آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
عناوين المجتمع المنشود (الصَّالح الربَّاني) –8-

عناوين المجتمع المنشود (الصَّالح الربَّاني) –8-

تاريخ الإضافة: 2022/01/21 | عدد المشاهدات: 544

 

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

لا زلنا في تلك الصِّفات التي تُميِّزُ المجتمعَ الرباني الصَّالح المنشود وهي صفاتٌ سبع: عُبوديةٌ خالصةٌ لله عَزَّ وجَل، معرفةٌ وعِلم، فضيلةٌ وخُلُق، حُرية ووَعي، سَلامٌ وأمان، عَدلٌ وإنصاف، تكافلٌ وتراحم. واليومَ ها أنذا أقفُ معَكم على السِّمة التي تُدعَى الحرية والوعي، ولئن سألتُكم عن الحرية وتعريفها، فما الحرية في رأيكم ؟

سُئل قلبكم الفلاسفة والمختصُّون، فعرَّفوا الحرية تعاريفَ كثيرة، لكن جُلّهم اتفقوا على هذا التَّعريف الذي سأسوقه، قالوا: "الحريةُ إمكانية الاختيار بين عدة أمورٍ مُتاحة"، أن تختار أمراً من عدة أمور متاحة ممكنة بالنسبة لك من غير ضغط ولا إجبار ولا شروط، أن تختار أمراً من الأمور الممكنة، وحين تختار: (تأكل أو لا تأكل) سواء كان المختار فعلاً أو قولاً أو شيئاً، فأنت تختار أن تأكل أو أن لا تأكل، إذا اخترت الأكل فلك ذلك، وإن لم تختر الأكل فلك ذلك، أنت هنا حر، لكن هنالك احتراز ينبغي أن نذكره: هَبْ أنَّك اخترتَ عدمَ الأكل إلا أن هذا الاختيار يُؤذيك، فهل أنت في هذا الاختيار الذي يؤذيك وقد اخترتَه تكونُ حُراً ؟! إذا اخترتَ أمراً يضر بك فهل هذا الاختيار يُبقيك حراً ؟! لذلك ألحقتُ الحريةَ بالوعي، فقلتُ الحرية والوعي، أنت تختار أنت حر، ولكن من غير إكراه ولا إجبار ولا شروط ولكن عليك أن تعِي هذا الذي تختار بحيث لا يؤذيك ولا يُخرجك عن إنسانيتك، فإذا اخترتَ ما يؤذي إنسانيتك فلست بحُرٍّ وإنما دخلتَ بما يُسمَّى بوابة الجنون، أو عدم الاستيعاب لذاتك، وربما أطلق على ذلك الجنون، فالفرقُ بين الحرية والفوضى والجنون خطٌّ صغير يُدعى الوعي. ولنضرب مثالاً فالقضية هامة جداً. إنسانٌ ما أمامه الخمر إما أن يشرب أو لا يشرب، هو حر، ولا تجبره ولا تضغط عليه، ولا تشترط عليه شروطاً، لكنه حين يختار عليه أن يتأكد بأن ما سيختاره لن يؤذي نفسه ولن يؤذي إنسانيته، عليه أن يعِيَ ذلك، وهذا الوعي يأتي من داخلك، من فِطرتك، من حُسْنِ تفكيرك. شرِب أحدُ الأعراب قبل الإسلام الخمر، وإذ به يجد نفسَه وقد فَقَدَ عقله، وقد أضاعَ عقله، استيقظ في داخله الوعي والضَّمير، فقال:

شربتُ الإثمَ حتى ضَلَّ عقلي                 كذاكَ الخمرُ تفعلُ بالعُقولِ

والخمر تُدعى إثماً، تُضَلِّلُ العقل، فامتنعَ عن شرب الخمر واختارَ عدم شُربها فغدا بهذا الاختيار حراً، أما حين يختار الخمر التي تؤذيه وتخرجه عن إنسانيته فليس بِحُرّ وإن ادَّعى الحرية وإنما هو واقف في بوابة وسرداب الجنون. هذا عندما يكون الوعي من ذاتك وفطرتك، وربما كان الوعي من جهةٍ موثوقة تحاول توعيتك، وهل ثمة موثوق أكثر من ربك الذي خلقك وهو أعلمُ بك، وهو أعلمُ بما ينفعك ويضرُّك، من جهةٍ موثوقة، ليس ثمة موثوق أكبر من خالقك: (ألا لَهُ الخلقُ والأمر)، خالقك قال لك بالنسبة للخمر على سبيل المثال: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريدُ الشيطانُ أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويَصُدَّكُم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) يا أحرار، الحُرُّ مَن انتهى لأنه قد وُعِّي من قبلِ جهةٍ موثوقة... وهكذا دواليك. أتريدُ أن تكون حُراً تختارُ من غير إكراه: (لا إكراهَ في الدِّين)، (فمَن شاءَ فليؤمن ومن شاءَ فليكفُر) لكن عليك أن تُراعي وأن تَعِيَ إنسانيتك وأنتَ تختار، فإن اخترتَ ما يُخرجك عن إنسانيتك فثِق بالله بأنَّك لستَ حُراً وإنما وقفتَ على باب سرداب الجنون: (إن هُم إلا كالأنعام بل هم أضل). هذه هي الحرية عند الغرب وعند الشرق، عند العقلاء في كلِّ مكان وُجدوا، اختر أيها الإنسان ولكن شريطة أن تكون الحرية يلحقها الوعي، أن تَعِيَ ماذا تختار وأنت تختار، ومن هنا وباعتبار الوعي يأتي من جهةٍ تثق بها، وجبَ عليك الاستخارة، الحر من يستخير الموثوق، ولا موثوق أعظم من الذي خلقك، فإاذ أردتَ أن تختار ووقعتَ في حيرة بين أمرين مشروعين فما عليك إلا أن تقول لربك: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلمُ أنَّ هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فيسِّره لي، وإن كنتَ تعلمُ أنَّ هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضِّني به). لا جَبْرَ ولا ضغطَ ولا تأثير بأداةٍ من أدوات القوة وإنما هو تحفيز لك على أن تسلك طريق الوعي، ولا حرية بدون وعي. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويُدعَى الحُصين وهو والد عمران الصحابي المعروف، وقف أمام حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ليحاوره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد توعيته، وقد اختار حصين الشرك على الإيمان، لكن هل هذا الاختيار يجعل الحصين حراً ؟ لا وربِّ الكعبة، واسمعوا إلى هذه التوعية من سيد الأحرار في العالم، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا حصين كم من إلهٍ تعبد ؟ فقال: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء. فقال: يا حصين إن نزلَ بكَ ضُر من الذي تدعو ؟! قال: الذي في السماء. يا حصين: إن قَلَّ مالك من الذي تدعو ؟! قال يا حصين: يستيجيب لك وحده وتشركهم معه !! فقال يا محمد: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. رسول الله يوعِّينا ويقدِّم لنا التوعية بلسان الرفق، بجناح الرحمة: (لستَ عليهم بمصيطر)، (إنما أنتَ منذر ولكل قوم هادٍ) الذي اختار الإسلام الحقَّ ديناً هو حر، لأن الفطرة التي تُوعِّيه نطقت من داخله، اثبُت فإنك على الحق، ولأنَّ نداء السَّماء الآتي من الخالق يقول له: (ولهُ أسلَمَ مَن في السموات والأرض).

الحرية اختيار، والاختيارُ ينبغي أن يكونَ واعياً، والوعي إما من الفطرة وإما من هاتِفِ السَّماء الذي يمثله على الأرض كتاب الله ومحمُّدٌ رسول صلى الله عليه وسلم. اللهم هيِّئ لنا من أمرنا رشداً. الحريةُ أن تختار بلدك، أن تختار منفعة بلدك، أن لا تختار ما يضرُّ بلدك بحُجة الحرية إذا أضرَّ اختيارك بلدك فأنت على شفا جُرُفٍ هَارٍ من الجنون والانهيار، يا ربَّنا دلَّنا على ما يدلنا عليك، ودُلَّنا على من يدلنا عليك، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

أُلقِيت في جامع "السيِّدة نفيسة عليها السلام" بحلب الجديدة بتاريخ 21/1/2022 

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/aGAJr_aMvx/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق