آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات

في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات

تاريخ الإضافة: 2008/06/27 | عدد المشاهدات: 2944

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

اختارت المنظمات الدولية أن تجعل من يوم أمس يوماً لمكافحة المخدرات، وقد قالت الإحصائيات إن نسبة المتعاطين لهذا الأمر في تزايد، والإحصائيات تتابع وتقول إن المتعاطين للمخدرات يتزايدون ليس فقط في البلاد الغربية ولكن في البلاد العربية والإسلامية وفي سورية، فيا أبناء هذا الوطن، يا أبناء الإنسانية، هذا الذي يتفاقم يضرّ بكم يضر بنا يضر بوجودنا يضر بكينونتا يضر بإنسانيتنا يضر بالأرض بما على الأرض بما في الأرض بالماضي بالحاضر بالمستقبل. إن إسلامنا جاء من أجل أن يصون الدين والنفس والعقل والمال والعرض وهذه تسمى مقاصد الشريعة، جاءت الشريعة الغراء من أجل حفظ هذه المقاصد، إذا كانت الشريعة قد جاءت لحفظ هذه المقاصد فإن المخدرات تقضي على هذه المقاصد، فإن المخدرات تُبيد الدين وتقضي على النفس وتُذهب العقل وتطحنه وتقضي على المال وتبدده وتقضي على العرض والنسل وتجعل منه أمراً مستباحاً يقوم على فوضى وتجعل منه أمراً معطلاً، المخدرات تقضي على المقاصد وشريعتنا جاءت لحفظ هذه المقاصد، فيا شبابنا إنه اختيار، فإما أن يختار الإنسان ما يقضي به على المقاصد: على النفس والدين والمال والعقل والعرض وإما أن يختار ما يقوي ويحفظ ويصون ويطور ويرقي هذه المقاصد، فحكمها من دون تردد حكمها الحرمة حرام، وليسمع العالم كله من أجل أن نقول له: إن تعاطي المخدرات حرام وإجرام، إن تعاطي المخدرات إثم وبغي وفحش، فيا أمة العرب ويا أمة الإسلام ويا أمة الإنسان ابتعدي عن هذا السمّ القاتل، الحكم حرام بصراحة وبقوة ومن دون تردد ومن دون مجادلة ونقاش، الحكم حرام حرام جريمة كبرى تفوق كل الجرائم في فظاعتها، حرام هذا الأمر فالله عز وجل يقول: ﴿قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي﴾ فالمخدرات فواحش والمخدرات إثم، والمخدرات تضييع للإنسان لجوهره لقيمته لعقله لدينه لماله لعرضه، فابتعدوا أيها الناس ووجهوا الناس الآخرين وأنا أعلم أن الحاضرين لا علاقة لهم بهذه القضية لكن أريد منكم أن تكونوا موجهين للناس، أن تكونوا معلمين للناس أن تكونوا محذرين للناس أن تكونوا على بينة ويقظة فأنا أخشى أن يتسرب هذا الأمر إلى عوائلكم إلى أولادكم إلى تلاميذكم إلى طلابكم إلى مدارسنا إلى معاملنا إلى ثكناتنا إلى مستشفياتنا فالقضية خطيرة جداً وإن سلاح المخدرات إذ يُرفع في وجوه أبنائنا وأمام عقولهم ودينهم وأموالهم وأعراضهم لهوَ أشد فتكاً من أي سلاح آخر حتى لو كان السلاح الآخر كما يُقال نووياً.

الحكم حرام وفلسفة التحريم أنه يقضي على الدين والعرض والنسل والمال والنفس والعقل والدين.

أما العقوبة فنحن نقول للدولة إياكِ أن تتهاوني في عقوبة المتعاطي، المتعاطي يجب أن ينال أقسى العقوبات التعزيرية، اجعلي اليد المعاقبة يداً حديدية لا تقصري، وأنتم أيها المسؤولون كلٌ في مكانه لتكن العقوبة قوية وصارمة وحاسمة وحازمة فيما يخص هذا الأمر.

أما المتاجرون فعقوبتهم أقسى وأقسى، عقوبتهم عقوبة المحارب لله ورسوله، عقوبته القتل أو الصلب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، تقطع يده اليمنى مع رجله اليسرى أو النفي من الأرض إلى مكان يلقى فيه العنت والمشقة والصعوبة، عقوبة المتاجر أقلها الإعدام ثم بعد ذلك عليك أن تختار يا ولي الأمر الأقسى فالأقسى بحسب ضرورة وطبيعة المتاجرَة والمتاجر لأن هذا يضر بأمتنا بأرضنا بشعبنا بوطننا بديننا بعلمنا بمعرفتنا فلا تقصروا في هذا.

أما السبل التي يمكن من خلالها أن نخفف أو نزيح عن أرضنا هذا الوحش الكاسر الذي يريد التهامنا، التهام أخلاقنا التهام قيمنا وفضائلنا وأدعو الناس وأدعو كل المهتمين في هذا من جمعيات ودوائر ووزارات وأفراد ومدارس ومعاهد إلى ما يلي:

أولاً: أن نفتح باب التوبة، أيها المتعاطي باب التوبة مفتوح، باب التوبة إلى الله ومع الله مفتوح: ﴿قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً﴾ باب التوبة مفتوح والمصحات التي تستقبل هؤلاء التائبين يجب أن تكون مفتوحة الأبواب، ويجب أن تكون سرِّية، ويجب أن تكون  رحيمة لهؤلاء الذين يريدون أن يؤوبوا وأن يعودوا وأن يرشدوا، علموا الناس أن ربنا عز وجل تواب رحيم،  أن ربنا عز وجل يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، علموا الناس أن الإنسان مهما كان مقصراً إذا ما مسه طيف من الرحمن فجاء ربه تائباً فربه يقبله: ﴿قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله﴾ فَتْح باب التوبة المعنوية والحسية من بناء المستشفيات ومن بناء منتجعات من أجل التخفيف عن هؤلاء الذي تابوا وعادوا ورشدوا وخافوا وآمنوا بالله عز وجل إيماناً حقيقياً ينعكس هذا الإيمان على سلوكهم وأعمالهم.

ثانياً: تقوية الدافع الديني، أيها المسؤولون عن أبنائنا في المدارس والجامعات والمعاهد والثقافة هيا إلى تقوية الدافع الديني، فورب الكعبة إن تقوية الوازع الديني لهوَ السبيل القوي من أجل إزاحة هذا الدم وهذا الوحش وهذا الضر وهذا الفساد عن أرضنا عن أبنائنا، هيا إلى تقوية الوازع الديني، علموا يا هؤلاء علموهم الإيمان بالله الإيمان القوي فعِّلوا إيمانهم بربهم، لماذا لا تتحدثون عن الإيمان بالله ؟ أنتم أيها المسؤولون في المعاهد الثقافية والمدارس والجامعات لم لا تكون هنالك دورات تقوية للوازع الإيماني في نفوس أبنائنا في نفوس طلابنا في نفوس تلامذتنا في نفوس عمالنا وموظفينا ؟ فإن الوازع الديني إذا ما تقوى في دواخلهم كان إنتاجهم أقوى، وكانوا أبعد عن الفساد، وكانوا أبعد عن كل ما يؤذي دينهم ووطنهم وعرضهم وعقلهم ومالهم، نريد دورات تقوية للوازع الديني في ثكناتنا لضباطنا لجيشنا لجنودنا لكل العاملين في مختلف مستويات الوطن، علموهم أيها المسؤلون عنهم أن يذكروا ربهم صباح مساء، ما المانع من أن يكون للجندي ورد يقول فيه: لا إله إلا الله، شاهدي الله، ناظري الله، الله معي، ما المانع أن يكون للضابط ورد يقول من خلاله: الله يراني، الله معي، الله مطلع علي، سبحان الله، اللهم إني أسالك أوبة وتوبة ؟ ما المانع من أن يكون للطالب للأستاذ للموظف ورد ؟ ليتقوى له الوازع الديني، وبالتالي تقوية الوازع الديني تساعدنا على التقدم في مضمار الدنيا والآخرة، تساعدنا لأن نقضي على كل أنواع الفساد وتجلياته وتحدياته، يا هؤلاء اسعوا من أجل تقوية الوازع الديني، انشروا ثقافة الإيمان بالله، ثقافة الإيمان بالله حقاً، الله شاهدي، الله ناظري، معاذ الله، انشروا ثقافة معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي حتى تغيب وتتضاءل الفاحشة من أرضنا، ويتضاءل ويقل ويُباد الفساد من أرضنا ومن وطننا.

ثالثاً: دعموا الروابط الأسرية فيما بينكم، حافظوا على الترابط الأسري فتفكك الأسرة سبب من أسباب لجوء الشباب إلى المخدرات، لقينا أكثر من متعاطٍ فسألناه عن السبب، فقال أحدهم: أبي يضرب أمي. وقال الآخر: أمي تخون أبي. وقال الثالث إخوتي يعاملونني بقسوة. وقال الرابع: أبي لا يأتِ إلى البيت وهو ملتهٍ بشهواته ونزواته وسهراته الفارغة وخامس قال: البيت عندنا لا يعدوا أن يكون غرفة في فندق في مكان يشع الفساد فيه، وفي مكان يتراكم الضر والإثم والفاحشة فيه. وسادس وسابع... أيها الأب ارعَ أسرتك. أيتها الأم عليكِ بأسرتك. تحدثت هنا على هذا المنبر منذ أكثر من خمسة أشهر وقلت لكم: يا إخوتي إن مشكلة الخادمات غير المسلمات أو الخادمات الغير عربيات وغير السوريات أو بالأحرى إن مشكلة الخادمات المستوردات مشكلة تودي بأبنائنا إلى أن يلجؤوا إلى فاحشة أو إلى مخدِّر، لأن الأم نصّبت هذه الخادمة نائبة عنها ووكيلة عنها، فالولد لا يرى أمه بل يرى الخادمة، والولد لا يكلم أمه بل يكلم الخادمة، حتى لسان الولد أصبح معوجاً لأن لسان الخادمة معوجاً... اتقوا الله في أسركم، نحن نفتخر عندما نتحدث عن الأسرة في الإسلام على أنها أسرة مترابطة، الأب يرحم أولاده، والأولاد يُبجِّلون آباءهم وأمهاتهم، والأم الجنة تحت أقدامها، أين هذه الصورة اليوم في بلادنا في مجتمعنا في سورية في البلاد العربية ؟ هيا إلى تدعيم الترابط الأسري فيما بيننا حتى نقضي على المخدرات.

رابعاً: عدلوا الفنون، أيها المسؤولون عن الإعلام تريدون أن نقضي على المخدرات ثم بعد ذلك تقدمون للناس أجواء مليئة بالفحش، مليئة بالتهدم، مليئة بما يثير عند الإنسان غريزته الحيوانية، مليئة بكل ما يضر بنا وبأنفسنا وبعقولنا وبقلوبنا، عدِّلوا الفنون ليس هذا بفن، مَنْ قال أن الرقص فن ؟ من قال أن العري فن ؟ من قال بأن السهرات الماجنة والتي تعرض على التلفاز فن ؟ ليست هذه بفن، عندما تقولون عن هذه الأمور بأنها فن إذاً سيقول لكم من يتعاطي المخدرات بأن تعاطي المخدرات فن، لأن هذه الأمور تسموها فناً زوراً وبهتاناً تقضي على ما تقضي عليه المخدرات، تقضي على الدين، تقضي على العقل، تقضي على العرض، تقضي على المال، هذه الفنون ليست هذه التي تطلقون عليها بأنها فنون، لا، عدلوا الفنون.

خامساً: عدلوا القوانين، وهذا يعني أن الخمر محرَّم كالمخدر، فلمَ تفرقون بين الخمر والمخدر ؟ إذا كانت المنظمات الدولية قد خصصت يوم أمس في كل سنة لتجعله يوماً لمكافحة المخدرات، فهل الخمور أقل ضرراً من المخدرات حتى لا يُجعل يوم من أجل مكافحة الخمور ؟ الخمور تُذهب العقل بشهادة القرآن الكريم: ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون﴾ عدلوا القوانين، واعتقد أن هذا سبيل من السبل للقضاء على المخدرات.

أخيراً: مكافحة البطالة الصريحة والمقنعة، وأعني بذلك أن تتولى الحكومة وبكل قوة القضاء على الفقر، من خلال رعاية الناس الفقراء، من خلال توظيفهم، وظفوا الفقراء، وظفوا حاملي الشهادات ولا تحتجوا بأن الميزانية لا تكفي، فأنتم مسؤولون، فإما أن تكونوا على قدر المسؤولية أو أن تعلموا بأنكم غير قادرين على متابعة القيام بالمسؤولية بشكل صحيح، الفقر سبيل من سبل التعاطي مع المخدرات، لأن الإنسان الفقير والذي فرض عليه الفقر فرضاً يريد أن ينهزم من حاله التي يعيش فيها، كما أن الغنى الفاحش الآتي عبر طرق غير مشروعة سبيل من أجل تعاطي المخدرات، فلا غنى فاحشاً عبر طرق غير مشروعة وإنما يجب على الدولة أن ترعى هذه القضية، أن تزيح الغلاء ما استطاعت عن الناس كأن تدبر وأن تؤمن للناس العمل حتى يعيشوا عيش الإنسان، أو عيش الكفاف على الأقل، عيش الإنسان الذي لا يمد يده من أجل أن يسأل هذا أو أن يسأل هذا، وإنه إن يسأل هذا وهذا، فهذا ينهره وهذا يرده، وبالتالي يأوي الفقير إلى مخدر حتى ينهزم من الحياة، فإن لم يكن أمامه مخدر فأمامه انتحار، خلصوا الفقراء من مخدر ومن انتحار، أيتها الدولة أيها الأغنياء أيها المسؤولون عن الفقراء سواء أكنتم عناصر أو أفراد في الدولة أو كنتم أغنياء لا تمتون إلى الدولة بوظيفة، ولكن الفقير أمانة في أعناقكم من أجل أن لا يلجأ إلى شيء قد يخرجه عن التفكير في قضاياه، ومن أجل ألا يخرج بهذا السم القاتل عما هو من ضيق وضنك.

أسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً من أجل أن نعي مسؤليتنا نحو بعضنا نحو أرضنا نحو وطننا نحو ديننا نحو فقيرنا نحو غنينا نحو مجتمعنا كله، وأكرر كلنا مسؤولون، ويجب أن لا يعفي أحد من نفسه من مسؤولية. ليست المسؤولية فقط على الحاكم منا، على المسؤول الرسمي منا، وإنما المسؤولية علينا جميعاً، وإن كانت المسؤولية تتفاوت حجماً وكبراً من إنسان إلى إنسان إلا أن الجميع منا مسؤول، ما دام إنساناً فهو مسؤول، مادمت إنساناً فأنت مسؤول، والإنسانية مرتبطة بالمسؤولية أنا أشعر بأني مسؤول إذا أنا إنسان، ويوم أفقد الشعور بالمسؤولية سأفقد إنسانيتي كلها لا شك في ذلك ولا ريب.

فاللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول واستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 27/6/2008

التعليقات

شاركنا بتعليق