليك ناصحاً ولا أستثني نفسي من أن أكون منصوحاً فأنا أنصحك وأنصح نفسي قبل أن أنصحك، أتريد أن تعيد الثقة إلى نفسك ؟ أتريد أن تكون مطمئناً في وقت أصبحنا نسمع كلمات الاضطراب من هنا وهناك تأتي سمعنا في اليوم أكثر من ألف مرة ؟

أخي أيها المسلم لا أريد أن أطيل عليك في تقديم ما أراه دواءً للاضطراب وعدم الثقة.

أولاً: الإيمان بالله من غير تعقيد واللجوء إليه من غير وسيط: لن تكون مطمئناً إذا لم تكن مؤمناً بربك ولن تكون مطمئناً وواثقاً بنفسك إذا لم تكن لاجئاً إلى ربك من غير وسيط، فادعُه واطلب منه والجأ إليه ونادِه وناجه وقل: يا رب آمنت بك فارحمني وأعطني وأكرمني، إن لم ترحم من يرحم ؟ الإيمان بالله من غير تعقيد واللجوء إليه من غير وسيط، هذا أمرٌ أول ينبغي ألا يغيب عن بالك وأنت تبحث عن طمأنينة وثقة بنفسك، إلهي آمنت بك ليطمئن قلبي فحقِّقني بالإيمان حتى يكون اطمئنان القلب ثمرة تؤكد لي بأني مؤمن، يا رب اجعل قلبي مطمئناً بذكرك، يا رب ﴿ادعوني أستجب لكم﴾.

ثانياً: الثقة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنه قدوة وأسوة ورحيم بنا وشافعٌ لنا ومبلغٌ رسالته، أيها الإنسان أنت تبحث عن إنسانٍ يسكن داخلك، أنت تبحث عن إنسان قدوة يعيش فيك، أنت تبحث عن إنسان تحاول أن يكون دائماً نُصب عينيك، ما الذي سيفعله هذا الذي في داخلي في هذا الموقف حتى أفعله ؟ ما الذي يمكن أن يصدر عن هذا الذي يمكن أن أضعه في داخلي في هذا الميدان حتى أترسَّم خطاه وهكذا، فالله عز وجل أكرمنا برسول الله يوم قال: ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله﴾ ضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصب عينك قدوة وأسوة فستطمئن، إن انتمى الناس إلى فلان وفلان فأنت تنتمي لسيد الخلق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أثبت العقل والنقل أنه خير الناس كلهم، فاطمئن إلى هذا النبي وضعه داخلك من أجل أن تطمئن وترتاح وتعيد الثقة بنفسك إلى نفسك، أوليس هذا النبي قال عنه ربنا عز وجل: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم﴾ أتريد أن تطمئن من غير أن تضع في داخلك هذا النبي الكريم ومن غير أن تستهدي بهداه ؟ أتريد أن تطمئن وأنت في مواقفك حيران تبحث في داخلك عمن يجب أن تقلده وتقتدي به ؟ لن تطمئن.

إذا كنت حيراناً وأنت تبحث عمن تقتدي به في هذه النقطة أو تلك عليك أن تحسم الأمر لصالح المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ثق به وثق فيه على أنه الأسوة والقدوة والرحيم والمبلغ والشفيع، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في مسلم: (لكل نبي دعوة مستجابة دعاها لقومه في حياته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئاً) هذا وعد وعهد قطعه المصطفى على نفسه من أجل أمته من أجلك أنت الذي تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ثالثاً: تفاءل بالمصير، بعد إذ ركزت الإيمان بالله من غير تعقيد، ولجأت إليه من غير وسيط، ووثقت برسول الله، فكن متفائلاً، مالي أراكم متشائمين ؟ مالي أرى كل واحدٍ يأتيني وملامح التشاؤم مرسومة على وجهه ويديه ؟ ألستم مؤمنين بالله ؟ هل قرأتم وسمعتم حديث المصطفى الذي يرويه البخاري عندما قال لخباب وقد سأله أن يدعو له بالنصر، ألا تستنصر لنا يا رسول الله ؟ ألا تدعو لنا ؟ فهبَّ الرسول وكان متكئاً فجلس وقال: (والله ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) تفاءل بالمصير على مستوى الدنيا والآخرة، الله معنا، لكنك لا تستشعر أن الله معنا أو إذا استشعرت فمن باب التقليد وليس من باب التحقيق، أفيجوز هذا ؟ تفاءل بالمصير، تفاءل بالنهاية الخيّرة، لأن الله يحب المتفائلين، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد من تفاءل معتمداً على الله ومتخذاً الأسباب، تفاءل بالمصير على مستوى الدنيا فالنصر لك إن كنت مؤمناً: ﴿وكان حقاً علينا نصر المؤمنين﴾ وهل يخلف الله وعده وعهده ؟ إن كنت مؤمناً فأنت منصور هكذا قال ربك العلي القدير فلمَ التشاؤم، هيا وتفاءل معتمداً على الله ومعتمداً الأسباب، وعلى مستوى الآخرة فلتكن كبلال، كما جاء في السنن وحياة الصحابة: "غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه". إن عشتَ فستكون سعيداً، وإن متَّ فستكون مع الأحبة، فلماذا التشاؤم، أنا أعرف أن التشاؤم سيبقى رهين جسمك وعقلك وفكرك، ومدار الجسم والعقل والفكر ما دام لم تؤمن بالله من غير تعقيد ولم تلجأ إلى الله من غير وسيط ولم تثق برسول الله على أنه الأسوة والقدوة والمنتمى إليه والرحيم والشفيع.

رابعاً: توحيد جهة التأثير المطلق، أنتم تسمعون من كثير الشيوخ على المنبر: "واعلم أنه لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، ولا يفرّق ولا يجمع إلا الله"، هل تفكرون بهذه الكلمة ؟ توحيد جهة التأثير، لن يؤثر عليك إلا ربك، لطالما ردّدنا على مسامعنا حديث المصطفى الذي يرويه الترمذي وأحمد ويحفظه الصغير والكبير، رددوه على مسامعكم ومسامع طلابكم وأبنائكم صباح مساء: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) حُسم الأمر، توحيد جهة التأثير، لطالما ردّدنا على هذا المنبر وعلى منابر أخرى قوله تعالى: ﴿وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير﴾، ولطالما رددنا في أواخر الخُطب: ﴿أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد﴾ وحّد جهة التأثير المطلق: ﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا﴾، ﴿فسيكفيهم الله وهو السميع العليم﴾، ﴿أتصبرون وكان ربك قديراً﴾، ﴿واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا﴾، ﴿والله يعصمك من الناس﴾، ﴿ربِّ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً﴾، ﴿ربِّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي﴾.

خامساً: الدواء الأخير لإعادة الثقة بنفسك وللقضاء على الاضطراب، يا أيها الإنسان أقِر بواقعية الإنسان، أنت إنسان معرّض للخطأ والصواب، مَن قال بأنك ستصيب باستمرار ؟ مَن قال بأن الشيخ الذي يخطب هو معصوم ؟ من أعطاك الضمان بأنك ستبقى بصحة جيدة طول الزمن ؟ من الذي قال لك بأنك أنت الذي لن تخطئ ؟ من قال لك بأنك لن تخطئ فقد كذبك وكذب عليك وضرَّك، ولا تقولوا هذا على كل المستويات إياكم أن تقولوا لأحد من الناس مَن كنتم ومَن كان مَن ذا الذي لم يخطئ ؟ لا، رسول الله هو الذي لا يخطئ ونحن نخطئ ونصيب، نمرض ونصح، نغنى ونفتقر، هل عندك ضمان بأنك ستبقى أيها الغني غنياً، الدنيا كما يقول العامّة: (دولاب). لذلك عليك أن تقرَّ بالواقع الذي ينتابنا، نعصي ونطيع: ﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾ ولم يقل ربنا إن الذين اتقوا لا يمسهم الشيطان، إذا مسهم، وإذا تفيد تأكيد ما يأتي بعدها سيمسهم الشيطان، إن الذين اتقوا فما بالك بالذين هم أقل مئة درجة من التقوى: (لو لم تذنبوا - كما جاء في صحيح مسلم - لذهب الله بكم وأتى بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) إن كنت تصاحبني على أني لا أخطئ فابتعد عني لأنك ستفاجأ، وإن كنت تصاحبني على أني معصوم فابتعد عني، وإن كنت تصاحبني على أني طائعٌ أبداً لا أذنب فابتعد عني، نحن نجامل على حساب ديننا، والمجاملة على حساب الدين مضيعة للإنسان، لا يا أخي نخطئ ونصيب، نمرض ونكون أصحاء، نفتقر ونغنى، لكننا في كل الأحوال نؤمن بالله من غير تعقيد، ونلجأ إلى الله من غير وسيط، ونثق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونتفاءل بالمصير في الدنيا والآخرة، ونوحّد جهة التأثير، إن كنا كذلك فالإنسان تنتابه كل الأعراض، كل الأقدار المقسومة، وفي النهاية سيأتيه القدر المحتوم، مَن الذي يستطيع أن يعفي نفسه من أقدارٍ محتومة، ومَن الذي يستطيع أن يعفي نفسه من القدر المحتوم ؟ الأقدار المقسومة الصحة والمرض، الغنى والفقر، الذنب والطاعة... إلخ. مَن منا يستطيع أن يبقى في قدر محتوم محدد ؟ ومن الذي يستطيع أن يعفي نفسه من قدر محتوم الذي هو الموت، القدر المحتوم الأوحد هو الموت، وهل تستطيع أن تعفي نفسك من هذا القدر المحتوم ؟ سيأتيك أينما كنت سيأتيك الموت ولو كنت في بروج مشيدة.

إن أردتم البناء فهيا إلى الاطمئنان، وإن أردتم العطاء فهيا إلى الاطمئنان، ووسائل ومسارب الاطمئنان ذكرتها لكم، وقد أخذتها من معين ديني، وانظروا الآخرين الذين لا يأخذون من معين الإسلام فإن وجدتم عندهم ما يساعدكم أيضاً على إزالة الاضطراب وعدم الثقة فخذوها، لأن الإسلام منفتحٌ على الجميع، هذا دواؤنا فإن كان ثمة دواء آخر يدعم هذا فخذوه لأننا منفتحون، نحن لسنا منغلقين: ﴿يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً﴾ ونحن نفيد من كل الناس ولا نغلق أنفسنا على ما في داخلنا بل الحكمة ضالتنا أينما وجدناها التقطناها، وأنا إذ أقول هذا أطرح مسارب الاطمئنان ووسائله ليس للمسلمين ويحق لي ذلك ما دمت منفتحاً على الآخر في قبول ما يمكن أن يكون نافعاً لي، فلينفتح الآخر، وأنا أخاطب كل الناس وأخاطب كل الأصناف وأخاطب كل الوظائف وأخاطب الرئيس والمرؤوس الحاكم والمحكوم لا يمكن أن يكون اطمئنان من وجهة نظري إلا من خلال هذه المسارب فإلى هذه المسارب لنصل إلى الاطمئنان والثقة بأنفسنا، ومن ثَمَّ فسورية تنتظرنا لنبنيها وفق إرادة الرحمن وهدي سيد ولد عدنان وهدي ولد سيد الناس، هيا، سورية تنتظرنا أيها الإخوة من أجل أن نبنيها ونحن نستمد معالم البناء من قرآن يهدي للتي هي أقوم، ومن سنة كالمحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا زائغ، اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 30/3/2012

التعليقات

شاركنا بتعليق