آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
بَراهينُ الرِّضا بالله رَبَّاً

بَراهينُ الرِّضا بالله رَبَّاً

تاريخ الإضافة: 2024/04/19 | عدد المشاهدات: 90

 

أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:

هناك عندَ الإنسان صفات، وهناك أحوال، أنتَ تتَّصفُ بصفات وتَعترضك أَحوال، أو تكون أنت صاحب حال، الصفاتُ الإيجابية كالصدق والأمانة والوفاء، والأحوالُ الإيجابية كالرِّضا والتَّسليم والاطمئنان، والصفات السَّلبية كالكذب والخيانة والغدر، والأحوال السَّلبية كالقَلق والاضطراب والضَّجَر والشَّكوى. ما يهمني من الصِّفات والأحوال حال ننشُدها، ما الحال التي تنشدها وتريد أن تكون متحلِّياً بها ? الرضا. وهل أحدٌ منكُم لا يُريدُ أن يكونَ راضياً ? لكنني إن سألتك الرِّضا بماذا، أنتَ تطلبُ الرِّضا، وتريدُ أن تكونَ راضياً لكن بماذا أنت ترضى ? أن تكونَ راضياً بالله رباً، يُربِّيك، يُدَبِّر أمرك، يُقَلِّبُك كيفَما شاء، يُثبتك على العبودية له، ولذلك جاءَ في الحديث الصَّحيح: (مَن رَضِيَ باللهِ رَباً، وبالإسلامِ ديناً، وبمحمدٍ نبياً ورَسولاً فقَد وَجَبت له الجنة)، وفي رواية: (مَن قال) وكانَ قولُه مُعبِّراً عن حال، (مَنْ قال: رضيتُ باللهِ رَبَّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رَسولاً ونبياً فقد وَجَبت له الجنة)، وفي رواية: (مَن قالَ رَضيتُ بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً ونبياً فأنا الزعيم "أي أنا الكفيل" (فأنا الزَّعيمُ لآخُذنَّ بيده حتى أُدخِلَهُ الجنة)، والسُّؤال: هل أنت راضٍ بربك ? هل أنت راضٍ بالله يُدبِّر أمرك،

لَا تُدَبِّر لكَ أمراً                             فذووا التَّدبيرِ هَلْكى

اتركِ الأمرَ إلينا                              نَحنُ أولى بِكَ منك

خُذ الأسباب ثم قُل: اعتمدتُ عليكَ يا رب، توكَّلت عليك يا رب، لا تعتمد على الأسباب، اتخذ الأسباب وخذ بها واعتمد على رَبِّ الأسباب، لأن الذي يُنتج الأثر هو الله جَلَّت قُدرَتُه، هل أنت راضٍ ? ستقولُ لي نعم إن شاء الله. أقول لكَ ثمةَ بَراهين على أنك راضٍ.

البرهان الأول: الإيمان باللهِ عَزَّ وجَل، (يا أيُّها الذين آمَنُوا آمِنُوا بالله ورَسوله والكتابِ الذي نَزَلَ على رسوله) فَعِّلوا إيمانكم، أنت مؤمن تقول عن نفسك بأنك مؤمن، ولكن هل تُفَعِّل إيمانك ? وتفعيلُ الايمان يُنتِجُ أمرين لا ثالثَ لهما، يُنتِجُ صَبراً في الضَّراء، وشُكراً في السَّراء، فَحَالُك كُلُّها خير، (عَجَباً لأمرِ المؤمن، إنَّ أمرَه كُله له خير، إن أصابَتهُ سَرَّاء شَكَر فكانَ خَيراً له، وإن أصابَتهُ ضَرَّاء صَبَر فكانَ خَيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن). الإيمان بُرهان الرِّضا، تفعيلُ الإيمان، كُلنا مُؤمنون، بَيْدَ أنَّ إيمانَنا غَير مُفَعَّل كَمَثَلِ آلةٍ لم تُشَغِّلها، كَمَثَلِ سيارةٍ لم تجعَل فيها الوقود، ولم تُسَيِّرها، فَعِّلوا إيمانكم لِيُنتِجَ شُكراً وصَبراً ولا ثالثَ لهما، إما أن تكون صابراً وهذا حال، وإما أن تكون شاكراً وهذا حال، أما أن تكونَ ضَجِراً فمعنى ذلك أنَّ الإيمان لم يُفَعَّل وأنَّك في الإيمان مُدَّعٍ.

البُرهان الثاني: الطَّاعة، (ومَن يُطِعِ اللهَ والرَّسولَ فأولئكَ معَ الذينَ أنعمَ الله عليهِم من النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالحينَ وَحَسُنَ أولئك رَفيقاً)، هُناكَ قَيد للطَّاعة، الطَّاعة في المَنشَط والمكرَه، في العُسر واليسر، في الفَقر والغِنى، في الصِّحة والمرض، إن مرضتَ فأنتَ مُطيعٌ لله عَزَّ وجَل، ولذلك لما تُوِّفي إبراهيم ولدُ النَّبي المصطفى صلى الله عليه وعلى أبيه وسَلَّم، قال سيِّدُنا المصطفى: (إنَّ العينَ لتدمَع، وإنَّ القلبَ ليَحزَن، وإنَّا على فِراقك يا إبراهيمُ لمحزونون، ولا نقولُ إلا ما يُرضِي رَبَّنا، إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون) عليكَ أن تكونَ في المنشَطِ والمكره طائعاً للهِ عَزَّ وجَل. يحلو لِبعضنا أن يكونَ طائعاً لله في المنشَط دونَ المكرَه، في الغِنى دونَ الفقر، في الصِّحةِ دُونَ المرض، هذه طاعة مَشْلُولة، لا يُمكِن أن تُسمَّى طاعةً لأنها شَطْرُ طاعة، والشَّطرُ لا يُعطَى حُكمَ الكل.

البُرهان الثالث: الحب، هل أنت تحبُّ ربك ؟ تقولُ بأنك راضٍ بالله رباً، برهان الرِّضا أن تكون مُحِبَّاً لربِّك، (قُل إن كانَ آباؤُكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجُكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشونَ كَسَادَها ومساكنُ تَرضونَها أحبَّ إليكم من اللهِ ورَسوله وجهادٍ في سبيله فتربَّصوا) والحُبُّ - كما قلتُ لكم في سالفِ الزَّمن - الحُبُّ حُبان: حُبٌ عَقلي وحُبٌّ قَلبي، الحُبُّ العَقلي يَدفَعُك للاقتداء، والحُبُّ القلبي يدفعك للافتداء، (إنَّ اللهَ اشترى من المؤمنينَ أنفُسَهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة) تحبُّ الله، تقول نفسِي الفداءُ لربي عَزَّ وجَل، لشرعةِ ربي، حيث يأمُرني ربي، لَبَّيكَ اللهمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شريكَ لكَ لَبَّيكَ، إن طُلِبَ مِنَّا أن نُقدِّم المهَج من أجل رَبِّنا عَزَّ وجَل فسنُرخِصُها، حُبُّ القلبِ يدفعك للافتداء، (أشدُّ أمتي حُبَّاً لي ناسٌ يأتونَ بعدي يَوَدُّ أحدهم لَو رآني بأهلِه ومَالِه) أَفتَدي رؤية رسول الله، أتمنى لو أني أرى رسولَ الله ولو ذهبَ أهلي ومالي، هذا هو الحب القلبي الذي يُنتِجُ فِداءً وتضحية في سبيِل المحبوب.

هذه هي براهينُ الرِّضا، فهل أنتَ راضٍ باللهِ ربَّاً ? انظُر البراهين، إن كنتَ قد أقمتَها أو حَقَّقتها أو تحقَّقَتْ بك فاعلم بأنَّ النبيَّ المصطفى صلَّى الله عليه وسلم سيأخذُ بيدك حتى يُدخِلك الجنة، وهذه أخبارٌ مَوثوقة صَحيحة، قُولُوا من قلوبكم: رَضِينا باللهِ رَباً، وبالإسلامِ دِيناً، وبالقرآنِ كتاباً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وتبرَّأنا من كل ما يُخالِفُ ذلك ظاهراً وباطناً، قولوا رضينا بالله رباً، ورضينا بأمرِ الله إذ أمرنا بالجهاد في سبيله، والجهاد في بيتِ المقدس في عصرنا الرَّاهن وليسَ في مكانٍ آخر، اللهمَّ بِسِرِّ الرَّاضين بِكَ رَباً، وبمحمدٍ نَبياً انصُر إخوتَنا في فلسطين على أعدائِهم أعداءِ الدِّين، وانصُرنا على كُلِّ مَن يَبغِي علينا يا ربَّ العَالمين، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله. 

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 19/4/2024

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/ 

لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

 

التعليقات

شاركنا بتعليق