آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سوء الخلق رذيلة الرذائل -2

سوء الخلق رذيلة الرذائل -2

تاريخ الإضافة: 2005/09/02 | عدد المشاهدات: 4007

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
أهنئ أولاً العالم الإسلامي والعربي بذكرى الإسراء والمعراج ، وفي نفس الوقت أعزي العالم العربي والإسلامي بتلك الحادثة التي وقعت في بغداد والتي ذهب جراءها أكثر من ألف امرأة وطفل ، نسأل الله عز وجل أن يحفظ بلاد المسلمين وأن يجنبنا المخاطر والمزالق والفواحش وكل ما يؤذي ، وأن يجعل بلادنا آمنة مطمئنة في حفظه وحِرزه . وبعد ذلك أعود لما كنت قد وعدتكم به في الأسبوع الماضي عن الطرق التي من خلالها نتخلى عن سوء الخلق ونتحلى بحسن الخلق ، وقد قلت في الأسبوع الماضي : إن سوء الخلق رذيلة الرذائل ، وإن سوء الخلق هو الذي يفني المجتمع ويجعله مجتمعاً فاسداً مُفسداً لا خير فيه ألبتة ، وحسبنا أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال كما يروي الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح : " وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم عني في الآخرة أو يوم القيامة أسوؤكم أخلاقاً " فهل تريد يا أخي أن تكون مبغوضاً من قبل سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ إذاً فليكن خلقك سيئاً . هل تريد يا أخي أن تكون أبعدَ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة ؟ إذاً فليكن خلقك سيئاً . " وإن أبغضكم إلي وأبعدكم عني في الآخرة أو يوم القيامة أسوؤكم أخلاقاً " كيف نتخلص من سوء الخلق ونترقى في حسن الخلق ؟ ذكرت أربع طرق في الأسبوع الماضي وقلت : ترسيخ الإيمان أولاً ، ثانياً الدعاء والمجاهدة ، ثالثاً المحاسبة والنظر في عواقب الأمور ، رابعاً الترفع عن الدَّنايا . الآن وفي هذا الأسبوع أقول :
خامساً علو الهمة : لتكن همتك عالية ، ولعلك تسألني وما معنى علو الهمة ؟ أقول : علو الهمة أن تكون لك أهداف وغايات نبيلة فمن كانت له غايات رفيعة وأهداف عالية كان أرفع الناس وأرقى الناس عن السفاسف والأمور الصغيرة . همة شبابنا اليوم ليست كما يجب ، همة شبابنا ليست عالية ، نريد لشبابنا أن تكون همتهم عالية . لقد قرأت عبارة لابن قيم الجوزية يقول رحمه الله : " وإذا علت همتك وخشع قلبك اتصفت بكل خلق جميل " فإذا علت همتك قل لي ما يهمك ، قل لي ما هدفك ، قل لي ما غايتك أقل لك من أنت . لقد أصبحت غاياتنا ضحلة ، وأهدافنا محدودة جداً ، أصبح الشاب فينا إن سألته عن همه رأيت همه بيتاً ، أو رأيت همه جمالاً في امرأة ، جمالاً ذابلاً في امرأة يحصل عليها بطريق حرام أو حلال لا يهم . إن سألت شبابنا اليوم عن غاياتهم تفجرت أمامك من ألسنتهم كلمات تحزنك ، كلمات تتعبك . هذا يريد أن يكون مسئولاً من أجل السطو لا أكثر ولا أقل ، وذاك يريد أن يكون في منصبٍ عالٍ من أجل المنافع المادية والجسمية لا أكثر ولا أقل ، وثالثٌ همه أن يكون له بيت في المكان الفلاني ومزرعة في المكان الفلاني وسيارة من أحدث ما تصدره مصانع السيارات ، وحسبه بذلك . أين علو الهمة ، أين همتك التي تتوجه إلى أن تكون سيداً على أساس من إسلام عميق ، وإيمان راسخ ، وعمل صالح ، وخلق جميل ؟ أين همتك وهمك في الدنيا لتكون في الآخرة من أصحاب الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ؟ هل أنت تفكر كما قال سيدنا عمار في كتاب حياة الصحابة عندما نظر إلى الصحابة قال لهم : يا هؤلاء ! هل تفكرون في الجنة التي تقرؤون أوصافها ؟ وأنتم يا شباب هل تفكرون بالجنة ، هل تفكرون في النجاة من النار ؟ يا شبابنا : إني لأرى عيوناً زاغت عن هدف نبيل ، إني لأرى رؤوساً مالت عن همة عالية تطال السعادة الحقيقية في الدنيا والفلاح في الآخرة ، إني لأرى أنوفاً أبعدت عنها الشمم ، إني لأرى جباهاً لم تعد تبغي العزة وهي تسجد لله جلت قدرته ، فهل يجوز هذا ؟
ثانياً : التغاضي والتغافل . كن متغاضياً أيها الأب ، كن متغاضياً أيها الرئيس ، كن متغافلاً . وهناك فرق بين التغافل والغفلة ، كن متغافلاً ولا تكن غافلاً ، كن متغاضياً عمن أنت مسئول عنهم إذا كان هذا الذي يبدر من الصغائر واللمم ، لا تلاحق أيها المسئول أياً كنت رئيساً كنت ، ضابطاً كنت ، مديراً كنت ، وزيراً كنت ، لقد قالت العرب قديماً بيتاً عُدَّ في لوائح الحِكم ، هذا البيت يقول قائله :

ليس الغبي بسيدٍ في قومه            لكن سيد قومه المتغابي

وإلا كيف نفسر قول سيدنا أنس رضي الله عنه كما جاء في صحيح الإمام مسلم : " خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ، ولا لشيء لم أفعله لمَ لمْ تفعله " هذا يفسر بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تغاضى وتغافل هناك حيث لا أروع ولا أجمل أيضاً من هذا الحديث الذي يرويه الحاكم ويصححه يقول فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " من أتاه أخوه متنصلاً - أي معتذراً - من ذنبه منكراً ذنبه متنصلا فليقبله محقاً كان أم مبطلا " أرأيتم إلى هذه السَّعة تقول لولدك أحياناً هل صليت يا ولدي ؟! يقول ولدك : صليت . وأنت تعلم أنه يكذب انتهى الأمر . قل له لقد صليت فعلاً محقاً أم مبطلاً " من أتاه أخوه متنصلاً فليقبل عذره محقاً أو مبطلا " فإن لم يقبل عذره يقول صلى الله عليه وآله وسلم : " لم يرد علي الحوض يوم القيامة " سمعتَ صديقك أخاك يشتمك بأذنك فقلت له أشتمتني فإن قال لك لا فقل له نعم لم تشتمني . أنت قل له هذا ولا تلاحقه ، تغاضى عنه ، تغافل عنه فتلك وسيلة من وسائل التربية التي تفرض على الآخر أن يحسن خلقه ، لكن سيد قومه المتغابي . قرأ ت أبياتاً لسيدنا الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه في هذا المجال وأحببت أن أقولها لكم ، ما أروع هذه الأبيات يقول :

أغمض عيني عن أمور كثيرة            وإني على ترك الغموض قدير
وما من عمىً أغضي ولكن لَربما         تعامى وأغضى المرء وهو بصير
وأسكت عن أشياء لو شئت قلتها            وليس علينا في المقال أمير
أصبر نفسي باجتهادي وطاقتي            وإني بأخلاق الجميع خبير

ما أروع هذا الكلام أيها الشباب ، أيها الرجال ، أيها المؤدبون ، أيها المربون ، أيها الأساتذة ، أيها المعلمون ، أيها الآباء ، أيتها الأمهات ، أيها الوزراء ، أيها المديرون ... الخ . لمَ لا نتغاضى على أن ذلك طريق من طرق التربية وتحسين أخلاق الناس .
ثالثاً : وإن شئت قل سابعاً بناءً على تعداد ما ذكرنا في الأسبوع الماضي النسيان الإيجابي لأذىً صدر من غيرك تجاهك ، وأرجو أن تلحظوا هذا ، النسيان الإيجابي لأذى صدر من غيرك تجاهك ، والنسيان لإحسانٍ صدر منك تجاه الآخر . كنت صغيراً ودخلت جامعاً من جوامع حلب وأظن أن العبارة ما زالت مخطوطة مكتوبة ومعلقة على جدار هذا الجامع ، مكتوب في هذه القطعة وقد رأيت ذلك في كتاب الإحياء أيضاً قال لقمان لابنه : يا بني أوصيك ، انسَ اثنتين واذكر اثنين ، فأما اللتان تذكرهما : الله والموت ، وأما اللتان تنساهما فإحسانك في حق الآخر ، وإساءة الآخر في حقك . لا نريد منَّانين ، لا نريد أن يقول الذي يعطي الآخر حسنة أن يكرر ذلك على مسمعه : أتذكر يا فلان يوم أعطيتك كذا ، أو أن تقول على الطريقة المعاكسة لا أريد يا فلان أن أذكر لك ما أعطيتك إياه منذ زمن . لا تمنّوا إن الله لا يحب المنانين ، إن الله لا يريد من العباد إذا أعطوا أن يمنوا ، ويريد من العباد إذا أوذوا أن ينسوا : " ما تظنون أني فاعل بكم كلمة ؟ " من أجمل الكلمات " ما تظنون أني فاعل بكم ؟ " آذوه ، عذبوه ، سلطوا عليه الأولاد " ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم . قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، لا تثريب عليكم " . قرأت أو سمعت بالأحرى من رجل أمريكي أسلم - ورب الكعبة سمعت هذا بأذني - قال لقد أسلمت أو كان الدافع لإسلامي ، الدافع الذي كان الحدّ الفاصل لإسلامي أو لانتقالي من المسيحية للإسلام هذه المقولة من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم قال : " ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم . قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء " . لو أن أخاك الذي أساء إليك جاءك ووقف أمامك ماذا ستقول له ؟ هل ستقول له أنت أيها المقتدي ادعاءً بمحمد هل ستقول له : ما تظن أني فاعل بك ، أم إنك ستعرض عنه ولن تكلمه ، ستقول للناس لقد آساني ، وبالتالي لا يمكن أن أنسى الأسى هكذا نقول وكأننا أعرضنا عن سيرة النبي لتكون هدياً لنا ولتكون رائداً لنا ولتكون مصباحاً مضيئاً لنا ، أعرضنا ، سلوا بيوتاتكم ، سلوا نساءكم ، كم يجر زوج وراء زوجته في عدم نسيان إيذاء الآخرين وفي ذكر إحسانك للآخرين ، سلوا زوجاتكم ، سلوا آباءكم ، سلوا أبناءكم ، بعد ذلك تريدون منا أن نكون مجتمعاً رائداً وأن نكون مجتمعاً قائداً ! على أي أساس تريدون هذا ؟! فأما اللتان تنساهما فإحسانك في حق الآخرين وإساءة الآخرين في حقك . ما أجمل هذا !
ثامناً أو رابعاً على هذا الأسبوع الغضب : إياك والغضب يا هذا ، لا تغضب . جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري قال يا رسول الله : أوصني . قال : " لا تغضب " فردد مراراً قال : " لا تغضب " إياك والغضب . أصبحنا أمة غضوبة ، ولكن ليس من أجل الله ، أصبحنا أمة غضوبة هكذا نقول عن أنفسنا ، يقول الرجل لزوجته أما تعلمين بأني أغضب بسرعة لذلك أرجو مراعاتي ، تقول الزوجة لزوجها أما تعلم أني أغضب أرجو أن تراعيني ، يقول الولد لوالده أما علمت بأني عصبي أريد أن تراعيني ، يقول الوالد لولده كذلك ... أصبحنا أمة غضوبة نمدح الآخر فنقول عصبي وغضوب لكن قلبه طيب ، لكنه طيب ، وماذا ينفع إذا كان هذا الذي يملك على حدّ زعمه قلباً طيباً ، لا ينصت لرسول الله ولا يهتدي بهدي رسول الله ، سيغضب ورسول الله يقول له : " لا تغضب " يا هذا لا تغضب ، إياك والغضب ، لا نغضب إلا لله ، إذا كان الغضب لله فلا نغضب ، لكن الغضب إذا كان لدنيا لمنفعة نريدها ، إذا كان لأذية ، إذا كان لقطيعة ، إذا كان لفساد وإفساد فنغضب ونغضب . والغضب أضحى عنواناً . كلنا أمام الآخر غضوب وغاضب ، وكلمة الغضب انتشرت أكثر من الرضا ، نغضب .
لا نريد أن نغضب فيما بيننا ، لأن نبينا قال لا تغضب ، ولأن القرآن الكريم أرادنا أن لا نغضب إلا لله ، وعندما نقول الغضب لله فمن باب المشاكلة ، وإلا الغضب بكليته غير مقبول . نترك الغضب ونترك الجدال ، وهو تتمة الأمر الثامن الجدال . ما أكثر الجدال فيما بيننا ! لو أننا أحصينا الوقت الذي نتجادل فيه لرأيناه يغطي جلّ أوقاتنا وأغلب مساحات لقاءاتنا ، إياك والجدال . يقول سيدي رسول الله كما يروي أبا داوود في سننه وقد حسنت هذا الحديث طرق كثيرة يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " أنا زعيم ببيت في الجنة ، في ربض الجنة لمن ترك الجدال وهو محق " وفي رواية " ولو كان محقاً " فما بالنا ونحن نجادل ولسنا محقين ، والحقيقة بعيدة عنا ! انظروا البيوتات والمدارس والجوامع ، وللأسف انظروا الجوامع ، ما أكثر الجدل فيها بين صوفية وسلفية ، وسلفية وسلفية ، وصوفية وصوفية ، وحنفية وشافعية ومالكية وحنبلية ، وشيعيةً وشيعيه ، واتباعية ضيقة واتباعية ... وهكذا دواليك ، ونميمة وغيبة ، ما أكثر الجدال في البيوت والمساجد والمدارس والجامعات ! سأتحدث في يومٍ لاحق عن الفرق بين الحوار والجدال ، ولعل ذلك يكون في اللطيفة القرآنية بعد الصلاة في يوم من أيام الجمعة . " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك الجدال وهو محق ، وأنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب ولو كان مازحاً ، وأنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " اللهم إنا نسألك أن تحسن أخلاقنا وأن تجعلنا من أولئك الذين يهربون من سوء الأخلاق كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يهرب فرارك من الوحش أو الأسد المفترس . أسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير ، وأن يجنبنا الشر وسوء الخلق والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق