آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
وصايا للموجهين والتربويين

وصايا للموجهين والتربويين

تاريخ الإضافة: 2010/11/26 | عدد المشاهدات: 2731

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:
جاءني شاب وقد عُيّن مدرساً في وزارة التربية يسألني عما يجب أن يتحلَّى به وهو يقوم بهذه العملية النبيلة. قلت له ها أنذا أكلمك بما يجب علينا جميعاً نحن الذين نقف موقف التوجيه سواءٌ أكنا مدرسين أم آباء أم معلمين أم خطباء أم أئمة أم مدرسين في الجامعة أو في أي مكان ما، المهم يا من سألتني أنت واحدٌ من أولئك الذين تنطبق عليهم صفة التوجيه.
الموجه عليه أن يكون متمكناً متثبتاً عالماً بالذي يوجِّه به وبالذي يوجه إليه، إن كنت مدرساً لمادة اللغة العربية أو التربية الإسلامية أو الفيزياء أو الكيمياء، أو كنت خطيباً، أو إن كنت أباً، إن كنت، إن كنت... عليك أن تكون متثبتاً من هذا الذي توجه به وإليه، أن تكون متثبتاً من المادة التي تُدرِّسها، أن تكون متثبتاً من الآداب التي توجه إليها من حيث المعرفة ومن حيث الإتقان ومن حيث الحكم ومن حيث الإطّلاع ومن حيث الأسلوب ومن حيث كل ذاك الذي يلفُّ هذا الموضوع الذي نَصّبت به نفسك موجهاً إليه وداعياً إليه ومدرساً له. كن متثبتاً متمكناً أيها الإنسان، ولذلك قلت البارحة لطلابٍ في كلية التربية هم على مشارف أن يكونوا أساتذة ومدرسين في المدارس، قلت لهم: هل أستطيع أن أثبت بأنكم غير مؤمنين ؟ قالوا لي: كيف ذلك ؟ قلت لهم أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له) قالوا: وأين الشاهد ؟ قلت لهم: عندما تُدرِّسون وعندما تتكلمون باسم الإسلام فهل أنتم أمناء وهل أنتم مؤتمنون حقاً، تنسبون القول للإسلام بعد إذ تتأكدون من ذلك وتتبيّنونه، أم أنكم تقولون هذا حلال وهذا حرام من غير تبين ولا تأكُّد: ﴿ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب﴾ هل تتأكد أنت يا أيها الذي تدرِّس مادة التربية الإسلامية هل تتأكد من نسبة ما تقول إلى الإسلام تأكداً صحيحاً ؟ إذا كنت تفعل ذلك فأنت أمين ومؤتمن وإلا فالأمانة خارجة عن الدائرة التي تشكل أنت محورها.
على الموجه أينما كان أن يكون متمكناً متثبتاً متأكداً: ﴿اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم﴾ أين ذاك الذي يوجه عن معرفة ؟ كلنا يوجه عن تخويف وترهيب وترغيب، همه أن يُقبل من أمامه بأجسامهم وعواطفهم المزيفة فقط أما أن يُقبل هؤلاء بعقولهم وقلوبهم وفكرهم فهذا ما لا يسعى إليه هذا الموجِّه، نحن نريد ظواهر، والبواطن بعد ذلك إن هُدِّمت أو خُرِّبت فلا علينا، ولنكن على بينة من أن الأصل بالنسبة لنا هو الحقيقة والباطن، وعلى الباطن الصحيح يُبنى الظاهر السليم، لا يمكن أن ثمة ظاهر سليم يُبنى على باطن غير محقق، غير صحيح، لا يمكن أن يكون هذا أبداً. تأكد أيها الأب وأنت توجه أولادك من أن توجيهك قائم على عرفان وعلم ودراسة ودراية ووعي، وإياك أن تنصح ولدك بنصيحة تدعيها على أنها من الإسلام وهي في حقيقتها ليست من الإسلام، كم من الآباء قالوا لأولادهم: "هذا حرام"، ولم يتأكدوا ولم يتثبتوا ولم يتبنوا من أن هذا الذي قالوا عنه إنه حرام لم يتأكدوا بأنه حرام ؟ كم من المدرسين قالوا عن حقيقة ما بأنها حقيقة أو بأنها غير حقيقة وقد ثبت العكس يتكلمون وهم يُدركون أنهم لم يتأكدوا ولم يتحققوا ولم يتثبتوا ولم يتوثقوا ؟ توثَّق أيها المدرس وكن متثبتاً وإلا فلا قيمة لتوجيهك ولو كنت من حيث أنت تقياً نقياً، نحن نريد من التقي أن يكون قوله تقياً ونريد من النقي أن يكون قوله نقياً، ولا نقاوة لقول إلا أن يكون هذا القول سديداً كما قال ربنا عز وجل.
