آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
معاني ودلالات شعائر الحج

معاني ودلالات شعائر الحج

تاريخ الإضافة: 2011/11/04 | عدد المشاهدات: 3291

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله شهداءنا وحفظ أوطاننا من كل مكروه.

أيها الإخوة الأكارم:

لا بد من أن كلَّ واحد منا له قريبٌ غادره إلى الحج، ولا بد من أن بعضاً منا كان قد حج في سنوات سابقة، ولا بد من أن يكون بعضٌ منا أيضاً منا ينوي أن يحج في السنوات القادمة، بعبارة موجزة: منا من يعيش الآن الحج هناك في الشعائر، ومنا من يستذكر ويتذكر لأنه حج سابقاً، ومنا من يتخيل.

أخاطب هؤلاء جميعاً، أخاطب من هو فعلاً في الحج، وأخاطب من يتذكر باعتباره حج سابقاً، وأخاطب من يتخيل ذاك الذي يرغب في أن يحج لاحقاً، أخاطب هؤلاء قائلاً: شعائر الحج مظاهر لها حقائق ودلالات ومعاني، من كان منا في الحج الآن يعيش المظهر ويأمل من الله عز وجل أن يوفقه لتحقيق الحقيقة والدلالة والمعنى، ومن كان منا مستذكراً فليسعَ من أجل أن يتحقق بحقيقة الشعائر، لأنه بإمكانه أن يتحقق بها، بدلالاتها، بمعانيها وهو هنا، وأقول أيضاً لمن يتخيل: تحقق بدلالات الشعائر وحكمها ومعانيها وأنت تتخيلها، وشعائر الحج باختصار هي:

أولاً: الإحرام والتلبية، صورة الإحرام أن تتجرد عن ثيابك لتلبس لباساً خاصاً، وتنوي الحج أو العمرة أو التمتع أو القِران وتقول لبيك اللهم لبيك، لكن معنى الإحرام ودلالته وحكمته التجرُّد والبيعة، الحاجّ يحرم ويلبي وأنت تتذكر يوم أحرمت ويوم لبيت، فهيا لتتحقق بالتجرد عن السِّوى، وهيا لتتحقق بالتجرد عن كل ما يغضب الله، وهيا لتتحقق بالتجرد عن كل ما يؤذي أخاك الإنسان، تجرد عن المعصية، ارفض المعصية، اخلع المعصية، تجرَّد عن الذنب والإثم، تجرَّد عن الأذى والضر، تجرد عن الشرك، تجرَّد عن كل هذا الذي يؤذيك، والبس لباس الطاعة والعبودية والعمل الصالح والتضرع إلى الله عز وجل، وفعل ما يرضي الله في بيعك وشرائك وعملك وتدريسك وحكمك ووزارتك وإدارتك، تجرَّد عما لا يرضي الله والبس كل أمرٍ يرضي ربك عز وجل، وقل وأنت تتجرد عما سوى الله وأنت تلبس كل ما يرضي الله وبايع وقل وأنت تطبق أحكامه في بيعك وشرائك وتدريسك وطبك وعملك وقضائك قل: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. قل هذا وأنت هنا في متجرك، قل هذا وأنت في إدارتك، لمَ لا تقول ؟ التلبية ليست حكراً على الحاج، لكنني أريدك أن تقولها هنا وأنت متحقق بالتجرد عما سوى الله وأنت تسعى من أجل أن تطبق أحكام الله فيما أنت فيه، قل بينك وبين نفسك: لبيك اللهم لبيك، الله يحب منك أن تبايعه حيث أنت، ومعنى البيعة أن تقول يا رب بايعتك على أن أكون مؤتمراً بأمرك منتهياً عما نهيتني عنه، يا رب، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لا أشرك معك أحداً في تلقي الأحكام والأوامر والنواهي، لبيك وحدك يا رب، قل هذا أمام أولادك الصغار وأنت تأكل ناوياً أن يكون طعامك من حلال، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، عليك أن تسمع ولدك هذا، وعليكَ أن تُسمع تلميذك هذا، وعليك أن تسمع صانعك وعاملك ومريدك هذا وموظفك هذا وتلميذك هذا حيث كنت، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن قلتَ لربك لبيك من ذرَّاتك وقلبك فالله سيقول لك: لبيك يا عبدي. نحن نحتاج ربنا عز وجل فلماذا لا نقول له لبيك وهو المغيث المعطي ؟ لماذا لا نقول له لبيك ؟ هل تريدون أن تقولوا لغيره لبيك ؟ ! لا. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك، لبيك يا ربنا وحدك، الإحرام والتلبية تجردٌ وبيعة.

ثانياً: أما الطواف، فمعناه ومغزاه وحكمته، الطواف دوران حول الكعبة، هذا هو الأمر الظاهر أما المعنى أن تطوف دائماً هو شرع الله وأن تلزم شرع الله، الطواف ملازمة والتزام، أرأيت إلى هذا الحاج كيف يطوف حول الكعبة، هذا من أجل أن يتذكر وأن تتذكر بأن الطواف يعني أن نلتزم شرع الله وألا نفارقه وألا نغادره فنحن دائماً في حالة طواف حول شرع الله نلتزمه في كل شؤوننا، طف حول شرع الله وأنت في معملك، طف حول شرع الله وأنت في مصنعك، طف حول شرع الله وأنت في جامعتك وأنت في مدرستك وأنت في وزارتك وأنت في حكمك وأنت في قضائك، طف حول شرع الله، الطواف ملازمة والتزام، ضع في ذهنك هذا فهذا هو المعنى الذي يجب أن يخرج به الحاج وأن نخرج به نحن من نتذكر أو من نتخيل، وإن لم يؤدِّ الطواف إلى الملازمة والالتزام فستكون العبادة عملاً ظاهراً لا يجدي ولا يقدِّم ولا يؤخر، وإن كان الله يتقبل لكننا نريد أن نحقق المقاصد من وراء العبادات وأن نحقق المعاني والدلالات.

ثالثاً: السعي بين الصفا والمروة، السعي مغزاه إقرارٌ وتبليغ، ها أنت ذا تقرُّ بأنك تلتزم والتزمت شرع الله فعليك أن تبلِّغ هذا الالتزام للشرق والغرب من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق، هيا فانشر رسالة الإسلام رسالة السلام رسالة الأمان من شرق الدنيا إلى غربها، احمل هذه الرسالة، السعي إقرارٌ وتبليغ، أنت مأمور أن تبلّغ حيثما كنت ولا تظنَّن أن الأمر منوط بذاك الذي يقف على المنبر أو بذاك الذي يصلي في المحراب، لا، القضية قضيتك، الإسلام إسلامك، كلنا مسؤلون عن تبليغ هذا الدين حسبما جاء من عند الله دون زيادة أو نقصان وإلا وقعنا في قضية الظاهر الذي لا حقيقة له، السعي إقرارٌ وتبليغ فهل أنت تبلّغ حيث كنت رسالة الإسلام بحالك قبل قالك، أم إنك في غياب عن هذا وتترك الأمر لأولئك الذين يُسمون شيوخاً أو يسمون واعظين: (بلغوا عني ولو آية) كلكم مُطالَبون بالتبليغ ما دام هذا الحاج يسعى بين الصفا والمروة بين الشرق والغرب فلتكن رسالتك محمولة من قبلك لتبلغها إلى الشرق والغرب بحالك بالتزامك بملازمتك قبل قالك.

