آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
عرفة اليوم المشهود

عرفة اليوم المشهود

تاريخ الإضافة: 2022/07/09 | عدد المشاهدات: 650

أمَّا بعد، فيا أيُّها لإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

يُظلِّلنا يومٌ مشهود، إخوانٌ لنا وفقهم الله للوقوف في هذا المكان الطاهر، فاللهم إنا نسألك بحق هذا اليوم وبحق الموقفِ موقفِ عرفة، وبحق أولئك الذين يُلبُّون ويقولون بأرواحهم وقلوبهم وألسنتهم: (لبيك اللهم لبيك) نسألك بكل ذلك أن ترفعَ عنَّا الغلاء والوباء وأن تردَّنا جميعاً إلى دينك رداً جميلاً.

من فضلِ الله علينا أن خصَّص أياماً وجعل لها مكانة سامية راقية عالية، خصص هذه الأيام لكي يستدرك من يريد الاستدراك، ولكي يعمل من فاته القطار، ولكي يتلافى من كان التقصير حليفه ورفيقه. في هذا اليوم يوم عرفة يباهي الله عزَّ وجل ملائكته بالذين هم في عرفة وبالذين كانوا يريدون أن يكونوا في عرفة، ونحن من الذين نوينا وأردنا وتمنينا أن نكون في عرفة هذا اليوم:

لقد أقمنا على عُذرٍ ألمَّ بنا             ومن أقامَ على عذرٍ كمن راحَا

ولا نقول لهذا الذي منع أولئك الذين يريدون والذين اشتاقوا، لا نقول إلا: اللهم إنا نسألك أن تنصر المظلوم وأن تجعل كيد الظالم في نحره وأن تردَّ كيد الظالمين عنا يا رب العالمين.

يومٌ مشهود، هكذا قال المفسرون عندما وصلوا إلى قوله تعالى: (والسَّماء ذات البروج. واليوم الموعود. وشاهدٍ ومشهود) قالوا الشَّاهد هو يوم الجمعة، والمشهود هو يوم عرفة، وها نحن أولاء نعيش في يوم الجمعة الذي جمعَ بين الشاهد والمشهود، وأما اليوم الموعود فهو يوم القيامة.

عن هذا اليوم يقول سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام: (ما من يومٍ أكثرَ من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة) يوم عرفة أكثر الأيام عتقاً للعبيد من النار، فاللهم اجعلنا من عتقائك من النار في هذا اليوم المشهود، (حتى ليدنو ربنا) ليتجلَّى نزولاً (ويباهي بهم الملائكة) يباهي الملائكة بمن أعتق من النار: (ما من يومٍ أكثرَ من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، حتى ليدنو ويباهي بهم الملائكة) ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: (إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة يقول: انظروا عبادي أتوني شُعثاً غُبراً أشهدكم أني قد غفرتُ لهم) وفي رواية: (أُشهدكم أني قد غفرتُ لهم ولمن شفعوا له) ولا شكَّ في أن إخواننا الذين هم في عرفات يخصوننا ويذكروننا بالدعاء، وفي رواية: (يتجلَّى ربنا في هذا اليوم ويقول للحُجَّاج: أفيضُوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له).

أيها الإخوة: كأني ألمح في الوجوه بشكل عام استهتاراً أو استقلالاً أو استهانة بكلمة المغفرة، يا هذا: غفرَ الله لك فيا طوباك، غفر الله فافرح، لِتُقدِّم لله شُكراً وحمداً، ما لي أراك تستمع إلى كلمة قد غفر الله لك وكأنَّ أمراً يحدثك في عالم الخيال أو في عالم المنام، فافرحوا وقولوا طوبى لنا، افرحوا كما تُرزقون، افرحوا كما تفرحون حينما تشترون بيتاً أو مزرعة، بل أشد، افرحوا فالمغفرة أمرٌ مفرح ومسعد وسار، فاللهم لك الحمد ولك الشكر ولك الثناء الحسن الجميل على هذا الذي غفرته لنا يا رب العالمين.

يوم عرفة يوم الحج الأكبر حين حج النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام ووقف في هذه الساحة المثلى العظمى الطاهرة المطهّرة وأعلن الدستور الإنساني في خطبة لا أعظم ولا أروع ولا أرقى من هذه الخطبة فيها معالم دستور أمة هي خير أمة أخرجت للناس، لم أقل أعلن دستور دولة، فدستور الدولة كان في المدينة أما هنا في خطبة الوداع أعلن دستور أمة، ولا أريد أن أستعرض هذا الدستور لكنني سأذكر بنداً من هذه الخطبة، وهذا ما أريد أن يكون على بالنا وأن يكون دائماً مُخالجاً لخواطرنا ولتفكيرنا أتدرون ما هذا البند ؟ (أيها الناس، إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت قالوا: نعم. قال: اللهم فاشهد) فأين أنتم ذاهبون يا أيها المسلمون وأنتم تتوغَّلون في دماء بعضكم، وأنتم تستبيحون أعراضكم، وأنتم تنهشون أموال بعضكم، وأنتم مُغرِقون في سرقة المال والأعراض وفي سفح الدَّم الطاهر: (إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) فكِّروا في هذا البند أيها المسلمون في كل العالم الإسلامي في كل المدن والبلاد وفي كلِّ المقالب إن كنتَ هنا أو كنتَ هناك إن كنت مع أو كنت ضد، فكِّر في هذا البند الإنساني الإيماني الإسلامي، فكِّر في هذا البند الذي أعلنه سيد الناس عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع في بقعة طاهرة مطهرة في ساح عرفة، والحج عرفة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. موقفك حيال هذا الدُّستور الإنساني أن تقول ما يقوله الحاج وما تقوله أنت أحياناً هنا: (لبيك اللهم لبيك)، ولا يقتصر الأمر على اللسان، فإيَّانا أن نقتصر على اللسان وأن نهمل الأفعال والأعمال والنيات وما هو داخل في القلوب والصدور قل لسيد الكائنات وهو يقول لك: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) قل: لبيك لبيك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، وقل لسيدك وسيدنا وحبيبك وحبيبنا: لبيك يا رسول الله، عهداً أن نحقن الدماء، عهداً أن نصونَ الأعراض، عهداً أن نحفظ الأموال، عهداً أن نتقن الأعمال، عهداً أن نسدد الأقوال، عهداً أن نرعى هذا البلد الكريم بكل ما نملك لأن الوطنية – كما قلت مرة - تُعمل ولا تُتكلَّم، ولأن الدِّين أيضاً يُعمَل ولا يُتكلَّم ولأن القرآن كما قال سيدنا الحسن البصري: "أنزل الله هذا القرآن ليُعمَل به فاتَّخذَ النَّاسُ تلاوته عَمَلاً".

اللهمَّ بحقِّ عرفة وبحقِّ الكعبة وبحقِّ الرَّسول الأعظم نسألك يا ربَّنا أن تردَّ الجميع فينا إلى دينك ردَّاً جميلاً أن ترد السَّائل والمسؤول، الحاكمَ والمحكوم، الطالبَ والمطلوب، أن تَرُدَّ الزوج والزوج، أن ترد المعلم والأستاذ، أن ترد التلميذ والطالب، أن ترد التَّاجر والصِّناعي، أن تردَّ المزارع والعالم، أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، نِعْمَ مَنْ يُسْأَلُ أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

أُلقِيت في جامع "السيِّدة نفيسة عليها السلام" بحلب الجديدة بتاريخ 8/7/2022

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/e85vXww0bt/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

 ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق