آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
المسؤولية وجود

المسؤولية وجود

تاريخ الإضافة: 2024/01/31 | عدد المشاهدات: 120

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:

قالوا قديماً على لسان أحد الفلاسفة: "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، وأقول: "أنا أشعر بالمسؤولية إذاً أنا موجود" الإنسان يساوي مسؤولية، إن أحسست أو شعرت بالمسؤولية فأنت إنسان موجود، يعني فعلاً موجود، والمسؤولية أمانة: (إنا عرضنا الأمانة على السَّموات والأرض والجبال فأبينَ أن يحمِلنها وأشفقنَ منها وحملها الإنسان إنه كانَ ظلوماً جَهولاً) تسألني المسؤولية عن ماذا ? أنت مسؤول أيها الإنسان، وأنت أيها المسؤول إن كنت تشعر بالمسؤولية فأنت إنسان مسؤول عن ماذا ? مسؤول عن جسمك من أجل أن ترعاه، وأن تُبعدَ عنه ما يُؤذيه، مَسؤولٌ عن عَقلك من أجلِ أن تجعله يسيرُ في خَطِّه الصَّحيح كما تكلمنا في الأسبوع الفائت، يسيرُ في التفكر الذي يُوصلك إلى الإيمان بالله عز وجل، أنت مسؤولٌ عن قلبك من أجل أن يُمَتِّعَ هذا القلب بحُبِّ اللهِ وحُبِّ رسوله، وحُبِّ الصَّالحين، وحب الخير. أنت مسؤول أيها الإنسان عن جوارحك من أجل أن تستعملها فيما يُرضي ربَّك الذي آمنتَ به حسبَ ما قادَك إليه عقلُك، أنت مسؤول عمَّن حَولك، فإن كُنتَ أباً فأنت مسؤول عن أسرتك تربيةً ورِعايةً (كفى بالمرءِ إثماً أن يُضيِّعَ مَن يَعُول) مسؤولٌ عَمَّن حولك إذا كنت أستاذاً فأنت مسؤولٌ عن طلابك تَعلُّماً وتَعليماً وتوجيهاً وتربيةً وتخلقاً وتَخليقاً، إن كنت حاكماً فأنت مسؤولٌ عن مُواطنيك عدلاً، عليك أن تعدل فيهم، إن كنت صاحبَ مصنعٍ فأنت مسؤول عن عُمَّالك من أجل أن يكونوا في دائرة العدالة وفي دائرة الاستحقاق الصَّحيح، إن كنتَ إن كنت... أنت مسؤول عمَّن حَولك، وعمَّن للعاقل، وأنت مسؤولٌ عمَّا حولك، وعَمَّا حولَك عن الجمادات، عن الأشياء، عن لباسك، عن أرضك، عن حديقتك، عن وطنك، عن بلدك عِنايةً ورِعايةً، وعليك أن تكون راعياً لما حَولك من جَمادٍ وحيوان،  مسؤولٌ عن الحيوان، مسؤول من أجل أن تكون مع هذا الحيوان رَفيقاً رَقيقاً، ومع الجَمادِ مُعَمِّراً وبَنَّاءً، لا مُخرِّباً ولا مُهتِّكاً، أنت مسؤول، فهل تُفكِّر بهذه المسؤولية صباحَ مَساء ? هل تستيقظ وتقول بينك وبين نفسك: أنا مسؤول، وعَمَّا أنا مسؤول ؟ أنت مسؤول عن هذا الذي ذكرت، وعليكَ أن تُفصِّل أكثر وأكثر بحسبِ عملك وشغلك، بحسب مكانتك ووظيفتك، واسمع مني هذا الحديث المعروف المشهور، ولربَّما قرأتَه وتلوتَه مئات المرات، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسأَلَ عن أربع: عن جَسده فيما أبلاه)، فيمَ أبليتَ جَسدك، بالسَّهر الفارغ، باللهو، بالمعاصي، بالآثام (عن جَسده فيما أبلاه، وعن عُمره فيما أفناه، وعن مالِه من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعمَّا عَمِلَ فيما علم) عن علمه فيما عمل فيه، إن تعلَّمتَ ولو كانَ أمراً بسيطاً، ماذا عَمِلَت بهذا العلم ? هل عَلَّمتَ الآخرين ? هل طبَّقتَ العلم، أم أبقيت العلم في صدرك من غير ما تعليم، ومن غير ما تطبيق، (لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ عن أربع)، وفي رواية: (عن خَمس) والخَمسُ عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) عن مالِه من أين اكتسبه، هذه واحدة، وفيما أنفقه هذه ثانية، وليس ثمة تعارض بين الروايتين.

وتطلبُ مني أن أبينَ لك ما يُقوِّي هذه المسؤولية فيك، يعني تسألني كيف أقوِّي وأدعم وأؤيد هذه المسؤولية فيَّ ? أقول لك: أولاً وأخيراً رَدِّد بينك وبين نفسك وقل: "الله شاهدي، الله معي، الله يراقبني" الله يراقبك، وكما قلت لك بالأمس: اللهمَّ اجعَل سَريرتي خيراً من عَلانيتي، واجعل عَلانيتي صالحة، (يَعلَمُ خَائنةَ الأعينِ وما تخفي الصُّدور)، (ونعلمُ ما تُوسوسُ به نفسه ونحن أقربُ إليه من حبل الوريد)، راقبِ اللهَ عز وجل: (أن تعبدَ اللهَ كأنَّكَ تَراه) راقب المولى جَلَّ وعَلا، يقول أحدُ الشُّراح لهذا الحديث: أن تُراقبَ مُراقبةَ اللهِ لك، الله يراقبك، أنتَ لن تُراقبَ اللهَ بالمعنى الظاهر، ولكن عليك أن تُراقب وأن ترقُبَ مُراقبةَ الله لك، اللهُ معَك حيثما كنت، (ورَجلٌ ذَكَرَ اللهَ خالياً ففَاضَت عيناه) ممَّا يدعمُ المسؤولية أن تعلمَ عِلمَ اليقين أنَّ الله مُطَّلعٌ عليك ويراك، يقولُ نافع رضي الله عنه تلميذ الإمام الصَّحابي عبد الله بن عمر رضي الله عن الجميع، كما يروي صاحب "صِفة الصَّفوة" وكما يروي الطَّبراني، يقول: خَرجنا مع ابن عُمر إلى نواحي المدينة وجلسنا ووضعنا سُفرةً لنأكل طعاماً، وإذ بابنِ عُمر رضي الله عنه يَرى راعياً غُلاماً عبداً، ومعه غنمات، ومعه شِياه، يقول ابن عمر لهذا: تَعَالَ فكُل مَعَنا. فقال هذا الراعي: إني صائم. قال: أفي هذه الأيام القائظة ؟! قال: أبادر هذه الايام من أجل أن أكون عند الله نَاجياً في أيام أصعب، في يوم القيامة، قال له ابن عمر: أعطِنا شاةً. أعطِنا جَزَرة، أي شاة مُعَدَّةً للذَّبح. فقال هذا الراعي: لستُ رَبَّها، أي لستُ صَاحِبَها وإنما هي لمولاي، ولا أقدرُ ولا أملك أن أعطيكم هذه، لأنها ليست ملكي. فقال له ابن عمر رضي الله عنه: يا هذا بِعْنَا إياها. قال أيضاً: لستُ مُوكَّلاً بذلك. فقال له: وماذا يكون لو أنك قلتَ لصاحبك أكلها الذئب ؟! بعنا هذه الشاة وخُذ ثمنها، فإذا جاءَ صاحبُ الشِّياة قُل: أكلَها الذئب. أولا يُصدِّقُ ؟! فنظرَ هذا الراعي الغلام العبد، نظر إلى ابن عُمر وقال: نعم، يُصدِّقني، ولكن أينَ الله ? وابنُ عمر الله رضيَ الله عنه كأنَّه كان يمتحنه. فسألَ عن هذا الراعي مولاه، فذهبَ إلى المدينة واشترى الراعي، واشترى الغنم، فأعتقَ الراعي، أعتق الغلام، وأهدى هذا الراعي الغنم الذي اشتراه. كانَ عَبداً مَأموراً يرعى الغنم، فأصبحَ حُرَّاً يملك الغنم، لأنه قال: وأين الله ? هل تقولون أنتم حينما تُدعون إلى أمر ولا رقيبَ عليكم إلا الله: أين الله، هل تَستشعرون مَسؤوليتكم عن بلادكم، هل تستشعرون مسؤوليتكم عن فلسطين ? أم إن القضية أدمنتم على أن تنظروا إليها على أنها قضيةٌ طويلة، وبالتالي لا تستأهل أن نفكر فيها كل ساعة، هل تستشعرون مسؤوليتكم عن وطنكم، عن أرضكم ؟ هل تستشعرون مسؤوليتكم عن شبابكم، عن أبنائكم، عن طلابكم، عن حَجركم، عن شجركم، إني لأمشي في الشوارع ولا أشعر بأن هناك من يشعر بمسؤوليته عن أرضه، عن الشارع، عن الطريق، عن المكان، عن القمامة التي تُرمى هنا وهناك، مسؤولية ينبغي أن نقوم بها وإلا فنحن خائنون، لذلك قررتُ هذا اليوم أن أحدثكم عن المسؤولية، من أجل ان نعيد النظر في ما نفكر فيه بيننا وبين أنفسنا، لأؤكد على مقولتي التي ابتدأتُ بها: أنت مسؤول، إذا أنت إنسان، أنت لا مسؤول، إذاً أنت خَلعتَ عنك ثوبَ الإنسانية. لا تُحدِّثوني بغير ذلك، فـ: (لعنَ اللهُ مَن غَيَّر مَناراتِ الأرض) هكذا ورد في الأثر عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام، اي لم يستشعر مسؤولياته عن الأرض، عن الشوارع، عن إشارات المرور، عن شَارات الشوارع، هذا ملعون لأنه غيَّرَ وأباد وبَدَّد مَنارات الأرض، اللهمَّ اجعلنا ممن يستشعر مسؤوليته عن إنسانيته وعن دينه وعن عقله وعن قلبه وعن جسده وعن جوارحه وعمَّن حوله وعما حوله، نِعْمَ مَن يُسأَلُ أنت، ونَعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 26/1/2024

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/pPme4E4zGI/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق