آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
وسائل التحلي بالخلق الحسن

وسائل التحلي بالخلق الحسن

تاريخ الإضافة: 2012/04/13 | عدد المشاهدات: 3683

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

سألني أحد طلاب كلية التربية، قال لي: ما تعريف الخلق الحسن، ولا أريد أن تعدِّد لي الأخلاق الحسنة لكنني أرغب في أن تختصر لي مضمون هذا المصطلح وهذه الكلمة "الخلق الحسن"، وبالتالي الخلق القبيح أو اللا حسن.

قلت له: عرفت فيما عرفت منذ زمن غير قصير أن اختصار مضمون الخلق الحسن يكمن في الكلمتين التاليتين: كفِّ القبيح وبذل الجميل، والخلق السيء كف الجميل وبذل القبيح. وعلى كل إنسان أن ينظر نفسه وأن ينظر عما يكف نفسه وعما يبذله، أنت بإمكانك أن تحكم على نفسك وأنا بإمكاني أن أحكم على نفسي فيما إذا كنت ذا خلق حسن أو لا سمح الله كنت غير ذلك، إن كففت القبيح وبذلت الجميل فأنا ذو خلق حسن وإن كففت الجميل وبذلت القبيح وذاع ذلك عني فأنا ذو خلق سيء، نحن نريد من أنفسنا ومن الناس أن يتمتعوا بالخلق الحسن، هيا إلى كف القبيح وبذل الجميل، فإن لم تستطع فلا أقلَّ من أن تكف الجميل والقبيح، وأنت حينئذٍ في منزلة بين المنزلتين سأقبلها منك لكنني لن أقبل أبداً أن تكفَّ الجميل وأن تبذل القبيح، إن كففت الجميل والقبيح فلن أقول حسناً تفعل ولكن أقول هذه درجة مقبولة، فيا أيتها الأمة أنتِ بين خيارين اثنين ويا أيها الشعب ويا أيتها الحكومة ويا أيها المسؤول ويا أيها الطبيب ويا أيها المدير ويا أيها الوزير ويا أيها الضابط ويا أيها الطالب ويا أيها المدرس: أنت بين خيارين إما أن تبذل الجميل وتكف القبيح وإما أن تكف القبيح والجميل، أما أن تكف الجميل وتبذل القبيح فهذا ما لا نرضاه منك وما لا نرضاه من أنفسنا وإن كنت أتمنى وأرجو وآمل أن تبذل الجميل وأن تكف القبيح، نحن نأمل ذلك لكن وضعناك بين خيارين حتى لا تتطلع وتمتد إلى الخيار الثالث المرفوض، تصوروا لو أننا اجتهدنا في أن نكون أحد شخصين: إما أن نكف القبيح ونبذل الجميل أو أن نكف القبيح والجميل ستنظر حينئذٍ إلى مجتمعنا على أنه مجتمع راقٍ، لكن مجتمعنا ليس كذلك لأن كثيراً من أفراده يبذلون القبيح ويكفون الجميل.

تسألني وسألني فعلاً هذا الطالب قال لي: ما الوسيلة للوصول إلى أحد هذين الخيارين أو للابتعاد عن الخيار الثالث المرفوض، كيف أبتعد عن بذل القبيح وكف الجميل ؟

أجبته: قلت له سيكون ذلك بوسائل وأمور:

أولاً: فكر بعواقب بذل القبيح وكف الجميل، فالعواقب سيئة في الدنيا والآخرة، فالعواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، إن بذلت الغيبة فالعاقبة قطيعة، والغيبة قبيح، إن بذلت النميمة فالعاقبة عداوة وإن بذلت الاختلاف فالعاقبة هلاك، وإن بذلت الخيانة فالعاقبة دمار، وإن بذلت عقوق الوالدين أو عقوق الوطن فالعاقبة لا يمكن أن يتحدث عن فظاعتها، هذه في الدنيا، والعاقبة في الآخرة لكل ذلك سوء مصير وعذابٌ أليم، وأريد يا سائلي أن أقول لك عن عاقبة لبذلٍ للقبيح، لمفردة من مفردات بذل القبيح، قرأت حديثاً وأريد من كلنا أن يتمعن في هذا الحديث، والحديث صحيح في البخاري: (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه) فما بالك بمن يقوم بسفك دم أخيه ؟ وأذكر مفردة أخرى حديثاً آخر أيضاً رواه البخاري يقول فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تختلفوا) يا أيتها الأمة التي اختلفت الآن اختلافاً وصل دخانه الأسود إلى عنان السماء (لا تختلفوا فإنما اختلف من كان قبلكم فهلكوا) ونحن الآن على شفا حفرة من الهلاك لأننا اختلفنا ولأننا لم نتعظ لما وعظنا به سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أتريد أن تبتعد عن بذل القبيح وكف الجميل ؟ إذن تفكر في العواقب أولاً.

ثانياً: جاهد نفسك، أنت تجاهد من أجل لقمة تضعها في فمك لتقوية لتقوية جسمك ولو أنك بذلت معشار ما تبذله للقمة العيش المادية للتخلق بالخلق الحسن لوصلت إليه، لكننا نحن لا نجاهد أنفسنا، والدليل على أن المجاهدة توصلك قول الله أولست تؤمن بما جاء في القرآن الكريم ؟ أوليس الله قد قال: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾ المجاهدة والدعاء، فهل أنت تجاهد وتدعو ؟ حدثني بربك هل تقول في دعائك كما يقول سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام حسبما جاء في صحيح مسلم: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت). هل أنت تدعو ؟ أم أنك تدعو على جارك وعلى صديقك وعلى من خالفك في الرأي وتدعو وتنسى أن تدعو لنفسك من أجل أن تكون ذا خلق حسن.

ثالثاً: ملازمة الأخيار وأصحاب الخلق الحسن، قال ابن حزم من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها. قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، أتريد أن تتمتع بالخلق الحسن ثم بعد ذلك أراك تصاحب من هب ودبَّ ؟ تصاحب هذا الذي يكمن الفجور فيه ؟ تصاحب هذا الذي لا يصدر عنه إلا القبيح فيما يتعلق بإيذائه بلده بإيذائه وطنه ؟ صاحب الأخيار، الأحنف بن قيس سيد أولئك الذين كانوا يتمتعون بسِمة الحلم كان يقول كنا نختلف ،كنا نرتاد إلى قيس بن عاصم لنتعلم منه الحلم كما نتعلم منه الفقه. فهل أنت تصاحب الأخيار أصحاب الخلق الحسن من أجل أن تتخلق بالخلق الحسن ؟ يا هؤلاء ابتعدنا عن أرباب الخلق الحسن والأخيار فأضحى الأخيار غرباء لا يُنظر إليهم عزلناهم بعدم مصاحبتنا إياهم، أفيجوز هذا ؟ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في البخاري ومسلم: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تشم منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحة نتنة) ونحن نصرّ على أن نصاحب نافخ الكير في الميدان المعنوي، ونحن نصر ونمعن في مصاحبة نافخ الكير الذي يحرق ثيابنا يحرق قلوبنا نصر ونمعن، انتبهوا لأولادكم لتلاميذكم انتبهوا لأبناء أمتكم يا أيها المربون:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت                  فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ونحن الآن في طريقنا للذهاب من هذه الحياة وأنا لا أقول هذا الكلام تشفياً وإنما أقوله وقلبي ملئ ألماً وحسرة على أنفسنا، يا ويحنا نحن أمة نقول بألسنتنا بأنا أمة خير خلق الله قاطبة أمة سيد الأخلاق صاحب الخلق العظيم لكن الرابطة بيننا وبينه قطعت، فأين أخلاقنا من أخلاقه وأين تسامحنا من تسامحه وأين رحمتنا من رحمته ؟ وأين علاقاتنا الطيبة مع بعضنا من علاقاته ؟ وأين عفونا من عفوه ؟ وأين كرمنا من كرمه ؟ وأين تعاوننا فيما بيننا على البر والتقوى من تعاونه ؟ هذا خير خلق الله نحن ندعي الانتماء إليه، حكاماً ومحكومين على مختلف المستويات، لا أجد رابطة بين هؤلاء الذين يقولون بأنهم ينتمون لهذا النبي وبين هذا النبي من حيث الخلق من حيث بذل الجميل وكف القبيح، أنت تنتمي لمن بذل الجميل وكفَّ القبيح لكنك تبذل القبيح وتكف الجميل.

رابعاً: أكثر من الصلوات النافلة، عندك وقت فراغ إياك أن تلتفت إلى هذه الوسيلة الإعلامية التلفاز بالله عليك وقد قلت هذا أكثر من مرة كم تقضي أمام التلفاز في سماع الأخبار ؟ تقضي ساعة على الأقل وأنا أتحدى أي واحدٍ منكم إن كان لا يقضي ساعة على الأقل أمام التلفاز ويسمع الأخبار تلو الأخبار وينتقل من محطة إلى محطة يسمع من هنا ومن هنا، أنا أقول لك خذ خمس دقائق من هذه الساعة وإن كان الوقت الذي تقضيه أما التلفاز أكثر من ثلاث ساعات وأربع ساعات خذ عشر دقائق وقم صلِّ ركعتين بنية أن يوقفك الله لبذل الجميل وكف القبيح، صلِّ ركعتين من النافلة لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أكثر من النوافل صلاةً صياماً، صم من غير أن يدري أحدٌ بصيامك، صم من غير أن تقول لجيرانك إني صائمٌ هذا اليوم نافلة، من غير أن تشعر زوجتك حتى يتطهر سرِّك لأن الصيام يؤدي إلى التقوى: ﴿لعلكم تتقون﴾ والتقوى طهارة السر، نحن بحاجة إلى طهارة سر لأننا نشك في طهارة أسرار بعضنا فأنا أخاف من سرك علي وأنت تخاف من سري عليك، لا يأمن أحدنا سر الآخر تجاهه، أكثر من النافلة، الصلاة والصيام وقراءة القرآن، تقضي ساعة أما التلفاز اغتنم عشر دقائق لقراءة القرآن، أنت الذي تقول هذا الكلام كلام الله، لم تعدل عن التحدث مع الله ؟ اقرأ في كل يوم صفحة خذ عشر دقائق من وقتك هذا الذي تضيعه فيما يعود عليك بالضر والشحناء والهلاك، فلينظر كلٌ منا الآن منذ متى لم يقرأ القرآن ولا أريد أن أذكركم بكيفية تلاوة القرآن حتى لا نخجل أمام أنفسنا ؟ منذ متى كان العهد بالقرآن الكريم تلاوة وقراءة وتدبراً ؟ أتريد أن تكون باذلاً للجميل كافاً للقبيح من غير صلاة ولا صيام ولا قراءة للقرآن ولا ذكر للرحمن ؟ هل تذكر الله أذكركم في كل أسبوع بعد صلاة الجمعة أقول لكم: استغفروا ربكم، هل لك ورد أنت أيها الإنسان هنا من أكبر إنسان من حيث منصبه إلى أصغر إنسان من حيث منصبه ؟ هل تستغفر ربك ؟ هل تذكر ربك ؟ هل تسبح ربك ؟ أنا لا أقول لك اجلس ساعة، عشر دقائق يا أخي، استثمر هذا الوقت الضائع المهلك عشر دقائق للصلاة وأريد أن تخصص يوماً في الشهر للصيام السري بينك وبين ربك وأشعر مَن أمامك بأنك لست صائم لكنك في حقيقتك صائم وعشر دقائق للقرآن وعشر دقائق للذكر، خمس دقائق لهذا وذاك والمجموع عشر دقائق أو ربع ساعة، يا إخوتي هي في النهاية كلمة إما أن نكون واقفين أمام سيد الكائنات ليوصينا ونقبل الوصايا: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) وإما أن نكون واقفين وجاثمين أمام أنفسنا الأمارة بالسوء ونظن أننا نفعل الخير، الذين يظنون أنهم يحسنون صنعاً ولا أريد أن نكون من الفئة الثانية، باختصار كما عهدتموني، الخلق الحسن بذل الجميل وكف القبيح، والخلق الذميم بذل القبيح وكف الجميل، من أجل الابتعاد عن بذل القبيح وكف الجميل عليك بالنظر بالعواقب عليك بالمجاهدة والدعاء، عليك بمصاحبة الأخيار عليك بالنوافل، إن أردت أن تكون كذلك بعيداً عن بذل القبيح وكف الجميل فهذه طرق وثمة طرق أخرى لكنني اختصرتها في هذه الطرق فهيا إليها يا أبناء أمتي لأننا بحاجة إلى خلق حسن نتصف به وإلا فالبغضاء والعداوة هي الحالقة كما قال سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، اللهم ردنا إلى أخلاقنا السامية وإلى الخلق الحسن رداً جميلاً نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

أقيت بتاريخ 13/4/2012

التعليقات

شاركنا بتعليق