آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
لا أقسم بيوم القيامة* ولا أقسم بالنفس اللوامة - 3

لا أقسم بيوم القيامة* ولا أقسم بالنفس اللوامة - 3

تاريخ الإضافة: 2007/01/26 | عدد المشاهدات: 5033

نعود إلى سورة القيامة لنتابع الحديث عمّا بدأنا به:

الله عزَّ وجلَّ قال: ﴿لا أقسم بيوم القيامة* ولا أقسم بالنفس اللوامة* أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه* بلى قادرين على أن نسوّي بنانه﴾.

أعيد مختصراً ما ذكرته في الأسبوعين الماضيين:

 ﴿لا أقسم بيوم القيامة...﴾: (لا) هنا ليست زائدة وإنما هي نافية، وهي تنفي القسم على سبيل التعظيم، وتقرر القسم بعدها على سبيل الأحقية، فيصبح المعنى: لا أقسم بيوم القيامة على أن القسم للتعظيم، ولكن أقسم به لبيان أحقيّة هذا اليوم وأنه سيأتي.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه وتهجده: (وأن الساعة حق) أي: وأشهد أن الساعة حق.

﴿لا أقسم بيوم القيامة* ولا أقسم بالنفس اللوامة﴾: لا أقسم بهما على أنهما قسَم معظم، ولكن أقسم بهما على أنهما حق. أما يوم القيامة فحدث مفصول وغائب عنك، وأما النفس اللوامة فأمر تعيشه في داخلك وتتعرف عليه بجهادك: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ أي: من خلال تعرفهم على أنفسهم، والعاقل هو من يعرف نفسه قبل أن يعرف غيره، ومن عرف نفسه فقد عرف ربّه.

وتحدثنا أيضاً عن النفس اللوامة، ومن خلال بحثي عن هذه الآيات في كتب متنوعة وقعت على ثلاثة أقوال لتعريف النفس اللوامة:

- يقول الحسن البصري رضي الله عنه: أما النفس اللوامة فهي والله نفس المؤمن، لا يُرى المؤمن إلا يلوم نفسه: ما أردتُ بكذا ؟ ما أردتُ بكذا ؟.. والفاجر لا يعاتب نفسه. وهذا يدعم ما قلناه من أن النفس اللوامة هي نفس متنورة، وهي بداية مرحلة اليقظة.

- ويقول مجاهد: النفس اللوامة هي التي تلوم على ما فات وتندم، تلوم نفسها على الشر لِمَ فعلَته، وعلى الخير لِمَ تركَته.

- ويقول الفراء: ليس من نفس بَرَّة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيراً قالت: هلاّ ازددتُ. وإن كانت عملت سوءاً قالت: ليتني لم أفعل.

ووجدت رأياً منفرداً لمقاتل، وهو أحد كبار المفسرين والتابعين يقول فيه: النفس اللوامة هي نفس الكافر، يلوم نفسه ويتحسّر في الآخرة.

على أن كلام مقاتل لا يختلف عن كلامنا، فهو يقول عن النفس اللوامة بأنها نفس الكافر، ولكنه يقول: إن الكافر يلوم نفسه في الآخرة.

ونحن نقول هي نفس المؤمن، وهو الذي يلوم نفسه في الدنيا.

فالنفس اللوامة هي إما:

1- التي تلوم نفسها في وقت لا ينفع اللوم، وهذه نفس الكافر في الآخرة.

2- وإما النفس اللوامة التي تلوم نفسها حيث ينفع اللوم والندم، فهذه نفس المؤمن..

إذاً ليس ثمة خلاف.

﴿أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه* بلى قادرين على أن نسوّي بنانه﴾: في الآيات قَسَم كما بيّنا، سواء عند من قال أن (لا) زائدة أو من قال أن (لا) نافية... ففي كلا القولين يوجد قسَم. ولكن أين جواب القسم ؟

قال العلماء: جواب القسم محذوف، يدل عليه ما بعده: ﴿أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه﴾، يعني: أي أقسم بيوم القيامة وأقسم بالنفس اللوامة لنبعثَنّ الخلائق، ولنجمعنّ عظام الإنسان بعثاً ونشوراً.

﴿أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه﴾ أي: أيحسب هذا الرجل الذي جاء النبيَّ، وهو عدي بن ربيعة، وقال له: يا محمد لو عاينتُ ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن بك... من أين جاءه هذا الحسبان ؟!

نحن خلقناك وشددنا أزرك ونحن أنبتنا الأرض وأنزلنا المطر: ﴿وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم* قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم* الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون* أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم* إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾، فالذي قال (كن) في الأولى يستطيع أن يقول (كن) في الثانية، وهو أهون عليه على حسب نظركم وتصوركم.

من أين جاء لهذا الإنسان هذا الحسبان ؟ ما جاء هذا الحسبان من هذا الإنسان إلا مِنْ ظلم الإنسان نفسَه، وليس هناك أي دليل، ولذلك سيعترف هذا الظالم يوم القيامة ويقول: ﴿وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير* فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير﴾.

وهناك قراءة لقتادة: ﴿أيحسب الإنسان ألن تُجمع عظامُه﴾ أي ببناء الفعل للمجهول.

﴿بلى قادرين على أن نسوّي بنانه﴾: ما إعراب ﴿قادرين﴾ هنا ؟

إعرابها: حال لفاعل من فعل محذوف دل عليه ما قبله.. أي: بلى نجمعها قادرين على أن نسوّي بنانه.

قادرين: حال من نحن نجمعها قادرين، أو هو يجمعها قادراً.

ليس فقط نجمع عظامه، ولكن أيضاً نسوي بنانه. ما هو البنان ؟

أغلب المفسرين قالوا: إن البنان هي المفاصل، لأن المفاصل أقرب إلى العظام، فالإنسان مكون من عظام ومفاصل، فالله يقول: نحن لسنا قادرين على أن نجمع عظامه فقط، ولكنا أيضاً قادرون أن نسوّي مفاصله ونرجعها كما كانت.

اليوم عملية المفاصل يقوم بها كبار الأطباء وتكلف المبالغ الباهظة... ولكن هذه العملية لا تسوي البنان وإنما تصلح البنان بنسبة أقل مما كانت عليه الصلاحية بـ20% أو 30% أو 40%. أما الله عز وجل فقال: ﴿بلى قادرين على أن نسوّي بنانه﴾ أي: يصبح البنان سويّاً 100%.

فالإنسان الذي أجريت له عملية المفاصل لا يستطيع أن يقول: إن الطبيب استطاع أن يسوي مفاصلي. لأن التسوية تعني أنه جعلها سويّة، أي سليمة 100%... أما الله عز وجل فهو قادر على هذا ﴿بلى قادرين على أن نسوّي بنانه﴾.

هناك قراءة أيضاً: ﴿بلى قادرون على أن نسوي بنانه﴾، وهنا تعرب ﴿قادرون﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: بلى نحن قادرون على أن نسوّي بنانه.

أريد أن تكون هذه السورة ماثلة أمامنا من الآن إلى الأسبوع القادم من أجل أن نفكر بها... وأعتقد أن كل واحد منا لو أعاد النظر فيما يقرأ وفيما قد قُرأ أمامه فستتفجر في داخله بعض المعاني الأخرى.

كل هذا من أجل أن نكتب عند الله من الذين يتلون كتاب الله ويقرؤونه ويتدبرونه. اللهم اجعلنا كذلك.

التعليقات

محمد

تاريخ :2007/06/21

بآرك الله بك ، وجزاك عنا كُل خير يآ أستاذنآ الفآضل

joss

تاريخ :2009/09/11

نشكر فضيلة الدكتور محمود عكام على ما أفاض علينا من زخم المعان

شاركنا بتعليق