آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
عناوين المجتمع المنشود (الصَّالح الربَّاني) –5-

عناوين المجتمع المنشود (الصَّالح الربَّاني) –5-

تاريخ الإضافة: 2021/12/31 | عدد المشاهدات: 599

 

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

لا زلنا في رحاب ما أسميناه بسِمات المجتمع الرباني الصَّالح المنشود وهي: عُبودية خالصة لله، العِلم والمعرفة، الفضيلة والخُلُق، الحُرية والوَعي، السَّلام والأمان، العَدالة والإنصاف، التكافل والتراحم. وشرحنا في الأسبوع الماضي سمة الفضيلة والخلق واقتصرنا من الفضائل على الأمانة، باعتبار الأمانة تُشكِّل البنية التحتية لكل الأخلاق والفضائل، فمَن كان أميناً كان صادقاً، ومَن كانَ أميناً كان كريماً، ومن كان أميناً كان مُتَّصفاً بكل هذه الصِّفات التي دُعينا إليها من خلال فِطرتنا ومن خلال قرآننا ومن خلال نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقُلنا عن الأمانة: إن الأمانة استُودعت عندك الحياة وهي قيمةٌ عليا، فاللهُ ناظرٌ ماذا تفعل بهذه القيمة العظيمة التي هي الحياة، فهل تُضيِّعها بما لا يُعادلها أم تحافظ عليها وتجعلها حيثُ أراد الله عزَّ وجلَّ خالقك ومانحك هذه الحياة أن تضعها. الأمانةُ فرضٌ تحدَّثنا عن ذلك، والأمانةُ دليلُ وجود الإنسان تحدَّثنا عن ذلك، وقلنا إذا أردتَ أن تعرف إيمانك فانظر أمانتك، إن كنتَ أميناً فأنتَ مؤمن، وإن لم تكن أميناً فلستَ بمؤمن، (لا إيمان لمن لا أمانة له)، وتحدَّثنا عن مُفرَدةٍ من مُفردات الأمانة وهي الأخوة، واليوم أتحدَّث عن ثلاث مفردات لهذه الأمانة.

المفردة الأولى: - وقد تستغربون - أمانة المَرافق العامة: المرافق العامة هي أمانة مُودَعة عندكم، المياه والطرق ووسائل النقل والمدرسة والملعب والمسجد والكنيسة والمكان الذي تتنزَّه فيه والمتنزه، هذه كُلُّها مرافقُ عامة، استُودِعت لديك، فهل أنتَ ستقوم بحقِّ الأمانة التي استُودعت عندك، هل ستُحافظ على هذه المرافق العامة أم أنك ستُفسدها لا سمح الله، أم أنك ستُغيرها، أم أنك ستعبث بها ولن تهتمَّ بها، بل ستهتمُّ بما هو في داخل بيتك، أما ما يتعلق بالشارع والمدرسة والمتنزه، بالمياه والكهرباء، وكل هذه المرافق فإنك لن تُعير ذلك أدنى اهتمام. هذا لا يجوز. ربما تقول لي: ما الدليلُ على ذلك ؟ أقول: قال النبي صلَّى الله عليه وسلم في حديثٍ صحيحٍ صريح: (لَعَن الله مَن سَرق، لعنَ اللهُ مَنْ غَيَّر مَنار الأرض) والمنار: معالم البناء العامة، هذه المعالم بما يشمل الإشارات واللوحات وكل ما تَراه في طريقك من أشياء تدلُّك على الجهة التي تُريد أن تذهبَ إليها، مَنارُ الأرض يعني المرافق العامة، لَعَنَ اللهُ من غيَّر نحو الأسوأ، أي من غَيَّرَ هذه المرافق نحو الأسوأ، أهمَلها، عبثَ بها، أفسَدَها، لم يُصلحها، تطاولَ عليها، استغلَّها استغلالاً غير قانوني ولا شَرعي، (لَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّر مَنار الأرض) هكذا قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. تذكَّروا هذه الأمانة: (وإماطةُ الأذى عن الطريق صَدَقة) ورميُ الأذى في الطريق خِيانة، لأن الإيمان مربوطٌ بالأمانة، ينبغي أن نؤمن بهذا ونعتقد به حتى نُصلحَ مرافقنا العامة. كلكم يزورُ البلدَ الأجنبيَّ الفلاني، ويأتي ليتحدَّث عن نظافةٍ كبيرة، عن انضباط، عن التزام بقواعد المرور، عن ترشيد في الاستهلاك.... يأتي ليتحدَّث عن تلك المرافق التي يقوم الناسُ هناك بالمحافظة عليها بأمانة، وحين نأتي إلى هنا تنعكس الصورة وينقلب الأمر، وإذ بنا لا نُعيرُ أدنى اهتمام إلى هذه الأمانة، أمانة المرافق العامة، وهذا لا يجوز. وكما قلتُ لكم وأكرر: نحن في خطبة الجمعة نريد أن نأخذ درساً وعِظة وكلمة لنطبقها، لنبتدئ بتطبيقها، لن نُطبقها – وهكذا أعتقد - بين يوم وليلة ولكن إن نوينا وعزمنا وقرَّرنا وكان ذلك في وعينا وفي وعي أبنائنا أعتقد أننا سنصل إلى ترتيب وتنسيق وتهذيب وتشذيب المرافق العامة.