رابعاً: يوم عرفة، وعرفة رمزها ومغزاها: اعترافٌ بالتقصير من العبد، واغتراف من العرفان، تعترف بالتقصير لتقول يا رب إني مقصّر، وتغترف من العرفان، لأن عرفة من المعرفة، ومن لم يعرف ربه في عرفة لن يكون واقفاً في عرفة، في عرفة عرفت ربي، وعرفت حق ربي عليّ، وواجبي نحو ربي. يا رب أتيتك بذنوب كثيرة كبيرة، وها أنذا أغترف من بحر المعرفة التي أمطرتها عبادك، أغترفُ من بحر معرفتك لأصحِّح مساري بعد عرفة، ومن كان مساره بعد عرفة كمساره قبل عرفة فلا قيمة لعرفة بالنسبة له، عليكَ أن يكون مسارك بعد عرفة أفضل مما كان عليه قبل عرفة، وإن كنت جيداً قبل عرفة فبعد عرفة عليك أن تكون أفضل وأجود مما كنت عليه وإلا فلن يكون لعرفة معنى لدى الحاج وستكون حاجاً صورياً وشكلياً ليس إلا، اعترافٌ بالتقصير واغترافٌ من المعرفة يقابله عطاءٌ من الله وغفران: (أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له)، (لم يُرَ يومٌ أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة) كما قال صلى الله عليه وآله وسلم حسبما جاء في صحيح ابن حبان واسمعوا يا شبابنا، اسمعوا يا أبناءنا، اسمعوا يا تجارنا، اسمعوا يا مسؤولينا اسمعوا يا جنودنا يا ضباطنا: (إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) كما جاء في مسند الإمام أحمد، وعليكَ أن تستحضر يوم عرفة الذي ملكتَ فيه سمعك وبصرك ولسانك أن تستحضره في سائر أيام السنة ليكون اليوم القدوة، ليكون اليوم الأسوة، ليكون اليوم الذي يشكل أنموذجاً وهادياً لسائر الأيام.

خامساً: رمي الجمرات، ومعناها التبرؤ والبراءة والابتعاد والإبعاد عن الشيطان وأعوانه وعما يريده الشيطان، عليك أن تتحقق بالبعد والابتعاد والإبعاد عن الشيطان بكل مظاهره، للشيطان مظاهر على مستوى الإنس وعلى مستوى الجن، على مستوى القول وعلى مستوى العمل، هيا لإعلان براءتك من الشيطان وأتباعه من الشيطان وجماعته في فعلك في تجارتك في عملك، انظر من الذي يخاطبك في تجارتك، إن كان الذي يخاطبك الشيطان فقل براءة من الشيطان وأتبرأ من الشيطان، إن كان هذا الذي يوحي إليك هو الشيطان فقل معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي. وإن كان هذا الذي يوحي إليك هو الرحمن ودعاة الرحمن فقل سمعاً وطاعة، ولبيك اللهم لبيك، أنت ترمي الجمرات تلك الحصى هناك وأنت تقول إرضاءً للرحمن وطرداً للشيطان فهل تقول هذا في عملك ؟ عليك أن تتحقق بهذه المعاني، بهذه الدلالات، بهذه الحكم، تذكر اليوم وتذكر غداً، تذكر في يوم التروية وفي يوم عرفة أن الحج شعائر وأن الشعائر تُراد لدلالاتها ومعانيها وأن هذه الشعائر هي: الإحرام والتلبية ومعانيها التجرد والبيعة والمبايعة لله، ثانياً: الطواف ومعناه الملازمة والالتزام، ثالثاً: من الشعائر السعي بين الصفا والمروة ومعناه ومغزاه ودلالته الإقرار والتبليغ، رابعاً: من الشعائر الوقوف في عرفة ومعناه الاعتراف بالتقصير والاغتراف من العرفان حتى يعطيك الله ويغفر لك: (خير الدّعاء دعاء يوم عرفة) كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الترمذي، وأما الشعيرة الأخيرة فرمي الجمرات ومعناها إعلان البراءة من الشيطان وأفعاله وكل ما يصدر عنه التبرؤ والابتعاد والإبعاد، سنبتعد عن الشيطان وسنبعد عنه أولادنا ووطننا وطلابنا وجنودنا وتجارنا، لا تقتربوا من الشيطان يا هؤلاء، اقتربوا من الرحمن وساحاته، اقتربوا من الرحمن ومجالاته فالرحمن يقول لكم: هلمُّوا عبادي ويقول لكم: ﴿نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم﴾، ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانِ﴾. يا ربَّ الطواف، يا رب الإحرام، يا رب السعي، يا رب عرفة، يا رب رمي الجمرات: ندعوك من قلوبنا أن تحفظ أوطاننا من كل مكروه، أن تجنب أولادنا وبناتنا وطلابنا وبناتنا الشيطان وأفعال الشيطان وكلّ ما يمتُّ إلى الشيطان، يا ربنا يا إلهنا يا رجانا بحق يوم عرفة، بحق من يقف يوم عرفة، بحق من يقف اليوم يوم التروية في منى، وفقنا من أجل أن نكون وفق ما يرضيك عنا، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 4/11/2011

التعليقات

شاركنا بتعليق