الأمر الثاني أيها الموجه: عليك أن تكون ذا خلق حسن، ﴿وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك﴾ عليك أن تكون عطوفاً رفيقاً رقيقاً، وقد ذكرنا هذا أثناء خطب سبقت كثيراً، فكم من مدرِّس يقسو على طلابه بحجة أن طلابه لا يفهمون ؟ وكم من أب يقسو على أولاده بحجة أن أولاده لا يفهمون إلا هذا ؟ وكم من حاكم يقسو على شعبه بحجة أن الشعب لا يفهم إلا هذا ؟ هذه تبريرات لا وجود لها ولا قيمة لها في عالمٍ نسعى أن يكون فيه الإنسان سيداً، إلى أن يكون فيه الإنسان حراً، فعليك أيها الإنسان أيها الموجِّه أن تكون ذا خلق حسن، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد لقي من قومه ما لقي كما جاء في البخاري: (اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون)، (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) هكذا كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم أُمر من قبل ربه والآية معروفة: ﴿فبما رحمة من الله لِنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضُّوا من حولك﴾ ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الترمذي: (اتقِ الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) مَن مِن الموجِهين يخالق الموجَّهين بخلق حسن إلا ما نَدَر ولا نعمم ولكننا نتحدث عن الأغلب وهذا مما يؤسف له.
موجههنا لا يرعى حق الموجَهين بالرفق في العطف في التعامل الرحيم الحسن، أيها المعلمون إن لم تَرحموا فلن تُرحموا، أيها المسؤلون الموجهون إن لم تَرحموا فلن تُرحموا ولطالما ذكرنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه البخاري: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
كتبت مقالةً قلت فيها أن الضرب ممنوع بالنسبة للمدرسين شئنا أم أبينا، بأمرٍ من الشرع لا يجوز لك أيها المدرس أن تضرب الطالب، ما كنا في هذا لنقبل بالضرب على أنه وسيلة تربوية، فالضرب ليس وسيلة تربوية ولا يمكن أن يكون الضرب وسيلة تربوية في الأصل وفي الحال العام، ربما قال لي إنسان إن هنالك استثناءات، أقول: لا تُذكر الاستثناءات في السياق العام، في القاعدة التي نُقَعِّدها، نحن نذكر قاعدة، أما الاستثناء فللضرورة أحكامها، والضرورات تُقدّر بقدرها، أما أن نضع الاستثناء في القاعدة ونخدش القاعدة فهذا ما لا يجوز، الضرب ليس وسيلة تربوية، والعنف ليس وسيلة تربوية، والقهر ليس وسيلة تربوية، وليس وسيلة توجيهية. أيها المعلم يا من تقهر ستُقهر، أيها المسؤول أينما كنت حينما تريد أن تقوم بعملية القهر فسينتابك شيءٌ منه لأن الجزاء من جنس العمل في الدنيا قبل الآخرة، أيها الموجهون ارحموا، أيها الآباء، أيتها الأمهات أيها المسؤولون أيها المديرون أيها القضاة أيها الأطباء أيها الحكام عليكم أن تكونوا رفيقين رقيقين فما وُضع الرفق في شيء إلا زانه كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم وما رفع من شيء إلا شانه.
أيها المدرس المعلم الأب الذي تعمل في ميدان التربية وفي ميدان التعليم العالي والذي تعمل في ميدان المعاهد والذي تعمل في ميدان الإدارة ما دمت موجهاً لمن هو دونك في العمل في الإدارة في العمل في كل مكان في الثكنة، كلنا الآن ولو سألت أغلب شبابنا عن العسكرية عن الجندية لولوا منها هاربين. أنا أُدرك بأن كثيراً من الأسباب أو ربما كان السبب الأكبر في هروب هؤلاء أنهم سيجدون في الجندية العَنَت والتعب والكلام القاسي والعنف، ولو أنهم سمعوا عن الجندية كلاماً جيداً يصدر عن هذا الذي هو مسؤول عنهم ما أعتقد أنهم سيولون الأدبار عن العسكرية أو عن الجندية، هذه حقائق نعيشها لذلك أقول أيها الضباط أيها المسؤولون أيها الأساتذة يا من نصَّبتم أنفسكم في مكان التوجيه: رفقاً بمن معكم، رفقاً بهؤلاء الذين توجهونهم، رفقاً بهؤلاء الذين ستُسألون عنهم في الدنيا وفي الآخرة.
الصفة الثالثة: أريدك مخلصاً في عملك، لا تبتغي من وراء عملك إلا أن تنفع هذا الإنسان الذي أمامك، ربما قال لي قائل لماذا لم تقل أن تبتغي بعملك وجه الله ؟ وجه الله أيها الإخوة يمثله النفع لمن هو أمامك، عندما تبتغي بتوجيهك أن تنفع هذا الذي أمامك فأنت تبتغي وجه الله عز وجل، لأن الله كما يُقال في عرف القانون يمثل الحق العام والحق العام يمثله الله، وهنالك تناوب بين الله وبين الحق العام لذلك عليك أن تبتغي بتوجيهك نفع هؤلاء الذين توجههم، وعلى هؤلاء الموجَهين أن يدركوا من خلال شعور صادق ينفث في داخلهم من أنك تبتغي نفعهم، لا تكرِّم بعضاً منهم لأنهم يقدّمون لك المال على حساب آخرين لا يملكون هذا الذي يقدّمه هؤلاء، المكرمون زيفاً وزوراً وبهتاناً، ولا تقدّر واحداً منهم على أساس من غير عمله، على أساس من مسؤولية والده على سبيل المثال، لا تفعل هذا. إياك ! الناس سواسية أمامك أيها الموجه حتى ولو كان من بين هؤلاء ولدك، لطالما تغنَّينا بقصةٍ لا أروع ولا أجمل، هذه القصة عندما جاء يهودي مع سيدنا علي يختصمان إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فقال عمر: قم يا يهودي فاجلس أمامي، ثم قال لسيدنا علي قم يا أبا الحسن فاجلس أمام خصمك. وإذ بأبي الحسن يتغير وجهه. لمَ ؟ فقال علي: يا أمير المؤمنين نحن في مجلس حكم، قلت لليهودي يا يهودي وناديته باسمه، وقلت لي يا أبا الحسن، كنَّيتني، والكنية ضربٌ من التعظيم. كان عليك أن تقول: قم يا علي فاجلس أمام خصمك. فأقبل عليه عمر وهو يقول: "نعم البيت بيتُ أهل النبوة، منكم جاءنا الهدى".
بغضّ النظر عن هذه القصة، وإنما حكيناها من أجل أن تتشخص في أذهاننا صور تبقى في عالم المثل ولم نردها مُتَّكأً نتكئ عليها نفتخر بها وتخالف حقيقتها أعمالنا، أنا لا أريد أن نتخذ من مثل هذه القصص متكأ تعيننا حين نذكرها على أن نتكاسل وإنما أذكرها من أجل أن تكون مثلاً أمام أعيننا حتى نحاول جاهدين أن نصل في سلوكنا إلى بعض ما وصل إليه أولئك الذين كانوا الجيل الرائد في فترةٍ كانت ممتازة شئنا أم أبينا على مدار التاريخ تجلت فيها الأخلاق الحسنة الفاضلة بشكل عام تجلياً صحيحاً التعامل الإنساني في أبهى صوره الجميلة الزهية.
أيها الموجه كن متمكناً مما توجه إليه وبه، كن رفيقاً وعطوفاً على من توجه، أيها الموجه كن مخلصاً فيما توجه، توجه إلى ربك عز وجل وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في البيهقي: (طوبى للمُخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء).
اللهم إنا نسألك يا ربنا يا إلهنا يا رجانا، وكلكم موجهون أيها الإخوة بنسبة أو بأخرى، بمكان أو بآخر إن كنتم شباباً فأنتم موجهون لإخوتكم، لأبناء حيكم، وإن كنتم بائعين وتجاراً فأنتم موجهون للزبون الذي يأتي من أجل أن يشتري منكم مهما كانت مواقعكم فأنتم موجهون بنسبة أو بأخرى. أسأل الله أن يوفقنا جميعاً لنحسن التوجيه، فإنّ أمة إذ تحسن التوجيه ترتقي في سُلَّم التقدم والحضارة والمجد، اللهم وفقنا لذلك، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 26/11/2010
 

التعليقات

شاركنا بتعليق