آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
الإنسانُ مَبنىً ومَعنىً فلنعتَنِ بهما معاً

الإنسانُ مَبنىً ومَعنىً فلنعتَنِ بهما معاً

تاريخ الإضافة: 2023/01/13 | عدد المشاهدات: 613

أمَّا بعد، فيا أيُّها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

لو سألتُ واحداً منكم: هل الإنسان مادةٌ فقط، لأجاب: لا، الإنسان مادةٌ وروح، ولـَتَابعَ مؤكِّداً: الإنسان مَبنىً ومَعنى، الإنسان خَلْق وخُلُق. ولو سألتُه سؤالاً آخر: أيُّ القسمين أهمّ ? هل الجسم أهمّ أم الروح ? هل المبنى أم المعنى ? هل الخَلق أم الخُلُق ؟ أعتقد أن جوابه سيكونُ الخُلُق أهمُّ من الخَلق، من الشَّكل، والمعنى أهمُّ من المبنى، والروحُ أهمُّ من الجسم، ولطالما تغنَّينا ببيتٍ يقولُ فيه قائله:

أقبِل على النَّفسِ واستكمِل فَضائلَها                    فأنتَ بالرُّوحِ لا بالجسمِ إنسانُ

سأسألُه سؤالاً ثالثاً: إذا كان الأمر كما تقول، أي إذا كان الإنسانُ جسماً وروحاً، وإذا كان الإنسان مَبنىً ومعنىً، وإذا كان الإنسان شكلاً وخُلقاً أو خَلقاً وخُلقاً، وإذا كان الخُلق أهمَّ من الخَلق، وإذا كان المعنى أهمَّ من المبنى، أو كانت الروح أهمَّ من الجسم، إذاً خَبِّرني بربك: لمَ هذا الاهتمام الكبير بالجسم، ولمَ هذا الأهمال للروح والمعنى والخُلُق، لماذا هذا الاهتمام ? سيقولُ لي: وكيفَ ؟ أقولُ له: تسعى صباحَ مَساء من أجل أن تُغذِّي جسمك بالماء والشَّراب والطعام، ومن أجل أن تحافظ على صحة جسمك بالدَّواء والغِذاء وما إلى هنالك من أشياء يعتمد عليها الإنسان ليحفظ لجسمه صحته، لماذا هذا الاهتمام على حِساب الرُّوح، أو بالأَحرى: تُريدُ أن تهتمَّ بجسمك هذا أمر جيد، لكن لماذا هذا الإهمال للرِّوح، للمعنى ?! أنتَ تُغذي جسمك، أنت تأكل وتشرب، أنت تتداوى، أنت تقوم بالرياضة، أنت تنصحُ الآخرين من أجل صحة الجسم بالمشي، بالقيام ببعض الأمور التي تعود على الجسم بالصحة، لكن باللهِ عليك أينَ الاهتمام الذي يُعادل عُشر الاهتمام بالجسم، أين الاهتمام بالروح الذي يُعادل عُشر الاهتمام بالجسم ؟ تقول لي: ما تقصد بالروح ? أقول لك: يُمثِّلُ الروحَ، يُمثِّلُ المعنى ثلاثة أمور: العقل، النفس، القلب. هل تُغذِّي عقلك كما تُغذي جسمك ? تقول لي: وما غذاء العقل ? أقول لك: غذاء العقل المعرفة، غِذاء العقل العلم، فهل تُغذِّي عقلك بالمعرفة والعلم ? واللهُ قال على لسان رسولِه: (وقُل ربِّ زدني علماً) فهل أنت تزداد عِلماً في كل يوم ? أي هل تقدم غذاء لعقلك في كل يوم ؟ تقدم غذاء لجسمك في كل يوم مرتين أو ثلاث مرات، فهل تقدم لعقلك غذاء هو العلم والمعرفة في كل يوم مرة ؟ ورسولك ورسولي ورسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أتى عليَّ يومٌ لا أزدادُ فيه عِلماً يُقرِّبني إلى الله فلا بُورك لي في شمسِ ذلك اليوم)، لأنني قصَّرتُ في مسئوليتي عن عقلي، قصَّرتَ في مسؤوليتك عن عقلك، فهل تُغذِّي عقلك في كل يوم ? انتبه لهذا، انتبه لمسؤوليتك عن عقلك في الحفاظ عليه، في صيانته، في تقويته، في تمتينه، ولذلك أصبح العقل منا بشكلٍ عام في إجازة، إن لم يكن في إجازة طويلة مديدة كُلية فهو في إجازة متقطعة، وهو في إجازة جزئية، وتكاد الجزئية تكون أغلبية، تكادُ الجزئية تكون أغلبية، وهذا من باب المسؤولية، أنا أضعك أمام مسؤوليتك أيها الإنسان، الروح يمثلها العقل، والعقل تغذيته العلم والمعرفة، والروح يُمثِّلها وتُمثلها النفس، وتغذية النفس وصيانة النفس ورعاية النفس بالأخلاق، "وَقَوِّمِ النَّفسَ بالأخلاقِ تَستَقِمِ"، فهل أنت تعلمُ ما نفسُك ? تريدُ أن تسمع من الشيخ عن مراتب النفس التي قُوِّمت وصُلِّحت بالأخلاق، فهل أنت من أصحاب النفس الأمَّارة: (إنَّ النَّفسَ لأمَّارةٌ بالسُّوء) تحب أن تسمع هل أنت من أصحاب النفس اللوامة، هل أنت من أصحاب النفس الراضية، هل أنت من أصحاب النفس المرضية، هل أنت من أصحاب النفس المطمئنة ? هل تغذي نفسك بالأخلاق، بالسلوك القويم، هل تفتش في كل يومٍ عن خُلُقٍ سيِّءٍ جافيتَه، اجتنبتَه، وعن خُلق حسن تحلَّيتَ به، عن خُلق سيء تخليت عنه، وعن خلق حسن تحليت به ? يا إخوتي: نحن لا نريد أن يكون الكلام في خُطبة الجمعة أو في أي درسٍ يُلقى عبارة عن أُقصوصة أو حكاية، ولكن نريد من هذا الكلام أن يكون مِرآةً نضعها أمامنا حتى نرى حالَنا، حتى نرى ذاتنا على حقيقتها، فهل أنت ممن يغذي النفس بالأخلاق ؟ يُمثل الروح القلب، عَقلٌ ونفسٌ وقلب، فهل أنتَ ممن يُعنَى بقلبه كما يُعنى بجسده ? وهل أنت ممن يُعنى بقلبِ ولده كما يُعنى بجسد ولده ? وهل أنت ممن يُعنى بقلبِ صديقه كما يُعنى صديقه كما يُعنى بصحة صديقه الجسمية ؟ تقول لي: وما غذاء القلب ? أقول لك: غذاء القلب الإيمان أولاً، الإيمان بالله: (يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا) غذاء القلب الإيمان بالله، ربما قلتَ لي: أنا مؤمن، أقول لك: أنتَ مؤمن، هكذا تقول باللسان، ولكن هل أنت مؤمن حين الامتحان ? هل أنت مؤمن حين تُصيبك ضراء فتصبر ? هل أنت مؤمن إذ تصيبك سراء فتشكر ? هل أنت صابر على البلاء شاكر في الرخاء ? امتحان من الامتحانات للإيمان، هل أنت ممن يقف أمام ربه ليقول آمنتُ بك يا رب، فكُن معي، آمنتُ بك يا ربِّ حقَّ الإيمان، يا ربِّ ما دُمتَ أنت معي إذاً فَمَن عَليَّ، يا ربِّ لا اعتماد إلا عليك، ولا لجوء إلا إليك، ولا لَوذَ إلا بك. هل أنت ممن يُجدِّد إيمانه في كل يوم: (يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا) غذاء القلب وصحة القلب من خلال الإيمان بالله: (الذين آمنوا وتطمئنُّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، هل تشعر بجوعٍ في القلب فتقوم لتصلي ركعتين، فعسى قلبك يشبع، هل تشعر بجوع القلب فتذكر ربَّك عَزَّ وجَلَّ، يا رسولَ الله، دُلَّني على شيءٍ أتشبَّث به ؟ قال: (لا يزالُ لسانك رَطباً بذكر الله) هل لك وِردٌ، هل تسبح الله، هل تذكر الله، هل تهلل، هل تكبر، هل تقرأ القرآن الكريم كما قلتُ لك منذ أسابيع وأشهر: هل تتلو القرآن، هل تُحسن النطق، هل تُحسن الفهم، هل تُحسن التدبر، هيا يا أخي إلى الروح، ومن فمك أُدينك، أنت الذي قلت لي بأنك جسم وروح، وأن الروح هي الأهمّ، هي القَسيم الأهمّ. يا إخوتي: مسؤوليتنا أمام القسم الأهمِّ حسب إقراركم منا، ألا وهي الروح التي يمثلها العقل والنفس والقلب، ولكل هذه الأمور غذاؤها ودواؤها وعطاؤها، فاللهمَّ وفِّقنا للقيام بمسئولياتنا عن أجسامنا وعن أرواحنا من خلال قلوبنا ومن خلال أنفسنا ومن خلال عقولنا، نعم من يُسأل ربُّنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهنا، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 13/1/2023

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/i1pZkXztg3/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق