آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من حقوق الطفل

من حقوق الطفل

تاريخ الإضافة: 2012/05/04 | عدد المشاهدات: 4364

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله الشهداء، وحمى أوطاننا من كل مكروه وضُر وفساد وإفساد وضلال.

أيها الإخوة:

يأتيني أبٌ فيقول لي: ما حق ولدي عليّ ؟ ويأتيني أبٌ آخر فيقول: ولدي يعيش حالة طيش، وولدي لست راضياً عنه، وولدي يفعل كذا وكذا، ويأتيني ثالثٌ فيقول: ماذا نفعل نحن الآباء تجاه أبنائنا الذين يعذبوننا والذين لا يطيعون ؟

أقول لهؤلاء جميعاً ولآخرين يمكن أن تتبدَّى لديهم أسئلة لم تكن تتبدى على ألسنة من سبقهم: لعلنا نحن الآباء قصَّرنا في أمرين: قصرنا في التعرف على واجباتنا نحو أولادنا، وقصَّرنا في تنفيذ هذا الذي قصّرنا في معرفته، التقصير في أمرين: في التعرّف وفي التطبيق، ولذلك لو سألتكم أيها الآباء يا من سألتموني: ما حق ولدك عليك وعلى مجتمعك الذي تعيش فيه ؟ هل تدري الجواب ؟ لا أنتظر منك جواباً بل أقدِّم جوابي في هذه القضية آملاً أن ينتبه الآباء لأولادهم وأن ينتبه الآباء لهؤلاء الذين هم أمانة في أعناقهم، وأن يعيد النظر هؤلاء الآباء بواجباتهم نحو أولادهم ومن أجل أن يتوب هؤلاء الآباء حيال تقصيرهم حيال أبنائهم.

أيها الآباء، حق أولادكم عليكم هي:

أولاً: اختيار الأمهات، فهل أنت أيها الشاب، يا من تريد أن تغدو أباً، هل تفكر في ولدك الآتي وأنت تختار الزوجة الآن، أم إن الولد القادم غائبٌ عنك وأنت تفكر حين تتزوج فقط في مصلحة عابرة عاجلة، تفكر في الجمال، تفكر في الاستمتاع الجسدي، تفكر في المال ولا تفكر في أن هذه التي ستتزوجها ستكون أماً لولدٍ تحرص على أن يكون ولداً باراً مطيعاً، اختر الزوجة التي ستكون أماً لأولادك، لهذا قال سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في سنن الدارقطني: (تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن)، هذا أولاً، ضع هذا في ذهنك من الآن وأنت تبتدئ حياتك الزوجية.

الأمر الثاني: أنفقوا على أولادكم بسخاء، والذي أعنيه بالسخاء أن تنفقوا عليهم من غير منّة، إن أنفقت على أولادك بمنّة انعكس هذا عليهم سلباً، إياك أن تمنِّن على أولادك وأنت تنفق عليهم، فالإنفاق على الأولاد أحبُّ الإنفاق إلى الله، ولهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم: (دينارٌ أنفقته في سبيل الله، ودينارٌ أنفقته في رقبة، ودينار أنفقته على فقير، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها الذي أنفقته على أهلك)، أنفق عليهم من غير منة، أنفق عليهم بسخاء، والسخاء أن تعطي من غير منة لا أن تعطي الكثير وإنما أن تعطي الحاجة، ولكن تُسمَّى سخياً إن أعطيت من غير أن تمن على هذا الذي أعطيت.

الأمر الثالث: أن تخلِّقه بالأخلاق الحسنة، (أكرموا أولادكم وأحسنوا أخلاقهم) كما روى ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي رواية: (وحسِّنوا أخلاقهم)، وفي رواية: (وأحسنوا أدبهم). وأهم ما يجب أن تخلّق عليه ولدك ثلاث صفات: الصدق والأمانة والحياء، وهذا ما نفتقده اليوم في جلِّ شبابنا. شبابنا يحتاجون إلى صدقٍ عملي وقولي، لماذا أيها الشاب أيها الطالب لا تصدُقُ في دراستك ؟ ما الذي يدفعك إلى أن تضيع أوقاتك فيما لا طائل تحته، أرى طلاباً يأتونني من الجامعة أو من الثانوية يتحدَّثون عمَّا لا يعرفون، يريدون أن ينازلوا السياسة، وأن ينازلوا الاقتصاد، أسأل واحداً منهم في أي كلية أنت ؟ يقول لي في كلية العلوم مثلاً، في أي صفٍ أنت ؟ في الصف الثاني، كم سنةً مرت عليك وأنت في الصف الثاني ؟ يقول لي هذه هي السنة الرابعة. ما الذي تريده ؟ أريد أن أكون داعية، أريد أن أكون سياسياً، أريد أن أكون اقتصادياً... الآن أيها الطالب ؟ عليك أن تتحلَّى بالصدق، والصدق يتطلب منك أن تكون متفوِّقاً في دراستك، قلت لكم كلمة صوفية عظيمة: "حقوق الأوقات لا يمكن قضاؤها، وحقوقٌ في الأوقات يمكن قضاؤها". وحق الوقت عليكَ من أجل أن تكون صادقاً أن تدرس لا أن تلهو، لا أن تذهب هنا وهناك، لا أن تتلفَّت يمنةً ويسرة، لا يا أيها الطالب، الصدق والأمانة، الوقت عندك أمانة فهل ترعى الأمانة، والمال الذي يُنفَق عليك أمانة أودعت لديك فهل تقوم وتؤدِّي وتعطي الأمانة حقها ؟ وأما الحياء: فاحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، واذكر الموت والبِلى، مالي أراكم أيها الأولاد طائشين ؟ هيا إلى العمل والجد والدراسة، ما يجب عليك أيها الأب أن تؤدِّب أولادك وأن تركز على ثلاث صفات: الحياء والأمانة والصدق.

الأمر الرابع: عليك أن تقوي صلة أولادك بربهم، أن تجعلهم يحبون الله، أن تجعلهم يستعينون بالله في مواجهة التحدِّيات، في مواجهة الفقر، في مواجهة الصُّعوبات، في مواجهة الاضطرابات، في مواجهة القلاقل، كم مرة ذكرنا هذا الحديث العظيم الذي يرويه الترمذي: (يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) طلابنا وشبابنا وأولادنا اليوم لا يستعينون بالله وإنما يستعينون بأفكار تُفسدهم تأتي من هنا ومن هناك، يستعينون بأناسٍ لا يعلمون حقيقة نياتهم هل يريدون بهم الخير أم لا، يقفون ويصمدون أمام التلفاز ساعاتٍ وساعات ويستعينون به وبمن يظهر عليه، أفيجوز هذا ؟! قوِّ صلة أبنائك بربهم حباً وعبودية وطاعة وخضوعاً واستسلاماً وإلا فأنت مقصّر، ويتفرَّع عن هذا أن تدعو أولادك بالانتباه الصحيح للقرآن دستوراً، وللنبي أسوة، وللإسلام الواسع العظيم ديناً، ولذلك نحن قصَّرنا كثيراً في حق أبنائنا فلم نقوِّ صلتهم بربهم حباً وتعبداً وطاعة واستسلاماً، وقصَّرنا أيضاً في ربطهم بنبينا على أنه الأسوة، هذا النبي وحده هو الأسوة وإياكَ أن تركن أيها الولد، أيها الشاب إلى غيره ليكون لك أسوة، فأسوتنا النبي وما صحَّ عنه، ويتفرَّع عن تقوية الصلة بالله أن تقوِّي انتماء ولدك برسول الله أسوة وبالقرآن دستوراً وبآل النبي وداً: ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى﴾، (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه – كما جاء في الترمذي – وأحبوني لحب الله، وأحبوا آل بيتي لحبي) فهل ربَّيت أولادك على حب آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنت مدعوٌ لذلك على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ هيا يا أخي إلى هذا: (أدبوا أولادكم على ثلاث خصال) كما جاء في الطبراني (حب نبيكم، وحب آل بيته، وقراءة القرآن).

الأمر الخامس: الحضُّ على العلم والمعرفة، نحن في تراجعٍ معرفي خطير، سَلْ ولدك هذا الذي يدرس في الجامعة عن منهاجه المطلوب فإنه غير عارفٍ به فضلاً عن أن تسأله عن أشياء أخرى تدعم منهاجه، أصبح ملتهياً بما يصدُر عن هذا الجهاز المفسد، أصبح ملتهياً بترَّهاتٍ من الأباطيل الظاهرة يظن نفسه أنه المعني الأوحد في الوجود من أجل أن يقلب عاليها سافلها، لا، رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، من أنت ؟ أنت بحاجة الآن إلى أن تتعلم، نريدك عالماً عارفاً ؟ هيا فادرس، هيا فاطَّلع، هيا فتعرّف، هيا فانهل من مَعين العلم والمعرفة والثقافة البنَّاءة التي تخدم عقلك وفكرك وقلبك وروحك: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) هكذا قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسلم. هل تسلك طريق العلم ؟ وهل تحثُّ ولدك على سلوك طريق العلم والمعرفة ؟ هل تسأل ولدك في كل مساء هل ازددتَ معرفة أيها الولد ؟ لأن نبيك قال: (إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بورك لي في شمس ذلك اليوم).

الأمر السادس: ازرع في ولدك، في قلبه وعقله حبَّ الوطن، وعلينا أن نعترف أننا لم نربِّ أولادنا على حب الوطن، ولذلك نرى أولادنا يستهترون اليوم بالوطن وبتجلياته، أتدري ما الوطن أيها الأب ؟ أتدري ما الوطن أيها الولد ؟ الوطن بيتك، والوطن مدرستك، والوطن مسجدك، والوطن ملعبك، والوطن مصنعك، والوطن حقلك، والوطن شارعك، والوطن كل ذلك، والوطن أنت، والوطن أمك، والوطن أبوك، والوطن جارك، والوطن ولدك، والوطن أخوك، فلماذا تقسو على الوطن يا ابن الوطن ؟ لماذا تجرح الوطن يا ابن الوطن ؟ لماذا تنتهك حرمة الوطن يا ابن الوطن ؟ لماذا تخرّب المدرسة وهي وطنك ؟ لماذا تنتهك الجامعة وهي وطنك ؟ دعك من كل شيء هذا وطننا، كل شيء في الوطن وطن، وكل ذرة في الوطن وطن، فازرع حب الوطن أيها الأب في عقل ولدك في روح ولدك في كينونة ولدك، في ذرات ولدك، وهل الوطن في النهاية إن ادَّعيت الحضارة فأين ستظهر الحضارة ؟ إن لم تظهر في الوطن قل لي بربك أين تظهر الحضارة وأين يظهر الرقي الذي تدعيه إن لم يظهر في الوطن ؟ إن ادَّعيت الآن بأن الإسلام حضاري وبأن الإسلام راقٍ وبأن الإسلام... فأين ستبرهن على ذلك ؟ ستبرهن على ذلك من خلال وطنك، المشكلة التي وقعنا فيها ندعي التقدم ولا برهان عملي على ذلك، ندعي الحضارة وأين مجلى الحضارة وأين مظهر الحضارة إن لم يكن الوطن لها مظهراً، نحن نقول عن أنفسنا بأنا كنا، ونقول عن أنفسنا بأننا نمتلك أعظم حضارة، أين أثر ذلك على الأرض ؟ والأرض هي وطنك، فهيا واجعل الحضارة التي تدَّعيها بارزة على أرض بلدك، أنت تدعي بأنك رحموي فأين الرحمة بوطنك ؟ أنت تدَّعي بأنك نظيف وأن الإيمان يقوم على النظافة وأن النظافة من الإيمان أين هذه الأمور في وطنك، ووطنك المعبّر وهو الممثل وهو مكان تشخيص ما تدَّعيه، أين هذا الذي نقول ؟ يا إخوتي فلنتقِ الله حيال أبنائنا وحيال ما يجب علينا تجاههم، انتبهوا أيها الآباء لا عذرَ لكم لا ورب الكعبة ولا أتوجه إلى الآباء فقط بل أتوجه إلى الآباء والأعمام والأساتيذ والمدرسين والمعلمين والمسؤولين والعسكر، أتوجه إلى الجميع لأنهم إن لم يكن بعضهم أباً فهو بحكم الأب لأنه مسؤول عن هذا الموظف مسؤول عن هذا التلميذ مسؤول عن هذا الجار مسؤول عن هذا القريب، ابن أخيك ابنك، ابن أختك ابنك، ابن جارك ابنك، تلميذك ابنك، إن لم تكن أباً حقيقياً أو نسبياً فأنت أبٌ على سبيل الفعل وعلى الحكم وعلى سبيل القوة، أنت أب وأنت مسؤول وأنت راعٍ ومسؤول عن رعيتك فهيا إلى القيام بواجباتنا نحو الأبناء وبعد ذلك إن قمنا بواجباتنا نحو أبنائنا ولم يفلح أبناؤنا عندها سنسائل ونسأل وربما استفهمنا وربما استغربنا، أما أن نستغرب من غير أن نقدم ما يجب علينا فهذا استغرابٌ في غير محله وهذا استغراب جاهل لا قيمة له في عالم العقل والفكر، أما استغراب العالم العمل فهو الذي يؤخذ بالحسبان، هيا إلى هذا الذي قلنا وأسأل الله أن يوفقنا وأن يجعلنا آباء نقوم بمهامنا خير قيام وأن يوفق مجتمعنا ليرعى أولاده وأن يوفق أولادنا وشبابنا من أجل أن ينتبهوا إلى أخلاقهم إلى الصدق والأمانة والحياء وأن ينتبهوا إلى الوطن وأن ينتبهوا إلى صلتهم بربهم وأن ينتبهوا إلى علمهم ومعرفتهم وأن ينتبهوا إلى ما يُنفق عليهم وأنه أمانة وعليهم أن يقدموا مقابل الإنفاق علماً ومعرفة وخلقاً وحباً للوطن وصلة بالله قوية، تقبل منا يا ربنا ما كان صالحاً وأصلح منا ما كان فاسداً وأصلحنا ظاهراً وباطناً، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 4/5/2012

التعليقات

شاركنا بتعليق