آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
الأمن من سمات المجتمع المنشود

الأمن من سمات المجتمع المنشود

تاريخ الإضافة: 2009/03/27 | عدد المشاهدات: 2795

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون: لعل من النعم التي يهواها الإنسان، بل يسعى من أجل أن تكون، بل يمكن أن يعدها في لحظة من اللحظات نعمة النعم، أتدرون ما هذه النعمة ؟ إنها نعمة الأمن، نعمة الأمن والإيمان، نعمة الأمن التي يُفرزها الإيمان، ونعمة الإيمان التي تستجلب الأمن، ونعمة الأمان التي لا تجد الإنسان في حالة استقرار إلا إذا مسَّته هذه النعمة، ربما تساءل بعضكم عن سرِّ الحديث عن هذه النعمة في هذا اليوم، أقول: لعلكم، وأظن أن لعل هنا ليست من باب الاحتمال أو التقليل ولكن من باب التأكيد، لذلك أقول سمعتم وسمعنا بأخبار ما يجري في ساحة بلدتنا من جرائم قتل وسرقة وانتهاك لحقوق الآخر، من خلال أفعالٍ لا تمتُّ إلى الإنسانية بصلة، هنا تحدث جريمة، وهنا تكون جريمة أخرى، وفي المكان الآخر ترتكب جريمة ثالثة وهكذا... حتى صرنا نسمع الواحد منا يقول: "يا أخي صرنا نخاف". الأبواب تُكسّر، الساكنون يُقتّلون، أصحاب المحلات أصبحوا في حالة ذعر، أنا لا أقول عن هذه الأوصاف على أنها صفة كاملة تامة، ولكن بدأ الأمر أو بدأت هذه الصفة تتسرب إلينا، لكنها ليست سِمَة عامة، وأرجو الله ألا تكون. لذلك قررت أن أحدثكم وأن أحدث نفسي عن هذه النعمة، وأن أحذّر نفسي وأن أحذركم عن الخدش في هذه النعمة وفي هذه الصفة، لأن هذه النعمة امتن الله بها على عباده فقال: ﴿فليعبدوا ربَّ هذا البيت. الذي أطعمهم من جوع. وآمنهم من خوف﴾. ولذلك نتوجه إلى المسؤولين قائلين لهم: مهمتكم أن تزرعوا الأمن رياحين بيننا، وأن تظللونا بسحابةٍ نسيجها الأمن. نقول لكم من كل قلوبنا يا هؤلاء: عليكم أن تكونوا يداً حازمة، عليكم أن تكونوا قوةً ضاغطة، عليكم أن تكونوا يداً لا تعرف الهوادة ولا تعرف التساهل فيما يتعلق بالمجرم والجريمة، لأن المجرم والجريمة يُسبّبون للناس الحرج، فلا تتساهلوا، أناشدكم الله أيها المسؤلون في مجال القضاء، في مجال الحماية والحراسة، أيها المسؤلون بالمخافر والأقسام، أيها المسؤلون عن الأمن وأنتم قد ربطتم عملكم بذلك فسُمِّيتم أمناً، أناشدكم الله أن تبذلوا الجهود أكثر لاستئصال ما يؤثّر على الأمن سلباً، أناشدكم الله، وأنتم أيها الإخوة المواطنون، أناشدكم الله أن نكون جميعاً رعاةً لهذه السِّمة، سمة الأمن، أناشدكم الله أن نعمل من أجل أن نؤمّن هذا الذي بجانبنا وأن نؤمّن جارنا وأن يشعر جارنا ورفيقنا وصديقنا والذي معنا والذي بحافلتنا والذي بمديريتنا والذي يقطن أرضنا والذي يسكن سيارتنا والذي يجتاز شارعنا، نريد أن تُشعروه بالأمن والأمان. أيها الإخوة: ما أظن أن الإسلام حرص على شيء حرصه على هذه السمة من أجل أن تكون سمة مجتمعٍ ينشده الإسلام. انظروا ما قاله نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك يقول كما في سنن أبي داود: (لا يحل لمسلم - على الإطلاق - أن يروّع مسلماً) والترويع هو خدش الأمن، وهنالك أمثلة عن الترويع قد تستصغرونها لكن الإسلام رفضها فما بالكم بمن يروّع الإنسان والفرد والمواطن ؟ أتريدون أن تسمعوا أمثلة نهى الإسلام عنها لأنها قد تؤدي إلى أن يختل الأمن في المجتمع فاسمعوا على سبيل المثال: يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (من تعظّم في نفسه، أو اختال في مشيته، لقي الله تعالى وهو عليه غضبان) رواه الإمام أحمد، إن رأيتك تختال في مشيتك فهذا يؤثر على الشعور بالأمن عندي على أمني. فيا أيها المتكبرون، يا أيها المختالون: هونوا الأمر عليكم، يا هذا الذي تمشي على الأرض مختالاً خفّف الخطا ما أظن أن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد، أنت يا صاحب الرتبة العسكرية، أنت يا صاحب المسؤولية لا أريدكَ مختالاً في مشيتك لأن اختيالك في مشيتك لا يعطيني الأمن الذي أنشده وإنما يعطيني قلقاً واضطراباً، لا تنظر إلى الناس هكذا: ﴿ولا تصعّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً﴾ فهذا يؤثّر سلباً على الأمن والأمان. مثالٌ آخر: وهذا يصبُّ في مصب زعزعة الأمن من بعيد، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي: (لا يأخذنَّ أحدكم متاع أخيه لاعباً أو جاداً) حتى المزح مرفوض لأن فيه تأثيراً ولو كان هذا التأثير بسيطاً جداً على الأمن. (لا يأخذنَّ أحدكم متاع أخيه لاعباً أو جاداً) يقوم فيمازحه وإذ به يخفي متاعه، يخفي معطفه، يخفي شمسيته، يخفي دراهمه، يخفي كتابه، من أجل أن يرى أخاه مروعاً، لا تفعل هذا، فهو ممنوعٌ وحرامٌ لأن هذا يؤثّر سلباً على أمن هذا الذي بجانبك. صورة ثالثة: يروي البخاري أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يُشِر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار) إشارة مداعبة ملاعبة فهي مرفوضة، وهذا ما رأيناه حاصلاً، كم من إنسان مات في عصرنا، في أيامنا، كم من إنسان مات لأن أخاه أو لأن أباه أو لأن ابنه أو لأن صديقه أراد أن يلعب معه في السلاح فأشهر السلاح في وجهه، وإذ بالسلاح تنطلق منه رصاصة أو أداةٌ ما لتقتل هذا الذي أمامه وهو ابنه أو والده أو أخوه أو صديقه، كم من إنسان مات منذ عشر سنوات وإلى الآن بطريق الخطأ نتيجة مزحٍ أو نتيجة لعبٍ أو نتيجة إشارة بالسلاح على سبيل اللهو، كم ؟! كثيرون أيها الإخوة، وهذا ما قرأناه في المجلات والصحف وأنتم تقرؤون وتسمعون. صورة رابعة: يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في السنن: (من أشار إلى أخيه بحديده فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي) حتى الإشارة بحديدة، ليس بسلاح، أما وأن هذه الحديدة تصب في مصب الأمن سلباً وزعزعة ولو بنسبة واحد بالمليون فإن هذا مرفوضٌ يا ناس. صورة خامسة: (سُباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في البخاري، لأن السباب يشعرني بالقلق والاضطراب، فما بالكم إذا كانت هذه المظاهر التي لا يُؤبه لها من قبلنا أحياناً، إذا كانت هذه الصور التي ذكرتها منهياً عنها بل محرّمة، فما بالكم بمن يمارس القتل فعلاً والسرقة فعلاً وجهاراً وعلناً ؟! فما بالكم بمن يقتل ويُقطّع ؟! فما بالكم بمن يقتل بريئاً وقد اقتحم عليه الباب والدار فقتله وقتل زوجته برصاصٍ في يده أو بسكينٍ أو بخنجر أو خنقه خنقاً ؟! يا هؤلاء يا أيها الناس أتريدون بعد ذلك أن نتكلم عن اضطراب في الغرب وأمن في بلادنا ؟! لا ورب الكعبة، ربما كان الأمن في الغرب متفوقاً علينا بمئات المرات، ولكننا نحن من خلال الوهم نستشعر عدم التفوق حتى لا نعمل، حتى لا نشتغل، لذلك أكرر ما بدأته: يا ناس، يا أيها المسؤولون، يا أيها الشعب، يا أيها المسؤولون في كل القطاعات: أناشدكم الله أن تحافظوا على هذه النعمة وأن ترعوا هذه النعمة التي نحبها ونجلّها والتي لا يجعل الوطن وطناً إلا هي، لولا هذه النعمة ما كان الوطن وطناً، الوطن بأمرين وبدون هذين الأمرين يصبح الوطن صحراء قاحلة وجرداء، هذان الأمران: الحرية والأمن، حرية الرأي والأمن، الحرية والأمن هما اللذان يحولان الأرض إلى وطن فإذا غاب عن الأرض التي تعيش فيها والتي تسميها وطناً الحرية والأمن فليست هذه الأرض وطناً، فلا تحولوا وطننا إلى أرضٍ جرداء، إلى أرض قفرة، إلى أرض مُرعبة، ولا تحولوها إلى غابة، ولا تحولوها إلى مكان يستوحش الإنسان من العيش فيه، بالله عليكم، أيها المسؤولون أيها الشعب أيها الناس أيها المعنيون بالأمر وكلنا معنيون على اختلاف درجات المسؤولية أناشدكم الله. وفي النهاية: أتريدون أن تكونوا من أهل الجنة في الدنيا والآخرة ؟ قرأت حديثاً يرويه الإمام مسلم، تمنيت لو أن كل واحدٍ منا وضع هذا الحديث في بيته وقرأه صباح مساء، وجهد في التحقق به، وجهد في أن يكون هذا الحديث عنوانه ودثاره وشعاره، هذا الحديث يقول فيه صلى الله عليه وآله وسلم: (أهل الجنة ثلاثة) من منكم لا يريد أن يكون من أهل الجنة ؟ (أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مُقسط متصدق موفق) ونريد من أصحاب السلطة أن يُعنوا بهذا الأمر (ورجلٌ رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم) ومواطن أيضاً، لأن المواطنة أصبحت انتماءً نتساوى فيه في هذا الوطن، هل أنت رحيمٌ رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ؟ أم أن قلبك قسا حتى أصبح كالحجارة أو يمكن أن يكون أشد من الحجارة ؟ هل أنت صاحب قلب رقيق رحيم لكل قريب ولكل مسلم أم أن الذي يراكَ يخافك، أم أن الذي يسمع صوتك دون أن يراك يتسرب الرعب في داخله منك وتحسب أنك على شيء كبير من الأهمية باعتبار أن هذا الذي يراك خافك وتظن ذلك شخصية، هذا الدَّاء أصاب الشيوخ، وأصاب المسؤولين، وأصاب الضباط، وأصاب الأطباء، وأصاب المحامين، وأصاب القضاة، فإذا ما رأيت إنساناً طبيباً على سبيل المثال يبتسم في وجهك نظرت إلى الأمر على أنه عجبٌ عجاب، أمثلُ هذا يضحك ويبتسم ؟ فإذا رأيت ضابطاً في الجيش أو في الشرطة يضحك ويبتسم رأيت فيه ملاكاً هرب من عالم السماء إلى الأرض، وإذا ما رأيت، وإذا ما رأيت... إلخ حتى إذا ما رأيت شيخاً يبتسم إليك خلت الأمر مناماً، يا هؤلاء، أناشدكم الله وأنتم الذين تحبون أن تكونوا من أهل الجنة: (أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعففٌ ذو عيال) لأن العفيف المتعفف يجعل الكون أمناً، أما غير المتعفف فإنه يُسرّي في الكون قلقاً، لذلك أقول: أتريد أن تكون من أهل الجنة ؟ هؤلاء أهل الجنة كما قال صلى الله عليه وآله وسلم. أخيراً: أيها الناس يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الذي تؤمنون به على أنه رسولٌ من عند الله وتفرحون بميلاده يقول: (من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله ألا يُؤمِّنه من أفزاع يوم القيامة) واعملوا ما شئتم بعد ذلك، أنت في بيتك وفي شارعك وفي مديريتك وفي مدرستك وفي ثكنتك وفي عيادتك وعلى قوس قضاءك وفي مكتبك وفي معملك وفي مصنعك اسمع هذا الذي كان حقاً على الله ألا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة، وهذا الذي قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعففٌ ذو عيال) أتريد ألا تؤمَّن من أفزاع يوم القيامة ؟ إذن تابع مسيرة التخريب مَنْ كنت، تابع مسيرة التخريب، إذا كنت قد حرصت على ألا تكون مؤمناً من أفزاع يوم القيامة فتابع مسيرة التخريب، وإذا أردت أن تكون من أهل الجنة فتابع مسيرة التأمين وتابع مسيرة التيسير وتابع مسيرة الرحمة وتابع مسيرة الاطمئنان، ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، ليكون ذلك داعية إلى الأمان والأمن والتأمين لأن التعسير ليس فيه أمانٌ ولا تأمين، أنت تملك أن تُقدّم للناس ديناً ميسِّراً ميسَّراً فما لي أراك تقدم إليهم معسِّراً معسَّراً ؟ أتريد ألا يقبل الناس دينك ؟ أتريد ألا يقبل الناس هذه الشريعة الغرّاء التي جاءتنا من الرحمن الرحيم، والتي حملها إلينا الرحمة المهداة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ اللهم اجعلنا من الذين يحملون للناس الرحمة، ومن الذين يحملون القلب الرحيم لكل ذي قربى ولكل مسلم ولكل إنسان، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، نعم من يُسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 27/3/2009

التعليقات

وسيم حلاق

تاريخ :2009/04/14

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والله كنت قد دخلت الموقع لأرسل رسالة الى الشيخ حول هذا الموضوع ( الامن ) الذي أصبح مفقودا في حلب ونحن هنا من مغتربنا أصبحنا نخاف أن ننزل إجازتنا من هول ماسمعنا ورأينا في أخبار الحوادث في المواقع وعلى الفضائيات. اسأل الله لكم طول الصحة والعافية وسدد الله خطاكم أرجو من سماحة الشيخ التحرك بشكل مستمر لهذا الموضوع وتضافر كل المشايخ في حلب ليتضافر معهم المواطنون فمعروف عنه انه إبن حلب البار ( بارك الله فيه )فلو حدث هذا وكررت المسألة في كل خطبة جمعة اتوقع أن المسئولين (( النائمين )) سوف يستفيقوا في حينه واتوقع ان المواطنين (( المحسوبين مواطنين على حلب )) سوف لن يجدوا لهم سبلاً لتنفيذ أية جرائم حماكي الله ياحلبحمى الله اهلي واهلكم جميعاً شكرا لكم

خليل شاوي

تاريخ :2010/01/11

اذا الايمان ضاع فلا امان ولادنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا نحن نحتاج الى ورشة عمل تجمع الشيخ والمطران وعالم النفس والمسؤول والمعلم والتاجر لانجاز وتحقيق الامن فالكل مكلف بهذا وشكرا سيدي العلامة

شاركنا بتعليق