آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
في حِفظِ اللسان تَمَاسُكُ المجتمع

في حِفظِ اللسان تَمَاسُكُ المجتمع

تاريخ الإضافة: 2023/05/19 | عدد المشاهدات: 243

أمَّا بعد، أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

لا شك في أن تماسك المجتمع وترابطه أمرٌ مطلوب على سبيل الوجوب، ومما يؤثر سلباً على تماسك المجتمع عدمُ حفظ أفراده ألسنتهم، إن لم يحفظ أفراد مجتمعٍ ما ألسنتهم فالمجتمع لن يكون مُتماسكاً ولن يكون قوياً، ومن أهمِّ ما يجب أن تحفظ عنه لسانك: "الاتهام" وتلك مُشكلةٌ مُستفحِلة في مُجتمعنا، الكُلُّ يَتَّهِم الكُل، وما أسهلَ الاتِّهام اذ يجري على ألسنتنا، فما أكثر ما نسمع من فلان وهو يتحدث عن فلان ويصفه بما ليس فيه، أو على الأقل بما ليس متأكداً من أنه فيه، يصفه ويقول فلان شحيح، فلان قليل دين، فلان كذا .... وهكذا يكيل له الاتهامات جُزافاً من دون رقابة ضمير، ومن دون رقابة الله عز وجل. فلنحفظ ألسنتنا عن الاتهام، (اجتنبوا كثيراً من الظنِّ) دعانا الله عز وجل لاجتناب كثيرٍ من الظن من أجل بعضه الآثم، (إن بعض الظن إثم) اجتنبوا الكثير من أجل أن لا تقع في القليل (اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم) والله عز وجل يقول: (والذين يُؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بُهتاناً وإثماً مُبيناً) أنت تُؤذي مُؤمناً فتقول عنه "فلان فاسق، فلان بخيل، فلان صالح، فلان فاسد..." ولا تملك الدليل على ذلك وأنت غير معني بهذا الوصف لأنك لستَ في مقام الشهادة حتى تُدلي بشهادتك، وإنما تتطوَّع أنت لتقع في بُؤرة الاثم وفي بؤرة الفجور وفي بؤرة الفساد وفي بؤرة عصيانٍ لله عز وجل. يا إخوتي قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ثمة حديث علينا أن ننتبه إليه: (مَنْ قالَ في مؤمنٍ ما ليسَ فيه فيه سَقاهُ اللهُ مِن رَدْغَة الخَبال) يا رسول الله وما ردغة الخبال ? قال: (عُصارةُ أهل النار) وفي رواية: (أسكنه اللهُ رَدغة الخَبال. وما ردغةُ الخبال يا رسول الله ؟ قال: عُصارة أهل النار) هل تُريدُ أن تُسقى من رَدغة الخبال، من عصارة أهل النار?! إذاً أطلق للسانك العنان من أجل أن تتهم هذا أو ذاك والأفظع من هذا أن يصل الاتهام إلى حد الكفر أو الفسوق، وما أكثر ما يقع هذا في مجتمعاتنا، ويكاد هذا الأمر يصبح أمراً طَبَعياً على ألسنة الناس، فلان ليس بمؤمن، فلان كافر، فلان ارتكب كُفراً... احفظوا ألسنتكم، مُجتمعكم مُنهار لأن ألسنتكم غير محفوظة وغير مَصونة. الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يرمي) ليس لا الناهية وإنما لا النافية، (لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق) أي ما رمى رجلٌ رجلاً بالفسوق، (لا يَرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدَّت عليه) ارتدت على الرامي. إن رميت إنساناً ما بالكفر فأنت الكافر، إن رميت إنساناً ما بالفسق فأنت الفاسق، وما أكثر ما نفعل هذا ولا سيما فيما مضى من السنوات التي كانت سنوات عِجافاً، مُطِرنا خلالها بوابل من عذاب ومن شقاء ومن وباء ومن ضياع ومن خراب ومن دمار، وفي حديث آخر: (ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال يا عدوَّ الله إلا حَارَ عليه) رجع على هذا الذي قال، فأنت إن قلت لإنسان ما "يا كافر" أو "يا عدوَّ الله" فأنت الكافر وأنت عدو الله. هكذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، القضية خطيرة يا إخوتي، وذاكروا بينكم وبين أنفسكم وذكروا أنفسكم وتذكروا ما صَدَر عن ألسنتكم وألسنتنا عبر أيام مضت، عبر شهور مضت، عبر سنين مضت، عبر هذه الأيام التي عشناها فسترون أننا كنا قد أطلقنا لألسنتنا العِنان لتسبح في بحور الظلمات، في بحور الخطايا، في بحور الآثام، وبعد ذلك نقول: لمَ لا نكون من المنتصرين ? لم لا نكون من الناجحين ? أنت الذي سلكت طريقاً ليست بتلك التي توصلك إلى النجاح ولا إلى الفلاح، بل سلكت طريقاً توصلك إلى هذا الذي تعيش فيه، إلى الذل والانحطاط، إلى الضياع الذي يُلِمُّ بنا، ويَحُفُّ بنا.

أيها الإخوة: ثمة حديثٌ مشهور عن سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه أحببت أن أقرأه عليكم بحرفه، وهذا الحديث معروف مشهور، يقول أسامة رضي الله عنه: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَرِيَّة، والسرية هي عبارة عن معركة ولكن ليس فيها رسول الله، وإذا كان فيها رسول الله فهي غزوة، يقال أسامة: بعثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سَرية فأدركتُ رجلاً فقال: لا إله إلا الله، أي أدركتُ رجلاً من الكفار، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته على الرغم من قوله لا إله إلا الله، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرتُه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أَوَ قال لا إله إلا الله وقتلته ?!) كَمْ قَتلنا مَن قال لا إله إلا الله ! (أَوَ قالَ لا إله إلا الله وَقتلته ? قلتُ: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السِّلاح. فقال عليه الصلاة والسلام: أفلا شَقَقتَ على قلبه ?! حتى تعلم أقالها كذلك أو لا، أفلا شققتَ على قلبه ? هل تستطيع أن تشقَّ على قلبه ? (أفلا شققتَ على قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ?) فما زال يُكرِّرها أقتَلتَه وقد قالها يا أسامة ? أقتلته وقد قالها يا أسامة ? ما زال يُكرِّرها النبي حتى قال أسامة حتى تمنيتُ أني لم أكن قد أسلمت يومها وأني أسلمت يومئذ) يوم حدثت النبيَّ عليه الصلاة والسلام. راوي هذا الحديث سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال رجل بعد أن أنهى سيدنا سعد هذا الحديث يحدث به الناس، رجل لسعد، وهؤلاء كثيرون في مجتمعاتنا اليوم، يعترضون على الشيخ، يعترضون على الموجِّه، يعترضون على الذي يتكلم عن علم، قال له: يا سعد ألم يكن ربنا عز وجل قال: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) ?! اسمعوا ما قاله سعد، قال سعد لهذا الرجل: قد قاتلنا - انتبهوا يا اخوتي – "قد قاتلنا حتى لا تكونَ فِتنة، أما أنت وأصحابك فقد قاتلتم حتى تكون فتنة". وهذا ما كان، وهذا ما وقع، من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله صَانَ نفسَه، فهو في حَصانة، هيهاتَ هَيهات أيها المسلمون، لقد وقعنا في الاتهام، وفوق الاتهام أو دون الاتهام، أعني أدنى منه حقارة وقعنا في التكفير، فبين اتهام وتكفير يعيش مجتمعنا، ويريد بعدها أن يكون مُجتمعاً راقياً، مجتمعاً مؤمنا، مجتمعا يستحقُّ النَّصر بجدارة. لا يا إخوتي، هذا الذي نسلكه ليس طريقاً توصلنا إلى النصر، ولكنها توصلنا إلى الخذلان، فاحفظوا ألسنتكم، ولا يَتَّهمنَّ بعضُكم بعضاً، ولا يُكفرنَّ بعضُكم بعضاً، وإلا فالدمار الذي وقعنا فيه ربما كانَ أقلَّ من الدمار الذي سنلقاه، لكنني أسأل الله عز وجل أن يردنا إلى ديننا الحق رداً جميلاً، نِعْمَ مَن يُسأل ربنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهنا، أقولُ هذا القول وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 19/5/2023

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/kDhHNXgz4-/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق