آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حسن الخلق

حسن الخلق

تاريخ الإضافة: 2005/09/30 | عدد المشاهدات: 3558

أما بعد ، أيها الأخوة المؤمنون :
وها نحن هذا الأسبوع نختم حديثنا عن حسن الخلق الذي بدأناه منذ أكثر من ثلاثة أسابيع . أتكلم عن حسن الخلق لأننا بحاجة إليه ، وقد قلت البارحة لأناس من غير ملة الإسلام ومن غير هذا البلد قالوا لي : لخص لنا ما تطلبه من المسلمين . فقلت لهم : إنما أطلب من المسلمين ثلاثة أمور ، الأمر الأول : العبادة لله عز وجل ، والأمر الثاني حسن الخلق مع الناس ، والأمر الثالث : إتقان العمل الذي يَسَّره الله عز وجل لك ، والذي يُسّرت له أنت أيها الإنسان المسلم : " اعملوا فكلٌ مُيَسر لما خلق له " بعد أن قلت هذا الكلام لأولئك الذين اجتمعت معهم ، قررت أن أحدث إخواني في هذا المسجد المبارك تحت عنوان حسن الخلق فها أنذا أقول :
أيها الأخ المسلم عليك أن تحسن أخلاقك مع الله ، ومع الإنسان ، ومع العمل الذي تقوم به ، مع العمل الدنيوي الذي تقوم به .
أما حسن خلقك مع الله جلت قدرته فيعني أمرين اثنين ، الأمر الأول : أن تعبد ربك وفق ما طلب ربك أن تعبد ربك من غير ما بدعة تضيفها أو أمر تستحدثه ، أن تعبد ربك بحسب الطريق التي رسمها لك ربك لا زيادة ولا نقصان ، فلا نريد لعبادتنا أن تكون مُغلّفة بزيادة ليس منها ، ولا نريد لعبادتنا لله عز وجل أن تكون مغلفة أيضاً بنقص عما طلبه الله عز وجل منا . حسن الخلق مع الله يعني أولاً العبادة وفق ما جاء عن ربنا بموثوقية كاملة ، ووفق ما جاء عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بموثوقية كاملة . الصيام سيأتي بعد أيام ، والقيام سيأتي بعد أيام ، وكلنا نعيش في حالة عبادية من يومٍ لآخر ، وأريد أن أركز على قضية الالتزام بما ورد من غير ما شطط ، ومن غير ما نقصان . حسن الخلق مع الله أن تعبده وفق ما طلب الله جلت قدرته .
حسن الخلق مع الله أيضاً أن تطيعه : ولعل الفرق بين العبادة والطاعة أن العبادة نوجهها للعبادات الصرفة ، للصلاة والزكاة والصيام ، والطاعة نوجهها للامتثال الله عز وجل ، فقد قال في أكثر من آية :
﴿ ومن يطع الله والرسول
النساء : 69 حسن الخلق مع الله يعني طاعة . أن تطيعه إذْ أمرك ، وأن تطيعه حيث نهاك ، وأن تسعى للذي أمرك أن تفعله ، وأن تجتنب الذي أمرك ، هذه هي الطاعة . إن كان الله قد قال لك افعل هذا في بيعك وشرائك فما عليك إلا أن تلتزم ، وإن قال لك لا تفعل هذا في بيعك وشرائك وحياتك وعلاقاتك مع زوجك فما عليك إلا أن تجتنب هذا . حسن الخلق مع الله عبادة وطاعة .
أما حسن الخلق مع الناس فأمران اثنان : ولا نريد أيضاً التفصيل فلعنا ، نترك التفصيل لمقام آخر ، لكنني أختصر فأقول : حسن الخلق مع الناس الاحترام والعدل بشكل عام ، ولا أريد أن أفصّل في كيفية التعامل مع العدو أو في كيفية التعامل مع أولئك الذين يسيؤون أو ... أو ... الخ ، لكنني أركز بشكل مجمل وعام على حسن الخلق مع الناس : " وخالق الناس بخلق حسن " كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . الخلق الحسَن مع الناس أمران اثنان : الاحترام والعدل . الاحترام لأن الله عز وجل قال :
﴿ ولقد كرمنا بني آدم
الإسراء : 70 بشكل عام ، أن تحترم الإنسان بشكل عام الذي أمامك بغضّ النظر عن هويته الدينية والعرقية والمادية ، هذا الإنسان المخلوق الذي أمامك مشروع إنسان كامل ، ومن يدري فلعل هذا الإنسان الذي تراه أمامك عاصياً كافراً انقلب في لحظة ، أو انقلب في برهة ، انقلب في فترة إلى ولي طَهور ، إلى ولي تتقرب أنت من خلاله إلى ربك جلت قدرته ، ولا أريد أن أعيد عليكم ، أو ربما كان من المناسب أن أعيد عليكم قصة ذلك التائب الذي حكاه صاحب كتاب التوابين ، هذا الرجل الذي كان في عهد سيدنا موسى عليه السلام إذ أصاب قومَ سيدنا موسى القحط والجدب ، فخرجوا لصلاة الاستسقاء ودعوا ربهم جلت قدرته ، وإذ بربنا يوحي إلى موسى فيقول يا موسى إن فيكم رجلاً يبارزني بالمعاصي أربعين سنة فمره حتى يخرج فأسقيكم . فقال موسى عليه الصلاة والسلام : إن صوتي لا يصل إلى الناس ! قال : يا موسى عليك النداء وعليَّ التبليغ . فنادى موسى في الجمع الكبير : من كان يبارز ربه بالمعاصي أربعين سنة فليخرج منا حتى نُسقى . وإذ بهذا الرجل - كما يقول صاحب كتاب التوابين الذي وثّق القصة - وإذ بهذا الرجل بينه وبين نفسه يقول : يا رب سترتني فيما مضى فلا تفضحني . ها أنا أتوب إليك فلا تفضحني يا رب التائبين . وإذ بالسماء تتلبد غيوماً ، وإذ بالمطر ينهمر ، وإذا بهم يُسقَون . يقول موسى : يا رب لم يخرج منا أحد ! فموسى يراقب . لم يخرج منا أحد فكيف سقيتنا ؟! قال : يا موسى سقيتكم بالذي منعتكم به . سقيتكم بفضل هذا الذي كان يبارزني بالمعاصي أربعين سنة ، فها هو قد تاب . قال موسى : يا رب دلني عليه . قال : يا موسى سترته وهو يعصيني ، أأفضحه وقد أطاعني ! يا موسى ما كنت نماماً .
حسن الخلق مع الناس احترام : ورد في سنن البيهقي أن جنازة مرت أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام النبي احتراماً . فقال بعض الأصحاب يا رسول الله إنه يهودي ! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : " أوليست نفساً " وهل يجهل رسول الله بأنها يهودي ، لكنه علم الأصحاب من خلال الواقع كيف يُحترم الإنسان . احترموا الإنسان لأنه مشروع ولي ، ومن يدري ؟ لقد قرأت عبارة مرويةً عن الأمام أحمد بن حنبل يقول : لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك . حسن الخلق مع الناس احترام ، حسن الخلق مع الناس عدل ، وما معنى العدل مع الناس ؟ معنى العدل مع الناس : أن تعدل بين الإنسان هذا وبين نفسك ، وأن تعامله بما تحب أن يعاملك به ، عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به . إن الإسلام رعى الإنسان ، ولقد قلت على هذا المنبر منذ أكثر من عشرة سنين على ما أذكر ، رويت قصة عبد الله بن رواحة ، ولعلي ذكرت تلك القصة أكثر من مرة أيضاً ، عبد الله بن رواحة أرسله رسول الله خرّاصاً من أجل الخراج على أرض اليهود ، أي يُقدر ما يجب أن يعطيه اليهود من خَراج على أراضيهم ، فلما رأى اليهود عبد الله بن رواحة خافوا لأنه مسلم ولأنهم يهود ، ولأنهم أساؤوا إلى الإسلام فخافوا من أن يظلمهم . ونظر عبد الله بن رواحة في وجوههم وعلم أنهم خافوا منه وخافوا من أن يظلمهم ، فاقترب منهم وقد اجتمعوا إليه وقال كلمته المعروفة المشهورة : " أما والله إنكم لأبغض خلق الله إلي ، ولكن هذا لا يحملني على أن لا أعدل بينكم " العدل أساس الملك ، العدل أساس التعامل مع الإنسان ، مع الجماد ، مع كل مخلوق من مخلوقات الله ، حسن الخلق مع الناس احترام وعدل .
ثالثاً : حسن الخلق مع عملك أنت أيها الأستاذ ، أنت أيها الموظف ، أنت أيها التاجر ، أنت أيها البائع ، أنتَ ، أنت ، أنت ... حيثما كنت ، أنت أيها الحاكم ، أنت أيها الوزير ، حسن الخلق مع عملك أمران ، الأمر الأول : تعميق الخبرة . لتكن خبيراً بعملك ، ولتكن مُلِماً بعملك ، ولتكن قادراً عالماً فهيماً في عملك ، عليك أن تعمق الخبرة نظراً وتجربة ، نريد صناعيين خبراء ، ونريد أطباء خبراء ، ونريد معلمين خبراء وخبيرين ، نريد مَنْ يكون متقناً لهذا الذي يعمل ، أو ليس رسول الله قال كما جاء في مسند أبي يعلى والطبراني وعبد الرزاق وغيره : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " وفي رواية : " أن يُحكمه " وفي راويه : " أن يحسنه " وفي رواية : " إذا عمل أحدكم من العمل أن يتقنه " أن يحسنه ، أن يحكمه ، فلنكن متقنين لعملنا . الخبرة أولاً ، ثانيا الإحسان ، والإحسان يعني : أن تراقب ربك ، ومراقبة ربك تلزمك من أجل تعميق الخبرة وزيادتها ومن أجل أن يكون عملك خالصاً لوجه الله ، لأنك إن استشعرت مراقبة الله إياك حسن عملك . نعم حسن عملك وأضحى عملك خالصاً لوجه الله . إن الله يحب من أحدنا إذا عمل عملاً أن يتقنه ، وتعلمون ما ورد في صحيح الإمام مسلم أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتل ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليُحِدَّ أحدكم شفرته ، وليُرِح ذبيحته " وفي النهاية أتريد أن ترى نفسك على ضوء حسن الخلق ، انظر تمسكك وقيامك وتحققك في هذا الذي قلنا مع الله عبادة وطاعة ، مع الإنسان احترام وعدل ، مع عملك ، مع دنياك إتقان و إحسان ، والإتقان يتضمن إحساناً ، والإحسان يتضمن إتقاناً ، لكننا فصَلنا وفصّلنا من أجل أن نجعل الإتقان للخبرة والإحسان للمراقبة والإخلاص .
هذه هي معالم حسن الخلق مع ربنا ، ومع الناس ، ومع دنياك . وصدق سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال كما جاء في سنن الترمذي : " اتق الله حيثما كنت " وهي طاعة وعبادة " وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " صدق سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . نسأل ربنا جلت قدرته أن يتفضل علينا بالإجابة والعطاء والرضا والمنة والإحسان إنه أفضل مسؤول وخير مأمول ، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول واستغفر الله
 .

التعليقات

محمد خليفة

تاريخ :2007/07/15

جزاكم الله خير على هذا العمل نود أن يوجد عندكم صوتيات للخطبة

شاركنا بتعليق