آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
بواعث الفرح في العيد

بواعث الفرح في العيد

تاريخ الإضافة: 2007/12/21 | عدد المشاهدات: 3308

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

نحن في أيام عيد، عيد الأضحى المبارك، وها هم إخواننا في الحج قد قضوا مناسكهم، فمنهم من تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومنهم من لم يتعجل وسيكون موعده بعد ذلك طواف الإفاضة، ومن ثم العود إما إلى المدينة المنورة لزيارة الحبيب الأعظم عليه الصلاة والسلام، وإما إلى بيته وبلده إن كان قد زار قبل الحج، نسأل الله لأولئك القبول، اللهم اجعلهم من الذين غفرت لهم ذنوبهم، وأجبت لهم دعاءهم، واجعلنا من الذين غفرت لهم ذنوبهم، وسترت عليهم عيوبهم.

نحن في أيام عيد، والعيد في الخلاصة فرحة، أنت في عيد يعني أنت في فرح، وأنت في فرح يعني أنت في عيد، خطر ببالي سؤال وهو: ما مصدر الفرح عندك أيها المسلم ؟ ما الذي يبعثك على أن تكون مسروراً فرحاً سعيداً ؟ جمعت ما في ذهني من بواعث فرح بالنسبة لنا، ومن عوامل فرح بالنسبة للمسلمين، نحن الذين ننتمي للإسلام ديناً، ولله عز وجل معبوداً، وللقرآن الكريم كتاباً، ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً، فرأيت أننا نفرح عندما:

نشعر بالرضا: إذا رضي عنا ربنا، فهذا مبعث كبير ودافع عظيم من دوافع الفرح بالنسبة لنا، إن رضي عنا ربنا ورضينا عن أنفسنا، فأيضاً هذا مبعث كبير من أجل ان نفرح ونسعد ونسر، إن رضي أهل الفضل علينا فهذا أيضاً مبعث وعامل ودافع من دوافع الفرح لدينا، إن أحسست برضا ربك عليك، ورضاك عن نفسك، ورضا أهل الفضل عليك فأنت فرح، وما أظن أن ثمة أمراً آخر يمكن أن يضاف، فقد جمعنا القضية في ثلاث قواعد وأمور وبنود، إن رضي ربك عنك، وشعرت بذلك ضمناً وبشكل يقيني فأنت فرح، وإن رضيت أنت عن نفسك فأنت فرح، وإن رضي أهل الفضل عنك فأنت فرحٌ الفرح المحمود، ولكن تتابع معي السؤال: كيف أشعر أن ربي رضي عني، وكيف يمكنني أن أرضى عن نفسي، وكيف يمكنني أن أستشعر رضا أهل الفضل عني ؟ القضية واضحة ولا تحتاج إلى كبير جهد في الوصول إلى ما نريد أن نصل إليه.

أولاً: أتريد أن يرضى عنك ربك ؟ إذن حاول أن تكون راضياً عنه، كيف ترضى عن ربك ؟ ترضي عن ربك حينما تعترف به إلهاً خالقاً، ترضى عن ربك حينما تقول لربك: آمنت بك يا رب خالقاً عظيماً جباراً منعماً ملكاً قدوساً.... إلى آخر أسمائه وصفاته جل وعلا، ترضى عنه حينما تعبده، حينما تطيعه، حينما تتوجه إليه بالطاعة والعبادة القائمتين على قناعة تامة، وقد أفرز هذه القناعة عقلك وقلبك وفؤادك وداخلك، ترضى عن ربك حينما تعترف به رباً إلهاً خالقاً وتعبده وتطيعه عن عقل وتفكير واطمئنان، ثم بعد ذلك وأنت في طاعتك وعبادتك ترى في نفسك الإخلاص له فلا تشرك معه سواه، الله هو الذي تتوجه إليه دون سواه في العبادة والطاعة ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ أتريد أن يرضى عنك ربك ؟ إذاً ارضَ عن ربك من خلال ثلاثة أمور: اعترف به رباً خالقاً معبوداً، اعبده واطعه بناءً على عقل وتفكير واستسلام مطمئن، ثم بعد ذلك كن مخلصاً في هذه العبادة والطاعة والاعتراف، إن فعلت ذلك فالله يرضى عنك وستكون برضا ربك عنك مسروراً فرحاً.

ثانياً: أتريد معرفة كيف ترضى عن نفسك الرضا الحقيقي ؟ عندما تقوم بواجباتك سترضى عن نفسك، فإن رضيت عن نفسك وأنت مقصر في واجباتك فالرضا مزيف، الواجبات متجهة نحو جهات مختلفة، إن قمت بواجباتك نحو ربك، نحو دينك، نحو بلدك، نحو أسرتك، نحو ولدك، نحو والدك، نحو كل شؤون حياتك. إن قمت بواجباتك فأنت راضٍ عن نفسك، وبالتالي فأنت فرح، لا تكتمل فرحة الإنسان إلا إن رضي عن نفسه، والرضا عن النفس مبعثه القيام بالواجبات، لا تصدقن أن أحداً مقصر في واجباته يدّعي بعد ذلك أنه راضٍ عن نفسه، فالرضا هذا مُدّعى ولا أساس له ولا جذر له.

ثالثاً: أتريد أن يرضى عنك أهل الفضل ؟ إذن كما قال ربي عز وجل: ﴿ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين. ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن﴾ وكما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وخالق الناس بخلق حسن) سيدي رسول الله هو الأنموذج الأمثل في رضا ربه عنه، وفي رضاه عن نفسه، وفي رضا أهل الفضل عنه، بل في رضا أعدائه عنه، وقد سقنا أكثر من قول في احتفالات المولد النبوي الشريف بيّنا أن أعداءه رضو عنه ضمناً في دواخلهم. أتريد أن يرضى عنك أهل الفضل ؟ إذاً فلتكن صاحب خُلق حسن، مشكلتنا وأزمتنا في الأخلاق بالنسبة لعلاقاتنا فيما بيننا، لا رضا من أهل الفضل عليك إلا إذا كنت ذا أخلاق حميدة، الخُلق يُحَبِّب ويجعلك إنساناً تجذب القلوب إليك، وإلا فلا يمكن أن يرضى أهل الفضل عن إنسان لا خلاق له، (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).

يا أبناء عيد الأضحى، يا أبناء الوطن العربي والإسلامي، نريد أن نفرح، عرفتم الآن كيف نفرح، وما بواعث الفرح. أن يرضى ربنا عنا، أن نرضى عن أنفسنا، أن يرضى أهل الفضل عنا، وبعد ذلك يكفيك هذا، فإن سخط غير أولئك فلا تلتفت ولا تبحث عن رضاهم، وإن سخط عنك الشيطان الذي يدّعي شركة مع الرحمن فلا تلتفت إلى ذلك، إن سخط عليك هذا الذي ينظر إليك على أنك إنسان تريد أن تكون وصولياً فلا تلتفت إليه.

إذا رضيت عني كرام عشيرتي          فلا زال غضباناً عليَّ لئامها

قد تكون المشكلة في أننا نسعى من أجل أن يرضى الناس عنا كافة، وهذا سعيٌ متعب، ولا يوصل إلى نتيجة. الذي يفرحنا أن يرضى ربنا عز وجل عنا، وأن نرضى عن أنفسنا من قلوبنا ومن دواخلنا، وأن يرضى أهل الفضل عنا، وعلى رأس أهل الفضل سيد أهل الفضل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ومما زادني شرفاً وعزاً          وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي           وأن صيرت أحمد لي نبياً

يا رب بحق أولئك الذين طافوا حول بيتك، وسعوا بين الصفا والمروة، ووقفوا في عرفات، وراحوا إلى مزدلفة، ورموا الجمرات، وطافوا الإفاضة، وزاروا نبيك، فقبلت منهم هذه الأفعال، بحق أولئك، وبحق أفعالهم الصالحة المقبولة، اجعلنا من الفرحين فرحاً ترضى عنه يا رب العالمين، اجعلنا ممن رضيت عنهم، اجعلنا ممن رضوا عن أنفسهم، اجعلنا ممن رضي أهل الفضل عنهم، إن تحقق فيك هذا الأمر فيا طوباك يا أخي. أريدك في العيد فرحاً مسروراً حسب هذه البنود التي ذكرتها وإلا فكل فرح يجانب هذا الذي ذكرت فرح لا قيمة له، مزور، مزيف. أتريد الأصالة عُد إلى التماس رضا ربك وإلى رضا نفسك وإلى رضا أهل الفضل عليك.

اللهم وفقنا لذلك، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 21/12/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق