آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سمات المجتمع المتكافل

سمات المجتمع المتكافل

تاريخ الإضافة: 2009/06/05 | عدد المشاهدات: 3655

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

حينما نسأل أفراد مجتمعنا عن الصفة التي يريدون أن يوصف بها مجتمعهم فإنهم يقولون من جملة ما يقولون إنهم يريدون أن يتصف مجتمعهم بالتكافل، فالمجتمع حينما يكون متكافلاً يكون أفراد هذا المجتمع في حالة رضا، ومن منكم لا يحب أن يكون مجتمعه مجتمعاً متكافلاً ؟ كثيرون أولئك الذين تحدثوا عن التكافل الاجتماعي أو المجتمع المتكافل في الإسلام، لكنني اليوم أريد أن أسأل نفسي وإياكم سؤالاً: ما الذي تفهمونه من كلمة المجتمع المتكافل ؟ نتكلم أحياناً بعض الكلمات، لكننا لا ندقق في الدلالة، وبالتالي تضيع الدلالة ويبقى الاسم بلا معنى، نتغنى به ولا نحاول أن نطبقه، لأنا لم نعرف المعنى المحدد للتكافل أو لأي كلمة أخرى، وقلت مثل هذا الكلام لبعض إخوتي من طلاب العلم، فقد قلت لهم تتحدثون كثيراً عن بعض المصطلحات من غير أن تكون لهذه المصطلحات في أذهانكم معانٍ محددة، وضربت لهم مثالاً على ذلك، فقلت لهم: لو سألتكم الآن عن حكم الإسلام في الإسراف لقال جميعكم الإسراف حرام. لكنني لو سألتكم عما تعنيه كلمة الإسراف لوقفتم ولما تابعتم الحديث والشرح، فما الإسراف المحرَّم على سبيل المثال ؟ وهل أنت في حالة إسراف حينما يكون على مائدتك نوعين من الطعام أو ثلاثة أنواع، فهل أنت مسرف ؟ حينما تمتلك بيتاً يتجاوز ثمنه عشرين مليوناً فهل أنت مسرف ؟ حينما تمتلك مزرعة يتجاوز ثمنها مئة مليون فهل أنت مسرف ؟ حينما حينما... حددوا يا طلاب العلم الدلالات والمعاني حتى يستطيع الناس الذين تخاطبونهم تطبيق هذا الذي تأمرونهم به أو تنهونهم عنه.

ما التكافل الذي نعنيه ؟ من خلال كلمة الكفالة أو التكافل نستطيع أن نقول ببساطة: المجتمع المتكافل هو المجتمع الذي يكفل كل فرد فيه الفرد الآخر بما يستطيع بحيث يقدِّم للآخر ما يغنيه عن الطلب. بعبارة أخرى: أنت تملك قوة مادية جسمية فأنت يجب عليك أن تتكفل مَنْ حولك إذا كانوا لا يملكون القوة الجسمية بحيث تستطيع أن تجعلهم يقومون بما يريدون أن يقوموا به من الأمور التي تستلزم القوة الجسمية. أنت تملك مالاً يجب عليك أن تتكفل بعضاً من الناس الذين يحتاجون إلى المال الذي تملكه أنت، وكأني بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يرسم بدقة الدلالة حينما قال: (من كان معه فضل ظهرٍ فليعُد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أن لا حق لأحد منا في فضل). ربما أنت تملك طعاماً يكفيكَ أكثر مما تتوقع لكن هناك رجلاً بجانبك لا طعام يكفيه وأولاده، فواجبٌ عليك أن تتكفل هذا الرجل لتقدِّم له من طعامك الذي يغطي حاجته والذي يكفيه، فهل يفكر أفراد مجتمعنا اليوم في التكافل، في أن يكفل كل واحدٍ مستطيع من لا يستطيع، هذا الذي أستطيعه، هل تفكر أنت بهذا الذي بجانبك ولا ثوب عندك وأنت عندك خمسة أثواب، فهل تفكر في أن تقدم له ولغيره ما تملك من أثواب ؟ عند ذلك يسمى مجتمعك مجتمعاً متكافلاً، أما أن نتحدث عن التكافل الاجتماعي بعبارات وكلمات فقط من دون أن نحدد الدلالة وأن نطبق الدلالة، فهذا مَطَبٌ وقعنا فيه، وأسأل الله أن ننهض منه أقوياء شجعاناً، وأن ننهض منه على أتم ما يمكن أن نكون عليه من حيث إرضاؤنا ربنا، ومن حيث إرضاؤنا ضميرنا، يتكفل كل واحدٍ منا عدداً يستطيع أن يكفيهم من طعام إذا كنت تملك فضل طعام، من شراب، من لباس، من مركوب، من مال: (إن في المال حقاً سوى الزكاة) لا نقتصر على الزكاة فحسب، ولا نقتصر عن التقديم والكفالة المعنوية، أنت تسلّم على جارك أو تسلم على الفقير إن كنت غنياً لكنك لا تتكفل الفقير، ومجتمعٌ يعيش أفراده في كفالة معنوية فقط، في كفالة لفظية فقط، في كفالة ادّعائية فقط، هذا مجتمعٌ ظالم، ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فهل فكرت في أن تطبق ليكون مجتمعك مجتمعاً متكافلاً ؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى المجتمع المتكافل هو الذي يكفل الأفراد بعضهم بعضاً وهو الذي تكفل الدولة هذا المجتمع، فالدولة إن لم تبحث عمن يحتاج لتكفيه فهي دولة مقصّرة وظالمة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحدبث الصحيح الصريح: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته: الإمام راع ومسؤولٌ عن رعيته).

أيتها الدولة: عليكِ أن تكفلي رعاياكِ، أن تبحثي عن المحتاج للطعام من أجل أن يُكفى، عليك أن تبحثي عن المحتاج للوظيفة من أجل أن يُكفى، عليك أن تبحثي عن المحتاج للباس من أجل أن يُكفى من قبلكِ أنتِ،  عليك أن تبحثي عن المحتاج للعلم ولا يملك مؤونة العلم، عليكِ أن تبحثي عنه من أجل أن يُكفى من قبلك أنت.

المجتمع المتكافل المنشود مجتمعٌ يريده الإسلام ونريده نحن ولكن ليس على سبيل الادِّعاء، وإنما على سبيل السعي الحثيث من أجل أن نطبقه.

ماذا تقولون لربكم حينما يلقاكم وليس بينكم وبينه ترجمان، يا فلان: ما الذي فعلتَ بقولي وقرأته أنت ؟ ما الذي أنزلت يا رب ؟ أنزلت قولي: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ ما الذي طبقت من هذه الآية ؟ ما الذي طبقته من هذه الآية: ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل﴾ ما الذي طبقته ؟ هل قرأت هذه الآية ؟ نعم يا رب قرأتها أكثر من مئة مرة، مررت عليها في رمضان، في شوال، سمعتها من الإمام، من الخطيب، من المتحدث، من التلفاز، ما الذي طبقته منها ؟ فما جوابك ؟ هل أنت، ومن فمك أدينك هل أنت تنشد مجتمعاً متكافلاً ؟ أنت تملك مالاً يمكن أن يكفي اثنين أو ثلاثة أو أربعة، فهل أنت تقوم بالتكافل بالنسبة لهذا المال الذي تملكه ؟ وكذلك ينطبق الشأن على اللباس والطعام والشراب... إلخ، وعلى الدولة أن تعلم بأنها مأمورة بأن تتكفل وأن تكفل الناس، أن تكفل رعاياها، لذلك ما الذي ستقولونه لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم يقول لكم: ألست القائل وأنتم من تدَّعون حبي: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وآله وسلم ؟ والحديث وصَلكم على أسس صحيحه رواه البخاري، فما الذي فعلناه فيما يخص هذا الأمر، ما الذي فعلتموه فيما يخص قولي الآخر الذي وصلكم صحيحاً: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ؟ ماذا تقولين أنت أيتها الدولة التي تقولين بأنك على خطى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتعتبرين محمداً قائداً ونبياً ورسولاً ومُلهماً وعظيماً ومقتدىً به ؟ ما الذي تقولين له وهو الذي علّمك بحاله فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي أبو داود في سننه بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أتاه الفيء، واردات الدولة، قسمه من يومه فأعطى الآهل حظين وأعطى الأعزب حظاً واحداً. فهل أنتِ أيتها الدولة تقومين بإعطاء الآهل حظين من هذه الواردات التي تردك ؟ أنا أعلم أن الدولة اليوم تعطي تعويضاً عائلياً لا يكاد يشكل الضعف لما تعطيه الدولة من راتب لهذا الشخص، فهذا لا يكفي. الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه من يومه فأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظاً واحداً. هذه صفات المجتمع المتكافل، فيا إخوتي ضعوا المعايير المحددة والمعاني المبندة المفقرة في أذهانكم ثم قيسوا تطبيقكم في أيامكم فهل أنتم اليوم طبقتم التكافل وهل أنت غداً ستطبق التكافل بشكلٍ أفضل أم أننا نعيش في فوضى مصطلحات وفي بحر متلاطم من حيث المعاني لكننا من حيث التطبيق لا نعرف لهذه الأمور سبيلاً ولا طريقاً ؟

لئن سألني أحدٌ منكم لماذا التكافل ؟ أقول: التكافل لأسباب، لأننا:

أولاً: إخوة على مستوى الإنسانية من ذكر وأنثى ولا يقف التكافل عند حدود الدين الواحد، لكنه يتجاوزه إلى التكافل بين الإنسانية كلها، ولقد سمع بعضكم البارحة خطاب الرئيس الأمريكي الجديد، فإنا نقول له نحن على استعداد من أجل أن نتكافل معاً وقد قلتَ هذا أنت، نحن على استعداد من أجل أن نتكافل معاً لخدمة الإنسان، لخدمة حرية الإنسان، لخدمة الإنسان عندما يسعى لبناء عقله وقلبه وبناء بلده بناءً يتناسب وإنسانيته، وهاأنذا أغتنم الفرصة لأقول: أيتها الحكام، أيتها الشعوب: عليكم أن تستغلوا هذه الكلمات الجيدة التي وردت في خطاب هذا الرجل من أجل أن تكون جسراً تتواصلون من خلاله على أساسٍ من اعتقادٍ بأنه صادق، لا أريد أن نقول له أنت كذاب، فنحن نريد اليوم أن نأخذ الناس من خلال أقوالهم، وبناءً على ذلك هلَّا أخذنا هذه الكلمات الجيدة، فلقد ذكر آياتٍ من القرآن الكريم، وإننا من خلال هذه الآيات نعلن التواصل مع كل إنسان ما دام هذا الإنسان يريد خير الإنسان ويريد خير الأرض ويريد خير البلاد، نحن مع كل إنسان على وجه هذه البسيطة، يبتغي الخير ويسعى للخير.

التكافل ضروري لأننا إخوة على مستوى الإنسانية، أوليس الله عز وجل قال عنا بأنه خَلَقنا من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وخلقنا من ذكرٍ وأنثى لنتعارف ؟ لتعارفوا ؟ وكلنا لآدم، وآدم من تراب ؟ فالتكافل ضروري لأننا إخوة.

السبب الثاني: حينما أدعو إلى التكافل أدعو إلى تطبيق الإسلام، لأن الإسلام ليس دين عبادة صرفة فحسب، وإنما الإسلام دين حياة، وإذا كانت الحياة بين الناس قد عُدم منها التكافل فليست بحياة، إذا كنت تبحث عن حياة تمتاز بأنانية، تمتاز بأَثَرة، تمتاز بعدم التعاون، فليست هي الحياة التي يريدها الإسلام، الإسلام يريد حياةً متعاونة، حياة إنسانية متضامنة، الإسلام يريد حياة إنسانية خيّرة لأنه قال من خلال القرآن الكريم: ﴿وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾ إذن نحن ندعو إلى التكافل، لأننا أبناء إخوة من آدم، لأننا مخلوقون من قبل خالقٍ واحد وقد خلقنا ربي عز وجل من أبٍ وأمٍ نشترك مع كل الناس في هذا الأب وفي هذه الأم، ولأن الإسلام دين حياة.

السبب الثالث: لأن الأخوة فيما بيننا على مستوى أخصّ تتطلب هذا، فحينما أسألك من أنا بالنسبة لك أنت أيها المصلي، نحن الذين نصلي نحن الذين نصوم ما أُدعى أنا بالنسبة لك ؟ ستقول بكل بساطة وبكل سرعة وبكل صراحة: أنت أخي. هل الأخوة اسمٌ يمضي من دون أن يكون له أصلٌ أو أسٌ أو جذرٌ أو واقع ؟ الأخوة ثلاثة أمور: الأخوة شعور: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ والأخوة شعار، والأخوة ممارسة. لكننا اليوم رفعناها شعاراً حتى هذا غدا هذا الشعار متآكلاً، لأننا لم نتبعه شعوراً ولم نتبعه ممارسة، وبالتالي بدأ التآكل يأخذ طريقه إلى الشعار وأصبحت هذه الكلمة تغيب في أغلب مجالسنا ومحافلنا، فهل أنت حينما تجلس إلى إنسان تتذكر الرابطة التي تجمعك معه ؟ هذه الرابطة هي أخوة هكذا قال ربك: غدا ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ وهكذا قال نبيك: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) هل تتذكر هذه الرابطة ومقتضياتها ومتطلباتها أم أنك في غفلة ؟ نحن في غفلة عن رابطة يجب أن تكون عنواننا شعارنا شعورنا ومحل ممارستنا وإلا فالإسلام الذي نقوله إسلامٌ مدعى.

أذكركم نحن هنا في خطبة الجمعة نريد أن نكون مستعدين للتطبيق مستعدين للفهم وأرجو أن تكون تلكم الكلمات التي تسمعونها أن توضع في ذاكرة ليست فقط من أجل أن تحفظ لأيام ثم تُنسى، وإنما هذه الذاكرة هي ذاكرة السجلات العملية، نحن نستمع ونفهم من أجل أن نضع هذا الذي نستمع في السجلات التي نريد أن نحول ما فيها إلى وقائع، وإلا فاسمحوا لي أن أقول إننا نشعر في كل يومٍ يأتي بالخجل من أنفسنا ونشعر بالتقصير من قبل بعضنا ونشعر بالتقصير تجاه إسلامنا وتجاه ربنا وتجاه نبينا وتجاه قرآننا، وليس هناك من إنسان فينا يمكن ألا يدخل تحت إطار الخطاب، الصغير معني والكبير معني والمثقف معني وغير المثقف معني وكلٌ حسب استطاعته لأن هذا الإسلام جاء للجميع وبالتالي الجميع يفهمونه والجميع يعرفونه والجميع يجب أن يصدقوا مع ربهم من أجل أن يطبقوه.

أسأل ربي عز وجل أن يوفقنا من أجل أن نكون أمة تتعلم لتعمل، وتتعرف لتطبق، وتستمع من أجل أن تضع هذا الذي تستمعه في سجلات العمل، وفي طريق وسبل التطبيق والتنفيذ، أسأل الله أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وهذا الرد الجميل هو أن نعود إلى إسلامنا لنقف أمام ربنا قائلين له بلسان حالنا وقالنا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 5/6/2009

التعليقات

شاركنا بتعليق