آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
صفات الشباب المنشود

صفات الشباب المنشود

تاريخ الإضافة: 2011/05/27 | عدد المشاهدات: 3285

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

نسأل الله بداية أن يرحم شهداءنا، وأن يحفظ أوطاننا وأن يحميها من كل مكروه.

سُئلت منذ أكثر من سنتين السؤال التالي: ما الصفات التي يجب أن يتصف بها الجيل الذي سيكون على مستوى تحرير بيت المقدس ؟ ثم منذ سنة تقريباً سئلت سؤالاً آخر مفاده: ما الصفات التي تريد أن يتحلى بها جيل الشباب المنشود في مجتمعنا ؟

وكان الجواب على السؤال الأول نفس الجواب على السؤال الثاني، قلت لهم وها أنذا أقول اليوم: أيها الشباب، يا جيلنا المنشود، يا جيلنا المرغوب، يا جيلنا الذي نريد أن يكون حلقة في تلك السلسلة النورانية التي ابتدأها سيدنا وقائدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يا من تريدون أن تكونوا حلقة في تلك السلسلة، يا من تريدون أن تكونوا صفحة في ذلك الكتاب الذي افتتحه هذا النبي الكريم وهذا السيد السند العظيم.

الصفات التي يجب أن يتحلى بها من يريد أن يكون حلقة في سلسلة نورانية أولها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يريد أن يكون في صفحة طغراؤه وعنوانه محمد عليه الصلاة والسلام يجب أن يكون متمتعاً بالصفات التالية، فاسمعوا أيها الشباب وتأكدوا من أنفسكم فيما إذا كنتم متمتعين بهذه الصفات:

الصفة الأولى: العلم، أيها الجيل أسِّس سلوكك على علم، وأي سلوكٍ لا يؤسس على علمٍ موثق ومحقق فهو سلوك منهار.

أيها الجيل: اتبع التعاليم واهجر التقاليد لأننا اليوم نعيش تقاليد هَزمت تعاليمنا، أسس سلوكك على أساسٍ من علمٍ رصين، ثم بعد ذلك كن في حركة ازديادية فيما يخص العلم، في كل يوم تعلّم، في كل دقيقة تعلّم، في كل ثانية تعلّم، ولتكن دقيقتك الراهنة أكثر وأقوى علماً من دقيقتك السابقة، ولتحرص على أن تكون دقيقتك القادمة أكثر علماً من دقيقتك الراهنة: ﴿وقل رب زدني علماً﴾، جاء في الطبراني أيضاً أن رسول الله قال: (إذا أتى عليَّ يومٌ لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بورك لي في شمس ذلك اليوم). العلم، أتريد أن تكون حلقة في سلسلة نورانية ؟ العلم أولاً.

الصفة الثانية: العدل، يا أيها الجيل، والعدل يعني أن تعرف ما لك وما عليك أولاً، ثانياً: أن تعطي كل ذي حقٍ حقه، ثالثاً: ألا يجرمنك شنآن قومٍ على ألا تعدل. أنا أقول اليوم كلاماً محدداً وآمل أن تأخذوه وأن تستقبلوه محدداً، لأن الكلام إن لم يكن محدداً فلن يكون منفّذاً، العدل أن تعرف ما لك وما عليك، وأن تعطي كل ذي حقٍ حقه، وألا يجرمنك شنآن قومٍ على ألا تعدل، اعدل، والدليل على ذلك: ﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم﴾ هكذا يقول رب العزة جلت قدرته، ويقول رب العزة أيضاً: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾.

يذكر صاحب المواهب اللدنية قصة ذكرتها على منبر التوحيد منذ أكثر من عشرين عاماً، تقول هذه القصة بأن السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها في الفترة المكية وكانت صغيرة، جاءت إلى سيدي رسول الله أبيها فقالت له: إن أبا جهل لطمني. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة اذهبي إلى أبي سفيان فحدثيه - ارفعي الشكوى إلى أبي سفيان، وأبو سفيان لم يكن آنذاك قد أسلم - فذهبت السيدة فاطمة تشكو أبا جهل إلى أبي سفيان، فأخذها أبو سفيان من يدها إلى أبي جهل وكان أبو سفيان أقوى شأناً من أبي جهل، ثم قال لها: الطميه كما لطمك. فلطمته، ثم جاءت فأخبرت أباها صلى الله عليه وآله وسلم، فرفع النبي يديه وقال: اللهم لا تنسها لأبي سفيان: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾. هذا الذي بجانبك أما رأيتَ من خيرٍ فيه ولو بسيط ؟ اذكره، ولا تبخسه شيئه وإياك أن يجرمك شنآنه على ألا تعدل.

الصفة الثالثة: الرحمة، أيها الجيل عليك أن تكون رحيماً، وقد ذكرت تعريف الرحمة على هذا المنبر وعلى غيره من المنابر، الرحمة: عطاءٌ نافعٌ برفق لمن حولك ولما حولك. أي للعاقل وغير الإنسان، للإنسان ولغير الإنسان، للجماد، للنبات، للحيوان، وكلنا يعلم أن البخاري روى حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبين فيه أن الله غفر لمومس بسقايتها كلباً عطشاناً، عليك أن تكون رحيماً لمن حولك ولما حولك.

الصفة الرابعة: الشجاعة، أتريد أن تكون جيلاً منشوداً على مستوى تحرير القدس ؟ كن شجاعاً، وأول ما أطالبك به من الشجاعة أن تكون شجاعاً على نفسك، أن تعترف بخطئك إن أخطأت، ألا تتمادى، ألا تعاند، كن شجاعاً على نفسك إن اقترفت خطأً فقل إني أخطأت، ثم بعد ذلك استشعر المسؤولية، استشعار المسؤولية شجاعة، قل إني مسؤول وقد قصّرت في مسؤوليتي، أيها الإنسان أينما كنت، قل إني مسؤول وقد قصّرت في مسؤوليتي، فهذه شجاعة، اعترفت بخطئي، ثم بعد ذلك الشجاعة أن تقبل بالحق إذا لاحت لك بوارقه من أي جهة كان، أما وأن بوارق الحق لاحت فاقبل بهذا الحق، فـ: (الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها)، هذه هي الشجاعة، أن تكون شجاعاً على نفسك بالاعتراف بالخطأ، بالشعور بالمسؤولية، بقبول الحق إذا لاحت بوارقة.

ثم بعد ذلك الشجاعة تكون بالدفع بالتي هي أحسن مع الذي بينك وبينه عداوة: ﴿ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾ بالدفع بالتي هي أحسن مع الذي بينك وبينه عداوة.

ثم الشجاعة تكون بالدفع بالقوة مع المعتدي، ثمة فرق بين الذي بينك وبينه عداوة وبين العدو المعتدي: ﴿فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾ الرد بالقوة على من اعتدى عليك بشرط ألا تزيد بالاعتداء عليه على ما اعتدى به عليك ولو قيد أنملة: ﴿فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾.

وها نحن نقول:

أيها الشعب لعلَّ بينك وبين هذا الذي بجانبك عداوة، لا تستخدم القوة معه، ادفع بالتي هي أحسن، إن الذي يعتدي عليك هو إسرائيل، عداوة مع اعتداء، هو إسرائيل، هو ذاك العدو الذي يريد أن يجعل منك لاجئاً تحت خيمة سوداء، أديمها الذل والهوان، وهواؤها الخنوع، ويساعد هذا العدو الحكومات الغربية، الحكومة الغربية تعتدي عليك، والحكومة الفرنسية تعتدي عليك، وتريد أن تتدخل في شؤونك بينك وبين هذا الذي بجانبك، حتى هذا الذي بينك وبينه عداوة، لكنه بجانبك، لكنه مواطن، أنت أُمرت أن تدفع بالتي هي أحسن، أما الذي يتدخل بينكما فلا يريد لك ولا له الخير على الإطلاق، لكنك أنت من خلال الاعتداء على من بينك وبينه عداوة، نسيتما معاً المعتدي الأصلي، الأساس المعتدي، الظالم الغاشم، لذلك نقول للرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي بئسما تفعلان يا أيها المعتديان، نحن شعبٌ قد يكون بين بعضنا البعض عداوة، وقد أُمرنا أن ندفع بالتي هي أحسن فيما بيننا، ولكن هذا لا يعني أن يعتدي علينا معتدٍ يؤيد اعتداء العدو المعتدي الأساسي وهو إسرائيل، أين أنت أيها الرئيس الأمريكي في اعتداء إسرائيل على الأبرياء ؟ أين أنت أيها الرئيس الفرنسي المجنون في اعتداء إسرائيل على إخوتنا الفلسطينيين الأبرياء، على تهجير إسرائيل للفلسطينيين ؟ أين أنت ؟ وقفت أيها الرئيس الأمريكي في جمعية صهيونية في أمريكا لتتحدث عن علاقتك الغرامية بإسرائيل، وعن دفاعك المستميت عن إسرائيل، وأنت تعلم من خلال مجلس الأمن والأمم المتحدة أن إسرائيل مُدانة بقرارات تجاوزت أصابع الكفين. الشجاعة صفة رابعة.

الصفة الخامسة: الإخلاص، نريدك مخلصاً أيها الجيل، وأنا أذكر هنا تعريفاً للإخلاص أريد أن يُحفظ وأن ينفّذ، الإخلاص: إسقاط الناس في الغايات وقصد الله بالنيات. أن تسقط الناس في غاياتك أنت لا تشتغل من أجل هذا أو ذاك، أنت تشتغل من أجل ربك، وقصد الله بالنيات: (إنما الأعمال بالنيات) ونيتي خالصة لله عز وجل. إسقاط الناس في الغايات وقصد الله بالنيات. احفظ هذا أيها الشاب، يقول الإمام علي كرم الله وجهه: "لا ترضِ الناس بسخط الله، فإن في الله خلفاً من الناس وليس في الناس خلفٌ من الله". الله يخلفك من الناس لكن الناس لا يستطيعون أن يخلفوك من الله، الإخلاص، يا أيها الجيل اقصد وجه ربك وتوجه إلى ربك.

الصفة الأخيرة: الأمانة، ولعلك تسألني ما الأمانة ؟ وبكل بساطة، الأمانة: عبارة عن حركة، عن سلوك، أن يأمنك الناس: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) كما في النسائي، وبالتالي إذا أمنك الناس أمّنوك، أرأيت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، كان أعداؤه يأتمنونه على أموالهم وأعراضهم، أرأيت إلى النبي بما كان يتصف حتى عند أعدائه ؟ بالصادق الأمين. كونوا أمناء أيها الجيل.

هذه هي سمات الجيل المنشود والذي نبتغيه والذي نريده: العلم والعدل والرحمة والشجاعة والإخلاص والأمانة، ضعوا هذا في أذهانكم، ونسأل الله أن يتقبل منا، وأن تكونوا أيها الجيل على هذا المستوى، إذا صح التوصيف والاتصاف بهذه الصفات فأنتم أيها الجيل منا ونحن منكم، بل نحن تابعون لكم، شريطة أن تتصفوا بهذه الصفات، نحن تابعون لكم، وسنمشي وراءكم، وسندعو لكم في ليلنا ونهارنا، لكن أن تكونوا جيلاً لا يتصف بهذه الصفات، فاعذرونا إن لم ندعمكم، سندعمكم سندعو لكم إن اتصفتم بالعلم والعدل والرحمة والشجاعة والإخلاص والأمانة لكنكم إن لم تتصفوا بهذا فاعذرونا.

أخيراً: هل آمل في أن يتصف جيلنا أو أتشائم ؟

لا، إنني لمتفائل، لأن شبابنا يمتلكون أصالة، لأن شبابنا يمتلكون جذوراً طيبة، لأن شبابنا يعيشون في بلاد الشام حيث البركة، لأن شبابنا وأنا أعرفهم يحبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أولئك الشباب الذين يتمظهرون بمظهر المجون، فأنا اعلم بأنهم يحبون هذا النبي الكريم ويحبون ربهم ويحبون القرآن الآتي من ربهم ويحبون الخير ويحبون بلدهم، لذلك فإني متفائل، لكن الشياطين اجتالتهم في بعض الأحيان، مسّهم طائفٌ من الشيطان، لكنهم سيتذكرون وإذاً هم مبصرون.

فاللهم وفق شبابنا وجيلنا من أجل أن يتصف بالعلم والعدل والرحمة والشجاعة والإخلاص والأمانة، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 27/5/2011

التعليقات

شاركنا بتعليق