آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
دلائل الإيمان - 2

دلائل الإيمان - 2

تاريخ الإضافة: 2010/09/03 | عدد المشاهدات: 3426

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون المسلمون:

وها نحن أولاء نتابع جوابنا لذاك الذي سأل عن إيمانه وكيف يمكنه التحقق من إيمانه، وقد ذكرنا قبل علامات الإيمان ودلائل الإيمان، ذكرنا أن الإيمان أهم من الإسلام، فقد يكون المنافق مسلماً لكنه لا يمكن أبداً أن يكون مؤمناً. تحدثنا في خطب سابقة عن ثمرات الإيمان وعن الوسائل التي من خلالها نقوي إيماننا، ثم ذكرنا في الأسبوع الماضي وأجبنا على سؤال السائل الذي قال: كيف أتبين إيماني، وكيف أتأكد من أني مؤمن ؟ وهل ثمة دلائل من خلالها أتعرف وأستدل على إيماني ؟

أجبناه وقلنا: هناك خمس عشرة علامة وخمسة عشر دليلاً على إيمانك، ذكرنا منها ست علامات وأدلة، هذه الأدلة التي ذكرناها الأسبوع الفائت هي: الخضوع لحكم الله عز وجل، محبة المؤمنين، اقتران الإيمان بالعمل الصالح، وَجَل القلوب والثبات على الحق، الصدق والأمانة، الوفاء وعدم الغدر والخيانة.

ذكرنا ست علامات في الأسبوع الفائت من خلالها تتعرف على نفسك فيما إذا كنت مؤمناً، إن كنت متحققاً بهذه العلامات وبهذه الأدلة فأنت مؤمن، وها نحن أولاء نتابع لنوصل هذه الأدلة إلى خمسة عشر دليلاً أو إلى خمس عشرة علامة.

العلامة السابعة التي من خلالها تتبين فيما إذا كنت مؤمناً أو لا: هي حسن الخلق بشكل عام، ولقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث يرويه أبو داود: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) تتناسب زيادة الإيمان مع زيادة حسن الخلق، إن تحسنت أخلاقك فإيمانك يتحسن وإن ساءت الأخلاق لا سمح الله فإن الإيمان ينزل مستواه ويهبط مستواه، لذلك تأكد من نفسك إذا كانت أخلاقك حسنة فأنت مؤمن وإلا فالقضية تحتاج إلى مراجعة، وإن المسلم ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، هذه هي العلامة السابعة.

أما العلامة الثامنة: فهي الإنصاف من نفسك، أن تكون منصفاً، وقد ذكرت لبعض الإخوة تعريف الإنصاف كما رأيته، الإنصاف أن تجعل هذا الذي أمامك مكوناً من نصفين، مكوناً من نصفٍ منه ومن نصفٍ منك، وأن تجعل من نفسك نصفين نصفاً منه ونصفاً منك. فحين تخاطب هذا الذي أمامك تخاطب نفسك وحينما يخاطبك هذا الذي أمامك فإنما يخاطب نصفه. الإنصاف أن تنظر إلى هذا الذي أمامك على أن فيه نصفك وعلى أن فيك نصفه، فهو منك وأنت منه، ولذلك جاء عن سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال كما في البخاري: (ثلاثٌ من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق عن إقتار). أن تنفق وأنت في حالة غير غنية وأنت بحالة ملؤها الحاجة، أن تنفق وأنت مُقَتَّرٌ عليك وعلى الرغم من هذا فأنت تنفق، هذه الثلاث ما جمعهن إنسان إلا جمع الإيمان في إهابه، في داخله، في صدره، في قلبه. ولذلك جاء في الحديث الصحيح أيضاً: (أنصِف الناس تكن مؤمناً) وأيّنا ينصف الناس اليوم ؟ أينا يعطي للآخر ما يعطيه لنفسه، وأينا يتوجه إلى الآخر كما يتوجه إلى نفسه، وأينا ذاك الذي يراعي الآخر كما يراعي نفسه، من منا يراعي هذا الذي بجانبه كما يراعي نفسه ؟ من الذي يغفر للآخر كما يغفر لنفسه ؟ من الذي يسامح الآخر كما يسامح نفسه ؟ من الذي يبحث عن الأعذار للآخر كما يبحث عن الأعذار لنفسه ؟

العلامة التاسعة: السّرور بالحسنة والحزن للسيئة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في أحمد: (إذا سرّتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن) نحن لا نقول بأن الإنسان المسلم لا يعصي لا يرتكب السيئات، لكن الله يقول: ﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾ كان لنا أستاذٌ عندما كنا طلاباً في الثانوية الشرعية قال لنا مرة: من فعل منكم في هذه العطلة الصيفية سيئة ؟ فرفع أحد الطلاب يده وقال أنا يا أستاذ ارتكبت معصية. فقال له الأستاذ الكلمة العامية "برافو عليك". استغربنا فقلنا له يا أستاذنا كيف تقول له هذا. فقال أي أبنائي ما دام قد عرف بأنه ارتكب سيئة فهذا دليل إيمانه، ما دام يقول بأني ارتكبت سيئة وأنا حزين على ارتكاب السيئة وأنا نادم فهذا دليل الإيمان. لأن هنالك أشخاصاً يرتكبون السيئات فإذا قيل لهم ارتكبتم سيئة يقولون: لا، لم نرتكب. إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن.

الدليل العاشر: الإحسان إلى الجار، تلك قضية أساسية في مجتمعنا، (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره) هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري. كلنا يسيء إلى كلنا من خلال الجوار، هل تراعي جارك ؟ (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله ؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه) أي شروره. وأنا أقول لكم بكل صراحة سلوا بعضكم فكلنا لا يأمن جاره بوائقه، سواءٌ أكان الجيران في البيت أم في العمل أم في المدرسة أم في الشارع، لا يأمن بعضنا من بعض على مستوى الجوار بشكل خاص: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره) إذا آذيت جارك فلست بمؤمن، القضية محسوبة ومحسومة، ليس الكلام الذي نقوله وننقله عن سيد الناس محمد كلاماً إنشائياً أو كلاماً بلاغياً وإنما هو كلامٌ إبلاغي، وهنالك فرقٌ بين الإبلاغ والبلاغة، كلامٌ محسومٌ، قضية لها طرفان ومفهومان، لا يؤمن بالله واليوم الآخر من لا يأمن جاره بوائقه. ونحن لا نأمن من جيراننا بوائقهم بشكلٍ عام، أنت لا تأمن مني وأنا لا آمن منك وهكذا دواليك.

الدليل الحادي عشر: عدم ترويع المسلم، جاء في السنن: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يروِّع مسلماً) إن كنت تاجراً لا تروع مسلماً بأسعارك، وإن كنت حاكماً فلا تروع مسلماً بنظراتك وعقابك اللامشروع، وإن كنت مسلماً موظفاً فلا تروع مراجعيك بالتأخير والتسويف، وإن كنت حيثما كنت إياك أن تروع مسلماً، وإن كنت شرطياً فلا تروع هذا الذي أمامك، بل تقدم منه بكل أخلاق وبكل لطف من أجل أن تطلب منه هذا الذي تريد أن تطلبه، نحن نعيش أحياناً في حالة خوفٍ من بعضنا، إن دخلنا دائرة رسمية انتابنا الخوف، وإن دخلنا المسجد ينتابنا الخوف لأن الشيخ أو الخطيب لن ينظر إلينا نظرة بشاشة ولن ينظر إلينا نظرة أمان، لذلك قلنا عن سيدنا عمار ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: وبذل السلام للعالم. كن مؤمّناً من حولك، كن مُطمئناً لمن حولك وكن عامل اطمئنان وسلام واستقرار ولا سيما هنا في المسجد في الشارع في المدرسة في الدائرة في الوظيفة في الثكنة العسكرية حيثما كنت كن عامل أمان.

الدليل الثاني عشر: التعاون والتضامن والتباذل والتوادّ فيما بيننا، جاء في البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وإن لم نكن كذلك فلسنا بمؤمنين، والقضية أيضاً محسومة.

الدليل الثالث عشر: سلامة الصدر وحسن الظن وحفظ اللسان، ليكن صدرك سليماً على مَن حولك على الدنيا كلها وماذا عساك أن تفعل إذا لم يكن صدرك سليماً ؟ نحن نريد أن يعيش المسلم منا سليم الصدر ألا يحمل على أحد ألا يكون في داخله حقد وأن يكون لسانه نظيفاً: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) هكذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في سنن الترمذي، ليكن لسانك نظيفاً وليكن صدرك سليماً، لذلك جاء في الحديث أيضاً كما في أبي داود: (المؤمن غِرٌ كريم والفاجر خِبٌ لئيم) يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه من خدعنا في الله انخدعنا، المؤمن غر كريم.

الدليل الرابع عشر: الحياء، (والحياء شعبة من الإيمان) كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث يرويه البخاري وسواه.

الدليل الأخير والعلامة الأخيرة: الفطنة والعقل، المؤمن فَطِن، المؤمن كَيِّس، صاحب عقل صاحب تفكير، من ذا الذي قال عن المؤمن بأنه لا يفكر ولا يعقل وليس بفطن وليس بحذر؟ ورسولنا يقول في الحديث: (المؤمن كَيِّسٌ فَطِن حذر) هكذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء عند الحكيم الترمذي، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري: (لا يُلدَغ المؤمن من جُحرٍ واحدٍ مرتين).

انظر هذه العلامات أيها الأخ الإنسان المسلم إن كنت متحققاً بها أو إن كنت ساعياً سعياً جادّاً من أجل أن تتحقق بها فاعلم بأنك مؤمن وفي طريق الإيمان، وإن كنت غير مبالٍ بها وإن كنت معرضاً عنها فالإيمان بعيدٌ عنك، ولا يمكن أبداً أن نسمي هذا الذي ابتعد عن هذه العلامات والأدلة لا يمكن أن نسميه مؤمناً وإن صام وإن صلى، لأننا نريد من المسلم أن يكون مؤمناً، ونريد للصحوة الإسلامية أن تقترن بالصحوة الإيمانية، وكما قلت وأذكركم نحن في صحوة إسلامية غير أن هذه الصحوة لا تفيد ولا تقدّم ولا تؤخّر لأننا نحتاج إلى صحوة إيمانية يتحقق المسلمون بهذه الأدلة وهذه السمات وهذه العلامات التي ذكرنا، نحن نحتاج إلى صحوة إيمانية أما الصحوة الإسلامية فتعني الكثرة ولا قيمة للكثرة وإنما القيمة للنوع وأخشى من خلال الصحوة الإسلامية أن نكون غثاءً كغثاء السيل، أن نكون كثيراً، غير أن هذه الكثرة ليست محمودة بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل.

اللهم ردَّنا إلى الأدلة التي تثبت بأننا مؤمنون رداً جميلاً، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 3/9/2010

التعليقات

شاركنا بتعليق