المفردة الثانية من مفردات الأمانة: أمانة الرعية: مَنْ كُنت وأينما كنت فأنتَ راعٍ وعندك رعية، إن قلتَ لي: أما أنا فلستُ متزوجاً، ولستُ موظفاً، ولستُ عاملاً، ولستُ ولست... فأين الرعية ؟ أقول لك: رعيَّتك أعضاؤك، (كُلُّكم راعٍ) هكذا قال سيدنا وحبيبنا ومُعلِّمنا صلَّى الله عليه وسلم، رعيُّتك أعضاؤك، انظُر هذه الأعضاء هل ترعاها حقَّ الرعاية، هل تستخدمُ يدَك فيما يُغضب الله، فإنك راع، ولكنك إذ تستخدم يدك فيما يُغضب الله فقد خُنتَ الله ورسوله في رعايتك ورعيتك. ما منا إلا وهو راع، الزوجُ راع، والزَّوجة راعية، الخطيبُ راع، الإمام راع، المؤذِّن راع وعنده رعية، المدرِّس راع، الوزير راع، المدير راع، الرئيس راع: (كُلُّكم راعٍ وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رَعيَّته) ويقول عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بهذه الأمانة: (ما مِنْ عبدٍ يَسترعيه الله رَعيةً يموتُ يومَ يموتُ وهو غَاشٌّ لرعيته إلا حَرَّم اللهُ عليه الجنة)، وفي رواية: (ما مِنْ عبدٍ يَسترعيه اللهُ رعية فلم يُحطها بنصيحةٍ إلا لَم يَجِد رائحةَ الجنَّة) هل تنصحُ رعيتك، هل تنصحُ طلابك لوجه الله، هل تنصحُ عمالك لوجه الله، وهكذا دواليك. نريدُ أن نكونَ أُمناء ولطالما قلتُ ورفعتُ شِعاراً لا أُريده أن يبقى شِعاراً ولكن نريدُ أن نُحوِّله إلى قاعدةٍ، والفرقُ بين الشِّعار والقاعدة أن الشِّعار يبقى نظرياً، وأما القاعدة فيُنطَلَقُ منها للتَّطبيق، هذه القاعدة التي كرَّرتُها كثيراً: "وَطَنٌ آمِن ومُواطِنٌ أمين" ولا أمانَ إلا بالإيمان، ولا إيمانَ إلا بالأمانة، فإن أردتُم وَطناً آمناً فتحقَّقوا بالأمانة. هذه هي الخلاصة.

المفردة الثالثة للأمانة: أمانةُ استخدام واستعمال وتوظيف الأجدَر والأكفأ: وليسَ الأقرب، وليس الذي يؤدِّي لك مالاً، وليسَ الذي يتكلَّمُ من أجله ذو جاه، عندما تستخدم وتُوظِّف وتُعيِّن فعليك أن تنتقي الأجدر والأكفأ الذي يقومُ بالذي وظفتَه فيه خير قيام، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بهذا الأمر: (من استعملَ عاملاً من المسلمين وهو يعلمُ أنَّ فيهم أولى بذلك منه فقد خَانَ الله ورسوله وجميع المسلمين) هذا ما نقوله في هذا المجال.

أخيراً: أتريدون أن تعرفوا مَن الأمينُ الأعظم في النَّاس منذ آدم وإلى قيام الساعة، هل تريدون أن تتعرفوا على من حازَ الدرجةَ الأولى في الأمانة في الخليقة كلهم ؟! إنه رسولكم، رسولنا، حبيبنا، محمد صلى الله عليه وسلم، وها هو ذا يقول: (والله إني لأمينٌ في السماء، أمينٌ في الأرض) فكونوا على خُطا هذا النبي الذي تُصلُّون عليه وتُسلِّموا عليه وتَحتفلون بمولده، ودائماً تذكُرونه على أنَّه قائدنا ومُعلِّمنا وبَشيرنا ونذيرنا وعظيمنا، فصلَّى اللهُ عليكَ يا سيدي يا رسولَ الله، أيُّها الأمينُ الأعظم، وأسألُ اللهَ أن نكونَ على خُطاك وأن نتَّبع هُداك، يا ربَّ، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

أُلقِيت في جامع "السيِّدة نفيسة عليها السلام" بحلب الجديدة بتاريخ 31/12/2021

 

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/aeS7g1XSeP  /

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق